هُمُ الْكَافِرُونَ) وفي التحاكم قال تعالى: (فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً) ومعلوم أن الحكم بغير ما أنزل الله حسبما قال أعلم هذه الأمة:"من حكم جاحداً متعمداً فقد كفر، ومن أقر به ولم يحكم فهو كفر دون كفر"، تلك المسألة التي فيها هذا القول غير المسألة التي نعيشها، فإن من نحّى شرع الله عز وجل ووضع للناس شرعاً من عنده جعله السلطان الأعلى (كما سيتضح لك من أقوالهم بإذن الله) وحارب من يسعى لإقامة شرع الله لا شك في كفر هذا، وكفر من رضى به وتابعه وأطاعه في الأمر أو بعضه"فإن من استحاز شرعة خلاف شرعة الله عز وجل فهو كافر بالإجماع"كما قال ابن حزم وابن تيمية، ويقول الشنقيطي:"فالإشراك بالله في حكمه كالإشراك بالله في عبادته"-أضواء البيان ج7 -
* سواء أكان متقلد هذه المكانة -التشريع الذي لا ينبغي إلا لله تعالى- حاكماً أو هيئة تأسيسية، أو مجلساً للتشريع، فالإسلام لا يعرف حكم الشعب أو الديمقراطية، بل الكل منقاد لحكم الله تعالى وحده، والشورى إنما شأنها في المعاملات المأذون في التصرف فيها، أو في المسائل الاجتهادية لاستبانة الصواب فيها مما ليس هذا موضع بسطه.
* القرطبي، تفسير قوله تعالى: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا ... ) آل عمران:
(وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ) أي لا نتبعه في تحليل شيء أو تحريمه إلا فيما حلله الله تعالى، وهو نظير قوله تعالى: (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ) معناه: أنهم أنزلوهم منزلة ربهم في قبول تحريمهم وتحليلهم لما لم يحرمه الله، ولم يحله الله، وهذا يدل على بطلان القول بالاستحسان المجرد الذي لا يستند إلى دليل شرعي ... قوله تعالى: (فَإِن تَوَلَّوْا) أي أعرضوا عما دعوا إليه (فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) أي متصفون بدين الإسلام، منقادون لأحكامه، معترفون بالله علينا في ذلك من المنن والانعام، غير متخذين أحداً رباً لا عيسى ولا عزيراً لأنهما بشر مثلنا، محدثون كحدوثنا، ولا نقبل من الرهبان شيئاً بتحريمهم علينا ما لم يحرمه الله علينا فنكون قد اتخذناهم أربابا ...
* ابن كثير، تفسير قوله تعالى: (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ) :
ينكر تعالى على من خرج عن حكم الله المحكم المشتمل على كل خير، والناهي عن كل شر، وعدل إلى ما سواه من الآراء والأهواء والاصطلاحات التي وضعها الرجال بلا مستند من شريعة الله، كما كان أهل الجاهلية يحكمون به من الضلالات والجهالات، مما يضعونها بآرائهم وأهوائهم، وكما يحكم به التتار من السياسات الملكية المأخوذة عن ملكهم جنكيزخان الذي وضع لهم (الياسق) وهو عبارة عن كتاب مجموع من أحكام قد اقتبسها من شرائع شتى من اليهودية والنصرانية، والملة الإسلامية، وفيها كثير من الأحكام أخذها من مجرد نظره وهواه، فصارت في بنيه شرعاً متبعاً، يقدمونها على الحكم بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ومن فعل ذلك منهم فهو كافر يجب قتاله، حتى يرجع إلى حكم الله ورسوله، لا يحكم سواه في قليل ولا كثير.
* قال الشيخ أحمد شاكر: إن الأمر في هذه القوانين الوضعية واضح وضوح الشمس، هي كفر بواح لا خفاء فيه ولا مداورة، ولا عذر لأحد ممن ينتسب للإسلام كائناً من كان في العمل بها، أو الخضوع لها، أو إقرارها.