قال ابن الجوزي رحمه الله في زاد المسير (وهو كتاب تفسير لم يحضى بالعناية اللائقة به) في قوله تعالى {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُو ا آبَآءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَآءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الإِيمَانِ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ مِّنكُمْ فَأُوْلَائِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}
قوله تعالى: {لاَ تَتَّخِذُوا ءابَاءكُمْ وَإِخْوانَكُمْ أَوْلِيَاء} في سبب نزولها: خمسة أقوال.
أحدها: أنه لما أمر المسلمون بالهجرة، جعل الرجل يقول لأهله: إنا قد أمرنا بالهجرة، فمنهم من يسرع إلى ذلك، ومنهم من يتعلق به عياله وزوجته، فيقولون: ننشدك الله أن تدعنا إلى غير شيء، فيرق قلبه، فيجلس معهم، فنزلت هذه الآية، قاله أبو صالح عن ابن عباس.
والثاني: أنه لما أمر الله المؤمنين بالهجرة، قال المسلمون: يا نبي الله، إن نحن اعتزلنا من خالفنا في الدين، قطعنا آباءنا وعشائرنا، وذهبت تجارتنا، وخربت ديارنا، فنزلت هذه الآية، قاله الضحاك عن ابن عباس.
والثالث: أنه لما قال العباس: أنا أسقي الحاج، وقال طلحة: أنا أحجب الكعبة فلا نهاجر، نزلت هذه الآية والتي قبلها، هذا قول قتادة، وقد ذكرناه عن مجاهد.
والرابع: أن نفراً ارتدوا عن الإسلام ولحقوا بمكة، فنهى الله عن ولايتهم، وأنزل هذه الآية، قاله مقاتل.
والخامس: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أمر الناس بالجهاز لنصرة خزاعة على قريش، قال أبو بكر الصديق: يا رسول الله، نعاونهم على قومنا؟ فنزلت هذه الآية، ذكره أبو سليمان الدمشقي .. (انتهى) ..
فكلام ابن الجوزي -رحمه الله- في أسباب النزول شمل أكثر ما يقع للمسلمين من أحوال في الثغور في وقتنا هذا: فالأهل والمال اللذان يمنعان المسلم من الجهاد .. وكثير من العبادات التي يزعم بعض الناس أنها أفضل من الجهاد في هذا الزمان .. والقومية والقبلية .. وأهل الردّة الذين يتحفظ البعض عن قتالهم .. والمجاهدون الذين خرجوا من ديارهم لنصرة المسلمين في الثغور يزعم بعض أهل تلك البلاد أنه لا يجوز معاونتهم على قتل أهليهم وهم كفار .. وهذه هي عظمة القرآن الذي يصف في طياته دقائق الأمور والأحوال في كل زمان ومكان ..