فالمؤمن لا يحابي ولا يوالي إلا أهل ملته، أما الكافر فمحبته وولايته ظلم للنفس ومَهْلَكة، قال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}
قال القرطبي رحمه الله: ظاهر هذه الآية أنها خطاب لجميع المؤمنين كافة، وهي باقية الحكم إلى يوم القيامة في قطع الولاية بين المؤمنين والكافرين. وروت فرقة أن هذه الآية إنما نزلت في الحض على الهجرة ورفض بلاد الكفرة. فالمخاطبة على هذا إنما هي للمؤمنين الذين كانوا بمكة وغيرها من بلاد العرب، خوطبوا بألا يوالوا الآباء والإخوة فيكونوا لهم تبعا في سكنى بلاد الكفر.
{إن استحبوا} أي أحبوا، كما يقال: استجاب بمعنى أجاب. أي لا تطيعوهم ولا تخصوهم. وخص الله سبحانه الآباء والإخوة إذ لا قرابة أقرب منها. فنفى الموالاة بينهم كما نفاها بين الناس بقوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء} (المائدة: 51) ليبين أن القرب قرب الأديان لا قرب الأبدان. ... ولم يذكر الأبناء في هذه الآية إذ الأغلب من البشر أن الأبناء هم التبع للآباء .... {ومن يتولهم منكم فأولئك هم الظالمون} قال ابن عباس: هو مشرك مثلهم لأن من رضي بالشرك فهو مشرك. (انتهى مختصراً) ..
وقال السعدي رحمه الله في قوله تعالى {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَاتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ}
ولهذا ذكر السبب الموجب لذلك، وهو أن محبة اللّه ورسوله، يتعين تقديمها على محبة كل شيء، وجعل جميع الأشياء تابعة لهما فقال: {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ} ومثلهم الأمهات {وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ} في النسب والعشيرة {وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ} أي: قراباتكم عموما وهذه الآية الكريمة أعظم دليل على وجوب محبة اللّه ورسوله، وعلى تقديمها على محبة كل شيء. وعلى الوعيد الشديد والمقت الأكيد على من كان شيء من المذكورات أحب إليه من اللّه ورسوله وجهاد في سبيله. وعلامة ذلك أنه إذا عرض عليه أمران: أحدهما يحبه اللّه ورسوله، وليس لنفسه فيها هوى. والآخر تحبه نفسه وتشتهيه ولكنه يُفَوِّتُ عليه محبوبًا للّه ورسوله أو ينقصه. فإنه إن قدم ما تهواه نفسه على ما يحبه اللّه دل على أنه ظالم تارك لما يجب عليه." (انتهى مختصراً) .."