الصفحة 18 من 47

الفضيلة، نريد حرية تمنع المرأة من الترجل، والرجلَ من التخنث، حريةً لا تعرضنا للطرد من رحمة الله، لا تعرضنا لما قال أبو هريرة: (لعن النبي صلى الله عليه وسلم المخنثين من الرجال، والمترجلات من النساء) . وفي لفظ: (لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المتشبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال) . رواهما البخاري. وفي رواية له في التاريخ بلفظ: (ليس منا من تشبه من النساء بالرجال) . قال ابن أبي مليكة-واسمه عبد الله بن عبيد الله- قيل لعائشة رضي الله عنها: (إن المرأة تلبس النعل-أي: الذي يكون خاصاً بالرجال- فقال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم: الرجلة من النساء) [1] . والرجلة من النساء: هي المترجلة التي تتشبه بالرجال في زيهم وهيئاتهم ووظائفهم. وكذلك العكس ورحم الله من قال:

إنْ عجِبْنا من إناث ... تمردن بكبرياء ...

يطالبن التساوي ... بالرجال اعتداء ...

فعجيب كل عجب ... من رجال كالنساء ...

إن للكون نظاماً ... في الوجود وفي النَّماء ...

من ذكور وإناث ... ليس عنهن عَناء ...

فإذا تأنثت الرجال ... وترجلت النساء ...

فعلى الدنيا السلام ... وعلى الجنسين العَفاء

وقال الشنقيطي:

وما عجب أن النساء ترجلت ... ولكن تأنيث الرجال عجاب

فأما أن تتشبه المرأة بالرجل في العلم والرأي المحمود فنعم، لأن عائشة كانت معلمة الرجال، وكانت أم سلمة رجلة الرأي عند المشاورة، أما حديث: (شاوروهن وخالفوهن) . فلا يصح. نحن لسنا أعداءَ الحرية ولا أعداءً لمن ينادي بها، ولكننا أعداءٌ لمن يسئ استعمالها، ونعتقد أن الحرية شئ (مقدس) . شريطة أن تستعمل بتعقل وتفهم كاملين، أن تستعمل للبناء من خلال سيادة الأخلاق وبتوجيه من الدين الإسلامي [2] ، فما وقع تمرد في العالم إلا وقع باسم (الحرية) . وما وقع هدم للإسلام إلا باسم الإسلام المستنير المتحرر المعتدل، وبعبارة فكل تمرد على أحكام الشرع يتم تحت شعار (حرية التعبير) . أو (حرية الرأي) . أين آراء علمائنا؟ وأين تعبيرهم؟. وأين حريتهم؟ لِمَ لا يقولوا للناس - (طبعاً تحت شعار حرية التعبير) : المسلم لا يسمح لأي أحد أن يهدِم ما هو من الدين بالضرورة باسم (حرية التعبير) . أو (حرية الرأي) . فليقولوا لهم: نحررها من ماذا؟ نحررها من دينها؟ أم من أوامر ربها؟ هل نحررها من قوله تعالى: (للذكر مثل حظ الأنثيين) .؟ أم من قوله: (واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى) .؟ هل نحررها من قوله تعالى: (يا أيها النبيء إذا طلقتم النساء) .الآية.؟ أم من قوله: (الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض) . أم من قوله: (وللرجال عليهن درجة) .؟ أم من قوله: (وقرن في بيوتكن) .؟ أم من قوله: (ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى) .؟ أم من قوله: (فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع) .؟ أم من قوله: (ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض) .؟ ففيم حريتها إذاً؟ أمن قوله صلى الله عليه وسلم: (لاَ نِكَاحَ إلاَّ بولي) [3] . أم من قوله: (أيما امرأة أنكحت نفسها من غير إذن وليها فنكها باطل) [4] . أم من قوله: (لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة-في صحيح البخاري) [5] . وهاهم مؤسسوا الحرية وصانعوها يعترفون لكنها اعترافات متأخرة واحدة تقول: (أريد أن أرجع إلى أنوثتي) . وأخرى تقول: (امنعوا الاختلاط، وقيدوا حرية الفتاة) . وأخرى تقول: (قروية ساذجة في حجرها طفل، أفضل للأمة وأنفع للبلاد من ألف نائبة وألف محامية، وحكمة الله فيكن أن تكنّ أمهات) . وأخرى تقول: (لا تأخذي من العائلة الأوروبية مثالاً لك) . وأخرى تقول: (بيوت الأزياء جعلت مني مجرد صنم متحرك، مهمته العبث بالقلوب والعقول) . وأخرى تقول: (أنا أنثى أعتز بأنوثتي، وأنا امرأة اعتز بما وهبني الله) . وأخرى تقول: (أفكر كثيراً في أن أشعل النار في جميع شهاداتي التي أنستني كل العواطف) . ثم تقول: (إنني أروي ذلك لكم للعبرة والعظة فقط، ولأقول: نعم، من أجل الحياة. من أجل الزواج لا، للعنوسة) . وأخرى تقول: (خذوا شهادتي وأعطوني زوجاً) . وأخرى

(1) رواه أبو داود. ورجاله ثقات. غير أن ابن جريج مدلس وقد عنعنه، ولكن الحديث صحيح بالشواهد المتقدمة.

(2) انظر: (الراقصون على جراحنا) .

(3) أخرجه الحاكم وابن حبان وصححاه.

(4) رواه الخمسة إلا النسائي.

(5) (لن) . تفيد هنا النفي المؤبد، (قومٌ) . نكرة عامة تشمل كل قوم، (امرأة) . نكرة ثانية تشمل كل امرأة.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام