« ظهر المسلمون ، وتزعموا العالم ، وعزلوا الأمم المزيفة من زعامة الإنسانية التي استغلتها وأساءت عملها ، وساروا بالإنسانية سيراً حثيثاً متزناً عادلاً ، وقد توفرت فيهم الصفات التي تؤهلهم لقيادة الأمم ، وتضمن سعادتها وفلاحها في ظلهم وتحت قيادتهم » .
« أولاً: أنهم أصحاب كتاب منزل وشريعة إلهية ، فلا يقننون ولا يشترعون من عند أنفسهم . لأن ذلك منبع الجهل والخطأ والظلم ، ولا يخبطون في سلوكهم وسياستهم ومعاملتهم للناس خبط عشواء ، وقد جعل الله لهم نوراً يمشون به في الناس ، وجعل لهم شريعة يحكمون بها الناس { أو من كان ميتاً فأحييناه وجعلنا له نوراً يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها؟ } وقد قال الله تعالى: { يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ، ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا . اعدلوا هو أقرب للتقوى ، واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون } ثانياً: أنهم لم يتولوا الحكم والقيادة بغير تربية خلقية وتزكية نفس ، بخلاف غالب الأمم والأفراد ورجال الحكومة في الماضي والحاضر ، بل مكثوا زمناً طويلاً تحت تربية محمد - صلى الله عليه وسلم - وإشرافه الدقيق ، يزكيهم ويؤدبهم ، ويأخذهم بالزهد والورع والعفاف والأمانة والإيثار وخشية الله ، وعدم الاستشراف للإمارة والحرص عليها . يقول: » إنا والله لا نولي هذا العمل أحداً سأله ، أو أحداً حرص عليه « .
ولا يزال يقرع سمعهم: { تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علواً في الأرض ولا فساداً والعاقبة للمتقين } فكانوا لا يتهافتون على الوظائف والمناصب ، فضلاً عن أن يرشحوا أنفسهم للإمارة ، ويزكوا أنفسهم ، وينشروا دعاية لها ، وينفقوا الأموال سعياً وراءها . فإذا تولوا شيئاً من أمور الناس لم يعدوه مغنماً أو طعمة أو ثمناً لما أنفقوا من مال أو جهد؛ بل عدوه أمانة في عنقهم ، وامتحاناً من الله؛ ويعلمون أنهم موقوفون عند ربهم ، ومسؤولون عن الدقيق والجليل ، وتذكروا دائماً قول الله تعالى: { إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها ، وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل } وقوله . . { وهو الذي جعلكم خلائف الأرض ، ورفع بعضكم فوق بعض درجات ، ليبلوكم فيما آتاكم } » ثالثاً: إنهم لم يكونوا خدمة جنس ، ورسل شعب أو وطن ، يسعون لرفاهيته