الصفحة 8 من 35

إنما يكون بالقلب واللسان أوبالقلب، فالأعمال ليست من الإيمان، ثم عمدتهم في أن الإيمان هوالتصديق قوله تعالى عن أخوة يوسف: {وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوكُنَّا صَادِقِينَ} [1] .

والجواب عن ذلك من وجوه الأول: يقال لهم: اسم الإيمان قد تكرر ذكره في القرآن والحديث أكثر من ذكر غيره وهوأصل الدين الذي جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، وبه يخرج الناس من الظلمات إلى النور، وبه يفرق بين السعداء والأشقياء، وبين من يوالي ويعادي والدين كله تابع له، وكل مسلم محتاج إلى معرفته أفيجوز أن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم قد أهمل هذا كله ووكله إلى هاتين المقدمتين.

ومعلوم أن ما استشهدوا به على أن الإيمان هوالتصديق من القرآن ولكن نقل معنى الإيمان متواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم أعظم من تواتر لفظ هذه الآية.

فالإيمان يحتاج إلى معرفته جميع الأمة فلا بد أن يعرفوه وينقلوه بخلاف كلمة في سورة أكثر المؤمنين لم يكونوا يحفظونها، فلا يجوز أن يكون بيان أصل الدين مبنياً على مثل هذه المقدمات.

ولهذا كثر الخلاف والاضطراب بين الذين عدلوا عن الصراط المستقيم وسلكوا السبل، وصاروا من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً وتفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءتهم البينات.

الثاني: يقال هاتان المقدمتان كلاهما ممنوع. فمن الذي قال: إن لفظ الإيمان مرادف للفظ التصديق، فإنه يقال لمن أخبر إذا صدقه المخبَر: «صدقة» ولا يقال: آمنه وآمن، بل يقال: آمن له كما قال الله تعالى: {فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ} [2]

{أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا} [3] وليس آمن مرادفاً للفظ صدق في المعنى؛ فإن كل مخبر عن مشاهدة يقال له في اللغة: صدق أوكذب، فإذا قال السماء فوقنا أوطلعت الشمس يقال: صدقت أويقال: كذبت. وعلم أن الإيمان ضد الكفر، وليس التكذيب هوكل الكفر بل كفر إبليس وفرعون واليهود ونحوهم لم يكن أصله تكذيباً؛ فإن إبليس لم يخبر بخبر كذبه بل أمره الله تعالى

(1) يوسف: 17.

(2) العنكبوت: 26.

(3) المؤمنون: 47.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام