الصفحة 7 من 35

بل كل من تأمل ما تقول الخوارج والمرجئة في معنى الإيمان علم بالاضطرار أنه مخالف لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم كما يعلم بالاضطرار أن طاعة الله وطاعة رسوله من الإيمان، ويعلم أنه صلى الله عليه وسلم لم يجعل الزاني وشارب الخمر والسارق والقاذف ونحوهم مرتدين كافرين.

كما يعلم بالاضطرار أنه لوقدر أن قوماً قالوا له: نحن نؤمن بما جئت بقلوبنا من غير شك ونقر بألسنتنا بالشهادتين إلا أننا لا نصلي ولا نصوم ولا نحج ولا نؤدي الأمانة ولا نصدق الحديث ولا نصل الرحم ولا نفي بالعهد ونقتل من قدرنا عليه من أصحابك. ما كان عاقل يتوهم أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول لهم: أنتم مؤمنين وممن تناله شفاعتي ويرجى لكم أن لا تدخلوا النار، بل كل مسلم يعلم بالاضطرار أنه سيقول لهم: أنتم أكفر الناس وأول من يقاتل.

وأهل البدع ضلوا لما أعرضوا عن هذه الطريق، وصاروا يبنون دين الإسلام على مقدمات يظنون صحتها إما في دلالة الألفاظ أوفي المعاني المرادة للشارع، ولا يتأملون بيان الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وكل مقدمات تخالف بيان الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم تكون ضلالة.

وأئمة الإسلام لا يعدلون عن بيان الرسول صلى الله عليه وسلم ما وجدوا إليه سبيلاً، ومن عدل عن سبيلهم وقع في البدع التي مضمونها القول على الله تعالى وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم بلا علم وقول غير الحق، وهذا مما حرمه الله تعالى ورسوله قال الله تعالى عن الشيطان: {إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ (169) } [1] . مثال ذلك أن المرجئة لما عدلوا عن بيان الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم تكلموا في مسمى الإيمان والإسلام وغيرهما بطرقة ابتدعوها فقالوا: الإيمان في اللغة هوالتصديق، والرسول صلى الله عليه وسلم خاطب الناس بلغة العرب لم يغيرها فيكون مراده بالإيمان التصديق، ثم قالوا: والتصديق

(1) البقرة: 169.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام