المستحبات، وتاركوا المحرمات والمكروهات، وفضول المباحات. وأصحاب اليمين مقتصدون، وهم من أدى ما وجب عليه واجتنب ما حرم عليه فقط، وظالمون لأنفسهم بترك بعض ما وجب، وتناول بعض ما حرم عليهم.
قال الله تبارك وتعالى: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوالْفَضْلُ الْكَبِيرُ} [1] .
ومما يوضح معنى الإيمان قول الله تبارك وتعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3) أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (4) } [2] .
فوصف الله تعالى المؤمنين بهذه الأعمال التي هي أصول الدين وفروعه وظاهره وباطنه، فإنهم آمنوا إيماناً ظهرت لوازمه ومقتضياته في قلوبهم وعلى جوارحهم في أقوالهم وأفعالهم، فإذا ذُكر الله عندهم تحركت قلوبهم بالوجل، وزيادة الإيمان عند تلاوة آيات ربهم، وهم في أعمالهم ومراداتهم متوكلون على الله تعالى ومفوضون أمورهم إليه، ويقيمون الصلاة ظاهراً وباطناً فرضها ونفلها، وينفقون أموالهم في مرضات الله ووجوه الخير فيما يجب ويُستحب، يفعلون ذلك كله بإخلاص وصدق خائفين راجين ثواب ربهم.
فمن كان على هذا الوصف فقد استكمل الإيمان وتحصل على الخير كله وبعد كل البعد من أسباب العذاب ولهذا قال تعالى فيهم: {أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّا} لتحققهم بالإيمان في ظاهرها وباطنهم والقيام بلوازمه وحقيقته، ولهذا استحقوا هذا الوعد الكريم والفضل الجزيل: {لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} ، فتضمن أمنهم من كل شر ومحذور ورفعة درجاتهم في النعيم الذي لا يعلمه إلا ربهم تعالى وتقدس.
فهذا جزء الإيمان الشامل الذي يشمل جميع شرائع الدين ويتبعه الانقياد والاستسلام لله تعالى
(1) فاطر: 32.
(2) الأنفال: 2 - 4.