الصفحة 63 من 91

فلو وقع لنصب الله عليه دليلاً - كأن ينكره عليه الرسول صلى الله عليه وسلم أو أحد من صحابته -يبين بطلانه لئلا تعمل الأمة بالضلال وتعتقد الباطل طيلة المدة السابقة حتى جاء المتأخرون فزيفوه واهتدوا للحق الذي خفي على أولئك الكرام ، و مجرد تصوره يكفي للحكم ببطلانه .

أما المدارك التي شاركناهم فيها من دلالات الألفاظ و الأقيسة فلا ريب أنهم كانوا أبر قلوباً ، وأعمق علماً ، وأقل تكلفاً ، وأقرب إلى أن يوفقوا فيها لما لم نوفق له نحن لما خصهم الله تعالى به من توقد الأذهان،وفصاحة اللسان،وسعة العلم،وسهولة الأخذ، وحسن الإدراك،وسرعته، وقلة المعارض أو عدمه ، وحسن القصد ، وتقوى الرب تعالى .

فالعربية:- طبيعتهم وسليقتهم .

والمعاني الصحيحة:- مركوزة في فطرهم وعقولهم .

ولا حاجة بهم إلى النظر في الإسناد وأحوال الرواة وعلل الحديث والجرح والتعديل .

ولا إلى النظر في قواعد الأصول وأوضاع الأصوليين .

بل قد غنوا عن ذلك كله .

فليس في حقهم إلا أمران:-

أحدهما:- قال الله تعالى كذا ، وقال رسوله كذا .

والثاني:- معناه كذا وكذا .

وهم أسعد الناس بهاتين المقدمتين وأحظى الأمة بهما . فقواهم متوفرة مجتمعة عليهما .

وأما المتأخرون فقواهم متفرقة وهممهم متشعبة .

فالعربية وتوابعها قد أخذت من قوى أذهانهم شعبة .

والأصول وقواعدها قد أخذت منها شعبة .

وعلم الإسناد وأحوال الرواة قد أخذ منها شعبة .

وفكرهم في كلام مصنفيهم وشيوخهم على اختلافهم وما أرادوا به قد أخذ منها شعبة ، إلى غير ذلك من الأمور .

فإذا وصلوا إلى النصوص النبوية - إن كان لهم همم تسافر إليها - وصلوا إليها بقلوب وأذهان قد كلت من السير في غيرها وأوهن قواهم مواصلة السرى في سواها ، فأدركوا من النصوص ومعانيها بحسب القوة .

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام