وهذا تعلق ضعيف جداً ؛ فإن مخالفة المجتهد الدليل المعين لما هو أقوى في نظره منه لا يدل على أنه لا يراه دليلا من حيث الجملة . بل خالف دليلاً لدليلٍ أرجح عنده منه .
وقد تعلق بعضهم بأنه يراه في الجديد إذا ذكر أقوال الصحابة موافقاً لها لا يعتمد عليها وحدها كما يفعل بالنصوص بل يعضدها بضروب من الأقيسة فهو تارة يذكرها ويصرح بخلافها وتارة يوافقها ولا يعتمد عليها بل يعضدها بدليل آخر.
وهذا - أيضاً - تعلق أضعف من الذي قبله . فإن تظاهر الأدلة وتعاضدها وتناصرها من عادة أهل العلم قديماً وحديثاً ولا يدل ذكرهم دليلاً ثانياً وثالثاً على أن ما ذكروه قبله ليس بدليل ). انتهى كلامه رحمه الله .
قال الربيع بن سليمان ( [73] ) :-( قال الشافعي: لا يكون أن تقول إلا عن أصل ، أو قياس على أصل .
والأصل: كتاب أو سنة ، أو قول بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أو إجماع الناس ).
قال يونس بن عبدالأعلى ( [74] ) :- ( قال لي محمد بن إدريس الشافعي: لا يقال للأصل: لم ولا كيف ) .
وقد أطلت النقل عن الإمام الشافعي في تقرير مذهبه لأني قد رأيت جلّ من كتب في علم أصول الفقه ينسب إليه قولاً جديداً وهو عدم قوله بحجية قول الصحابي بناء على بعض تخريجات بعض المنتسبين إلى مذهبه أخذاً من تصرفات الإمام نفسه مع بعض الأدلة .
ولأن نسبة القول إلى أحد الأئمة - لا سيما وقد اشتهر عنه ما يخالفه صريحاً من قوله - قضية هي في غاية الخطورة ، مع ما تورثه من كثرة في الأخذ والرد في تصحيح أو تزييف ما نسب إليه ( [75] ) .
وأما كون الإمام أحمد - رحمه الله تعالى - من القائلين بحجية قول الصحابي فهذا القول أشهر من علم في رأسه نار ؛ ذلك أنه - رحمه الله - قد جعل الاعتماد على قول الصحابي هو الأصل الثاني من أصول مذهبه ( [76] ) . بل إنه ليقدم فتاواهم على الحديث المرسل ( [77] ) .