الصفحة 15 من 26

وقال أيضاً:"ولم يفرق أحد من السلف والأئمة بين أصول وفروع، بل جعل الدين (قسمين) أصولاً وفروعاً لم يكن معروفاً في الصحابة والتابعين، ولم يقل أحد من السلف والصحابة والتابعين أن المجتهد الذي استفرغ وسعه في طلب الحق يأثم لا في الأصول ولا في الفروع، ولكن هذا التفريق ظهر من جهة المعتزلة وأدخله في أصول الفقه من نقل ذلك عنهم، وحكوا عن عبيدالله بن الحسن العنبري أنه قال: كل مجتهد مصيب، ومراده أنه لا يأثم. وهذا قول عامة الأئمة كأبي حنيفة والشافعي وغيرهما."

ولهذا يقبلون شهادة أهل الأهواء ويُصلون خلفهم، ومن ردها -كمالك وأحمد- فليس ذلك ملزماً لإثمهما، لكن المقصود إنكار المنكر وهجر من أظهر البدعة، فإذا هجر ولم يصل خلفه ولم تقبل شهادته كان ذلك منعاً له من إظهار البدعة، ولهذا فرق أحمد وغيره بين الداعية للبدعة المظهر لها وغيره، وكذلك قال الخرقي:"ومن صلى خلف من يجهر ببدعة أو منكر أعاد" (الفتاوى 13/ 125)

وهذا واضح أن الإمام أحمد وشيخ الإسلام لم يكفرا المجتهد المخطئ وأن تركهما للصلاة خلف أهواء إنما كان لزجرهم وليس للقول بكفرهم، وأن هذا كان للمصلحة الشرعية في تقليل شر البدعة وحصرها لا أن أصحابها كفار مارقون.

وقد كان هذا هو رأي جمهور السلف أيضاً كما نقل البغوي أن الإمام الشافعي رحمه الله أجاز شهادة أهل البدع والصلاة خلفهم مع الكراهة (شرح السنة 1/ 228) . ونقل عن أبي سليمان الخطابي أنه لا يكفر أهل الأهواء الذين تأولوا فأخطأوا ويجيز شهادتهم، ما لم يبلغ من الخوارج والروافض في مذهبه أن يكفر الصحابة. أو من القدرية أن يكفر من خالفه من المسلمين فقد كان يرى بطلان الصلاة خلف هؤلاء، وعدم نفاذ قضاء قضاتهم (شرح السنة 1/ 228 - 229) .

* خامساً: الحرص على هداية الناس:

من صفات المؤمنين أهل الحق أنهم أرحم الناس بالناس يحرصون على هدايتهم ويحبون لهم الخير، ويسعون في سبيل ذلك بكل سبيل كما كان الشأن في رسل الله وأنبيائه. وقد ذكر الله عن نبيه خاتم الرسل - صلى الله عليه وسلم - أنه يكاد أن يهلك نفسه غماً وحزناً من أجل إعراض الكفار دينه قال تعالى: وإن كان كبر عليك إعراضهم .. الآية {، وقال تعالى:} لعلك باخع نفسك ألا يكونوا مؤمنين { (الشعراء:3) ، وقال تعالى:} فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفاً (الكهف:6) .

وهذا الذي ذكره الله عن رسوله صفة مدح فيه ولكن الله هوّن عليه أن ضلال من يضل بعقوبة له من الله من أجل إعراضه وكفره وعناده، وأن تلك هي مشيئته جل وعلا في أهل العناد والكفر. وأنه لو أراد هدايتهم جميعاً لهداهم ولكنه لم يشأ ذلك.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام