-المجتهد المخطئ في طلب الحق مغفور له سواء كان في المسائل النظرية (التي يسميها بعض الناس أصول الدين) أو المسائل العملية (التي يسميها بعض الناس فروع الدين) .
قال شيخ الإسلام رحمه الله:"وهكذا الأقوال التي يكفر قائلها قد يكون الرجل لم تبلغه النصوص الموجبة لمعرفة الحق، وقد تكون عنده، ولم تثبت عنده، أو لم يتمكن من فهمها، وقد يكون قد عرضت له شبهات يعذره الله بها، فمن كان من المؤمنين مجتهداً في طلب الحق وأخطأ فإن الله يغفر له خطأه كائناً ما كان، سواء كان في المسائل النظرية أو العملية. هذا الذي كان عليه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. وجماهير أئمة الإسلام."
وما قسموا المسائل إلى مسائل أصول يكفر بإنكارها، ومسائل فروع لا يكفر بإنكارها. فأما التفريق بين نوع وتسميته مسائل الأصول وبين نوع آخر وتسميته مسائل الفروع، فهذا التفريق ليس له أصل لا عن الصحابة ولا عن التابعين لهم بإحسان ولا أئمة الإسلام، وإنما هو مأخوذ عن المعتزلة وأمثالهم من أهل البدع، وعنهم تلقاه من ذكره من الفقهاء في كتبهم، وهو تفريق متناقض، فإنه يقال لمن فرق بين النوعين: ما حد مسائل الأصول التي يكفر المخطئ فيها؟ وما الفاصل بينها وبين مسائل الفروع؟ فإن قال: مسائل الأصول هي مسائل الاعتقاد ومسائل الفروع هي مسائل العمل قيل له: فتنازع الناس في محمد صلى الله عليه وسلم هل رأى ربه أم لا وفي أن عثمان أفضل من علي، أم علي أفضل وفي كثير من معاني القرآن وتصحيح بعض الأحاديث هي من المسائل الاعتقادية العلمية ولا كفر فيها بالاتفاق، ووجوب الصلاة والزكاة والصيام والحج وتحريم الفواحش والخمر هي مسائل عملية والمنكر لها يكفر بالاتفاق، وإن قال: الأصول هي المسائل القطعية. قيل له: كثير من مسائل العلم قطعية، وكثير من مسائل العلم ليست قطعية، وكون المسألة قطعية أو ظنية هو من الأمور الإضافية، وقد تكون المسألة عند رجل قطعية لظهور الدليل القاطع له، كمن سمع النص من الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وتيقن رده منه، وعند رجل آخر لا تكون ظنية، فضلاً عن أن تكون قطعية لعدم بلوغه النص، أو لعدم ثبوته عنده، أو لعدم تمكنه من العلم بدلالته.
وقد ثبت في الصحاح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - حديث الذي قال لأهله:"إذا أنا مت فاحرقوني، ثم اسحقوني، ثم ذروني في اليم، فوالله لئن قدر الله علي ليعذبني الله عذاباً ما عذبه أحداً من العالمين. فأمر الله البر برد ما أخذ منه، والبحر برد ما أخذ منه، وقال: ما حملك على ما صنعت؟ قال: خشيتك يا رب! فغفر الله له"فهذا شك في قدرة الله وفي المعاد، بل ظن أنه لا يعود، وأنه لا يقدر الله عليه إذا فعل ذلك، وغفر الله له (الفتاوى 23/ 346 - 347)