على أنفسكم أو الوالدين والأقربين إن يكن غنياً أوفقيراً فالله أولى بهما فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا وإن تلووا أو تعرضوا فإن الله كان بما تعملون خبيراً (النساء: 135) .
فالقيام لله أن يكون المؤمن في كل أعماله وأقواله مريداً وجه الرب سبحانه عابداً له قائماً في حدوده، منفذاً لأمره، مجتنباً لنهيه، والقيام بالقسط هو أن يكون المؤمن عادلاً في كل ما يصدر عنه من قول أو فعل أو شهادة، بعيداً عن الظلم كله.
والشهادة لله أن يدلي المؤمن في كل ما يقول منن أجل الله مراقباً ربه فيما يقول، والشهادة بالقسط القيام مع الحق والعدل في كل الأقوال والأعمال.
والمؤمن مأمور بالعدل والقسط حتى مع أعدائه، وأعداء دينه، فلا يرمي أحداً بما ليس فيه، ولا يشهد عليه بباطل، ولا يفتري عليه الكذب، وقد يكون مع الكفر عدم الخيانة كما قال الله تعالى: {ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك .. } (آل عمران:75) وقد يكون معه أيضاً التزام العهد والوفاء بالوعد كما قال الله تعالى: {إلا الذين عاهدتم من المشركين ثم لم ينقصوكم شيئاً ولم يظاهروا عليكم أحداً فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم} (التوبة:4) .
وكما يقوم أهل المنهج الحق بالعدل مع الناس جميعاً ولو كانوا كفاراً فإنهم يعدلون مع المخالفين من أهل الإسلام وحتى مع من ظلم وكفر من الفرق الضالة، فإنهم لا يكفرون إلا في حق الله تعالى وليس في حظ النفس، فلم يكفروا الخوارج مع تكفير الخوارج لهم، ولم يكفروا المتأولين في الصفات مع تكفير المتأولين لأهل السنة ورميهم لهم بأبشع الصفات، فأهل السنة والجماعة هم أهل الحق القائمين بالقسط الذين يشهدون لله، ولا يحملهم شنآن قوم أن سبوهم أو شتموهم أو كفروهم أن يكفروهم بغير حق أو يشهدوا عليهم بباطل أو يرموهم بزور. بل يحكمون بحكم الله دون تعدٍ أو ظلم، فما حكم الله بكفره شهدوا بشهادة الله، ومن كان في الإسلام والإيمان لم يخرجوه لحظوظ أنفسهم والأمثلة في هذا كثيرة.
فهذا علي بن أبي طالب رضي الله عنه وابن عمر وأصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يكفروا الخوارج مع تكفير الخوارج لعلي والمسلمين، وهاهم أهل السنة لم يكفروا أهل التأويل في الصفات من الجهمية، والمعتزلة والأشعرية وفرقوا بين مقالاتهم الكافرة وبين القائلين بهذه المقالات، والتمسوا العذر بالجهل فيما ذهبوا إليه من التأويل، ولم يمتنعوا من قبول رواياتهم والثناء على من رد منهم بدعة أكبر من بدعته، وصلوا خلفهم إلا من استحل الكذب منهم وثبت عندهم أنه زنديق يقول ما ليس في قلبه، ويتلون ليفسد على المسلمين دينهم ..