وقد كان رسول الله كذلك حريصاً على المؤمنين، يشق عليه ما يشق عليهم، قال تعالى: لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم (التوبة:128) .
فمع الكفار لم يترك النبي - صلى الله عليه وسلم - سبيلاً لهدايتهم إلا وسلكه عرضاً لنفسه عليهم، وإلانة للقول معهم، ودخولاً إليهم بكل سبيل بالوعد والوعيد، والبيان الرشيد السديد، وضرب الأمثال، والقيام بالموعظة الحسنة، والجدال بالحسنى، وغشي الرسول الكفار في نواديهم ومساكنهم وسعى إليهم تارات، ودعاهم إلى بيته أخرى وجادل اليهود والنصارى بالتي هي أحسن، وألان لهم القول، وحرص على هدايتهم بكل سبيل .. وفرح أشد الفرح بمن اهتدى منهم.
ومع أهل الإيمان كان رسول الله باراً كريماً رحيماً شفيقاً .. أحاطهم برعايته، وكلأهم بعنايته، وقام بشئونهم فعلم جاهلهم، ونشط خاملهم، وهدأ من حدة مندفعهم، وأصلح بين المتخاصمين منهم، وأطعم جائعهم، وكسا عاريهم، وعطف قلوب بعضهم على بعض، وأزال من أوساطهم البغضاء والشحناء، ودعاوى الجاهلية، وآخى بينهم حتى أصبحوا إخواناً في الدين، وهذا مع عيادته لمريضهم، وتشييعه لجنازاتهم، واستغفاره للحي والميت منهم، واهتمامه بكل شئونهم، ومراعاته لضعفائهم، وجبره لخواطرهم، عن أبي هُرَيرةَ عنِ النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال:"انْتَدبَ اللّهُ لِمَنْ خَرَج في سَبِيلِه -لا يُخْرجُه إِلاّ إِيمانٌ بي وَتَصْدِيقٌ برُسُلي- أَنْ أُرْجِعهُ بما نال مِنْ أَجْر أو غَنِيمة, أَوْ أُدْخِلَهُ الجَنّة. وَلَوْلا أَنْ أَشُقّ عَلَى أُمّتي ما قَعَدْتُ خَلْفَ سِريّةٍ, ولَوَدِدْتُ أَنّي أُقْتَلُ في سَبِيلِ اللّهِ ثمّ أُحْيا, ثمّ أُقْتَلُ ثُمّ أُحْيا, ثم أُقتَل" (رواه البخاري) .
وهذا الخلق النبوي الرفيع، من الحرص على هداية الخلق، والرحمة والرأفة بالمؤمنين، والتألم لما يشق عليهم، والخوف مما يفتنهم هو ما يسعى المؤمنون للتحلي والتخلق به حسب طاقتهم: سعياً في هداية الخلق ومحبةً وفرحاً بمن يهديه الله ويدخله في الإسلام، وسعياً في تأليف القلوب، وإصلاح أحوال أهل الإسلام، ومحبة لأهل الإسلام، ورغبة في أن يُوَفق كلاًّ منهم للخير، ومما يؤثر في هذا الصدد قول الشافعي رحمه الله: ما جادلت أحداً إلا ودعوت الله أن يظهر الحق على لسانه.
والخلاصة: أن أهل السنة والجماعة من المؤمنين والمسلمين مقتدين برسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما وصف الله أصحاب رسوله - صلى الله عليه وسلم: محمد رسول الله والذين آمنوا معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهمم ركعاً سجداً يبتغون فضلاً من الله ورضواناً سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كزرعٍ أخرج شطأه فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرةً وأجراً عظيما (الفتح:29) .