وقد جاءت الرسل لتصحيح فكرة الناس عن الألوهية. فإنهم وإن عرفوا الله بطبيعتهم إلا أنهم أخطأوا في الإشراك به، والفهم عنه. (هذا بلاغ للناس ولينذروا به وليعلموا أنما هو إله واحد وليذكر أولو الألباب) . (فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك ) . والبيئة الفاسدة خطر شديد على الفطرة، فهي تمسخها وتشرد بها، وتخلف فيها من العلل ما يجعلها تعاف العذب وتسيغ الفج . وذاك سر انصراف فريق من الناس عن الإيمان والصلاح، وقبولهم للكفر والشرك! مع منافاة ذلك لمنطق العقل وضرورات الفكر وأصل الخلقة."إني خلقت عبادي حنفاء كلهم، فأتتهم الشياطين، فاجتالتهم عن دينهم، وحرمت عليهم ما أحللت لهم..". وقد اقترنت حضارة الغرب ـ التي تسود العالم اليوم ـ بنزوع حاد إلى المماراة في وجود الله ، والنظر إلى الأديان ـ جملة ـ نظرة تنقص، أو قبولها كمسكنات اجتماعية لأنصارها والعاطفين عليها. ولاشك أن المحنة التي يعانيها العالم الآن أزمة روحية، منشؤها كفره بالمثل العليا التي جاء بها الدين ـ من الحق ـ والإنصاف، والتسامح والإخاء. فلا نجاة له مما يرتكس فيه إلا بالعودة إلى هذه المثل، يهتدي إليها بفطرته ، كما يهتدي سبيله الجنين في ولادته، والفرخ من بيضته . ومتى هُدِيَ العالم إلى الفطرة؛ هُدِيَ إلى الإسلام، فإن الإسلام هو دين الفطرة. ولا بأس من سوق طائفة من الدلائل التي تفتق للذهن الغافل منافذ يبصر بها ويلتفت لما وراءَها. (أ) إن الإنسان لم يخلق نفسه، ولم يخلق أولاده، ولم يخلق الأرض التي يدرج فوقها، ولا السماء التي يعيش تحتها. ص _018