حدثني يونس قال: أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد, في قوله: وَما أرْسَلْناكَ إلاّ رَحْمَةً للْعَالَمِينَ قال: العالمون: من آمن به وصدّقه. قال: {وَإنْ أدْرِي لَعَلّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتاعٌ إلى حِينِ} قال: فهو لهؤلاء فتنة ولهؤلاء رحمة وقد جاء الأمر مجملاً رحمة للعالمين. والعالَمون ههنا: من آمن به وصدّقه وأطاعه.
وأولى القولين في ذلك بالصواب القول الذي رُوي عن ابن عباس, وهو أن الله أرسل نبيه محمدا ' رحمة لجميع العالم, مؤمنهم وكافرهم. فأما مؤمنهم فإن الله هداه به, وأدخله بالإيمان به وبالعمل بما جاء من عند الله الجنة. وأما كافرهم فإنه دفع به عنه عاجل البلاء الذي كان ينزل بالأمم المكذّبة رسلها من قبله. (1)
(1) قد تابع ابن جرير ' جمع من المفسرين كالبغوي والقرطبي وابن الجوزي وابن كثير رحمهم الله ولكن صحة الأثر إلى ابن عباس - رضي الله عنه - فيه نظر - و إن كان معناه صحيح وتؤديه النصوص والأدلة العامة - كما حققه الأخ الفاضل عبد الله زقيل أكرمه الله -والخلاصة:-
أولاً: أن الأثر لا يثبت عن ابن عباس - رضي الله عنه -.
ثانيا: وأما ما قاله أهل العلم في تفسير هذه الآية: { وَمَا أَرْسَلْنَاك إِلَّا رَحْمَة لِلْعَالَمِينَ } [ الأنبياء: 107 ] ، فقد بينوا أن الآيات الأخرى بينت المقصود من الرحمة بالنسبة للكافر ، وكذلك سنة المصطفى - صلى الله عليه وسلم - فالأمم السابقة كان يحل بها العذاب بمجرد التكذيب والآيات في ذلك كثيرة منها:
قال تعالى في شأن نوح: { فَكَذَّبُوهُ فَأَنْجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا عَمِينَ } [ الأعراف: 64 ] . وقال تعالى في شأن هو: { فَأَنْجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَقَطَعْنَا دَابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَمَا كَانُوا مُؤْمِنِينَ} [ الأعراف: 72 ] . والآيات كثيرة .
وأما من السنة: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ؛ ادْعُ عَلَى الْمُشْرِكِينَ ، قَالَ: إِنِّي لَمْ أُبْعَثْ لَعَّانًا وَإِنَّمَا بُعِثْتُ رَحْمَةً . رواه مسلم . وهذه الرحمة هي للمؤمن ، والمنافق ، والكافر .
قال القاضي عياض في"الشفا" (1/91) :"للمؤمن رحمة بالهداية ، وللمنافق رحمة بالأمان من القتل ، ورحمة للكافرين بتأخير العذاب".ا.هـ. وقال أبو نعيم في"دلائل النبوة": فأمن أعداؤه من العذاب مدة حياته عليه السلام فيهم ، وذلك قوله تعالى:"وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ" [ الأنفال: 33 ] ، فلم يعذبهم مع استعجالهم إياه تحقيقا لما نعته به .ا.هـ.