• 417
  • " كَانَ مِنْ خَبَرِ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ وَإِسْلَامِهِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ : " مَا كَانَ رَجُلٌ مِنَ الْعَرَبِ أَشَدَّ كَرَاهَةً مِنِّي لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَكُنْتُ أَمِيرًا شَرِيفًا قَدْ سُدْتُ قَوْمِي ، فَقُلْتُ : إِنِ اتَّبَعْتُهُ كُنْتُ ذَنَبًا ، وَكُنْتُ نَصْرَانِيًّا أَرَى أَنِّي عَلَى دِينٍ , وَكُنْتُ أَسِيرُ عَلَى قَوْمِي بِالْمِرْبَاعِ ، فَكُنْتُ مَلِكًا لِمَا يَصْنَعُ بِي قَوْمِي ، وَمَا يَصْنَعُ بِي أَهْلُ دِينِي ، فَلَمَّا سَمِعْتُ بِمُحَمَّدٍ كَرِهْتُهُ ، وَقُلْتُ لِغُلَامٍ لِي ، وَكَانَ عَرَبِيًّا رَاعِيًا لِإِبِلِي : أَعِدَّ لِي مِنْ إِبِلِي أَجْمَالًا ذُلُلًا سِمَانًا , احْبِسْهَا قَرِيبًا مِنِّي , لَا تَغْرُبْ بِهَا عَنِّي ، فَإِذَا سَمِعْتَ بِجَيْشِ مُحَمَّدٍ قَدْ وَطِئَ هَذِهِ الْبِلَادَ فَآذِنِّي ؛ فَإِنِّي أَرَى خَيْلَهُ قَدْ وَطِئَتْ بِلَادَ الْعَرَبِ كُلَّهَا . وَيُقَالُ : كَانَ لَهُ عَيْنٌ بِالْمَدِينَةِ فَلَمَّا سَمِعَ بِحَرَكَةِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ حَذَّرَهُ ، قَالَ : فَلَبِثْتُ مَا شَاءَ اللَّهُ . فَلَمَّا كَانَ ذَاتَ غَدَاةٍ جَاءَنِي غُلَامٌ فَقَالَ : يَا عَدِيُّ ، مَا كُنْتَ صَانِعًا إِذَا غَشِيَتْكَ خَيْلُ مُحَمَّدٍ فَاصْنَعْهُ الْآنَ ؛ فَإِنِّي قَدْ رَأَيْتُ رَايَاتٍ فَسَأَلْتُ عَنْهَا ، فَقَالُوا : هَذِهِ جُيُوشُ مُحَمَّدٍ . قُلْتُ : قَرِّبْ لِي أَجْمَالِي ، فَقَرَّبَهَا ، فَاحْتَمَلْتُ بِأَهْلِي وَوَلَدِي , ثُمَّ قُلْتُ : أَلْحَقُ بِأَهْلِ دِينِي مِنَ النَّصَارَى بِالشَّامِ ، فَسَلَكْتُ الْجَوْشِيَّةَ مِنْ صَحْرَاءِ إِهَالَةَ , وَخَلَّفْتُ ابْنَةَ حَاتِمٍ فِي الْحَاضِرِ . فَلَمَّا قَدِمْنَا الشَّامَ أَقَمْتُ بِهَا ، وَتَخَالَفَنِي خَيْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِينَ كَانُوا مَعَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ حِينَ بَعَثَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْفُلْسِ يَهْدِمُهُ وَيَشِنُّ الْغَارَاتِ ، فَخَرَجَ فِي مِائَتَيْ رَجُلٍ , فَشَنُّوا الْغَارَةَ عَلَى مَحِلَّةِ آلِ حَاتِمٍ فِي الْفَجْرِ , فَأَصَابُوا نِسَاءً وَأَطْفَالًا وَشَاءً ، وَلَمْ يُصِيبُوا مِنَ الرِّجَالِ أَحَدًا ، وَأَصَابُوا ابْنَةَ حَاتِمٍ فِيمَنْ أَصَابُوا ، فَقُدِمَ بِهَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَبَايَا مِنْ طَيء ، وَقَدْ بَلَغَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَرَبِي إِلَى الشَّامِ ، فَجُعِلَتِ ابْنَةُ حَاتِمٍ فِي حُضَيْرَةٍ بِبَابِ الْمَسْجِدِ كُنَّ النِّسَاءُ يُحْبَسْنَ فِيهَا ، فَمَرَّ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَامَتْ إِلَيْهِ ، وَكَانَتِ امْرَأَةً جَمِيلَةً جَزْلَةً , فَقَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، هَلَكَ الْوَالِدُ ، وَغَابَ الْوَافِدُ , فَامْنُنْ عَلَيَّ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْكَ . قَالَ : " مَنْ وَافِدُكِ ؟ " قَالَتْ : عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ . قَالَ : " الْفَارُّ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ " قَالَتْ : وَمَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَرَكَنِي ، حَتَّى إِذَا كَانَ مِنَ الْغَدِ مَرَّ بِي , فَقُلْتُ مِثْلَ ذَلِكَ ، وَقَالَ لِي مِثْلَ ذَلِكَ ، حَتَّى إِذَا كَانَ بَعْدَ الْغَدِ , مَرَّ بِي وَقَدْ يَئِسْتُ فَلَمْ أَقُلْ شَيْئًا ، فَأَشَارَ إلَيَّ رَجُلٌ خَلْفَهُ : أَنْ قُومِي فَكَلِّمِيهِ ، قَالَتْ : فَقُمْتُ فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، هَلَكَ الْوَالِدُ ، وَغَابَ الْوَافِدُ ، فَامْنُنْ عَلَيَّ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْكَ . قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " فَإِنِّي قَدْ فَعَلْتُ ، وَلَا تَعْجَلِي بِخُرُوجٍ حَتَّى تَجِدِي مِنْ قَوْمِكِ مَنْ يَكُونُ لَكِ ثِقَةً , حَتَّى يُبْلِغَكِ إِلَى بِلَادِكِ , ثُمَّ آذِنِينِي " قَالَتْ : وَسَأَلْتُ عَنِ الرَّجُلِ الَّذِي أَشَارَ إِلَيَّ أَنْ كَلِّمِيهِ ، فَقِيلَ لِي : هُوَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ، أَمَا تَعْرِفِينَهُ ؟ هُوَ الَّذِي سَبَاكِ . قَالَتْ : وَاللَّهِ مَا هُوَ إِلَّا أَنْ سُبِيتُ أَلْقَيْتُ الْبُرْقُعَ عَلَى وَجْهِي ، فَمَا رَأَيْتُ أَحَدًا حَتَّى دَخَلْتُ الْمَدِينَةَ ، قَالَتْ : وَأَقَمْتُ حَتَّى قَدِمَ رَكْبٌ مِنْ قُضَاعَةَ ، قَالَتْ : وَإِنَّمَا أُرِيدُ أَنْ آتِيَ أَخِي بِالشَّامِ ، فَجِئْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ : قَدْ جَاءَنِي مِنْ قَوْمِي مَنْ لِي ثِقَةٌ وَبَلَاغٌ ، قَالَتْ : فَكَسَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحَمَلَنِي وَأَعْطَانِي نَفَقَةً ، وَخَرَجْتُ مَعَهُمْ حَتَّى قَدِمْتُ الشَّامَ . قَالَ عَدِيُّ : فَوَاللَّهِ إِنِّي لَقَاعِدٌ فِي أَهْلِي ، إِذْ نَظَرْتُ إِلَى ظَعِينَةٍ تُصَوِّبُ إِلَيَّ ، تَؤُمُّنَّا , فَقُلْتُ : ابْنَةُ حَاتِمٍ ، قَالَ : فَإِذَا هِيَ هِيَ ، قَالَ : فَلَمَّا قَدِمَتْ عَلَيَّ انْسَحَلَتْ تَقُولُ : الْقَاطِعُ ، الظَّالِمُ ، احْتَمَلْتَ بِأَهْلِكِ وَوَلَدِكَ وَتَرَكْتَ بَقِيَّةَ وَالِدِكَ . قَالَ : قُلْتُ : يَا أُخَيَّةُ ، لَا تَقُولِي إِلَّا خَيْرًا , فَوَاللَّهِ مَالِي مِنْ عُذْرٍ ، قَدْ صَنَعْتُ مَا ذَكَرْتِ ، قَالَ : ثُمَّ نَزَلَتْ فَأَقَامَتْ عِنْدِي , فَقُلْتُ لَهَا : مَا تَرَيْنَ فِي أَمَرِ هَذَا الرَّجُلِ ؟ وَكَانَتِ امْرَأَةً حَازِمَةً ، قَالَتْ : أَرَى وَاللَّهِ أَنْ تَلْحَقَ بِهِ سَرِيعًا ، فَإِنْ يَكُنِ الرَّجُلُ نَبِيًّا فَالسَّبْقُ إِلَيْهِ أَفْضَلُ ، وَإِنْ يَكُنْ مَلِكًا فَلَنْ تَذِلَّ فِي عِزِّ الْيَمَنِ ، وَأَنْتَ أَنْتَ , وَأَبُوكَ أَبُوكَ ، مَعَ أَنِّي نُبِّئْتُ أَنَّ عِلْيَةَ أَصْحَابِهِ قَوْمُكَ , الْأَوْسُ وَالْخَزْرَجُ . قَالَ : فَخَرَجْتُ حَتَّى أَقْدُمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ ، فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ وَهُوَ فِي مَسْجِدِهِ ، فَسَلَّمْتُ ، فَقَالَ : " مَنِ الرَّجُلُ ؟ " , فَقُلْتُ : عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ . قَالَ : فَانْطَلَقَ بِي إِلَى بَيْتِهِ ، إِذْ لَقِيَتْهُ امْرَأَةٌ ضَعِيفَةٌ كَبِيرَةٌ فَاسْتَوْقَفَتْهُ ، فَوَقَفَ لَهَا طَوِيلًا تُكَلِّمُهُ فِي حَاجَتِهَا ، فَقُلْتُ فِي نَفْسِي : وَاللَّهِ مَا هَذَا بِمَلِكٍ ، إِنَّ لِلْمَلِكِ لَحَالًا غَيْرَ هَذَا . ثُمَّ مَضَى حَتَّى إِذَا دَخَلَ بَيْتَهُ تَنَاوَلَ وِسَادَةً مِنْ أَدَمٍ مَحْشُوَّةً لِيفًا , فَقَدَّمَهَا إِلَيَّ , فَقَالَ : اجْلِسْ عَلَى هَذِهِ . فَقُلْتُ : لَا ، بَلْ أَنْتَ فَاجْلِسْ عَلَيْهَا . فَوَقَعَ فِي قَلْبِي أَنَّهُ بَرِيءٌ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَلِكًا ، فَجَلَسَ عَلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَرَأَى فِي عُنُقِي وَثَنًا مِنْ ذَهَبٍ ، فَتَلَا هَذِهِ الْآيَةَ {{ اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ }} فَقُلْتُ : وَاللَّهِ مَا كَانُوا يَعْبُدُونَهُمْ . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَلَيْسَ كَانُوا إِذَا أَحَلُّوا لَهُمْ شَيْئًا اسْتَحَلُّوهُ ، وَإِذَا حَرَّمُوا عَلَيْهِمْ شَيْئًا حَرَّمُوهُ " ؟ قَالَ : قُلْتُ : بَلَى ، قَالَ : " فَتِلْكَ عِبَادَتُهُمْ " . قَالَ : " إِيهًا يَا عَدِيُّ ، أَلَمْ تَكُنْ رَكُوسِيًّا ؟ قَالَ : قُلْتُ : بَلَى . قَالَ : " أَوَلَمْ تَكُنْ تَسِيرُ فِي قَوْمِكَ بِالْمِرْبَاعِ ؟ " قَالَ : قُلْتُ : بَلَى ، قَالَ : " فَإِنَّ ذَلِكَ لَمْ يَحِلَّ لَكَ فِي دِينِكَ " قَالَ : قُلْتُ : أَجَلْ وَاللَّهِ ، قَالَ : فَعَرَفْتُ أَنَّهُ نَبِيُّ مُرْسَلٌ يَعْرِفُ مَا نَجْهَلُ . ثُمَّ قَالَ : " لَعَلَّكَ يَا عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ إِنَّمَا يَمْنَعُكَ مِنَ الدُّخُولِ فِي هَذَا الدِّينِ مَا تَرَى مِنْ حَاجَتِهِمْ ، فَوَاللَّهِ لَيُوشِكَنَّ الْمَالُ يَفِيضُ فِيهِمْ حَتَّى لَا يُوجَدُ مَنْ يَأْخُذُهُ ، وَلَعَلَّهُ إِنَّمَا يَمْنَعُكُ مَا تَرَى مِنْ كَثْرَةِ عَدُوِّهِمْ وَقِلَّةِ عَدَدِهِمْ ، فَوَاللَّهِ لَيُوشِكَنَّ يُسْمَعُ بِالْمَرْأَةِ تَخْرُجُ مِنَ الْقَادِسِيَّةِ عَلَى بَعِيرٍ حَتَّى تَزُورَ هَذَا الْبَيْتَ لَا تَخَافُ ، وَلَعَلَّكَ إِنَّمَا يَمْنَعُكَ مِنَ الدُّخُولِ فِيهِ أَنَّ الْمُلْكَ وَالسُّلْطَانَ فِي غَيْرِهِمْ ، وَأَيْمُ اللَّهِ ، لَيُوشِكَنَّ أَنْ يُسْمَعَ بِالْقُصُورِ الْبِيضِ مِنْ أَرْضِ بَابِلَ قَدْ فُتِحَتْ عَلَيْهِمْ " . فَقَالَ عَدِيُّ : فَأَسْلَمْتُ ، فَكَانَ عَدِيُّ يَقُولُ : قَدْ مَضَتِ اثْنَتَانِ وَبَقِيَتْ وَاحِدَةٌ : لَيَفِيضَنَّ الْمَالُ حَتَّى لَا يُوجَدُ مَنْ يَأْخُذُهُ "

    أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ : حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَبْرَةَ , عَنْ أَبِي عُمَيْرٍ الطَّائِيِّ قَالَ : كَانَ مِنْ خَبَرِ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ وَإِسْلَامِهِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ : مَا كَانَ رَجُلٌ مِنَ الْعَرَبِ أَشَدَّ كَرَاهَةً مِنِّي لِرَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، وَكُنْتُ أَمِيرًا شَرِيفًا قَدْ سُدْتُ قَوْمِي ، فَقُلْتُ : إِنِ اتَّبَعْتُهُ كُنْتُ ذَنَبًا ، وَكُنْتُ نَصْرَانِيًّا أَرَى أَنِّي عَلَى دِينٍ , وَكُنْتُ أَسِيرُ عَلَى قَوْمِي بِالْمِرْبَاعِ ، فَكُنْتُ مَلِكًا لِمَا يَصْنَعُ بِي قَوْمِي ، وَمَا يَصْنَعُ بِي أَهْلُ دِينِي ، فَلَمَّا سَمِعْتُ بِمُحَمَّدٍ كَرِهْتُهُ ، وَقُلْتُ لِغُلَامٍ لِي ، وَكَانَ عَرَبِيًّا رَاعِيًا لِإِبِلِي : أَعِدَّ لِي مِنْ إِبِلِي أَجْمَالًا ذُلُلًا سِمَانًا , احْبِسْهَا قَرِيبًا مِنِّي , لَا تَغْرُبْ بِهَا عَنِّي ، فَإِذَا سَمِعْتَ بِجَيْشِ مُحَمَّدٍ قَدْ وَطِئَ هَذِهِ الْبِلَادَ فَآذِنِّي ؛ فَإِنِّي أَرَى خَيْلَهُ قَدْ وَطِئَتْ بِلَادَ الْعَرَبِ كُلَّهَا . وَيُقَالُ : كَانَ لَهُ عَيْنٌ بِالْمَدِينَةِ فَلَمَّا سَمِعَ بِحَرَكَةِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ حَذَّرَهُ ، قَالَ : فَلَبِثْتُ مَا شَاءَ اللَّهُ . فَلَمَّا كَانَ ذَاتَ غَدَاةٍ جَاءَنِي غُلَامٌ فَقَالَ : يَا عَدِيُّ ، مَا كُنْتَ صَانِعًا إِذَا غَشِيَتْكَ خَيْلُ مُحَمَّدٍ فَاصْنَعْهُ الْآنَ ؛ فَإِنِّي قَدْ رَأَيْتُ رَايَاتٍ فَسَأَلْتُ عَنْهَا ، فَقَالُوا : هَذِهِ جُيُوشُ مُحَمَّدٍ . قُلْتُ : قَرِّبْ لِي أَجْمَالِي ، فَقَرَّبَهَا ، فَاحْتَمَلْتُ بِأَهْلِي وَوَلَدِي , ثُمَّ قُلْتُ : أَلْحَقُ بِأَهْلِ دِينِي مِنَ النَّصَارَى بِالشَّامِ ، فَسَلَكْتُ الْجَوْشِيَّةَ مِنْ صَحْرَاءِ إِهَالَةَ , وَخَلَّفْتُ ابْنَةَ حَاتِمٍ فِي الْحَاضِرِ . فَلَمَّا قَدِمْنَا الشَّامَ أَقَمْتُ بِهَا ، وَتَخَالَفَنِي خَيْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ الَّذِينَ كَانُوا مَعَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ حِينَ بَعَثَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ إِلَى الْفُلْسِ يَهْدِمُهُ وَيَشِنُّ الْغَارَاتِ ، فَخَرَجَ فِي مِائَتَيْ رَجُلٍ , فَشَنُّوا الْغَارَةَ عَلَى مَحِلَّةِ آلِ حَاتِمٍ فِي الْفَجْرِ , فَأَصَابُوا نِسَاءً وَأَطْفَالًا وَشَاءً ، وَلَمْ يُصِيبُوا مِنَ الرِّجَالِ أَحَدًا ، وَأَصَابُوا ابْنَةَ حَاتِمٍ فِيمَنْ أَصَابُوا ، فَقُدِمَ بِهَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فِي سَبَايَا مِنْ طَيء ، وَقَدْ بَلَغَ النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ هَرَبِي إِلَى الشَّامِ ، فَجُعِلَتِ ابْنَةُ حَاتِمٍ فِي حُضَيْرَةٍ بِبَابِ الْمَسْجِدِ كُنَّ النِّسَاءُ يُحْبَسْنَ فِيهَا ، فَمَرَّ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، فَقَامَتْ إِلَيْهِ ، وَكَانَتِ امْرَأَةً جَمِيلَةً جَزْلَةً , فَقَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، هَلَكَ الْوَالِدُ ، وَغَابَ الْوَافِدُ , فَامْنُنْ عَلَيَّ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْكَ . قَالَ : مَنْ وَافِدُكِ ؟ قَالَتْ : عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ . قَالَ : الْفَارُّ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ قَالَتْ : وَمَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ وَتَرَكَنِي ، حَتَّى إِذَا كَانَ مِنَ الْغَدِ مَرَّ بِي , فَقُلْتُ مِثْلَ ذَلِكَ ، وَقَالَ لِي مِثْلَ ذَلِكَ ، حَتَّى إِذَا كَانَ بَعْدَ الْغَدِ , مَرَّ بِي وَقَدْ يَئِسْتُ فَلَمْ أَقُلْ شَيْئًا ، فَأَشَارَ إلَيَّ رَجُلٌ خَلْفَهُ : أَنْ قُومِي فَكَلِّمِيهِ ، قَالَتْ : فَقُمْتُ فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، هَلَكَ الْوَالِدُ ، وَغَابَ الْوَافِدُ ، فَامْنُنْ عَلَيَّ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْكَ . قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : فَإِنِّي قَدْ فَعَلْتُ ، وَلَا تَعْجَلِي بِخُرُوجٍ حَتَّى تَجِدِي مِنْ قَوْمِكِ مَنْ يَكُونُ لَكِ ثِقَةً , حَتَّى يُبْلِغَكِ إِلَى بِلَادِكِ , ثُمَّ آذِنِينِي قَالَتْ : وَسَأَلْتُ عَنِ الرَّجُلِ الَّذِي أَشَارَ إِلَيَّ أَنْ كَلِّمِيهِ ، فَقِيلَ لِي : هُوَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ، أَمَا تَعْرِفِينَهُ ؟ هُوَ الَّذِي سَبَاكِ . قَالَتْ : وَاللَّهِ مَا هُوَ إِلَّا أَنْ سُبِيتُ أَلْقَيْتُ الْبُرْقُعَ عَلَى وَجْهِي ، فَمَا رَأَيْتُ أَحَدًا حَتَّى دَخَلْتُ الْمَدِينَةَ ، قَالَتْ : وَأَقَمْتُ حَتَّى قَدِمَ رَكْبٌ مِنْ قُضَاعَةَ ، قَالَتْ : وَإِنَّمَا أُرِيدُ أَنْ آتِيَ أَخِي بِالشَّامِ ، فَجِئْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فَقُلْتُ : قَدْ جَاءَنِي مِنْ قَوْمِي مَنْ لِي ثِقَةٌ وَبَلَاغٌ ، قَالَتْ : فَكَسَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ وَحَمَلَنِي وَأَعْطَانِي نَفَقَةً ، وَخَرَجْتُ مَعَهُمْ حَتَّى قَدِمْتُ الشَّامَ . قَالَ عَدِيُّ : فَوَاللَّهِ إِنِّي لَقَاعِدٌ فِي أَهْلِي ، إِذْ نَظَرْتُ إِلَى ظَعِينَةٍ تُصَوِّبُ إِلَيَّ ، تَؤُمُّنَّا , فَقُلْتُ : ابْنَةُ حَاتِمٍ ، قَالَ : فَإِذَا هِيَ هِيَ ، قَالَ : فَلَمَّا قَدِمَتْ عَلَيَّ انْسَحَلَتْ تَقُولُ : الْقَاطِعُ ، الظَّالِمُ ، احْتَمَلْتَ بِأَهْلِكِ وَوَلَدِكَ وَتَرَكْتَ بَقِيَّةَ وَالِدِكَ . قَالَ : قُلْتُ : يَا أُخَيَّةُ ، لَا تَقُولِي إِلَّا خَيْرًا , فَوَاللَّهِ مَالِي مِنْ عُذْرٍ ، قَدْ صَنَعْتُ مَا ذَكَرْتِ ، قَالَ : ثُمَّ نَزَلَتْ فَأَقَامَتْ عِنْدِي , فَقُلْتُ لَهَا : مَا تَرَيْنَ فِي أَمَرِ هَذَا الرَّجُلِ ؟ وَكَانَتِ امْرَأَةً حَازِمَةً ، قَالَتْ : أَرَى وَاللَّهِ أَنْ تَلْحَقَ بِهِ سَرِيعًا ، فَإِنْ يَكُنِ الرَّجُلُ نَبِيًّا فَالسَّبْقُ إِلَيْهِ أَفْضَلُ ، وَإِنْ يَكُنْ مَلِكًا فَلَنْ تَذِلَّ فِي عِزِّ الْيَمَنِ ، وَأَنْتَ أَنْتَ , وَأَبُوكَ أَبُوكَ ، مَعَ أَنِّي نُبِّئْتُ أَنَّ عِلْيَةَ أَصْحَابِهِ قَوْمُكَ , الْأَوْسُ وَالْخَزْرَجُ . قَالَ : فَخَرَجْتُ حَتَّى أَقْدُمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ الْمَدِينَةَ ، فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ وَهُوَ فِي مَسْجِدِهِ ، فَسَلَّمْتُ ، فَقَالَ : مَنِ الرَّجُلُ ؟ , فَقُلْتُ : عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ . قَالَ : فَانْطَلَقَ بِي إِلَى بَيْتِهِ ، إِذْ لَقِيَتْهُ امْرَأَةٌ ضَعِيفَةٌ كَبِيرَةٌ فَاسْتَوْقَفَتْهُ ، فَوَقَفَ لَهَا طَوِيلًا تُكَلِّمُهُ فِي حَاجَتِهَا ، فَقُلْتُ فِي نَفْسِي : وَاللَّهِ مَا هَذَا بِمَلِكٍ ، إِنَّ لِلْمَلِكِ لَحَالًا غَيْرَ هَذَا . ثُمَّ مَضَى حَتَّى إِذَا دَخَلَ بَيْتَهُ تَنَاوَلَ وِسَادَةً مِنْ أَدَمٍ مَحْشُوَّةً لِيفًا , فَقَدَّمَهَا إِلَيَّ , فَقَالَ : اجْلِسْ عَلَى هَذِهِ . فَقُلْتُ : لَا ، بَلْ أَنْتَ فَاجْلِسْ عَلَيْهَا . فَوَقَعَ فِي قَلْبِي أَنَّهُ بَرِيءٌ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَلِكًا ، فَجَلَسَ عَلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، فَرَأَى فِي عُنُقِي وَثَنًا مِنْ ذَهَبٍ ، فَتَلَا هَذِهِ الْآيَةَ {{ اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ }} فَقُلْتُ : وَاللَّهِ مَا كَانُوا يَعْبُدُونَهُمْ . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : أَلَيْسَ كَانُوا إِذَا أَحَلُّوا لَهُمْ شَيْئًا اسْتَحَلُّوهُ ، وَإِذَا حَرَّمُوا عَلَيْهِمْ شَيْئًا حَرَّمُوهُ ؟ قَالَ : قُلْتُ : بَلَى ، قَالَ : فَتِلْكَ عِبَادَتُهُمْ . قَالَ : إِيهًا يَا عَدِيُّ ، أَلَمْ تَكُنْ رَكُوسِيًّا ؟ قَالَ : قُلْتُ : بَلَى . قَالَ : أَوَلَمْ تَكُنْ تَسِيرُ فِي قَوْمِكَ بِالْمِرْبَاعِ ؟ قَالَ : قُلْتُ : بَلَى ، قَالَ : فَإِنَّ ذَلِكَ لَمْ يَحِلَّ لَكَ فِي دِينِكَ قَالَ : قُلْتُ : أَجَلْ وَاللَّهِ ، قَالَ : فَعَرَفْتُ أَنَّهُ نَبِيُّ مُرْسَلٌ يَعْرِفُ مَا نَجْهَلُ . ثُمَّ قَالَ : لَعَلَّكَ يَا عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ إِنَّمَا يَمْنَعُكَ مِنَ الدُّخُولِ فِي هَذَا الدِّينِ مَا تَرَى مِنْ حَاجَتِهِمْ ، فَوَاللَّهِ لَيُوشِكَنَّ الْمَالُ يَفِيضُ فِيهِمْ حَتَّى لَا يُوجَدُ مَنْ يَأْخُذُهُ ، وَلَعَلَّهُ إِنَّمَا يَمْنَعُكُ مَا تَرَى مِنْ كَثْرَةِ عَدُوِّهِمْ وَقِلَّةِ عَدَدِهِمْ ، فَوَاللَّهِ لَيُوشِكَنَّ يُسْمَعُ بِالْمَرْأَةِ تَخْرُجُ مِنَ الْقَادِسِيَّةِ عَلَى بَعِيرٍ حَتَّى تَزُورَ هَذَا الْبَيْتَ لَا تَخَافُ ، وَلَعَلَّكَ إِنَّمَا يَمْنَعُكَ مِنَ الدُّخُولِ فِيهِ أَنَّ الْمُلْكَ وَالسُّلْطَانَ فِي غَيْرِهِمْ ، وَأَيْمُ اللَّهِ ، لَيُوشِكَنَّ أَنْ يُسْمَعَ بِالْقُصُورِ الْبِيضِ مِنْ أَرْضِ بَابِلَ قَدْ فُتِحَتْ عَلَيْهِمْ . فَقَالَ عَدِيُّ : فَأَسْلَمْتُ ، فَكَانَ عَدِيُّ يَقُولُ : قَدْ مَضَتِ اثْنَتَانِ وَبَقِيَتْ وَاحِدَةٌ : لَيَفِيضَنَّ الْمَالُ حَتَّى لَا يُوجَدُ مَنْ يَأْخُذُهُ

    ذنبا: الذنب : الذيل
    وطئ: وطئ : وضع قدمه على الأرض أو على الشيء وداس عليه ، ونزل بالمكان
    فآذني: الأذَانِ والإذن : هو الإعْلام بالشيء أو الإخبار به
    غداة: الغداة : ما بين الفجر وطلوع الشمس
    الغارة: الغارة : الهجوم على العدو
    جزلة: الجزلة : ذات عقل ورأي
    من: المن : الإحسان والإنعام
    آذنيني: الأذَانِ والإذن : هو الإعْلام بالشيء أو الإخبار به
    سبيت: سبيت : أسرت
    ظعينة: الظعن : جمع ظعينة وهي المرأة ، وقيل : المرأة في الهودج
    أدم: الأدم : الجلد المدبوغ
    وثنا: الوَثَن : كلُّ ما لَه جُثَّة مَعْمولة من جَواهِر الأرض أو من الخَشَب والحِجارة، كصُورة الآدَميّ تُعْمَل وتُنْصَب فتُعْبَد. والصَّنَم : الصُّورة بِلا جُثَّة. ومنهم من لم يَفْرُق بَيْنَهما.
    ركوسيا: الركوسية : دين بين النصارى والصابئين
    أَلَمْ أَجْعَلْ لَكَ سَمْعًا وَبَصَرًا ؟ فَيَقُولُ : بَلَى ، فَيَقُولُ
    لا توجد بيانات

    Fatal error: Uncaught TypeError: sizeof(): Argument #1 ($value) must be of type Countable|array, null given in /home/islamarchive/public_html/production/views/hadith.php:411 Stack trace: #0 /home/islamarchive/public_html/production/core/DB.php(360): require_once() #1 /home/islamarchive/public_html/production/pages/hadith.php(282): DB->view('/home/islamarch...', Array) #2 /home/islamarchive/public_html/production/index.php(29): include('/home/islamarch...') #3 {main} thrown in /home/islamarchive/public_html/production/views/hadith.php on line 411