عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ : " {{ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحَرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ }} قَالَ : كَانُوا لَا يَقْتُلُونَ الرَّجُلَ بِالْمَرْأَةِ ، وَلَكِنْ يَقْتُلُونَ الرَّجُلَ بِالرَّجُلِ وَالْمَرْأَةَ بِالْمَرْأَةِ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : {{ النَّفْسُ بِالنَّفْسِ }} قَالَ : فَجَعَلَ الْأَحْرَارَ فِي الْقِصَاصِ سَوَاءً فِيمَا بَيْنَهُمْ فِي الْعَمْدِ ، رِجَالُهُمْ وَنِسَاؤُهُمْ فِي النَّفْسِ وَفِيمَا دُونَ النَّفْسِ مُتَسَاوِينَ فِيمَا بَيْنَهُمْ فِي الْعَمْدِ فِي النَّفْسِ ، وَفِيمَا دُونَ النَّفْسِ رِجَالُهُمْ وَنِسَاؤُهُمْ "
أَخْبَرَنَا عَلِيٌّ قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ : {{ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحَرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ }} قَالَ : كَانُوا لَا يَقْتُلُونَ الرَّجُلَ بِالْمَرْأَةِ ، وَلَكِنْ يَقْتُلُونَ الرَّجُلَ بِالرَّجُلِ وَالْمَرْأَةَ بِالْمَرْأَةِ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : {{ النَّفْسُ بِالنَّفْسِ }} قَالَ : فَجَعَلَ الْأَحْرَارَ فِي الْقِصَاصِ سَوَاءً فِيمَا بَيْنَهُمْ فِي الْعَمْدِ ، رِجَالُهُمْ وَنِسَاؤُهُمْ فِي النَّفْسِ وَفِيمَا دُونَ النَّفْسِ مُتَسَاوِينَ فِيمَا بَيْنَهُمْ فِي الْعَمْدِ فِي النَّفْسِ ، وَفِيمَا دُونَ النَّفْسِ رِجَالُهُمْ وَنِسَاؤُهُمْ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ : يَذْهَبُ ابْنُ عَبَّاسٍ فِيمَا نَرَى إِلَى أَنَّ الْآيَةَ الَّتِي فِي الْمَائِدَةِ {{ النَّفْسُ بِالنَّفْسِ }} لَيْسَتْ بِنَاسِخَةٍ لِلَّتِي فِي الْبَقَرَةِ : {{ الْحَرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ }} وَلَا هِيَ خِلَافُهَا ، وَلَكِنَّهُمَا جَمِيعًا مُحْكَمَتَانِ ، إِلَّا أَنَّهُ رَأَى أَنَّ الَّتِي فِي الْمَائِدَةِ كَالْمُفَسِّرَةِ لِلَّتِي فِي الْبَقَرَةِ فَتَأَوَّلَ أَنَّ قَوْلَهُ : {{ النَّفْسُ بِالنَّفْسِ }} إِنَّمَا هُوَ عَلَى أَنَّ أَنْفُسَ الْأَحْرَارِ مُتَسَاوِيَةٌ فِيمَا بَيْنَهُمْ دُونَ الْعَبِيدِ ، وَأَنَّهُمْ يَتَكَافَئُونَ دِمَاؤُهُمْ ذُكُورًا كَانُوا أَمْ إِنَاثًا ، وَأَنَّ أَنْفُسَ الْمَمَالِيكِ مُتَسَاوِيَةٌ فِيمَا بَيْنَهُمْ دُونَ الْأَحْرَارِ تتكافأ دماؤهم ذكورا كانوا أم أناثا ، وأنه لا قصاص للماليك على الأحرار فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ مِنْ نَفْسٍ ، وَلَا مَا دُونَهَا لِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ : {{ الْحَرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ }} وَهَذَا قَوْلُ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ وَأَهْلِ الْحِجَازِ ، لَا يَرَوْنَ أَنْ يُقْتَصَّ مِنَ الْحَرِّ لِلْمَمْلُوكِ فِي نَفْسٍ وَلَا غَيْرِهِمَا ، وَأَمَّا أَهْلُ الْعِرَاقِ ، فَيَرَوْنَ أَنَّ مَنْ رَأَى مِنْهُمْ أَنَّ آيَةَ : {{ الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ }} مَنْسُوخَةٌ نَسَخَتْهَا : {{ النَّفْسُ بِالنَّفْسِ }} فِي قَوْلِهِ ، فَيَجْعَلُونَ بَيْنَ الْأَحْرَارِ وَالْعَبِيدِ الْقِصَاصَ فِي النَّفْسِ خَاصَّةً وَلَا يَرَوْنَ فِيمَا دُونَ ذَلِكَ بَيْنَهُمْ قِصَاصًا قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ : وَالْقَوْلُ الَّذِي نَخْتَارُهُ فِي هَذَا مَا قَالَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ مِنْ جِهَتَيْنِ أَحَدِهِمَا : تَأْوِيلُ الْقُرْآنِ الَّذِي فَسَّرَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالْأُخْرَى أَنَّهُ قَوْلٌ يُوَافِقُ بَعْضُهُ بَعْضًا وَلَا يَخْتَلِفُ ، وَأَمَّا الْقَوْلُ الْآخَرُ فَلَيْسَ بِمُتَّفِقٍ مِنَ التَّنْزِيلِ إِنَّمَا هُوَ عَلَى نَسَقٍ وَاحِدٍ : {{ أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ }} ، فَأَخَذَ هَؤُلَاءِ بِأَوَّلِ الْآيَةِ وَهُوَ قَوْلُهُ : {{ النَّفْسُ بِالنَّفْسِ }} وَتَرَكُوا مَا وَرَاءَ ذَلِكَ ، وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ مَا جَمَعَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَيَأْخُذَ بِبَعْضِهِ دُونَ بَعْضٍ إِلَّا أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ ذَلِكَ كِتَابٌ أَوْ سُنَّةٌ ، فَهَذَا مَا نُسِخَ مِنْ حُدُودِ الْقُرْآنِ ، وَأَمَّا مَا نُسِخَ مِنْ حُدُودِ السُّنَّةِ