أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ ، قَالَ : " لَمَّا أُمِرَ إِبْرَاهِيمُ خَلِيلُ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ يَبْنِيَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ ، أَقْبَلَ مِنْ أَرْمِينِيَةَ عَلَى الْبُرَاقِ ، مَعَهُ السَّكِينَةُ ، لَهَا وَجْهٌ يَتَكَلَّمُ ، وَهِيَ بَعْدُ رِيحٌ هَفَّافَةٌ ، وَمَعَهُ مَلَكٌ يَدُلُّهُ عَلَى مَوْضِعِ الْبَيْتِ ، حَتَّى انْتَهَى إِلَى مَكَّةَ ، وَبِهَا إِسْمَاعِيلُ ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ ابْنُ عِشْرِينَ سَنَةً ، وَقَدْ تُوُفِّيَتْ أُمُّهُ قَبْلَ ذَلِكَ ، وَدُفِنَتْ فِي مَوْضِعِ الْحَجَرِ ، فَقَالَ : يَا إِسْمَاعِيلُ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَمَرَنِي أَنَّ أَبْنِيَ لَهُ بَيْتًا ، فَقَالَ لَهُ إِسْمَاعِيلُ : وَأَيْنَ مَوْضِعُهُ ؟ قَالَ : فَأَشَارَ لَهُ الْمَلَكُ إِلَى مَوْضِعِ الْبَيْتِ ، قَالَ : فَقَامَا يَحْفِرَانِ عَنِ الْقَوَاعِدِ ، لَيْسَ مَعَهُمَا غَيْرُهُمَا ، فَبَلَغَ إِبْرَاهِيمُ الْأَسَاسَ أَسَاسَ آدَمَ الْأَوَّلَ فَحَفَرَ عَنْ رَبَضٍ فِي الْبَيْتِ ، فَوَجَدَ حِجَارَةً عِظَامًا ، مَا يُطِيقُ الْحَجَرَ مِنْهَا ثَلَاثُونَ رَجُلًا ، ثُمَّ بَنَى عَلَى أَسَاسِ آدَمَ الْأَوَّلِ ، وَتَطَوَّقَتِ السَّكِينَةُ كَأَنَّهَا حَيَّةٌ عَلَى الْأَسَاسِ الْأَوَّلِ ، وَقَالَتْ : يَا إِبْرَاهِيمُ ابْنِ عَلَيَّ فَبَنَى عَلَيْهَا ، فَلِذَلِكَ لَا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ أَعْرَابِيٌّ نَافِرٌ ، وَلَا جَبَّارٌ إِلَّا رَأَيْتَ عَلَيْهِ السَّكِينَةَ ، فَبَنَى الْبَيْتَ ، وَجَعَلَ طُولَهُ فِي السَّمَاءِ تِسْعَةَ أَذْرُعٍ ، وَعَرْضَهُ فِي الْأَرْضِ اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ ذِرَاعًا مِنَ الرُّكْنِ الْأَسْوَدِ إِلَى الرُّكْنِ الشَّامِيِّ الَّذِي عِنْدَ الْحَجَرِ مِنْ وَجْهِهِ ، وَجَعَلَ عَرْضَ مَا بَيْنَ الرُّكْنِ الشَّامِيِّ إِلَى الرُّكْنِ الْغَرْبِيِّ الَّذِي فِيهِ الْحَجَرُ اثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ ذِرَاعًا ، وَجَعَلَ طُولَ ظَهْرِهَا مِنَ الرُّكْنِ الْغَرْبِيِّ إِلَى الرُّكْنِ الْيَمَانِي أَحَدًا وَثَلَاثِينَ ذِرَاعًا ، وَجَعَلَ عَرْضَ شِقِّهَا الْيَمَانِيَّ مِنَ الرُّكْنِ الْأَسْوَدِ إِلَى الرُّكْنِ الْيَمَانِي عِشْرِينَ ذِرَاعًا ، فَلِذَلِكَ سُمِّيَتِ الْكَعْبَةَ لِأَنَّهَا عَلَى خِلْقَةِ الْكَعْبِ ، قَالَ : وَكَذَلِكَ بُنْيَانُ أَسَاسِ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، وَجَعَلَ بَابَهَا بِالْأَرْضِ غَيْرَ مُبَوَّبٍ حَتَّى كَانَ تُبَّعٌ أَسْعَدُ الْحِمْيَرِيُّ هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَهَا بَابًا ، وَغَلَقًا فَارِسِيًّا ، وَكَسَاهَا كِسْوَةً تَامَّةً ، وَنَحَرَ عِنْدَهَا . قَالَ : وَجَعَلَ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ الْحَجَرَ إِلَى جَنْبِ الْبَيْتِ عَرِيشًا مِنْ أَرَاكٍ ، تَقْتَحِمُهُ الْعَنْزُ ، فَكَانَ زَرِبًا لِغَنَمِ إِسْمَاعِيلَ ، قَالَ : وَحَفَرَ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ جُبًّا فِي بَطْنِ الْبَيْتِ ، عَلَى يَمِينِ مَنْ دَخَلَهُ ، يَكُونُ خِزَانَةً لِلْبَيْتِ يُلْقَى فِيهِ مَا يُهْدَى لِلْكَعْبَةِ ، وَهُوَ الْجُبُّ الَّذِي نَصَبَ عَلَيْهِ عَمْرُو بْنُ لُحَيٍّ ، هُبَلَ الصَّنَمَ الَّذِي كَانَتْ قُرَيْشٌ تَعْبُدُهُ ، وَيُسْتَقْسَمُ عِنْدَهُ بِالْأَزْلَامِ حِينَ جَاءَ بِهِ مِنْ هَيْتَ مِنْ أَرْضِ الْجَزِيرَةِ . قَالَ : وَكَانَ إِبْرَاهِيمُ يَبْنِي ، وَيَنْقِلُ لَهُ إِسْمَاعِيلُ الْحِجَارَةَ عَلَى رَقَبَتِهِ ، فَلَمَّا ارْتَفَعَ الْبُنْيَانُ ، قَرَّبَ لَهُ الْمَقَامَ ، فَكَانَ يَقُومُ عَلَيْهِ وَيَبْنِي وَيُحَوِّلُهُ إِسْمَاعِيلُ فِي نَوَاحِي الْبَيْتِ ، حَتَّى انْتَهَى إِلَى مَوْضِعِ الرُّكْنِ الْأَسْوَدِ ، قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِإِسْمَاعِيلَ : يَا إِسْمَاعِيلُ أَبْغِنِي حَجَرًا أَضَعْهُ هَاهُنَا يَكُونُ لِلنَّاسِ عَلَمًا يَبْتَدِئُونَ مِنْهُ الطَّوَافَ . فَذَهَبَ إِسْمَاعِيلُ يَطْلُبُ لَهُ حَجَرًا ، وَرَجَعَ وَقَدْ جَاءَهُ جِبْرِيلُ بِالْحَجَرِ الْأَسْوَدِ ، وَكَانَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ اسْتَوْدَعَ الرُّكْنَ أَبَا قُبَيْسٍ حِينَ غَرَّقَ اللَّهُ الْأَرْضَ زَمَنَ نُوحٍ ، وَقَالَ : إِذَا رَأَيْتَ خَلِيلِيَ يَبْنِي بَيْتِي فَأَخْرِجْهُ لَهُ ، قَالَ : فَجَاءَهُ إِسْمَاعِيلُ فَقَالَ لَهُ : يَا أَبِهِ ، مِنْ أَيْنَ لَكَ هَذَا ؟ قَالَ : جَاءَنِي بِهِ مَنْ لَمْ يَكِلْنِي إِلَى حَجَرِكَ جَاءَكَ بِهِ جِبْرِيلُ ، فَلَمَّا وَضَعَ جِبْرِيلُ الْحَجَرَ فِي مَكَانِهِ ، وَبَنَى عَلَيْهِ إِبْرَاهِيمُ وَهُوَ حِينَئِذٍ يَتَلَأْلَأُ تَلَأْلُؤًا مِنْ شِدَّةِ بَيَاضِهِ فَأَضَاءَ نُورُهُ شَرْقًا وَغَرْبًا وَيَمَنًا وَشَامًا ، قَالَ : فَكَانَ نُورُهُ يُضِيءُ إِلَى مُنْتَهَى أَنْصَابِ الْحَرَمِ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ مِنْ نَوَاحِي الْحَرَمِ قَالَ : وَإِنَّمَا شِدَّةُ سَوَادِهِ لِأَنَّهُ أَصَابَهُ الْحَرِيقُ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ ، وَالْإِسْلَامِ . فَأَمَّا حَرِيقُهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ ، فَإِنَّهُ ذَهَبَتِ امْرَأَةٌ فِي زَمَنِ قُرَيْشٍ تُجَمِّرُ الْكَعْبَةَ فَطَارَتْ شَرَارَةٌ فِي أَسْتَارِ الْكَعْبَةِ فَاحْتَرَقَتِ الْكَعْبَةُ ، وَاحْتَرَقَ الرُّكْنُ الْأَسْوَدُ ، وَاسْوَدَّ وَتَوَهَّنَتِ الْكَعْبَةُ ، فَكَانَ هُوَ الَّذِي هَاجَ قُرَيْشًا عَلَى هَدْمِهَا وَبِنَائِهَا . وَأَمَّا حَرِيقُهُ فِي الْإِسْلَامِ فَفِي عَصْرِ ابْنِ الزُّبَيْرِ أَيَّامَ حَاصَرَهُ الْحُصَيْنُ بْنُ نُمَيْرٍ الْكِنْدِيُّ ، احْتَرَقَتِ الْكَعْبَةُ وَاحْتَرَقَ الرُّكْنُ فَتَفَلَّقَ بِثَلَاثِ فِلَقٍ حَتَّى شَدَّ شُعَبَهُ ابْنُ الزُّبَيْرِ بِالْفِضَّةِ فَسَوَادُهُ لِذَلِكَ ، قَالَ : وَلَوْلَا مَا مَسَّ الرُّكْنَ مِنْ أَنْجَاسِ الْجَاهِلِيَّةِ وَأَرْجَاسِهَا مَا مَسَّهُ ذُو عَاهَةٍ إِلَّا شُفِيَ
حَدَّثَنِي جَدِّي ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ سَالِمٍ ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ سَاجٍ ، قَالَ : أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ ، قَالَ : لَمَّا أُمِرَ إِبْرَاهِيمُ خَلِيلُ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ يَبْنِيَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ ، أَقْبَلَ مِنْ أَرْمِينِيَةَ عَلَى الْبُرَاقِ ، مَعَهُ السَّكِينَةُ ، لَهَا وَجْهٌ يَتَكَلَّمُ ، وَهِيَ بَعْدُ رِيحٌ هَفَّافَةٌ ، وَمَعَهُ مَلَكٌ يَدُلُّهُ عَلَى مَوْضِعِ الْبَيْتِ ، حَتَّى انْتَهَى إِلَى مَكَّةَ ، وَبِهَا إِسْمَاعِيلُ ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ ابْنُ عِشْرِينَ سَنَةً ، وَقَدْ تُوُفِّيَتْ أُمُّهُ قَبْلَ ذَلِكَ ، وَدُفِنَتْ فِي مَوْضِعِ الْحَجَرِ ، فَقَالَ : يَا إِسْمَاعِيلُ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَمَرَنِي أَنَّ أَبْنِيَ لَهُ بَيْتًا ، فَقَالَ لَهُ إِسْمَاعِيلُ : وَأَيْنَ مَوْضِعُهُ ؟ قَالَ : فَأَشَارَ لَهُ الْمَلَكُ إِلَى مَوْضِعِ الْبَيْتِ ، قَالَ : فَقَامَا يَحْفِرَانِ عَنِ الْقَوَاعِدِ ، لَيْسَ مَعَهُمَا غَيْرُهُمَا ، فَبَلَغَ إِبْرَاهِيمُ الْأَسَاسَ أَسَاسَ آدَمَ الْأَوَّلَ فَحَفَرَ عَنْ رَبَضٍ فِي الْبَيْتِ ، فَوَجَدَ حِجَارَةً عِظَامًا ، مَا يُطِيقُ الْحَجَرَ مِنْهَا ثَلَاثُونَ رَجُلًا ، ثُمَّ بَنَى عَلَى أَسَاسِ آدَمَ الْأَوَّلِ ، وَتَطَوَّقَتِ السَّكِينَةُ كَأَنَّهَا حَيَّةٌ عَلَى الْأَسَاسِ الْأَوَّلِ ، وَقَالَتْ : يَا إِبْرَاهِيمُ ابْنِ عَلَيَّ فَبَنَى عَلَيْهَا ، فَلِذَلِكَ لَا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ أَعْرَابِيٌّ نَافِرٌ ، وَلَا جَبَّارٌ إِلَّا رَأَيْتَ عَلَيْهِ السَّكِينَةَ ، فَبَنَى الْبَيْتَ ، وَجَعَلَ طُولَهُ فِي السَّمَاءِ تِسْعَةَ أَذْرُعٍ ، وَعَرْضَهُ فِي الْأَرْضِ اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ ذِرَاعًا مِنَ الرُّكْنِ الْأَسْوَدِ إِلَى الرُّكْنِ الشَّامِيِّ الَّذِي عِنْدَ الْحَجَرِ مِنْ وَجْهِهِ ، وَجَعَلَ عَرْضَ مَا بَيْنَ الرُّكْنِ الشَّامِيِّ إِلَى الرُّكْنِ الْغَرْبِيِّ الَّذِي فِيهِ الْحَجَرُ اثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ ذِرَاعًا ، وَجَعَلَ طُولَ ظَهْرِهَا مِنَ الرُّكْنِ الْغَرْبِيِّ إِلَى الرُّكْنِ الْيَمَانِي أَحَدًا وَثَلَاثِينَ ذِرَاعًا ، وَجَعَلَ عَرْضَ شِقِّهَا الْيَمَانِيَّ مِنَ الرُّكْنِ الْأَسْوَدِ إِلَى الرُّكْنِ الْيَمَانِي عِشْرِينَ ذِرَاعًا ، فَلِذَلِكَ سُمِّيَتِ الْكَعْبَةَ لِأَنَّهَا عَلَى خِلْقَةِ الْكَعْبِ ، قَالَ : وَكَذَلِكَ بُنْيَانُ أَسَاسِ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، وَجَعَلَ بَابَهَا بِالْأَرْضِ غَيْرَ مُبَوَّبٍ حَتَّى كَانَ تُبَّعٌ أَسْعَدُ الْحِمْيَرِيُّ هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَهَا بَابًا ، وَغَلَقًا فَارِسِيًّا ، وَكَسَاهَا كِسْوَةً تَامَّةً ، وَنَحَرَ عِنْدَهَا . قَالَ : وَجَعَلَ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ الْحَجَرَ إِلَى جَنْبِ الْبَيْتِ عَرِيشًا مِنْ أَرَاكٍ ، تَقْتَحِمُهُ الْعَنْزُ ، فَكَانَ زَرِبًا لِغَنَمِ إِسْمَاعِيلَ ، قَالَ : وَحَفَرَ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ جُبًّا فِي بَطْنِ الْبَيْتِ ، عَلَى يَمِينِ مَنْ دَخَلَهُ ، يَكُونُ خِزَانَةً لِلْبَيْتِ يُلْقَى فِيهِ مَا يُهْدَى لِلْكَعْبَةِ ، وَهُوَ الْجُبُّ الَّذِي نَصَبَ عَلَيْهِ عَمْرُو بْنُ لُحَيٍّ ، هُبَلَ الصَّنَمَ الَّذِي كَانَتْ قُرَيْشٌ تَعْبُدُهُ ، وَيُسْتَقْسَمُ عِنْدَهُ بِالْأَزْلَامِ حِينَ جَاءَ بِهِ مِنْ هَيْتَ مِنْ أَرْضِ الْجَزِيرَةِ . قَالَ : وَكَانَ إِبْرَاهِيمُ يَبْنِي ، وَيَنْقِلُ لَهُ إِسْمَاعِيلُ الْحِجَارَةَ عَلَى رَقَبَتِهِ ، فَلَمَّا ارْتَفَعَ الْبُنْيَانُ ، قَرَّبَ لَهُ الْمَقَامَ ، فَكَانَ يَقُومُ عَلَيْهِ وَيَبْنِي وَيُحَوِّلُهُ إِسْمَاعِيلُ فِي نَوَاحِي الْبَيْتِ ، حَتَّى انْتَهَى إِلَى مَوْضِعِ الرُّكْنِ الْأَسْوَدِ ، قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِإِسْمَاعِيلَ : يَا إِسْمَاعِيلُ أَبْغِنِي حَجَرًا أَضَعْهُ هَاهُنَا يَكُونُ لِلنَّاسِ عَلَمًا يَبْتَدِئُونَ مِنْهُ الطَّوَافَ . فَذَهَبَ إِسْمَاعِيلُ يَطْلُبُ لَهُ حَجَرًا ، وَرَجَعَ وَقَدْ جَاءَهُ جِبْرِيلُ بِالْحَجَرِ الْأَسْوَدِ ، وَكَانَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ اسْتَوْدَعَ الرُّكْنَ أَبَا قُبَيْسٍ حِينَ غَرَّقَ اللَّهُ الْأَرْضَ زَمَنَ نُوحٍ ، وَقَالَ : إِذَا رَأَيْتَ خَلِيلِيَ يَبْنِي بَيْتِي فَأَخْرِجْهُ لَهُ ، قَالَ : فَجَاءَهُ إِسْمَاعِيلُ فَقَالَ لَهُ : يَا أَبِهِ ، مِنْ أَيْنَ لَكَ هَذَا ؟ قَالَ : جَاءَنِي بِهِ مَنْ لَمْ يَكِلْنِي إِلَى حَجَرِكَ جَاءَكَ بِهِ جِبْرِيلُ ، فَلَمَّا وَضَعَ جِبْرِيلُ الْحَجَرَ فِي مَكَانِهِ ، وَبَنَى عَلَيْهِ إِبْرَاهِيمُ وَهُوَ حِينَئِذٍ يَتَلَأْلَأُ تَلَأْلُؤًا مِنْ شِدَّةِ بَيَاضِهِ فَأَضَاءَ نُورُهُ شَرْقًا وَغَرْبًا وَيَمَنًا وَشَامًا ، قَالَ : فَكَانَ نُورُهُ يُضِيءُ إِلَى مُنْتَهَى أَنْصَابِ الْحَرَمِ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ مِنْ نَوَاحِي الْحَرَمِ قَالَ : وَإِنَّمَا شِدَّةُ سَوَادِهِ لِأَنَّهُ أَصَابَهُ الْحَرِيقُ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ ، وَالْإِسْلَامِ . فَأَمَّا حَرِيقُهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ ، فَإِنَّهُ ذَهَبَتِ امْرَأَةٌ فِي زَمَنِ قُرَيْشٍ تُجَمِّرُ الْكَعْبَةَ فَطَارَتْ شَرَارَةٌ فِي أَسْتَارِ الْكَعْبَةِ فَاحْتَرَقَتِ الْكَعْبَةُ ، وَاحْتَرَقَ الرُّكْنُ الْأَسْوَدُ ، وَاسْوَدَّ وَتَوَهَّنَتِ الْكَعْبَةُ ، فَكَانَ هُوَ الَّذِي هَاجَ قُرَيْشًا عَلَى هَدْمِهَا وَبِنَائِهَا . وَأَمَّا حَرِيقُهُ فِي الْإِسْلَامِ فَفِي عَصْرِ ابْنِ الزُّبَيْرِ أَيَّامَ حَاصَرَهُ الْحُصَيْنُ بْنُ نُمَيْرٍ الْكِنْدِيُّ ، احْتَرَقَتِ الْكَعْبَةُ وَاحْتَرَقَ الرُّكْنُ فَتَفَلَّقَ بِثَلَاثِ فِلَقٍ حَتَّى شَدَّ شُعَبَهُ ابْنُ الزُّبَيْرِ بِالْفِضَّةِ فَسَوَادُهُ لِذَلِكَ ، قَالَ : وَلَوْلَا مَا مَسَّ الرُّكْنَ مِنْ أَنْجَاسِ الْجَاهِلِيَّةِ وَأَرْجَاسِهَا مَا مَسَّهُ ذُو عَاهَةٍ إِلَّا شُفِيَ