عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " مَثَلُ الَّذِي يَتَكَلَّمُ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا "
أَخْبَرَنَا الْحَضْرَمِيُّ ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ ، ثنا أَبِي ، عَنْ مُجَالِدٍ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، قَالَ : مَثَلُ الَّذِي يَتَكَلَّمُ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا الْأَسْفَارُ : وَاحِدُهُمَا سِفْرٌ ، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى : {{ بِأَيْدِي سَفَرَةٍ كِرَامٍ بَرَرَةٍ }} . السَّفَرَةُ : الْكَتَبَةُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ ، وَيُقَالُ إِنَّهُمْ مَلَائِكَةُ السَّمَاءِ الدُّنْيَا الَّذِينَ يُحْصُونَ أَعْمَالَ الْعِبَادِ وَقَالَ بَعْضُ الشُّعَرَاءِ - يُعَيِّرُ قَوْمًا بِالرِّوَايَةِ دُونَ الدِّرَايَةِ : زَوَامِلُ لِلَأْسَفَارِ لَا عَلِمَ عِنْدَهُمُ بِجَيِّدِهَا إِلَّا كعلمِ الْأَبَاعِرِ لَعَمْرُكَ مَا تَدْرِي الْمَطِيُّ إِذَا غَدَا بِأَحْمَالِهِ أَوْ رَاحَ مَا فِي الْغَرَائِرِ وَهَذَا مَثَلٌ لِمَنْ شَهِدَ الْجُمُعَةَ بِجِسْمِهِ ، وَلَمْ يَشْهَدْهَا بِقَلْبِهِ ، فَجَهِلَ مَا يَجُوزُ مِنْ ثَوَابِهَا بِحُضُورِهِ إِذَا أَنْصَتَ وَاسْتَمَعَ وَلَمْ يَلْغُ ، فَهُوَ كَالْحِمَارِ الَّذِي لَا يَعْقِلُ . وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى : {{ مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ }} . وَضَرَبَ اللَّهُ هَذَا مَثَلًا لِلَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ وَلَمْ يَحْمِلُوا مَا فِيهَا مِنَ الْأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي ، فَصَارُوا بِمَنْزِلَةِ مَنْ لَمْ يَحْمِلْهَا لِعَدِمِ الِانْتِفَاعِ بِهَا ، وَخَصَّ الْحِمَارَ بِهَذَا الْمَثَلِ لِأَنَّهُ الْمَذْمُومُ عِنْدَ الْعَرَبِ مِنَ الدَّوَابِّ ، وَالْغَايَةُ فِيمَا يُسْتَبْهَمُ ، وَهُمْ يَقُولُونَ لِلْإِنْسَانِ الْمَذْمُومِ : كَأَنَّهُ حِمَارٌ ، أَوْ كَأَنَّهُ عِيرٌ . أَنْشَدَنَا ابْنُ عَرَفَةَ ، أَنْشَدَنَا أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى ، عَنِ ابْنِ الْأَعْرَابِيِّ : دُفِعْتُ إِلَى شَيْخٍ بِجَنْبِ فِنَائِهِ هُوَ الْعِيرُ إِلَّا أَنَّهُ يَتَكَلَّمُ وَقَالَ الْفَرَزْدَقُ : سَوَاسَيَةٌ سُودُ الْوُجُوهِ كَأَنَّهُمْ حَمِيرُ بَنِي ذَكْوَانَ إِذْ ثَارَ صَيْقُهَا ، وَالصَّيْقُ : الْغُبَارُ وَضَرَبَ اللَّهُ لِلْمُعْرِضِينَ عَنِ الذِّكْرِ النَّائِينَ عَنْهُ مَثَلَ الْحَمِيرِ الْمُسْتَنْفِرِةِ مِمَّنْ يُقْسِرُهَا وَيَقْهَرَهَا ، قَالَ : {{ كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ }} ، وَكَذَلِكَ قَالَ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : أَمَا يَخْشَى الَّذِي يَرْفَعُ رَأْسَهُ قَبْلَ الْإِمَامِ أَنْ يُحَوِّلَ اللَّهُ رَأْسَهُ رَأْسَ حِمَارٍ ؟ . وَيُرْوَى وَجْهَهُ وَجْهَ حِمَارٍ ، وَاعْتَرَضَ بَعْضُ مَنْ يَتَحَلَّى بِالْخِلَافِ عَلَى الْأَثَرِ وَيَطْعَنُ عَلَى أَهْلِهِ فَقَالَ : وَكَيْفَ لَحِقَ هَذَا الذَّنْبِ الْيَسِيرِ مِثْلُ هَذَا الْوَعِيدِ الْعَظِيمِ فَقَالَ فِيهِ قَوْلًا قَبِيحًا ؟ وَإِنَّمَا الْمَعْنَى : أَمَا يَخْشَى مَنْ جَهِلَ الِاقْتِدَاءَ بِإِمَامِهِ ، وَقَدْ قَامَ مَقَامَ الْمُقْتَدِي أَنْ يُشْرِكَ الْبَهِيمَةَ فِي صُورَتِهِ كَمَا شَرَكَهُ فِي جَهْلِهِ ؟ وَهَذَا عَلَى الْمُبَالَغَةِ فِي ذَمِّ الْجَهْلِ ، وَأَهْلِهِ ، وَخُصَّ الْحِمَارُ بِذَلِكَ لِمَا قَدَّمْنَا الْقَوْلَ فِيهِ ، وَلَأَنَّ الْعَرَبَ تَجْعَلُهُ الْغَايَةَ فِيمَا تَسْتَبْهِمُ وَتَذُمُّ وَتَسْتَجِهِلُ ، حَتَّى ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ بِفَسَادِ الدِّينِ ، كَمَا قَالَ الْأَخْطَلُ : فَدِينُكَ عِنْدِي كَدِينِ الْحِمَارِ بَلْ أَنْتَ أَكْفُرُ مِنْ هُرْمُزِ وَلِهَذَا قَالَتِ الْإِخْوَةُ مِنَ الْأَبِ وَالْأُمِّ لِعُمَرَ حِينَ أَسْهَمَ لِلْإخْوَةِ مِنَ الْأُمِّ دُونَهُمْ : هَبَ أَنَّ أَبَانَا كَانَ حِمَارًا . وَلِذَلِكَ قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ حِينَ بَالَغَ فِي ذَمِّ الدَّهْرِ ، وَصَرْفِهِ الْأُمُورَ عَنْ جِهَتِهَا ، وَإِجْرَائِهَا عَلَى غَيْرِ حَقَائِقِهَا : فَلَوْ ذَهَبَتْ سِتَارُ الدَّهْرِ عَنْهُ وَأُلْقِيَ عَنْ مَنَاكِبِهِ الدِّثَارُ لَعَدَّلَ قِسْمَةَ الْأَيَّامِ فِينَا وَلَكِنْ دَهْرُنَا هَذَا حِمَارُ وَقَالَ حَيَّانُ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ مَالِكٍ : إِذَا حَلَّ أَهْلِي بِالشَّرِيَّةِ فَاللِّوَى فَلَيْسَ عَلَى قَتْلِي لَبِيدٌ بِقَادِرِ وَلَا تَقْتُلُونِي وَاقْتُلُوا بِأَخِيكُمُ حِمَارًا مَهِينًا مِنْ حَمِيرِ قَرَاقِرِ