سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ ، يَقُولُ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّمَا مَثَلِي وَمَثَلُ النَّاسِ كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتَوْقَدَ نَارًا ، فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ جَعَلَ الْفَرَاشُ وَالذُّبَابُ يَقْتَحِمُونَ فِيهَا ، فَأَنَا آخِذٌ بِحُجَزِكُمْ عَنِ النَّارِ وَأَنْتُمْ تَقْتَحِمُونَ فِيهَا "
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُوسَى ، ثنا أَبُو الْمُغَلِّسِ النُّمَيْرِيُّ ، ثنا الْفُضَيْلُ بْنُ سُلَيْمَانَ ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ التَّمَّارِ ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ ، يَقُولُ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : إِنَّمَا مَثَلِي وَمَثَلُ النَّاسِ كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتَوْقَدَ نَارًا ، فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ جَعَلَ الْفَرَاشُ وَالذُّبَابُ يَقْتَحِمُونَ فِيهَا ، فَأَنَا آخِذٌ بِحُجَزِكُمْ عَنِ النَّارِ وَأَنْتُمْ تَقْتَحِمُونَ فِيهَا قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ : اسْتَوْقَدَ بِمَعْنَى أَوَقَدَ كَمَا قَالُوا : اسْتَجَابَ بِمَعْنَى أَجَابَ . قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : {{ اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ }} وَقَالَ : {{ مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا }} . وَقَالَ الْغَنَوِيُّ : وَدَاعٍ دَعَا إِذْ نَحْنُ بِالْخَيْفِ مِنْ مِنًى فَلَمْ يَسْتَجِبْهُ عِنْدَ ذَاكَ مُجِيبُ وَالْحُجَزُ وَاحِدَتُهَا حُجَزَةٌ ، تَقُولُ : حُجَزَةٌ وَحُجَزٌ وَحُجَزَاتٍ ، وَهِيَ مَعْقِدُ الْإِزَارِ وَحَيْثُ يُثْنَى طَرَفُهُ قَالَ النَّابِغَةُ : رِقَاقُ النِّعَالِ طَيِّبٌ حُجَزَاتُهُمْ يُحَيُّونَ بِالرَّيْحَانِ يَوْمَ السَّبَاسِبِ وَهَذَا تَمْثِيلٌ مِنْ أَوْجَزِ الْكَلَامِ وَأَبْلَغِهِ وَأَشَدِّهِ اخْتِصَارًا تَقُولُ : أَخَذْتُ بِحُجَزَتِهِ عَنْ كَذَا إِذَا صَدَدْتَهُ عَنْهُ وَمَنَعْتَهُ مِنْهُ ، وَتَقُولُ : أَخَذْتُ بِنَاصِيَتِهِ إِلَى كَذَا إِذَا قُدْتَهُ إِلَيْهِ وَقَهَرْتَهُ عَلَيْهِ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : {{ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا }} . أَيْ هُوَ قَادِرٌ عَلَيْهَا ، مَالِكٌ لَهَا . وَالنَّاصِيَةُ تَنَاهِي شَعْرِ الرَّأْسِ مِمَّا يَلِي الْوَجْهَ وَقَالَ : {{ يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ }} . أَيْ يُسَاقُونَ إِلَى النَّارِ قَهْرًا . وَيَقُولُ الْقَائِلُ : نَاصِيَتِي بِيَدِكَ ، فِي مَعْنَى الطَّاعَةِ وَالِانْقِيَادِ . وَقَالَ الْفَرَزْدَقُ : عَشِيَّةَ أَعْطَتْنَا عُمَانُ أُمُورَهَا وَقُدْنَا مَعَدًّا عَنْوَةً بِالْخَزَائِمِ يُرِيدُ أَنَّهُمْ غَلَبُوهُمْ وَسَاقُوهُمْ قَهْرًا . وَقَوْلُهُ : أَنَا آخِذٌ بِحُجَزِكُمْ عَنِ النَّارِ . يَقُولُ : أُحَذِّرُكُمُوهَا ، وَأَصُدُّكُمْ عَنْهَا ، وَأُرَغِّبُكُمْ فِي الْجَنَّةِ وَنَعِيمِهَا ، وَأَنْتُمْ فِي غَفْلَةٍ سَاهُونَ لَا تَشْعُرُونَ ، كَمَا يَقْتَحِمُ الْفَرَاشُ النَّارَ وَهُوَ لَا يَشْعُرُ ، لِمَيْلِكُمْ إِلَى الدُّنْيَا وَزَهْرَتِهَا ، وَإِيثَارِكُمْ لَهَا عَلَى ثَوَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَمَا عِنْدَهُ ، الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَأَبْقَى ، فَهَذِهِ مَوْعِظَةٌ لِبَعْضِ مَنْ أَجَابُوا الدَّعْوَةَ ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ وَعِيدًا لِمُشْرِكِي قُرَيْشٍ