كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " بَعْثَ حُذَيْفَةَ عَلَى مَا سَقَتْ دِجْلَةُ , وَبَعَثَ عُثْمَانَ بْنَ حُنَيْفٍ عَلَى مَا سَقَى الْفُرَاتُ , فَوَضَعَا الْخَرَاجَ , فَلَمَّا قَدِمَا عَلَيْهِ قَالَ : لَعَلَّكُمَا حَمَّلْتُمَا الْأَرْضَ مَا لَا تُطِيقُ , فَقَالَ حُذَيْفَةُ : لَوْ شِئْتَ لَا ضَعَّفْتُ أَرْضِي ، وَقَالَ عُثْمَانُ بْنُ حُنَيْفٍ : لَقَدْ حَمَّلْتُهَا مَا تُطِيقُ , وَمَا فِيهَا كَبِيرُ فَضْلٍ فَقَالَ : لَئِنْ عِشْتُ لِأَرَامِلِ أَهْلِ الْعِرَاقِ لَأَدَعْهُنَّ لَا يَحْتَجْنَ إِلَى أَحَدٍ بَعْدِي قَالَ : فَمَا لَبِثَ إِلَّا أَرْبَعَةً حَتَّى أُصِيبَ قَالَ : وَكَانَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ ؛ قَالَ لِلنَّاسِ : اسْتَوَوْا فَلَمَّا اسْتَوَوْا طَعَنَهُ رَجُلٌ فَقَالَ : بِاسْمِ اللَّهِ أَكَلَنِي الْكَلْبُ , أَوْ قَتَلَنِي الْكَلْبُ قَالَ : فَطَارَ الْعِلْجُ بِسِكِّينٍ ذِي طَرَفَيْنِ لَا يَدْنُوا مِنْهُ إِنْسَانٌ إِلَّا طَعَنَهُ حَتَّى طَعَنَ ثَلَاثَةَ عَشَرَ رَجُلًا , فَمَاتَ مِنْهُمْ تِسْعَةٌ , وَأَلْقَى عَلَيْهِ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ بُرْنُسًا , ثُمَّ جَثَمَ عَلَيْهِ , فَلَمَّا عَرَفَ أَنَّهُ مَأْخُوذٌ , طَعَنَ نَفْسَهُ , فَقَتَلَ نَفْسَهُ ؛ قَالَ : وَقَدَّمَ النَّاسُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ فَصَلَّى بِهِمْ صَلَاةً خَفِيفَةً قَالَ : فَقَالَ عُمَرُ لِابْنِ عَبَّاسٍ : انْظُرْ مَنْ قَتَلَنِي قَالَ : فَجَالَ جَوْلَةً ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ : غُلَامُ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ , فَقَالَ : الصَّنِيعُ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، قَالَ : قَاتَلَهُ اللَّهُ لَقَدْ كُنْتُ أَمَرْتُ بِهِ خَيْرًا , الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَجْعَلْ مَنِيَّتِي فِي يَدِ رَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ , وَقَالَ لِابْنِ عَبَّاسٍ : لَقَدْ كُنْتَ أَنْتَ وَأَبُوكَ تُحِبَّانِ أَنْ تَكْثُرَ الْعُلُوجُ بِالْمَدِينَةِ ، قَالَ : فَقَالَ : أَلَا نَقْتُلُهُمْ ؛ قَالَ : أَبَعْدَ مَا صَلَّوْا صَلَاتَكُمْ وَحَجُّوا حَجَّكُمْ , ثُمَّ حُمِلَ حَتَّى أَدْخَلُوهُ مَنْزِلَهُ , فَكَأَنَّ لَمْ يُصِبِ الْمُسْلِمِينَ مُصِيبَةٌ قَبْلَ يَوْمَئِذٍ قَالَ : فَجَعَلَ النَّاسُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِ , إِذْ دَخَلَ عَلَيْهِ شَابٌّ فَقَالَ : أَبْشِرْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ بِبُشْرَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَإِنَّ لَكَ مِنَ الْقِدَمِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا كَانَ لَكَ , ثُمَّ وُلِّيتَ فَعَدَلْتَ , ثُمَّ رَزَقَكَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الشَّهَادَةَ قَالَ : يَا ابْنَ أَخِي , وَدِدْتُ أَنِّي وَذَاكَ لَا لِي وَلَا عَلَيَّ , ثُمَّ أَدْبَرَ الشَّابُّ , فَإِذَا هُوَ يَجُرُّ إِزَارُهُ , فَقَالَ : رُدُّوهُ , فَرُدَّ , فَقَالَ لَهُ : يَا ابْنَ أَخِي , ارْفَعْ إِزَارَكَ فَإِنَّهُ أَنْقَى لِثَوْبِكَ , أَتْقَى لِرَبِّكَ . قَالَ عَمْرُو بْنُ مَيْمُونٍ : فَوَاللَّهِ مَا مَنَعَهُ مَا كَانَ فِيهِ أَنْ نَصَحَهُ , ثُمَّ أُتِيَ بِشَرَابِ نَبِيذٍ فَشَرِبَ مِنْهُ فَخَرَجَ مِنْ جُرْحِهِ فَعَرَفَ أَنَّهُ لَمَّ بِهِ , فَقَالَ : يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ , انْظُرْ مَا عَلَيَّ مِنَ الدَّيْنِ فَنَظَرَ فَإِذَا بِضْعٌ وَثَمَانُونَ أَلْفًا فَقَالَ : سَلْ فِي آلِ عُمَرَ فَإِنْ وَفَّى وَإِلَّا فَسَلْ فِي بَنِي عَدِيٍّ , فَإِنْ وَفَّتْ وَإِلَّا فَسَلْ فِي قُرَيْشٍ , وَلَا تَعْدُهُمْ إِلَى غَيْرِهِمْ , ثُمَّ قَالَ : يَا عَبْدَ اللَّهِ , ائْتِ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ فَقُلْ : إِنَّ عُمَرَ يَقْرَأُ عَلَيْكِ السَّلَامَ , وَلَا تَقُلْ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ , فَإِنِّي لَسْتُ الْيَوْمَ لِلْمُؤْمِنِينَ بِأَمِيرٍ , وَقُلْ : يَسْتَأْذِنُ فِي أَنْ يُدْفَنَ مَعَ صَاحِبَيْهِ فَإِنْ أَذِنَتْ فَادْفِنُونِي مَعَهُمَا , وَإِنْ أَبَتْ فَرَدُّونِي إِلَى مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ , فَأَتَاهَا عَبْدُ اللَّهِ وَهِيَ تَبْكِي فَقَالَ : إِنَّ عُمَرَ يَسْتَأْذِنُ فِي أَنْ يُدْفَنَ مَعَ صَاحِبَيْهِ فَقَالَتْ : لَقَدْ كُنْتُ أَدَّخِرُ ذَلِكَ الْمَكَانَ لِنَفْسِي لَأُوثِرَنَّهُ الْيَوْمَ عَلَى نَفْسِي , ثُمَّ رَجَعَ ، فَلَمَّا أَقْبَلَ قَالَ عُمَرُ : أَقْعِدُونِي ثُمَّ قَالَ : مَا وَرَاءَكَ ؟ قَالَ : قَدْ أَذِنَتْ لَكَ , قَالَ : اللَّهُ أَكْبَرُ , مَا شَيْءٌ أَهَمُّ إِلَيَّ مِنْ ذَلِكَ الْمَضْجَعِ , فَإِذَا أَنَا قُبِضْتُ فَاحْمِلُونِي ثُمَّ قُولُوا : يَسْتَأْذِنُ عُمَرُ فَإِنْ أَذِنَتْ فَادْفِنُونِي وَإِلَّا فَرَدُّونِي إِلَى مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ ثُمَّ قَالَ : إِنَّ النَّاسَ يَقُولُونَ : اسْتَخْلِفْ وَإِنَّ الْأَمْرَ إِلَى هَؤُلَاءِ السِّتَّةِ الَّذِينَ تُوُفِّيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عَنْهُمْ رَاضٍ : عَلِيٍّ , وَعُثْمَانَ , وَطَلْحَةَ , وَالزُّبَيْرِ , وَعَبْدِ الرُّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ , وَسَعْدِ بْنِ مَالِكٍ , وَلْيَشْهَدْهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَلَيْسَ لَهُ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ ، فَإِنْ أَصَابَتِ الْخِلَافَةُ سَعْدًا , وَإِلَّا فَلْيَسْتَعِنْ بِهِ مَنْ وَلِيَ , فَإِنِّي لَمْ أَعْزِلْهُ عَنْ عَجْزٍ وَلَا خِيَانَةٍ , ثُمَّ قَالَ : أُوصِي الْخَلِيفَةَ مِنْ بَعْدِي بِتَقْوَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ , وَأُوصِيهِ بِالْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ , أَنْ يَعْرِفَ لَهُمْ حَقَّهُمْ , وَيَحْفَظَ لَهُمْ حُرْمَتَهُمْ , وَأُوصِيهِ بِالْأَنْصَارِ خَيْرًا أَنْ يَقْبَلَ مِنْ مُحْسِنِهِمْ , وَيَتَجَاوَزَ عَنْ مُسِيئِهِمْ , وَأُوصِيهِ بِأَهْلِ الْأَمْصَارِ خَيْرًا فَإِنَّهُمْ رِدْءُ الْإِسْلَامِ , وَغَيْظُ الْعَدُوِّ وَجُبَاةُ الْمَالِ لَا يُؤْخَذُ مِنْهُمْ إِلَّا فَضْلَهُمْ عَنْ رِضًى مِنْهُمْ , وَأُوصِيهِ بِالْأَعْرَابِ خَيْرًا ؛ فَإِنَّهُمْ أَصْلُ الْعَرَبِ وَمَادَّةُ الْإِسْلَامِ , أَنْ يُؤْخَذَ مِنْ حَوَاشِي أَمْوَالِهِمْ فَيُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ , وَأُوصِيهِ بِذِمَّةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَذِمَّةِ رَسُولِهِ أَنْ يُوفِيَ لَهُمْ بِعَهْدِهِمْ , وَأَنْ يُقَاتِلَ مِنْ وَرَائِهِمْ وَلَا يُكَلَّفُوا إِلَّا طَاقَتَهُمْ "
أَنْبَأَنَا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ صَاعِدٍ قَالَ : حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ شَاهِينَ أَبُو بِشْرٍ الْوَاسِطِيُّ قَالَ : حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ , عَنْ حُصَيْنٍ , عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ , قَالَ ابْنُ صَاعِدٍ : وَحَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى الْقَطَّانُ قَالَ : حَدَّثَنَا جَرِيرٌ , عَنْ حُصَيْنٍ , عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ قَالَ ابْنُ صَاعِدٍ : وَحَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ , وَخَلَّادُ بْنُ أَسْلَمَ قَالَا : حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ , عَنْ حُصَيْنٍ , عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ - وَاللَّفْظُ لِخَالِدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ - قَالَ : كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : بَعْثَ حُذَيْفَةَ عَلَى مَا سَقَتْ دِجْلَةُ , وَبَعَثَ عُثْمَانَ بْنَ حُنَيْفٍ عَلَى مَا سَقَى الْفُرَاتُ , فَوَضَعَا الْخَرَاجَ , فَلَمَّا قَدِمَا عَلَيْهِ قَالَ : لَعَلَّكُمَا حَمَّلْتُمَا الْأَرْضَ مَا لَا تُطِيقُ , فَقَالَ حُذَيْفَةُ : لَوْ شِئْتَ لَا ضَعَّفْتُ أَرْضِي ، وَقَالَ عُثْمَانُ بْنُ حُنَيْفٍ : لَقَدْ حَمَّلْتُهَا مَا تُطِيقُ , وَمَا فِيهَا كَبِيرُ فَضْلٍ فَقَالَ : لَئِنْ عِشْتُ لِأَرَامِلِ أَهْلِ الْعِرَاقِ لَأَدَعْهُنَّ لَا يَحْتَجْنَ إِلَى أَحَدٍ بَعْدِي قَالَ : فَمَا لَبِثَ إِلَّا أَرْبَعَةً حَتَّى أُصِيبَ قَالَ : وَكَانَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ ؛ قَالَ لِلنَّاسِ : اسْتَوَوْا فَلَمَّا اسْتَوَوْا طَعَنَهُ رَجُلٌ فَقَالَ : بِاسْمِ اللَّهِ أَكَلَنِي الْكَلْبُ , أَوْ قَتَلَنِي الْكَلْبُ قَالَ : فَطَارَ الْعِلْجُ بِسِكِّينٍ ذِي طَرَفَيْنِ لَا يَدْنُوا مِنْهُ إِنْسَانٌ إِلَّا طَعَنَهُ حَتَّى طَعَنَ ثَلَاثَةَ عَشَرَ رَجُلًا , فَمَاتَ مِنْهُمْ تِسْعَةٌ , وَأَلْقَى عَلَيْهِ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ بُرْنُسًا , ثُمَّ جَثَمَ عَلَيْهِ , فَلَمَّا عَرَفَ أَنَّهُ مَأْخُوذٌ , طَعَنَ نَفْسَهُ , فَقَتَلَ نَفْسَهُ ؛ قَالَ : وَقَدَّمَ النَّاسُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ فَصَلَّى بِهِمْ صَلَاةً خَفِيفَةً قَالَ : فَقَالَ عُمَرُ لِابْنِ عَبَّاسٍ : انْظُرْ مَنْ قَتَلَنِي قَالَ : فَجَالَ جَوْلَةً ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ : غُلَامُ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ , فَقَالَ : الصَّنِيعُ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، قَالَ : قَاتَلَهُ اللَّهُ لَقَدْ كُنْتُ أَمَرْتُ بِهِ خَيْرًا , الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَجْعَلْ مَنِيَّتِي فِي يَدِ رَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ , وَقَالَ لِابْنِ عَبَّاسٍ : لَقَدْ كُنْتَ أَنْتَ وَأَبُوكَ تُحِبَّانِ أَنْ تَكْثُرَ الْعُلُوجُ بِالْمَدِينَةِ ، قَالَ : فَقَالَ : أَلَا نَقْتُلُهُمْ ؛ قَالَ : أَبَعْدَ مَا صَلَّوْا صَلَاتَكُمْ وَحَجُّوا حَجَّكُمْ , ثُمَّ حُمِلَ حَتَّى أَدْخَلُوهُ مَنْزِلَهُ , فَكَأَنَّ لَمْ يُصِبِ الْمُسْلِمِينَ مُصِيبَةٌ قَبْلَ يَوْمَئِذٍ قَالَ : فَجَعَلَ النَّاسُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِ , إِذْ دَخَلَ عَلَيْهِ شَابٌّ فَقَالَ : أَبْشِرْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ بِبُشْرَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَإِنَّ لَكَ مِنَ الْقِدَمِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ مَا كَانَ لَكَ , ثُمَّ وُلِّيتَ فَعَدَلْتَ , ثُمَّ رَزَقَكَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الشَّهَادَةَ قَالَ : يَا ابْنَ أَخِي , وَدِدْتُ أَنِّي وَذَاكَ لَا لِي وَلَا عَلَيَّ , ثُمَّ أَدْبَرَ الشَّابُّ , فَإِذَا هُوَ يَجُرُّ إِزَارُهُ , فَقَالَ : رُدُّوهُ , فَرُدَّ , فَقَالَ لَهُ : يَا ابْنَ أَخِي , ارْفَعْ إِزَارَكَ فَإِنَّهُ أَنْقَى لِثَوْبِكَ , أَتْقَى لِرَبِّكَ . قَالَ عَمْرُو بْنُ مَيْمُونٍ : فَوَاللَّهِ مَا مَنَعَهُ مَا كَانَ فِيهِ أَنْ نَصَحَهُ , ثُمَّ أُتِيَ بِشَرَابِ نَبِيذٍ فَشَرِبَ مِنْهُ فَخَرَجَ مِنْ جُرْحِهِ فَعَرَفَ أَنَّهُ لَمَّ بِهِ , فَقَالَ : يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ , انْظُرْ مَا عَلَيَّ مِنَ الدَّيْنِ فَنَظَرَ فَإِذَا بِضْعٌ وَثَمَانُونَ أَلْفًا فَقَالَ : سَلْ فِي آلِ عُمَرَ فَإِنْ وَفَّى وَإِلَّا فَسَلْ فِي بَنِي عَدِيٍّ , فَإِنْ وَفَّتْ وَإِلَّا فَسَلْ فِي قُرَيْشٍ , وَلَا تَعْدُهُمْ إِلَى غَيْرِهِمْ , ثُمَّ قَالَ : يَا عَبْدَ اللَّهِ , ائْتِ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ فَقُلْ : إِنَّ عُمَرَ يَقْرَأُ عَلَيْكِ السَّلَامَ , وَلَا تَقُلْ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ , فَإِنِّي لَسْتُ الْيَوْمَ لِلْمُؤْمِنِينَ بِأَمِيرٍ , وَقُلْ : يَسْتَأْذِنُ فِي أَنْ يُدْفَنَ مَعَ صَاحِبَيْهِ فَإِنْ أَذِنَتْ فَادْفِنُونِي مَعَهُمَا , وَإِنْ أَبَتْ فَرَدُّونِي إِلَى مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ , فَأَتَاهَا عَبْدُ اللَّهِ وَهِيَ تَبْكِي فَقَالَ : إِنَّ عُمَرَ يَسْتَأْذِنُ فِي أَنْ يُدْفَنَ مَعَ صَاحِبَيْهِ فَقَالَتْ : لَقَدْ كُنْتُ أَدَّخِرُ ذَلِكَ الْمَكَانَ لِنَفْسِي لَأُوثِرَنَّهُ الْيَوْمَ عَلَى نَفْسِي , ثُمَّ رَجَعَ ، فَلَمَّا أَقْبَلَ قَالَ عُمَرُ : أَقْعِدُونِي ثُمَّ قَالَ : مَا وَرَاءَكَ ؟ قَالَ : قَدْ أَذِنَتْ لَكَ , قَالَ : اللَّهُ أَكْبَرُ , مَا شَيْءٌ أَهَمُّ إِلَيَّ مِنْ ذَلِكَ الْمَضْجَعِ , فَإِذَا أَنَا قُبِضْتُ فَاحْمِلُونِي ثُمَّ قُولُوا : يَسْتَأْذِنُ عُمَرُ فَإِنْ أَذِنَتْ فَادْفِنُونِي وَإِلَّا فَرَدُّونِي إِلَى مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ ثُمَّ قَالَ : إِنَّ النَّاسَ يَقُولُونَ : اسْتَخْلِفْ وَإِنَّ الْأَمْرَ إِلَى هَؤُلَاءِ السِّتَّةِ الَّذِينَ تُوُفِّيَ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ وَهُوَ عَنْهُمْ رَاضٍ : عَلِيٍّ , وَعُثْمَانَ , وَطَلْحَةَ , وَالزُّبَيْرِ , وَعَبْدِ الرُّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ , وَسَعْدِ بْنِ مَالِكٍ , وَلْيَشْهَدْهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَلَيْسَ لَهُ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ ، فَإِنْ أَصَابَتِ الْخِلَافَةُ سَعْدًا , وَإِلَّا فَلْيَسْتَعِنْ بِهِ مَنْ وَلِيَ , فَإِنِّي لَمْ أَعْزِلْهُ عَنْ عَجْزٍ وَلَا خِيَانَةٍ , ثُمَّ قَالَ : أُوصِي الْخَلِيفَةَ مِنْ بَعْدِي بِتَقْوَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ , وَأُوصِيهِ بِالْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ , أَنْ يَعْرِفَ لَهُمْ حَقَّهُمْ , وَيَحْفَظَ لَهُمْ حُرْمَتَهُمْ , وَأُوصِيهِ بِالْأَنْصَارِ خَيْرًا أَنْ يَقْبَلَ مِنْ مُحْسِنِهِمْ , وَيَتَجَاوَزَ عَنْ مُسِيئِهِمْ , وَأُوصِيهِ بِأَهْلِ الْأَمْصَارِ خَيْرًا فَإِنَّهُمْ رِدْءُ الْإِسْلَامِ , وَغَيْظُ الْعَدُوِّ وَجُبَاةُ الْمَالِ لَا يُؤْخَذُ مِنْهُمْ إِلَّا فَضْلَهُمْ عَنْ رِضًى مِنْهُمْ , وَأُوصِيهِ بِالْأَعْرَابِ خَيْرًا ؛ فَإِنَّهُمْ أَصْلُ الْعَرَبِ وَمَادَّةُ الْإِسْلَامِ , أَنْ يُؤْخَذَ مِنْ حَوَاشِي أَمْوَالِهِمْ فَيُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ , وَأُوصِيهِ بِذِمَّةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَذِمَّةِ رَسُولِهِ أَنْ يُوفِيَ لَهُمْ بِعَهْدِهِمْ , وَأَنْ يُقَاتِلَ مِنْ وَرَائِهِمْ وَلَا يُكَلَّفُوا إِلَّا طَاقَتَهُمْ