عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " وَرَأَيْتُ ، أَوْ أُرِيتُ النَّارَ ، وَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا النِّسَاءَ " ، قَالُوا : لِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ ، قَالَ : " بِكُفْرِهِنَّ " ، قِيلَ : أَيَكْفُرْنَ بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ؟ ، قَالَ : " يَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ ، وَيَكْفُرْنَ الْإِحْسَانَ "
كَمَا حَدَّثَنَا يُونُسُ قَالَ : حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ ، أَنَّ مَالِكًا أَخْبَرَهُ ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، قَالَ : وَرَأَيْتُ ، أَوْ أُرِيتُ النَّارَ ، وَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا النِّسَاءَ ، قَالُوا : لِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ ، قَالَ : بِكُفْرِهِنَّ ، قِيلَ : أَيَكْفُرْنَ بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ؟ ، قَالَ : يَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ ، وَيَكْفُرْنَ الْإِحْسَانَ . فَسَمَّى مَا يَكُونُ مِنْهُنَّ مِمَّا يُغَطِّينَ بِهِ الْإِحْسَانَ كُفْرًا . وَمِنْ ذَلِكَ مَا قَدْ رُوِيَ عَنْهُ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ مِنْ قَوْلِهِ : سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ ، وَقِتَالُهُ كُفْرٌ . وَقَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ بِإِسْنَادِهِ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنَّا فِي كِتَابِنَا هَذَا , وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عَلَى الْكُفْرِ بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، وَلَكِنَّهُ مَا قَدْ رَكِبَ إيمَانَهُ وَغَطَّاهُ مِنْ قَبِيحِ فِعْلِهِ . وَمِثْلُ ذَلِكَ قَوْلُهُ : لَيْسَ بَيْنَ الْعَبْدِ وَبَيْنَ الْكُفْرِ إِلَّا تَرْكُ الصَّلَاةِ هُوَ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى أَيْضًا ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ ، حَتَّى تَصِحَّ هَذِهِ الْآثَارُ ، وَلَا تَخْتَلِفَ . وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي تَارِكِ الصَّلَاةِ كَمَا ذَكَرْنَا ، فَجَعَلَهُ بَعْضُهُمْ بِذَلِكَ مُرْتَدًّا عَنِ الْإِسْلَامِ ، وَجَعَلَ حُكْمَهُ حُكْمَ مَنْ يُسْتَتَابُ مِنْ ذَلِكَ ، فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ ، مِنْهُمُ الشَّافِعِيُّ ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَجْعَلْهُ بِذَلِكَ مُرْتَدًّا ، وَجَعَلَهُ مِنْ فَاسِقِي الْمُسْلِمِينَ وَأَهْلِ الْكَبَائِرِ مِنْهُمْ ، وَمِمَّنْ قَالَ بِذَلِكَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَأَصْحَابُهُ ، وَكَانَ هَذَا الْقَوْلُ أَوْلَى عِنْدَنَا بِالْقِيَاسِ ; لِأَنَّا قَدْ وَجَدْنَا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَرَائِضَ عَلَى عِبَادِهِ فِي أَوْقَاتٍ خَوَاصٍّ ، مِنْهَا الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ ، وَمِنْهَا صِيَامُ شَهْرِ رَمَضَانَ ، وَكَانَ مَنْ تَرَكَ صَوْمَ شَهْرِ رَمَضَانَ مُتَعَمِّدًا بِغَيْرِ جَحْدٍ لِفَرْضِهِ عَلَيْهِ لَا يَكُونُ بِذَلِكَ كَافِرًا ، وَلَا عَنِ الْإِسْلَامِ مُرْتَدًّا ، فَكَانَ مِثْلَهُ تَارِكُ الصَّلَاةِ حَتَّى يَخْرُجَ وَقْتُهَا ، لَا عَلَى الْجُحُودِ بِهَا ، وَلَا عَلَى كُفْرٍ بِهَا ، لَا يَكُونُ بِذَلِكَ مُرْتَدًّا ، وَلَا عَنِ الْإِسْلَامِ خَارِجًا ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّا نَأْمُرُهُ أَنْ يُصَلِّيَ وَلَا نَأْمُرُ كَافِرًا بِالصَّلَاةِ ، وَلَوْ كَانَ بِمَا كَانَ مِنْهُ كَافِرًا لَأَمَرْنَاهُ بِالْإِسْلَامِ ، فَإِذَا أَسْلَمَ أَمَرْنَاهُ بِالصَّلَاةِ ، وَفِي تَرْكِنَا لِذَلِكَ وَأَمْرِنَا إيَّاهُ بِالصَّلَاةِ مَا قَدْ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الصَّلَاةِ ، وَمِنْ ذَلِكَ أَمْرُ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ الَّذِي أَفْطَرَ فِي يَوْمٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ مُتَعَمِّدًا بِالْكَفَّارَةِ الَّتِي أَمَرَهُ بِهَا فِيهِ ، وَفِيهَا الصِّيَامُ ، وَلَا يَكُونُ الصِّيَامُ إِلَّا مِنَ الْمُسْلِمِينَ ، وَلَمَّا كَانَ الرَّجُلُ يَكُونُ مُسْلِمًا إذَا أَقَرَّ بِالْإِسْلَامِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ بِمَا يُوجِبُهُ عَلَيْهِ الْإِسْلَامُ مِنَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ ، وَمِنْ صِيَامِ رَمَضَانَ ، كَانَ كَذَلِكَ يَكُونُ كَافِرًا بِجُحُودِهِ لِذَلِكَ ، وَلَا يَكُونُ كَافِرًا بِتَرْكِهِ إيَّاهُ بِغَيْرِ جُحُودٍ مِنْهُ لَهُ ، وَلَا يَكُونُ كَافِرًا إِلَّا مِنْ حَيْثُ كَانَ مُسْلِمًا , وَإِسْلَامُهُ كَانَ بِإِقْرَارِهِ بِالْإِسْلَامِ ، وَكَذَلِكَ رِدَّتُهُ لَا تَكُونُ إِلَّا بِجُحُودِهِ الْإِسْلَامَ ، وَاللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ .