• 707
  • سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ : إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " أُمِرْتُ بَقَرِيَّةٍ تَأْكُلُ الْقُرَى , يُقَالُ لَهَا يَثْرِبُ , وَهِيَ الْمَدِينَةُ تَنْفِي خَبَثَهَا كَمَا يَنْفِي الْكِيرُ الْخَبَثَ "

    حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ وَهْبٍ قَالَ : حَدَّثَنَا عَمِّي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ قَالَ : أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ , وَمَالِكُ بْنُ أَنَسٍ , أَنَّ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيَّ , حَدَّثَهُمَا أَنَّ أَبَا الْحُبَابِ سَعِيدَ بْنَ يَسَارٍ حَدَّثَهُ , أَنَّهُ . سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ : إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، قَالَ : أُمِرْتُ بَقَرِيَّةٍ تَأْكُلُ الْقُرَى , يُقَالُ لَهَا يَثْرِبُ , وَهِيَ الْمَدِينَةُ تَنْفِي خَبَثَهَا كَمَا يَنْفِي الْكِيرُ الْخَبَثَ إِلَّا أَنَّ مَالِكًا قَالَ : قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ . . . قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : فَتَأَمَّلْنَا هَذَا الْحَدِيثَ فَوَجَدْنَا قَوْلَهُ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : أُمِرْتُ بَقَرِيَّةٍ عَلَى مَعْنَى : أُمِرْتُ بِالْهِجْرَةِ إِلَى قَرْيَةٍ , وَوَجَدْنَا قَوْلَهُ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : تَأْكُلُ الْقُرَى بِمَعْنَى قَوْلِهِ : يَأْكُلُ أَهْلُهَا الْقُرَى , كَمَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : {{ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ }} بِمَعْنَى : وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَ أَهْلُهَا آمَنِينَ مُطْمَئِنِّينَ , وَكَانَ ذِكْرُ الْقَرْيَةِ فِي هَذَا كِنَايَةً عَنْ أَهْلِهَا , وَأَهْلُهَا الْمُرَادُونَ بِمَا ذُكِرَ فِيهَا لَا هِيَ , وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ : {{ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ }} , وَالْقَرْيَةُ لَا صُنْعَ لَهَا , وَقَوْلُهُ تَعَالَى : {{ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ }} وَالْقَرْيَةُ لَا كُفْرَ لَهَا , وَقَوْلُهُ تَعَالَى : {{ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ }} وَالْقَرْيَةُ لَا تُذَاقُ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا , وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ : {{ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْهُمْ }} فَدَلَّ ذَلِكَ أَنَّ مَا قَبْلَ هَذَا مِنْ قَوْلِهِ مُرَادٌ بِهِ أَهْلَ الْقَرْيَةِ لَا الْقَرْيَةَ , كَقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ : {{ وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا }} بِمَعْنَى : وَاسْأَلْ أَهْلَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كُنَّا فِيهَا , وَاسْأَلْ أَهْلَ الْعِيرِ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا . وَوَجَدْنَا قَوْلَهُ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : تَأْكُلُ الْقُرَى بِمَعْنَى قَوْلِهِ : تَفْتَحُ الْقُرَى , أَيْ يَفْتَحُ أَهْلُهَا الْقُرَى . وَوَجَدْنَا قَوْلَهُ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : تَأْكُلُ بِمَعْنَى : تَقْدِرُ , كَقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : {{ إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا }} لَيْسَ يَعْنِي بِذَلِكَ آكِلِيهَا دُونَ مُحْتَجِبِيهَا عَنِ الْيَتَامَى : لَا بِأَكْلٍ لَهَا , وَكَقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : {{ وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا }} بِمَعْنَى قَوْلِهِ : تَغْلِبُوا عَلَيْهَا إِسْرَافًا عَلَى أَنْفُسِكُمْ , وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا , فَيُقِيمُونَ عَلَيْكُمُ الْحُجَّةَ فِيهَا , فَيَنْتَزِعُوهَا مِنْكُمْ لِأَنْفُسِهِمْ , فَكَانَ الْأَكْلُ فِيمَا ذَكَرْنَا يُرَادُ بِهِ الْغَلَبَةُ عَلَى الشَّيْءِ , لِأَنَّ كُلَّ آكِلٍ لِشَيْءٍ غَالِبٌ عَلَيْهِ , فَمِثْلُ ذَلِكَ قَوْلُهُ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : تَأْكُلُ الْقُرَى يَعْنِي أَهْلَهَا , هُوَ بِمَعْنَى تَقْدِرُ عَلَى أَهْلِ الْقُرَى , بِافْتِتَاحِ أَهْلِهَا تِلْكَ الْقُرَى , وَغَلَبَتِهِمْ عَلَيْهَا وَعَلَى أَهْلِهَا , وَقَدْ كَانَ ذَلِكَ مِنْهُمْ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ حَتَّى أَظْهَرَ اللَّهُ تَعَالَى نَبِيَّهُ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ . وَقَدْ كَانَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ يُفَسِّرُ : تَأْكُلُ الْقُرَى بِمِثْلِ مَا فَسَّرْنَاهُ بِهِ . كَمَا حَدَّثَنَا يُونُسُ قَالَ : قَالَ لَنَا ابْنُ وَهْبٍ : سَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : تَأْكُلُ الْقُرَى قَالَ : تَفْتَحُ الْقُرَى . فَهَذَا مُوَافِقٌ لِمَا قَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي ذَلِكَ مِنَ التَّأْوِيلِ الَّذِي تَأَوَّلْنَا قَوْلَ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَلَيْهِ , وَاللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ