عَنْ جَابِرٍ ، فِي الرَّجُلِ يَبْتَاعُ الْمَبِيعَ , فَيَبِيعُهُ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ , قَالَ : أَكْرَهُهُ
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ ، قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِمٍ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ ، عَنْ جَابِرٍ ، فِي الرَّجُلِ يَبْتَاعُ الْمَبِيعَ , فَيَبِيعُهُ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ , قَالَ : أَكْرَهُهُ فَهَذَا جَابِرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَدْ سَوَّى بَيْنَ الْأَشْيَاءِ الْمَبِيعَةِ فِي ذَلِكَ , وَقَدْ عَلِمَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ قَصْدَهُ بِالنَّهْيِ عَنِ الْبَيْعِ فِيهِ حَتَّى يُقْبَضَ إِلَى الطَّعَامِ بِعَيْنِهِ , فَدَلَّ ذَلِكَ النَّهْيُ , عَلَى مَا قَدْ تَقَدَّمَ وَصْفُنَا لَهُ . فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ , فَكَيْفَ قَصَدَ بِالنَّهْيِ فِي ذَلِكَ إِلَى الطَّعَامِ بِعَيْنِهِ , وَلَمْ يَعُمَّ الْأَشْيَاءَ ؟ قِيلَ لَهُ : قَدْ وَجَدْنَا مِثْلَ هَذَا فِي الْقُرْآنِ , قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {{ لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا }} فَأَوْجَبَ عَلَيْهِ الْجَزَاءَ الْمَذْكُورَ فِي الْآيَةِ . وَلَمْ يَخْتَلِفْ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي قَاتِلِ الصَّيْدِ خَطَأً , أَنَّ عَلَيْهِ مِثْلَ ذَلِكَ , وَأَنَّ ذِكْرَهُ الْعَمْدَ , لَا يَنْفِي الْخَطَأَ . فَكَذَلِكَ ذِكْرُهُ الطَّعَامَ , فِي النَّهْيِ عَنْ بَيْعِهِ قَبْلَ الْقَبْضِ , لَا يَنْفِي غَيْرَ الطَّعَامِ . وَقَدْ رَأَيْنَا الطَّعَامَ يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِ , وَلَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِي الْعُرُوضِ , وَكَانَ الطَّعَامُ أَوْسَعَ أَمْرًا فِي الْبُيُوعِ مِنْ غَيْرِ الطَّعَامِ ; لِأَنَّ الطَّعَامَ يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِ , وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَ الْمُسْلَمِ إِلَيْهِ , وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ فِي غَيْرِهِ . فَلَمَّا كَانَ الطَّعَامُ أَوْسَعَ أَمْرًا فِي الْبُيُوعِ وَأَكْثَرَ جَوَازًا , وَرَأَيْنَاهُ قَدْ نَهَى عَنْ بَيْعِهِ حَتَّى يُقْبَضَ , كَانَ ذَلِكَ فِيمَا لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِ أَحْرَى أَنْ لَا يَجُوزَ بَيْعُهُ حَتَّى يُقْبَضَ . فَقَصَدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ بِالنَّهْيِ إِلَى الَّذِي إِذَا نَهَى عَنْهُ , دَلَّ نَهْيُهُ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ عَنْهُ عَلَى نَهْيِهِ عَنْ غَيْرِهِ , وَأَغْنَاهُ ذِكْرُهُ لَهُ عَنْ ذِكْرِهِ لِغَيْرِهِ , فَقَامَ ذَلِكَ مَقَامَ النَّهْيِ , لَوْ عَمَّ بِهِ الْأَشْيَاءَ كُلَّهَا . وَلَوْ قَصَدَ بِالنَّهْيِ إِلَى غَيْرِ الطَّعَامِ , أَشْكَلَ حُكْمُ الطَّعَامِ فِي ذَلِكَ عَلَى السَّامِعِ , فَلَمْ يَدْرِ , هَلْ هُوَ كَذَلِكَ أَمْ لَا ؟ لِأَنَّهُ يَجِدُ الطَّعَامَ يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِ , وَلَيْسَ هُوَ بِقَائِمٍ حِينَئِذٍ , وَلَيْسَ يَجُوزُ ذَلِكَ فِي الْعُرُوضِ , فَيَقُولُ كَمَا خَالَفَ الطَّعَامُ الْعُرُوضَ فِي جَوَازِ السَّلَمِ فِيهِ , وَلَيْسَ عِنْدَ الْمُسْلَمِ إِلَيْهِ , وَلَيْسَ ذَلِكَ فِي الْعُرُوضِ , فَكَذَلِكَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُخَالِفًا لَهُ فِي جَوَازِ بَيْعِهِ قَبْلَ أَنْ يُقْبَضَ , وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ غَيْرَ جَائِزٍ فِي الْعُرُوضِ . فَهَذَا هُوَ الْمَعْنَى الَّذِي لَهُ قَصَدَ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ بِالنَّهْيِ عَنْ بَيْعِ مَا لَمْ يُقْبَضْ , إِلَى الطَّعَامِ خَاصَّةً . وَفِي ذَلِكَ حُجَّةٌ أُخْرَى , وَذَلِكَ أَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي حَرُمَ بِهِ عَلَى مُشْتَرِي الطَّعَامِ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ , هُوَ أَنْ لَا يَطِيبَ لَهُ رِبْحُ مَا فِي ضَمَانِ غَيْرِهِ , فَإِذَا قَبَضَهُ , صَارَ فِي ضَمَانِهِ , فَطَابَ لَهُ رِبْحُهُ فَجَازَ أَنْ يَبِيعَهُ حَيْثُ أَحَبَّ . وَالْعُرُوضُ الْمَبِيعَةُ , هَذَا الْمَعْنَى بِعَيْنِهِ , مَوْجُودٌ فِيهَا , وَذَلِكَ أَنَّ الرِّبْحَ فِيهَا قَبْلَ قَبْضِهَا , غَيْرُ حَلَالٍ لِمُبْتَاعِهَا , لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ قَدْ نَهَى عَنْ رِبْحِ مَا لَمْ يُضْمَنْ . فَكَمَا كَانَ ذَلِكَ قَدْ دَخَلَ فِيهِ الطَّعَامُ وَغَيْرُ الطَّعَامِ , وَلَمْ يَكُنِ الرِّبْحُ يَطِيبُ لِأَحَدٍ إِلَّا بِتَقَدُّمِ ضَمَانِهِ , لِمَا كَانَ عَنْهُ وَذَلِكَ الرِّبْحُ . فَكَذَلِكَ الْأَشْيَاءُ الْمَبِيعَةُ كُلُّهَا , مَا كَانَ مِنْهَا يَطِيبُ الرِّبْحُ فِيهِ لِبَائِعِهِ , فَحَلَالٌ لَهُ بَيْعُهُ , وَمَا كَانَ مِنْهَا يَحْرُمُ الرِّبْحُ فِيهِ عَلَى بَائِعِهِ , فَحَرَامٌ عَلَيْهِ بَيْعُهُ . وَقَدْ جَاءَتْ أَيْضًا آثَارٌ أُخَرُ , عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ بِالنَّهْيِ عَنْ بَيْعِ مَا لَمْ يُقْبَضْ , لَمْ يَقْصِدْ فِيهَا إِلَى الطَّعَامِ وَلَا إِلَى غَيْرِهِ .