أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ فَقَالَ فِي خُطْبَتِهِ أَلَا إِنَّ قَتِيلَ خَطَأِ الْعَمْدِ بِالسَّوْطِ وَالْعَصَا وَالْحَجَرِ , فِيهِ دِيَةٌ مُغَلَّظَةٌ مِائَةٌ مِنَ الْإِبِلِ مِنْهَا أَرْبَعُونَ خِلْفَةً فِي بُطُونِهَا أَوْلَادُهَا "
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ شَيْبَةَ قَالَ : ثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى قَالَ : ثنا هُشَيْمٌ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ قَاسِمِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ جَوْشَنٍ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ أَوْسٍ السَّدُوسِيِّ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ فَقَالَ فِي خُطْبَتِهِ أَلَا إِنَّ قَتِيلَ خَطَأِ الْعَمْدِ بِالسَّوْطِ وَالْعَصَا وَالْحَجَرِ , فِيهِ دِيَةٌ مُغَلَّظَةٌ مِائَةٌ مِنَ الْإِبِلِ مِنْهَا أَرْبَعُونَ خِلْفَةً فِي بُطُونِهَا أَوْلَادُهَا قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : فَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالُوا : لَا قَوَدَ عَلَى مَنْ قَتَلَ رَجُلًا بِعَصًا أَوْ حَجَرٍ . وَمِمَّنْ قَالَ بِذَلِكَ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ . وَخَالَفَهُمْ فِي ذَلِكَ آخَرُونَ مِنْهُمْ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمَا فَقَالُوا : إِذَا كَانَتِ الْخَشَبَةُ مِثْلُهَا يَقْتُلُ فَعَلَى الْقَاتِلِ بِهَا الْقِصَاصُ وَذَلِكَ عَمْدٌ . وَإِنْ كَانَ مِثْلُهَا لَا يَقْتُلُ فَفِي ذَلِكَ الدِّيَةُ وَذَلِكَ شِبْهُ الْعَمْدِ . وَقَالُوا : لَيْسَ فِيمَا احْتَجَّ بِهِ عَلَيْنَا أَهْلُ الْمَقَالَةِ الْأُولَى مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلَا إِنَّ قَتِيلَ خَطَأِ الْعَمْدِ بِالسَّوْطِ وَالْعَصَا وَالْحَجَرِ , فِيهِ مِائَةٌ مِنَ الْإِبِلِ دَلِيلٌ عَلَى مَا قَالُوا , لِأَنَّهُ قَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرَادَ بِذَلِكَ الْعَصَا الَّتِي لَا تَقْتُلُ مِثْلُهَا الَّتِي هِيَ كَالسَّوْطِ الَّذِي لَا يَقْتُلُ مِثْلُهُ . فَإِنْ كَانَ أَرَادَ ذَلِكَ فَهُوَ الَّذِي قُلْنَا , وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَرَادَ ذَلِكَ وَأَرَادَ مَا قُلْتُمْ أَنْتُمْ فَقَدْ تَرَكْنَا الْحَدِيثَ وَخَالَفْنَاهُ . فَنَحْنُ بَعْدُ لَمْ نُثْبِتْ خِلَافَنَا لِهَذَا الْحَدِيثِ إِذْ كُنَّا نَقُولُ : إِنَّ مِنَ الْعَصَا مَا إِذَا قُتِلَ بِهِ لَمْ يَجِبْ بِهِ عَلَى الْقَاتِلِ قَوَدٌ . وَهَذَا الْمَعْنَى الَّذِي حَمَلْنَا عَلَيْهِ مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ أَوْلَى مِمَّا حَمَلَهُ عَلَيْهِ أَهْلُ الْمَقَالَةِ الْأُولَى ; لِأَنَّ مَا حَمَلْنَاهُ عَلَيْهِ لَا يُضَادُّ حَدِيثَ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي إِيجَابِهِ الْقَوْدَ عَلَى الْيَهُودِيِّ الَّذِي رَضَخَ رَأْسَ الْجَارِيَةِ بِحَجَرٍ . وَمَا حَمَلَهُ عَلَيْهِ أَهْلُ الْمَقَالَةِ الْأُولَى يُضَادُّ ذَلِكَ وَيَنْفِيهِ . وَلَأَنْ يُحْمَلَ الْحَدِيثُ عَلَى مَا يُوَافِقُ بَعْضُهُ بَعْضًا أَوْلَى مِنْ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى مَا يُضَادُّ بَعْضُهُ بَعْضًا . فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ : فَأَنْتَ قَدْ قُلْتَ إِنَّ حَدِيثَ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ هَذَا مَنْسُوخٌ فِي الْبَابِ الْأَوَّلِ فَكَيْفَ أَثْبَتَّ الْعَمَلَ بِهِ هَاهُنَا ؟ قِيلَ لَهُ : لَمْ نَقُلْ إِنَّ حَدِيثَ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ هَذَا مَنْسُوخٌ مِنْ جِهَةِ مَا ذَكَرْتُ وَقَدْ ثَبَتَ وُجُوبُ الْقَوْدِ وَالْقَتْلِ بِالْحَجَرِ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ . وَإِنَّمَا قُلْتُ : إِنَّ الْقِصَاصَ بِالْحَجَرِ قَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَنْسُوخًا لِمَا قَدْ ذَكَرْتُ مِنَ الْحُجَّةِ فِي ذَلِكَ . فَحَدِيثُ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي إِيجَابِ الْقَوْدِ عِنْدَنَا غَيْرُ مَنْسُوخٍ . وَفِي كَيْفِيَّةِ الْقَوْدِ الْوَاجِبِ قَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَنْسُوخًا عَلَى مَا فَسَّرْنَا وَبَيَّنَّا فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا الْبَابِ . فَكَانَ مِنَ الْحُجَّةِ لِلَّذِينَ قَالُوا : إِنَّ الْقَتْلَ بِالْحَجَرِ لَا يُوجِبُ الْقَوْدَ فِي دَفْعِ حَدِيثِ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَا أَوْجَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْقَتْلِ فِي ذَلِكَ حَقًّا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَجَعَلَ الْيَهُودِيَّ كَقَاطِعِ الطَّرِيقِ الَّذِي يَكُونُ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ حَدًّا مِنْ حُدُودِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ . فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَإِنَّ قَاطِعَ الطَّرِيقِ إِذَا قَتَلَ بِحَجَرٍ أَوْ بِعَصًا وَجَبَ عَلَيْهِ الْقَتْلُ فِي قَوْلِ الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ لَا قَوْدَ عَلَى مَنْ قَتَلَ بِعَصًا , وَقَدْ قَالَ بِهَذَا الْقَوْلِ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ النَّظَرِ . وَقَدْ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْخِنَاقِ إِنَّ عَلَيْهِ الدِّيَةَ وَأَنَّهُ لَا يُقْتَلُ إِلَّا أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ غَيْرَ مَرَّةٍ فَيُقْتَلُ وَيَكُونُ ذَلِكَ حَدًّا مِنْ حُدُودِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ . فَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَتَلَ الْيَهُودِيَّ عَلَى مَا فِي حَدِيثِ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِأَنَّهُ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقَتْلُ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ كَمَا يَجِبُ عَلَى قَاطِعِ الطَّرِيقِ . فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ : كُلُّ مَنْ قَطَعَ الطَّرِيقَ فَقَتَلَ بِعَصًا أَوْ حَجَرٍ أَوْ فَعَلَ ذَلِكَ فِي الْمِصْرِ يَكُونُ حُكْمُهُ فِيمَا فَعَلَ حُكْمَ قَاطِعِ الطَّرِيقِ , وَكَذَلِكَ الْخَنَّاقُ الَّذِي قَدْ فَعَلَ ذَلِكَ غَيْرَ مَرَّةٍ أَنَّهُ يُقْتَلُ . وَقَدْ كَانَ يَنْبَغِي فِي الْقِيَاسِ عَلَى قَوْلِهِ : أَنْ يَكُونَ يَجِبُ عَلَى مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ مَرَّةً وَاحِدَةً الْقَتْلُ وَيَكُونُ ذَلِكَ حَدًّا مِنْ حُدُودِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ كَمَا يَجِبُ إِذَا فَعَلَهُ مِرَارًا لِأَنَّا رَأَيْنَا الْحُدُودَ يُوجِبُهَا انْتِهَاكُ الْحُرْمَةِ مَرَّةً وَاحِدَةً ثُمَّ لَا يَجِبُ عَلَى مَنِ انْتَهَكَ تِلْكَ الْحُرْمَةَ ثَانِيَةً إِلَّا مَا وَجَبَ عَلَيْهِ فِي انْتِهَاكِهَا فِي الْبَدْءِ . فَكَانَ النَّظَرُ فِيمَا وَصَفْنَا أَنْ يَكُونَ الْجَانِي الْخَنَّاقُ كَذَلِكَ أَيْضًا وَأَنْ يَكُونَ حُكْمُهُ فِي أَوَّلِ مَرَّةٍ هُوَ حُكْمَهُ فِي آخِرِ مَرَّةٍ هَذَا هُوَ النَّظَرُ فِي هَذَا الْبَابِ . وَفِي ثُبُوتِ مَا ذَكَرْنَا مَا يَرْفَعُ أَنْ يَكُونَ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حُجَّةٌ عَلَى مَنْ يَقُولُ مَنْ قَتَلَ رَجُلًا بِحَجَرٍ فَلَا قَوْدَ عَلَيْهِ . وَكَانَ مِنْ حُجَّةِ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَيْضًا فِي قَوْلِهِ هَذَا مَا