قُلْنَا لِخَبَّابٍ : " أَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ ؟ قَالَ : نَعَمْ . قُلْتُ : بِأَيِّ شَيْءٍ كُنْتُمْ تَعْرِفُونَ ذَلِكَ ؟ قَالَ : بِاضْطِرَابِ لِحْيَتِهِ "
كَمَا قَدْ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ شَيْبَةَ , قَالَ : ثنا قَبِيصَةُ بْنُ عُقْبَةَ , قَالَ : ثنا سُفْيَانُ , عَنِ الْأَعْمَشِ , عَنْ عُمَارَةِ بْنِ عُمَيْرٍ , عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ , قَالَ : قُلْنَا لِخَبَّابٍ : أَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ ؟ قَالَ : نَعَمْ . قُلْتُ : بِأَيِّ شَيْءٍ كُنْتُمْ تَعْرِفُونَ ذَلِكَ ؟ قَالَ : بِاضْطِرَابِ لِحْيَتِهِ وَكَمَا قَدْ حَدَّثَنَا فَهْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ , قَالَ : ثنا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْأَصْبَهَانِيِّ , قَالَ : أنا شَرِيكٌ , وَأَبُو مُعَاوِيَةَ , وَوَكِيعٌ , عَنِ الْأَعْمَشِ , فَذَكَرَ بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ . قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : فَلَمْ يَكُنْ فِي هَذَا عِنْدَنَا , دَلِيلٌ , عَلَى أَنَّهُ قَدْ كَانَ يَقْرَأُ فِيهِمَا لِأَنَّهُ قَدْ يَجُوزُ أَنْ يَضْطَرِبَ لِحْيَتُهُ بِتَسْبِيحٍ سَبَّحَهُ , أَوْ دُعَاءٍ , أَوْ غَيْرِهِ . وَلَكِنَّ الَّذِي حَقَّقَ الْقِرَاءَةَ مِنْهُ فِي هَاتَيْنِ الصَّلَاتَيْنِ , مَنْ قَدْ رَوَيْنَا عَنْهُ الْآثَارَ , الَّتِي فِي الْفَصْلِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا . فَلَمَّا ثَبَتَ بِمَا ذَكَرْنَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ تَحْقِيقُ الْقِرَاءَةِ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ ، وَانْتَفَى مَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِمَّا يُخَالِفُ ذَلِكَ , رَجَعْنَا إِلَى النَّظَرِ بَعْدَ ذَلِكَ , هَلْ نَجِدُ فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ أَحَدِالْقَوْلَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرْنَا . فَاعْتَبَرْنَا ذَلِكَ , فَرَأَيْنَا الْقِيَامَ فِي الصَّلَاةِ فَرْضًا , وَكَذَلِكَ الرُّكُوعُ ، وَكَذَلِكَ السُّجُودُ , وَهَذَا كُلُّهُ مِنْ فَرْضِ الصَّلَاةِ , وَهِيَ بِهِ مُضَمَّنَةٌ لَا تُجْزِئُ الصَّلَاةُ إِذَا تُرِكَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ , وَكَانَ ذَلِكَ فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ سَوَاءً وَرَأَيْنَا الْقُعُودَ الْأَوَّلَ سُنَّةً , لَا اخْتِلَافَ فِيهِ , فَهُوَ فِي كُلِّ الصَّلَوَاتِ سَوَاءٌ وَرَأَيْنَا الْقُعُودَ الْأَخِيرَ , فِيهِ اخْتِلَافٌ بَيْنَ النَّاسِ . فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ هُوَ فَرْضٌ , وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ إِنَّهُ سُنَّةٌ , كُلُّ فَرِيقٍ مِنْهُمْ قَدْ جَعَلَ ذَلِكَ فِي كُلِّ الصَّلَوَاتِ سَوَاءً . فَكَانَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ مَا كَانَ مِنْهَا فَرْضًا فِي صَلَاةٍ , فَهُوَ فَرْضٌ فِي كُلِّ الصَّلَوَاتِ , وَكَانَ الْجَهْرُ بِالْقِرَاءَةِ فِي صَلَاةِ اللَّيْلِ لَيْسَ بِفَرْضٍ وَلَكِنَّهُ سُنَّةٌ . وَلَيْسَتِ الصَّلَاةُ بِهِ مُضَمَّنَةً كَمَا كَانَتْ مُضَمَّنَةً بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَالْقِيَامِ فَذَلِكَ قَدْ يَنْتَفِي مِنْ بَعْضِ الصَّلَوَاتِ وَيَثْبُتُ فِي بَعْضِهَا وَالَّذِي هُوَ فَرْضٌ وَالصَّلَاةُ بِهِ مُضَمَّنَةٌ لَا تُجْزِئُ إِلَّا بِإِصَابَتِهِ إِذَا كَانَ فِي بَعْضِ الصَّلَوَاتِ فَرْضًا , كَانَ فِي سَائِرِهَا كَذَلِكَ . فَلَمَّا رَأَيْنَا الْقِرَاءَةَ فِي الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ , وَالصُّبْحِ , وَاجِبَةٌ فِي قَوْلِ هَذَا الْمُخَالِفِ , لَا بُدَّ مِنْهَا , وَلَا تُجْزِئُ الصَّلَاةُ إِلَّا بِإِصَابَتِهَا , كَانَ كَذَلِكَ هِيَ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ . فَهَذِهِ حُجَّةٌ قَاطِعَةٌ , عَلَى مَنْ يَنْفِي الْقِرَاءَةَ مِنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ , مِمَّنْ يَرَاهَا فَرْضًا فِي غَيْرِهَا . وَأَمَّا مَنْ لَا يَرَى الْقِرَاءَةَ مِنْ صُلْبِ الصَّلَاةِ , فَإِنَّ الْحُجَّةَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ أَنَّا قَدْ رَأَيْنَا الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ , يَقْرَأُ فِي كُلِّهِمَا فِي قَوْلِهِ وَيَجْهَرُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ مِنْهُمَا , وَيُخَافِتُ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ . فَلَمَّا كَانَتْ سُنَّةً مَا بَعْدَ الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ هِيَ الْقِرَاءَةُ , وَلَمْ تَسْقُطْ بِسُقُوطِ الْجَهْرِ , كَانَ النَّظَرُ عَلَى ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ السُّنَّةُ , فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ , لَمَّا سَقَطَ الْجَهْرُ فِيهِمَا بِالْقِرَاءَةِ أَنْ لَا يُسْقِطَ الْقِرَاءَةَ قِيَاسًا عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ ذَلِكَ . وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ , وَأَبِي يُوسُفَ , وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمُ اللَّهُ ، وَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ