أَنَّ أَبَا بَكْرٍ صَلَّى بِالنَّاسِ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّفِّ خَلْفَهُ
نا بُنْدَارٌ ، ثنا بَدَلُ بْنُ الْمُحَبَّرِ ، ثنا شُعْبَةُ ، عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي عَائِشَةَ ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، عَنْ عَائِشَةَ ، أَنَّ أَبَا بَكْرٍ صَلَّى بِالنَّاسِ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فِي الصَّفِّ خَلْفَهُ قَالَ أَبُو بَكْرٍ : فَلَمْ يَصِحَّ الْخَبَرُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ كَانَ هُوَ الْإِمَامَ فِي الْمَرَضِ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ فِي الصَّلَاةِ الَّتِي كَانَ هُوَ فِيهَا قَاعِدًا ، وَأَبُو بَكْرٍ وَالْقَوْمٌ قِيَامٌ ؛ لِأَنَّ فِي خَبَرِ مَسْرُوقٍ ، وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ الْإِمَامَ ، وَالنَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ مَأْمُومٌ ، وَهَذَا ضِدُّ خَبَرِ هِشَامٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عَائِشَةَ ، وَخَبَرِ إِبْرَاهِيمَ عَنِ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ ، عَلَى أَنَّ شُعْبَةَ بْنَ الْحَجَّاجِ قَدْ بَيَّنَ فِي رِوَايَتِهِ عَنِ الْأَعْمَشِ ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ ، عَنِ الْأَسْوَدِ ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ : كَانَ أَبُو بَكْرٍ الْمُقَدَّمَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : كَانَ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ الْمُقَدَّمَ بَيْنَ يَدَيْ أَبِي بَكْرٍ ، وَإِذَا كَانَ الْحَدِيثُ الَّذِي بِهِ احْتَجَّ مَنْ زَعَمَ أَنَّ فِعْلَهُ الَّذِي كَانَ فِي سَقْطَتِهِ مِنَ الْفَرَسِ ، وَأَمْرَهُ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ بِالِاقْتِدَاءِ بِالْأَئِمَّةِ وَقُعُودِهِمْ فِي الصَّلَاةِ إِذَا صَلَّى إِمَامُهُمْ قَاعِدًا ، مَنْسُوخٌ غَيْرُ صَحِيحٍ مِنْ جِهَةِ النَّقْلِ ، فَغَيْرُ جَائِزٍ لِعَالِمٍ أَنْ يَدَّعِيَ نَسْخَ مَا قَدْ صَحَّ عَنِ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ بِالْأَخْبَارِ الْمُتَوَاتِرَةِ بِالْأَسَانِيدِ الصِّحَاحِ مِنْ فِعْلِهِ وَأَمْرِهِ بِخَبَرٍ مُخْتَلَفٍ فِيهِ عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ قَدْ زَجَرَ عَنْ هَذَا الْفِعْلِ الَّذِي ادَّعَتْهُ هَذِهِ الْفِرْقَةُ فِي خَبَرِ عَائِشَةَ الَّذِي ذَكَرْنَا أَنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ عَنْهَا ، وَأَعْلَمَ أَنَّهُ فِعْلُ فَارِسَ وَالرُّومِ بِعُظَمَائِهَا ، يَقُومُونَ وَمُلُوكُهُمْ قَعُودٌ ، وَقَدْ ذَكَرْنَا هَذَا الْخَبَرَ فِي مَوْضِعِهِ ، فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يُؤْمَرَ بِمَا قَدْ صَحَّ عَنِ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ مِنَ الزَّجْرِ عَنْهُ اسْتِنَانًا بِفَارِسَ وَالرُّومِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَصِحَّ عَنْهُ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ الْأَمْرُ بِهِ وَإِبَاحَتُهُ بَعْدَ الزَّجْرِ عَنْهُ ؟ وَلَا خِلَافَ بَيْنِ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِالْأَخْبَارِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ قَدْ صَلَّى قَاعِدًا وَأَمَرَ الْقَوْمَ بِالْقُعُودِ ، وَهُمْ قَادِرُونَ عَلَى الْقِيَامِ ، لَوْ سَاعَدَهُمُ الْقَضَاءُ ، وَقَدْ أَمَرَ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ الْمَأْمُومِينَ بِالِاقْتِدَاءِ بِالْإِمَامِ وَالْقُعُودِ إِذَا صَلَّى الْإِمَامُ قَاعِدًا ، وَزَجَرَ عَنِ الْقِيَامِ فِي الصَّلَاةِ إِذَا صَلَّى الْإِمَامُ قَاعِدًا ، وَاخْتَلَفُوا فِي نَسْخِ ذَلِكَ ، وَلَمْ يَثْبُتْ خَبَرٌ مِنْ جِهَةِ النَّقْلِ بِنَسْخِ مَا قَدْ صَحَّ عَنْهُ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ مِمَّا ذَكَرْنَا مِنْ فِعْلِهِ وَأَمْرِهِ ، فَمَا صَحَّ عَنِ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ وَاتَّفَقَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى صِحَّتِهِ يَقِينٌ ، وَمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَلَمْ يَصِحَّ فِيهِ خَبَرٌ عَنِ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ شَكٌّ ، وَغَيْرُ جَائِزٍ تَرْكُ الْيَقِينِ بِالشَّكِّ ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ تَرْكُ الْيَقِينِ بِالْيَقِينِ . فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ غَيْرُ مُنْعِمِ الرَّوِيَّةِ : كَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يُصَلِّيَ قَاعِدًا مَنْ يَقْدِرُ عَلَى الْقِيَامِ ؟ قِيلَ لَهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ : يَجُوزُ ذَلِكَ أَنْ يُصَلِّيَ بِأَوْلَى الْأَشْيَاءِ أَنْ يَجُوزَ بِهِ ، وَهِيَ سُنَّةُ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، أَمَرَ بِاتِّبَاعِهَا ، وَوَعَدَ الْهُدَى عَلَى اتِّبَاعِهَا ، فَأَخْبَرَ أَنَّ طَاعَتَهُ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ طَاعَتُهُ عَزَّ وَجَلَّ ، وَقَوْلُهُ كَيْفَ يَجُوزُ لِمَا قَدْ صَحَّ عَنِ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ الْأَمْرُ بِهِ ، وَثَبَتَ فِعْلُهُ لَهُ - بِنَقْلِ الْعَدْلِ عَنِ الْعَدْلِ مَوْصُولًا إِلَيْهِ بِالْأَخْبَارِ الْمُتَوَاتِرَةِ - جَهْلٌ مِنْ قَائِلِهِ وَقَدْ صَحَّ عَنِ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ عِنْدَ جَمِيعِ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْأَخْبَارِ الْأَمْرُ بِالصَّلَاةِ قَاعِدًا إِذَا صَلَّى الْإِمَامُ قَاعِدًا ، وَثَبَتَ عِنْدَهُمْ أَيْضًا أَنَّهُ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ صَلَّى قَاعِدًا بِقُعُودِ أَصْحَابِهِ لَا مَرَضَ بِهِمْ ، وَلَا بِأَحَدٍ مِنْهُمْ . وَادَّعَى قَوْمٌ نَسْخَ ذَلِكَ ، فَلَمْ تَثْبُتْ دَعْوَاهُمْ بِخَبَرٍ صَحِيحٍ لَا مُعَارِضَ لَهُ ، فَلَا يَجُوزُ تَرْكُ مَا قَدْ صَحَّ مِنْ أَمْرِهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، وَفِعْلِهِ فِي وَقْتٍ مِنَ الْأَوْقَاتِ ، إِلَّا بِخَبَرٍ صَحِيحٍ عَنْهُ ، يَنْسَخُ أَمْرَهُ ذَلِكَ وَفِعْلَهُ . وَوُجُودُ نَسْخِ ذَلِكَ بِخَبَرٍ صَحِيحٍ مَعْدُومٌ ، وَفِي عَدَمِ وُجُودِ ذَلِكَ بُطْلَانُ مَا ادَّعَتْ ، فَجَازَتِ الصَّلَاةُ قَاعِدًا إِذَا صَلَّى الْإِمَامُ قَاعِدًا اقْتِدَاءً بِهِ عَلَى أَمْرِ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ وَفِعْلِهِ ، وَاللَّهُ الْمُوَفَّقُ لِلصَّوَابِ