عَنِ الْحَسَنِ ، قَالَ : " كَانَ الْإِسْكَنْدَرُ أَوَّلَ مَنْ خَزَّنَ الْأَمْوَالَ تَحْتَ الْأَرْضِ ، فَلَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ دَعَا ابْنَهُ الْأَكْبَرَ ، وَكَانَ وَلِيَ عَهْدِهِ ، فَقَالَ : يَا بُنَيَّ ، إِنِّي أُرَانِي لِمَآبِي ، فَإِذَا أَنَا مُتُّ فَابْعَثْ إِلَى حُذَّاقِ الصَّاغَةِ ، فَأَدْخِلْهُمُ الْخَزَائِنَ ، فَلْيَنْتَقُوا جَيِّدَ الذَّهَبِ عَلَى أَعْيُنِهِمْ ، ثُمَّ لِيَصُوغُوا تَابُوتًا ، ثُمَّ أَدْخِلْنِي فِيهِ ، ثُمَّ ضَعْنِي وَسَطَ قَصْرِي ، ثُمَّ ابْعَثْ إِلَى أَهْلِ مَمْلَكَتِكَ ، وَإِلَى الْعُلَمَاءِ مِنْهُمْ ، فَلْيَتَكَلَّمْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِمَا يَعْلَمُ ، فَلَمَّا هَلَكَ الْإِسْكَنْدَرُ فَعَلَ ابْنُهُ مَا أَمَرَهُ بِهِ أَبُوهُ سِرًّا ، ثُمَّ بَعَثَ إِلَى أَهْلِ مَمْلَكَتِهِ ، وَإِلَى الْعُلَمَاءِ ، وَكَانُوا ثَلَاثَةَ عَشَرَ رَجُلًا ، فَأَقْبَلُوا حَتَّى أَطَافُوا بِالتَّابُوتِ ، كَأَنَّهُمْ عَلِمُوا مَا يُرَادُ بِهِمْ ، فَقَالَ لَهُمُ ابْنُهُ : أَيُّهَا الْعُلَمَاءُ ، قُومُوا فَتَكَلَّمُوا بِمَا تَعْلَمُونَ ، فَقَامَ الْأَوَّلُ ، فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى التَّابُوتِ ، فَقَالَ : سَلَكَ الْإِسْكَنْدَرُ طَرِيقَ مَنْ قُبِرَ وَفِي مَوْتِهِ عِبَرٌ لِمَنْ بَقِيَ ، ثُمَّ قَامَ الثَّانِي فَقَالَ : هَلَكَ الْإِسْكَنْدَرُ وَمَنْ يَمْلُكُ مِنْ بَعْدِهِ يَهْلِكْ كَمَا هَلَكَ ، ثُمَّ قَامَ الثَّالِثُ فَقَالَ : خَلَّفَ الْإِسْكَنْدَرُ مُلْكَهُ لِغَيْرِهِ يَحْكُمُ فِيهِ بِغَيْرِ حُكْمِهِ ، ثُمَّ قَامَ الرَّابِعُ فَقَالَ : تَفَرَّقْنَا لِمَوْتِكَ ، وَقَدْ فَارَقَ الْإِسْكَنْدَرُ وَمَنْ كَانَ بِهِ يَغْتَبِطُ ، ثُمَّ قَامَ الْخَامِسُ فَقَالَ : أَصْبَحَ الْإِسْكَنْدَرُ مُشْتَغِلًا بِمَا عَايَنَ ، وَهُوَ بِالْأَعْمَالِ يَوْمَ الْجَزَاءِ أَشْغَلُ ، ثُمَّ قَالَ السَّادِسُ ، فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى التَّابُوتِ فَقَالَ : إِسْكَنْدَرُ كَانَ يُخَزِّنُ الذَّهَبَ فِي الْخَزَائِنِ ، فَأَصْبَحَ الْإِسْكَنْدَرُ مَخْزُونًا فِي الذَّهَبِ ، ثُمَّ قَامَ السَّابِعُ فَقَالَ : أَنَا السَّابِعُ ، وَأَنَا أَقُولُ : مَنْ كَانَ يَرْجُو رَوْحَ الْآخِرَةِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا يُقْبَلُ مِنْهُ وَيُرْفَعُ ، ثُمَّ قَامَ الثَّامِنُ فَقَالَ : الْإِسْكَنْدَرُ كُنْتَ مَثَلِي حَدِيثًا ، وَأَنَا مِثْلُكَ وَشِيكًا ، ثُمَّ قَامَ التَّاسِعُ فَقَالَ : إِسْكَنْدَرُ وَرَدْتَ يَوْمَ وَرَدْتَ نَاطِقًا ، وَصَدَرْتَ يَوْمَ صَدَرْتَ صَامَتًا ، وَقَامَ الْعَاشِرُ فَقَالَ : إِسْكَنْدَرُ جَمَعْتَ الْآفَاقَ لِمَوْتِكَ ، وَفِي الْمَوْتِ عِبْرَةٌ لِمَنِ اعْتَبَرَ وَأَبْصَرَ ، وَقَامَ الْحَادِي عَشَرَ فَقَالَ : إِسْكَنْدَرُ أَرَى مُصِيبَتَهُ بَعْدَ نِعَمِهِ ، وَقَدْ كَانَتْ وَزَمَانَ مَا أَبْكَرَ ، فَكُلُّنَا يُصِيبُهُ مَا قَدْ نَزَلَ ، ثُمَّ قَامَ الثَّانِي عَشَرَ فَقَالَ : إِسْكَنْدَرُ هَذَا آخِرُ عَهْدِنَا بِكَ ، مُنِعْتَ جَوَابَ مَنْ يُخَاطِبُكَ ، ثُمَّ قَامَ الثَّالِثُ عَشَرَ فَقَالَ : السَّلَامُ عَلَى مَنْ رَضِيَ دَارَ السَّلَامِ ، وَأُدْخِلَ دَارَ السَّلَامِ "
قَالَ أَبُو حَفْصٍ عُمَرُ بْنُ أَبِي الْحَارِثِ الْمُحَارِبِيُّ ، وَدَفَعَ إِلَيَّ كِتَابَهُ بِخَطِّهِ فَكَتَبْتُهُ ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ عُبَيْدٍ الدَّارِسِيُّ ، قَالَ : أَخْبَرَنَا مُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ ، عَنِ الْحَسَنِ ، قَالَ : كَانَ الْإِسْكَنْدَرُ أَوَّلَ مَنْ خَزَّنَ الْأَمْوَالَ تَحْتَ الْأَرْضِ ، فَلَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ دَعَا ابْنَهُ الْأَكْبَرَ ، وَكَانَ وَلِيَ عَهْدِهِ ، فَقَالَ : يَا بُنَيَّ ، إِنِّي أُرَانِي لِمَآبِي ، فَإِذَا أَنَا مُتُّ فَابْعَثْ إِلَى حُذَّاقِ الصَّاغَةِ ، فَأَدْخِلْهُمُ الْخَزَائِنَ ، فَلْيَنْتَقُوا جَيِّدَ الذَّهَبِ عَلَى أَعْيُنِهِمْ ، ثُمَّ لِيَصُوغُوا تَابُوتًا ، ثُمَّ أَدْخِلْنِي فِيهِ ، ثُمَّ ضَعْنِي وَسَطَ قَصْرِي ، ثُمَّ ابْعَثْ إِلَى أَهْلِ مَمْلَكَتِكَ ، وَإِلَى الْعُلَمَاءِ مِنْهُمْ ، فَلْيَتَكَلَّمْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِمَا يَعْلَمُ ، فَلَمَّا هَلَكَ الْإِسْكَنْدَرُ فَعَلَ ابْنُهُ مَا أَمَرَهُ بِهِ أَبُوهُ سِرًّا ، ثُمَّ بَعَثَ إِلَى أَهْلِ مَمْلَكَتِهِ ، وَإِلَى الْعُلَمَاءِ ، وَكَانُوا ثَلَاثَةَ عَشَرَ رَجُلًا ، فَأَقْبَلُوا حَتَّى أَطَافُوا بِالتَّابُوتِ ، كَأَنَّهُمْ عَلِمُوا مَا يُرَادُ بِهِمْ ، فَقَالَ لَهُمُ ابْنُهُ : أَيُّهَا الْعُلَمَاءُ ، قُومُوا فَتَكَلَّمُوا بِمَا تَعْلَمُونَ ، فَقَامَ الْأَوَّلُ ، فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى التَّابُوتِ ، فَقَالَ : سَلَكَ الْإِسْكَنْدَرُ طَرِيقَ مَنْ قُبِرَ وَفِي مَوْتِهِ عِبَرٌ لِمَنْ بَقِيَ ، ثُمَّ قَامَ الثَّانِي فَقَالَ : هَلَكَ الْإِسْكَنْدَرُ وَمَنْ يَمْلُكُ مِنْ بَعْدِهِ يَهْلِكْ كَمَا هَلَكَ ، ثُمَّ قَامَ الثَّالِثُ فَقَالَ : خَلَّفَ الْإِسْكَنْدَرُ مُلْكَهُ لِغَيْرِهِ يَحْكُمُ فِيهِ بِغَيْرِ حُكْمِهِ ، ثُمَّ قَامَ الرَّابِعُ فَقَالَ : تَفَرَّقْنَا لِمَوْتِكَ ، وَقَدْ فَارَقَ الْإِسْكَنْدَرُ وَمَنْ كَانَ بِهِ يَغْتَبِطُ ، ثُمَّ قَامَ الْخَامِسُ فَقَالَ : أَصْبَحَ الْإِسْكَنْدَرُ مُشْتَغِلًا بِمَا عَايَنَ ، وَهُوَ بِالْأَعْمَالِ يَوْمَ الْجَزَاءِ أَشْغَلُ ، ثُمَّ قَالَ السَّادِسُ ، فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى التَّابُوتِ فَقَالَ : إِسْكَنْدَرُ كَانَ يُخَزِّنُ الذَّهَبَ فِي الْخَزَائِنِ ، فَأَصْبَحَ الْإِسْكَنْدَرُ مَخْزُونًا فِي الذَّهَبِ ، ثُمَّ قَامَ السَّابِعُ فَقَالَ : أَنَا السَّابِعُ ، وَأَنَا أَقُولُ : مَنْ كَانَ يَرْجُو رَوْحَ الْآخِرَةِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا يُقْبَلُ مِنْهُ وَيُرْفَعُ ، ثُمَّ قَامَ الثَّامِنُ فَقَالَ : الْإِسْكَنْدَرُ كُنْتَ مَثَلِي حَدِيثًا ، وَأَنَا مِثْلُكَ وَشِيكًا ، ثُمَّ قَامَ التَّاسِعُ فَقَالَ : إِسْكَنْدَرُ وَرَدْتَ يَوْمَ وَرَدْتَ نَاطِقًا ، وَصَدَرْتَ يَوْمَ صَدَرْتَ صَامَتًا ، وَقَامَ الْعَاشِرُ فَقَالَ : إِسْكَنْدَرُ جَمَعْتَ الْآفَاقَ لِمَوْتِكَ ، وَفِي الْمَوْتِ عِبْرَةٌ لِمَنِ اعْتَبَرَ وَأَبْصَرَ ، وَقَامَ الْحَادِي عَشَرَ فَقَالَ : إِسْكَنْدَرُ أَرَى مُصِيبَتَهُ بَعْدَ نِعَمِهِ ، وَقَدْ كَانَتْ وَزَمَانَ مَا أَبْكَرَ ، فَكُلُّنَا يُصِيبُهُ مَا قَدْ نَزَلَ ، ثُمَّ قَامَ الثَّانِي عَشَرَ فَقَالَ : إِسْكَنْدَرُ هَذَا آخِرُ عَهْدِنَا بِكَ ، مُنِعْتَ جَوَابَ مَنْ يُخَاطِبُكَ ، ثُمَّ قَامَ الثَّالِثُ عَشَرَ فَقَالَ : السَّلَامُ عَلَى مَنْ رَضِيَ دَارَ السَّلَامِ ، وَأُدْخِلَ دَارَ السَّلَامِ