• 626
  • حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ ، وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عُمَرَ الْمَكِّيُّ ، كُلُّهُمْ عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ ، وَاللَّفْظُ لِابْنِ أَبِي عُمَرَ ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، قَالَ : قُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ : إِنَّ نَوْفًا الْبِكَالِيَّ يَزْعُمُ أَنَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ ، صَاحِبَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَيْسَ هُوَ مُوسَى صَاحِبَ الْخَضِرِ ، عَلَيْهِ السَّلَامُ ، فَقَالَ : كَذَبَ عَدُوُّ اللَّهِ ، سَمِعْتُ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ يَقُولُ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : قَامَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ خَطِيبًا فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ فَسُئِلَ : أَيُّ النَّاسِ أَعْلَمُ ؟ فَقَالَ : أَنَا أَعْلَمُ ، قَالَ فَعَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِ إِذْ لَمْ يَرُدَّ الْعِلْمَ إِلَيْهِ ، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ : أَنَّ عَبْدًا مِنْ عِبَادِي بِمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ هُوَ أَعْلَمُ مِنْكَ ، قَالَ مُوسَى : أَيْ رَبِّ كَيْفَ لِي بِهِ ؟ فَقِيلَ لَهُ : احْمِلْ حُوتًا فِي مِكْتَلٍ ، فَحَيْثُ تَفْقِدُ الْحُوتَ فَهُوَ ثَمَّ ، فَانْطَلَقَ وَانْطَلَقَ مَعَهُ فَتَاهُ ، وَهُوَ يُوشَعُ بْنُ نُونٍ ، فَحَمَلَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ ، حُوتًا فِي مِكْتَلٍ وَانْطَلَقَ هُوَ وَفَتَاهُ يَمْشِيَانِ حَتَّى أَتَيَا الصَّخْرَةَ ، فَرَقَدَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ وَفَتَاهُ ، فَاضْطَرَبَ الْحُوتُ فِي الْمِكْتَلِ ، حَتَّى خَرَجَ مِنَ الْمِكْتَلِ ، فَسَقَطَ فِي الْبَحْرِ ، قَالَ وَأَمْسَكَ اللَّهُ عَنْهُ جِرْيَةَ الْمَاءِ حَتَّى كَانَ مِثْلَ الطَّاقِ ، فَكَانَ لِلْحُوتِ سَرَبًا ، وَكَانَ لِمُوسَى وَفَتَاهُ عَجَبًا ، فَانْطَلَقَا بَقِيَّةَ يَوْمِهِمَا وَلَيْلَتِهِمَا ، وَنَسِيَ صَاحِبُ مُوسَى أَنْ يُخْبِرَهُ ، فَلَمَّا أَصْبَحَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ ، قَالَ لِفَتَاهُ : آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا ، قَالَ وَلَمْ يَنْصَبْ حَتَّى جَاوَزَ الْمَكَانَ الَّذِي أُمِرَ بِهِ ، قَالَ : أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ ، فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا ، قَالَ مُوسَى : {{ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا }} ، قَالَ يَقُصَّانِ آثَارَهُمَا ، حَتَّى أَتَيَا الصَّخْرَةَ ، فَرَأَى رَجُلًا مُسَجًّى عَلَيْهِ بِثَوْبٍ ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ مُوسَى ، فَقَالَ لَهُ الْخَضِرُ : أَنَّى بِأَرْضِكَ السَّلَامُ ؟ قَالَ : أَنَا مُوسَى ، قَالَ : مُوسَى بَنِي إِسْرَائِيلَ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، قَالَ : إِنَّكَ عَلَى عِلْمٍ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ عَلَّمَكَهُ اللَّهُ لَا أَعْلَمُهُ ، وَأَنَا عَلَى عِلْمٍ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ عَلَّمَنِيهِ لَا تَعْلَمُهُ ، قَالَ لَهُ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ : ( هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِي مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا . قَالَ : إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا . وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا . قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا ) قَالَ لَهُ الْخَضِرُ {{ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا }} ، قَالَ : نَعَمْ ، فَانْطَلَقَ الْخَضِرُ وَمُوسَى يَمْشِيَانِ عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ ، فَمَرَّتْ بِهِمَا سَفِينَةٌ ، فَكَلَّمَاهُمْ أَنْ يَحْمِلُوهُمَا ، فَعَرَفُوا الْخَضِرَ فَحَمَلُوهُمَا بِغَيْرِ نَوْلٍ ، فَعَمَدَ الْخَضِرُ إِلَى لَوْحٍ مِنْ أَلْوَاحِ السَّفِينَةِ فَنَزَعَهُ ، فَقَالَ لَهُ مُوسَى : قَوْمٌ حَمَلُونَا بِغَيْرِ نَوْلٍ ، عَمَدْتَ إِلَى سَفِينَتِهِمْ فَخَرَقْتَهَا {{ لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا }} ، ثُمَّ خَرَجَا مِنَ السَّفِينَةِ ، فَبَيْنَمَا هُمَا يَمْشِيَانِ عَلَى السَّاحِلِ إِذَا غُلَامٌ يَلْعَبُ مَعَ الْغِلْمَانِ ، فَأَخَذَ الْخَضِرُ بِرَأْسِهِ ، فَاقْتَلَعَهُ بِيَدِهِ ، فَقَتَلَهُ ، فَقَالَ مُوسَى : ( أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَاكِيَةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا . قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا ) قَالَ : وَهَذِهِ أَشَدُّ مِنَ الْأُولَى ، {{ قَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي ، قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا ، فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا ، فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ }} ، يَقُولُ مَائِلٌ ، قَالَ الْخَضِرُ بِيَدِهِ هَكَذَا فَأَقَامَهُ ، قَالَ لَهُ مُوسَى : قَوْمٌ أَتَيْنَاهُمْ فَلَمْ يُضَيِّفُونَا وَلَمْ يُطْعِمُونَا ، لَوْ شِئْتَ لَتَخِذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا ، قَالَ : هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ ، سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يَرْحَمُ اللَّهُ مُوسَى ، لَوَدِدْتُ أَنَّهُ كَانَ صَبَرَ حَتَّى يُقَصَّ عَلَيْنَا مِنْ أَخْبَارِهِمَا ، قَالَ : وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : كَانَتِ الْأُولَى مِنْ مُوسَى نِسْيَانًا ، قَالَ : وَجَاءَ عُصْفُورٌ حَتَّى وَقَعَ عَلَى حَرْفِ السَّفِينَةِ ، ثُمَّ نَقَرَ فِي الْبَحْرِ ، فَقَالَ لَهُ الْخَضِرُ : مَا نَقَصَ عِلْمِي وَعِلْمُكَ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ إِلَّا مِثْلَ مَا نَقَصَ هَذَا الْعُصْفُورُ مِنَ الْبَحْرِ قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ : وَكَانَ يَقْرَأُ : وَكَانَ أَمَامَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ صَالِحَةٍ غَصْبًا وَكَانَ يَقْرَأُ : وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ كَافِرًا

    أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ يَقُولُ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " قَامَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ خَطِيبًا فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ فَسُئِلَ : أَيُّ النَّاسِ أَعْلَمُ ؟ فَقَالَ : أَنَا أَعْلَمُ ، قَالَ فَعَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِ إِذْ لَمْ يَرُدَّ الْعِلْمَ إِلَيْهِ ، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ : أَنَّ عَبْدًا مِنْ عِبَادِي بِمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ هُوَ أَعْلَمُ مِنْكَ ، قَالَ مُوسَى : أَيْ رَبِّ كَيْفَ لِي بِهِ ؟ فَقِيلَ لَهُ : احْمِلْ حُوتًا فِي مِكْتَلٍ ، فَحَيْثُ تَفْقِدُ الْحُوتَ فَهُوَ ثَمَّ ، فَانْطَلَقَ وَانْطَلَقَ مَعَهُ فَتَاهُ ، وَهُوَ يُوشَعُ بْنُ نُونٍ ، فَحَمَلَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ ، حُوتًا فِي مِكْتَلٍ وَانْطَلَقَ هُوَ وَفَتَاهُ يَمْشِيَانِ حَتَّى أَتَيَا الصَّخْرَةَ ، فَرَقَدَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ وَفَتَاهُ ، فَاضْطَرَبَ الْحُوتُ فِي الْمِكْتَلِ ، حَتَّى خَرَجَ مِنَ الْمِكْتَلِ ، فَسَقَطَ فِي الْبَحْرِ ، قَالَ وَأَمْسَكَ اللَّهُ عَنْهُ جِرْيَةَ الْمَاءِ حَتَّى كَانَ مِثْلَ الطَّاقِ ، فَكَانَ لِلْحُوتِ سَرَبًا ، وَكَانَ لِمُوسَى وَفَتَاهُ عَجَبًا ، فَانْطَلَقَا بَقِيَّةَ يَوْمِهِمَا وَلَيْلَتِهِمَا ، وَنَسِيَ صَاحِبُ مُوسَى أَنْ يُخْبِرَهُ ، فَلَمَّا أَصْبَحَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ ، قَالَ لِفَتَاهُ : آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا ، قَالَ وَلَمْ يَنْصَبْ حَتَّى جَاوَزَ الْمَكَانَ الَّذِي أُمِرَ بِهِ ، قَالَ : أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ ، فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا ، قَالَ مُوسَى : {{ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا }} ، قَالَ يَقُصَّانِ آثَارَهُمَا ، حَتَّى أَتَيَا الصَّخْرَةَ ، فَرَأَى رَجُلًا مُسَجًّى عَلَيْهِ بِثَوْبٍ ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ مُوسَى ، فَقَالَ لَهُ الْخَضِرُ : أَنَّى بِأَرْضِكَ السَّلَامُ ؟ قَالَ : أَنَا مُوسَى ، قَالَ : مُوسَى بَنِي إِسْرَائِيلَ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، قَالَ : إِنَّكَ عَلَى عِلْمٍ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ عَلَّمَكَهُ اللَّهُ لَا أَعْلَمُهُ ، وَأَنَا عَلَى عِلْمٍ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ عَلَّمَنِيهِ لَا تَعْلَمُهُ ، قَالَ لَهُ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ : ( هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِي مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا . قَالَ : إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا . وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا . قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا ) قَالَ لَهُ الْخَضِرُ {{ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا }} ، قَالَ : نَعَمْ ، فَانْطَلَقَ الْخَضِرُ وَمُوسَى يَمْشِيَانِ عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ ، فَمَرَّتْ بِهِمَا سَفِينَةٌ ، فَكَلَّمَاهُمْ أَنْ يَحْمِلُوهُمَا ، فَعَرَفُوا الْخَضِرَ فَحَمَلُوهُمَا بِغَيْرِ نَوْلٍ ، فَعَمَدَ الْخَضِرُ إِلَى لَوْحٍ مِنْ أَلْوَاحِ السَّفِينَةِ فَنَزَعَهُ ، فَقَالَ لَهُ مُوسَى : قَوْمٌ حَمَلُونَا بِغَيْرِ نَوْلٍ ، عَمَدْتَ إِلَى سَفِينَتِهِمْ فَخَرَقْتَهَا {{ لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا }} ، ثُمَّ خَرَجَا مِنَ السَّفِينَةِ ، فَبَيْنَمَا هُمَا يَمْشِيَانِ عَلَى السَّاحِلِ إِذَا غُلَامٌ يَلْعَبُ مَعَ الْغِلْمَانِ ، فَأَخَذَ الْخَضِرُ بِرَأْسِهِ ، فَاقْتَلَعَهُ بِيَدِهِ ، فَقَتَلَهُ ، فَقَالَ مُوسَى : ( أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَاكِيَةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا . قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا ) قَالَ : وَهَذِهِ أَشَدُّ مِنَ الْأُولَى ، {{ قَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي ، قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا ، فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا ، فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ }} ، يَقُولُ مَائِلٌ ، قَالَ الْخَضِرُ بِيَدِهِ هَكَذَا فَأَقَامَهُ ، قَالَ لَهُ مُوسَى : قَوْمٌ أَتَيْنَاهُمْ فَلَمْ يُضَيِّفُونَا وَلَمْ يُطْعِمُونَا ، لَوْ شِئْتَ لَتَخِذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا ، قَالَ : هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ ، سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " يَرْحَمُ اللَّهُ مُوسَى ، لَوَدِدْتُ أَنَّهُ كَانَ صَبَرَ حَتَّى يُقَصَّ عَلَيْنَا مِنْ أَخْبَارِهِمَا " ، قَالَ : وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " كَانَتِ الْأُولَى مِنْ مُوسَى نِسْيَانًا " ، قَالَ : " وَجَاءَ عُصْفُورٌ حَتَّى وَقَعَ عَلَى حَرْفِ السَّفِينَةِ ، ثُمَّ نَقَرَ فِي الْبَحْرِ ، فَقَالَ لَهُ الْخَضِرُ : مَا نَقَصَ عِلْمِي وَعِلْمُكَ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ إِلَّا مِثْلَ مَا نَقَصَ هَذَا الْعُصْفُورُ مِنَ الْبَحْرِ " قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ : وَكَانَ يَقْرَأُ : " وَكَانَ أَمَامَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ صَالِحَةٍ غَصْبًا " وَكَانَ يَقْرَأُ : " وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ كَافِرًا "

    مكتل: المكتل : السلة أو الوعاء أو الزنبيل يصنع من الخوص
    ثم: ثَمَّ : اسم يشار به إلى المكان البعيد بمعنى هناك
    المكتل: المكتل : السلة أو الوعاء أو الزنبيل يصنع من الخوص
    الطاق: الطاق : كل ما عطف وجعل كالقوس من الأبنية
    نصبا: النصب : التعب والإعياء وحصول المشقة
    ينصب: النصب : التعب والإعياء وحصول المشقة
    أوينا: أوى وآوى : ضم وانضم ، وجمع ، حمى ، ورجع ، ورَدَّ ، ولجأ ، واعتصم ، ووَارَى ، ويستخدم كل من الفعلين لازما ومتعديا ويعطي كل منهما معنى الآخر
    عجبا: العجب : الأمر المدهش
    مسجى: مسجى : مغطى
    نول: النول : أجرة ركوب السفينة
    مائل: مائل : معوج يكاد يسقط
    قَامَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ خَطِيبًا فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ فَسُئِلَ :
    لا توجد بيانات

    [2380] (إِنَّ نَوْفًا الْبِكَالِيَّ) هَكَذَا ضَبَطَهُ الْجُمْهُورُ بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ وَتَخْفِيفِ الْكَافِ وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ بِفَتْحِهَا وَتَشْدِيدِ الْكَافِ قَالَ الْقَاضِي هَذَا الثَّانِي هُوَ ضَبْطُ أَكْثَرِ الشُّيُوخِ وَأَصْحَابِ الْحَدِيثِ قَالَ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ وَهُوَ قَوْلُ الْمُحَقِّقِينَ وَهُوَ مَنْسُوبٌ إِلَى بَنِي بِكَالٍ بَطْنٍ مِنْ حِمْيَرَ وَقِيلَ مِنْ هَمْدَانَ ونوف هذا هوابن فضالة كذا قاله بن دريد وغيرهوهو بن امرأة كعب الاحبار وقيل بن اخيه والمشهور الاول قاله بن أَبِي حَاتِمٍ وَغَيْرُهُ قَالُوا وَكُنْيَتُهُ أَبُو يَزِيدَ وَقِيلَ أَبُوْ رُشْدٍ وَكَانَ عَالِمًا حَكِيمًا قَاضِيًا وَإِمَامًا لِأَهْلِ دِمَشْقَ قَوْلُهُ (كَذَبَ عَدُوُّ اللَّهِ) قَالَ الْعُلَمَاءُ هُوَ عَلَى وَجْهِ الْإِغْلَاظِ وَالزَّجْرِ عَنْ مِثْلِ قَوْلِهِ لَا أَنَّهُ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ عَدُوُّ اللَّهِ حَقِيقَةً إِنَّمَا قَالَهُ مُبَالَغَةً فِي إِنْكَارِ قَوْلِهِ لِمُخَالَفَتِهِ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ ذَلِكَ فِي حَالِ غضب بن عَبَّاسٍ لِشِدَّةِ إِنْكَارِهِ وَحَالَ الْغَضَبِ تُطْلَقُ الْأَلْفَاظُ وَلَا تُرَادُ بِهَا حَقَائِقُهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (أَنَا أَعْلَمُ) أَيْ فِي اعْتِقَادِهِ وَإِلَّا فَكَانَ الْخَضِرُ أَعْلَمُ مِنْهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْحَدِيثِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَعَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِ إِذْ لَمْ يَرُدَّ الْعِلْمَ إِلَيْهِ) أَيْ كَانَ حَقُّهُ أَنْ يَقُولَ اللَّهُ أَعْلَمُ فان مخلوقات الله تعالى لا يعلمها الاهو قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ الا هو وَاسْتَدَلَّ الْعُلَمَاءُ بِسُؤَالِ مُوسَى السَّبِيلَ إِلَى لِقَاءِ الخضر صلى الله عليهما وسلم على استحباب الِاسْتِكْثَارِ مِنْهُ وَأَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْعَالِمِ وَإِنْ كَانَ مِنَ الْعِلْمِ بِمَحَلٍّ عَظِيمٍ أَنْ يَأْخُذَهُ مِمَّنْ هُوَ أَعْلَمُ مِنْهُ وَيَسْعَى إِلَيْهِ فِي تَحْصِيلِهِ وَفِيهِ فَضِيلَةُ طَلَبِ الْعِلْمِ وَفِي تَزَوُّدِهِ الْحُوتَ وَغَيْرَهُ جَوَازُ التَّزَوُّدِ فِي السَّفَرِ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ الْأَدَبُ مَعَ الْعَالِمِ وَحُرْمَةُ الْمَشَايِخِ وَتَرْكُ الِاعْتِرَاضِ عَلَيْهِمْ وَتَأْوِيلُ مَا لَا يُفْهَمُ ظَاهِرُهُ مِنْ أَفْعَالِهِمْ وَحَرَكَاتِهِمْ وَأَقْوَالِهِمْ وَالْوَفَاءُ بِعُهُودِهِمْ وَالِاعْتِذَارُ عِنْدَ مُخَالَفَةِ عَهْدِهِمْ وَفِيهِ إِثْبَاتُ كَرَامَاتِ الْأَوْلِيَاءِ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ الْخَضِرُ وَلِيٌّ وَفِيهِ جَوَازُ سُؤَالِ الطَّعَامِ عِنْدَ الْحَاجَةِ وَجَوَازُ إِجَارَةِ السَّفِينَةِ وَجَوَازُ رُكُوبِ السَّفِينَةِ وَالدَّابَّةِ وَسُكْنَى الدَّارِ وَلُبْسِ الثَّوْبِ وَنَحْوِ ذَلِكَ بِغَيْرِ أُجْرَةٍ بِرِضَى صَاحِبِهِ لقَوْلِهِ حَمَلُونَا بِغَيْرِ نَوْلٍ وَفِيهِ الْحُكْمُ بِالظَّاهِرِ حَتَّى يَتَبَيَّنَ خِلَافُهُ لِإِنْكَارِ مُوسَى قَالَ الْقَاضِي وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي قَوْلِ مُوسَى لَقَدْ جئت شيئا إمرا وَشَيْئًا نُكْرًا أَيُّهُمَا أَشَدُّ فَقِيلَ إِمْرًا لِأَنَّهُ الْعَظِيمُ وَلِأَنَّهُ فِي مُقَابَلَةِ خَرْقِ السَّفِينَةِ الَّذِي يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ فِي الْعَادَةِ هَلَاكُ الَّذِي فِيهَا وَأَمْوَالِهِمْ وَهُوَ أَعْظَمُ مِنْ قَتْلِ الْغُلَامِ فَإِنَّهَا نفس واحد وقيل نكرا اشد لانه قَالَهُ عِنْدَ مُبَاشَرَةِ الْقَتْلِ حَقِيقَةً وَأَمَّا الْقَتْلُ فِي خَرْقِ السَّفِينَةِ فَمَظْنُونٌ وَقَدْ يَسْلَمُونَ فِي العادةوقد سَلِمُوا فِي هَذِهِ الْقَضِيَّةِ وَلَيْسَفِيهِ مَا هُوَ مُحَقَّقٌ إِلَّا مُجَرَّدَ الْخَرْقِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ تَعَالَى (إِنَّ عَبْدًا مِنْ عِبَادِي بِمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ هُوَ أَعْلَمُ مِنْكَ) قَالَ قَتَادَةُ هُوَ مَجْمَعُ بَحْرَيْ فَارِسٍ وَالرُّومِ مِمَّا يَلِي الْمَشْرِقَ وَحَكَى الثَّعْلَبِيُّ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أَنَّهُ بَأَفْرِيقِيَّةَ قَوْلُهُ (احْمِلْ حُوتًا فِي مِكْتَلٍ فَحَيْثُ تَفْقِدُ الْحُوتَ فَهُوَ ثَمَّ) الْحُوتُ السَّمَكَةُ وَكَانَتْ سَمَكَةً مَالِحَةً كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ وَالْمِكْتَلُ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِ المثناة فوق وهو القفة والزنبيل وَسَبَقَ بَيَانُهُ مَرَّاتٍ وَتَفْقِدُهُ بِكَسْرِ الْقَافِ أَيْ يَذْهَبُ مِنْكَ يُقَالُ فَقَدَهُ وَافْتَقَدَهُ وَثَمَّ بِفَتْحِ الثَّاءِ أَيْ هُنَاكَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَانْطَلَقَ مَعَهُ فَتَاهُ) وَهُوَ يُوشَعُ بْنُ نُونٍ مَعْنَى فَتَاهُ صَاحِبُهُ وَنُونٌ مَصْرُوفٌ كَنُوحٍ وَهَذَا الْحَدِيثُ يَرُدُّ قَوْلَ مَنْ قَالَ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ إِنَّ فَتَاهُ عَبْدٌ لَهُ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْأَقْوَالِ الْبَاطِلَةِ قَالُوا وَهُوَ يُوشَعُ بْنُ نُونِ بْنِ إِفْرَاثِيمَ بْنِ يُوسُفَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَأَمْسَكَ اللَّهُ عَنْهُ جِرْيَةَ الْمَاءِ حَتَّى كَانَ مِثْلَ الطَّاقِ) أَمَّا الْجِرْيَةُ فَبِكَسْرِ الْجِيمِ وَالطَّاقُ عَقْدُ الْبِنَاءِ وَجَمْعُهُ طِيقَانٌ وَأَطْوَاقٌ وَهُوَ الْأَزَجُ وَمَا عُقِدَ أَعْلَاهُ مِنَ الْبِنَاءِ وَبَقِيَ مَا تَحْتَهُ خَالِيًا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَانْطَلَقَا بَقِيَّةَ يَوْمِهِمَا وَلَيْلَتِهِمَا) ضَبَطُوهُ بِنَصْبِ لَيْلَتِهِمَا وَجَرِّهَا وَالنَّصَبُ التَّعَبُ قَالُوا لَحِقَهُ النَّصَبُ وَالْجُوعُ لِيَطْلُبَ الْغِذَاءَ فَيَتَذَكَّرَ بِهِ نِسْيَانَ الْحُوتِ وَلِهَذَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَنْصَبْ حَتَّى جَاوَزَ الْمَكَانَ الَّذِيأُمِرَ بِهِ قَوْلُهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عجبا قِيلَ إِنَّ لَفْظَةَ عَجَبًا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مِنْ تَمَامِ كَلَامِ يُوشَعَ وَقِيلَ مِنْ كَلَامِ مُوسَى أَيْ قَالَ مُوسَى عَجِبْتُ مِنْ هَذَا عَجَبًا وَقِيلَ مِنْ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى وَمَعْنَاهُ اتَّخَذَ مُوسَى سَبِيلَ الْحُوتِ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا قَوْلُهُ مَا كُنَّا نَبْغِي أَيْ نَطْلُبُ مَعْنَاهُ أَنَّ الَّذِي جِئْنَا نَطْلُبُهُ هُوَ الْمَوْضِعُ الَّذِي نَفْقِدُ فِيهِ الْحُوتَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَرَأَى رَجُلًا مُسَجًّى عَلَيْهِ بِثَوْبٍ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ الْخَضِرُ أَنَّى بِأَرْضِكَ السَّلَامُ) الْمُسَجَّى الْمُغَطَّى وَأَنَّى أَيْ مِنْ أَيْنَ السَّلَامُفِي هَذِهِ الْأَرْضِ الَّتِي لَا يُعْرَفُ فِيهَا السَّلَامُ قَالَ الْعُلَمَاءُ أَنَّى تَأْتِي بِمَعْنَى أَيْنَ وَمَتَى وَحَيْثُ وَكَيْفَ وَحَمَلُوهُمَا بِغَيْرِ نَوْلٍ بِفَتْحِ النُّونِ وَإِسْكَانِ الْوَاوِ أَيْ بِغَيْرِ أَجْرٍ وَالنَّوْلُ وَالنَّوَالُ الْعَطَاءُ قَوْلُهُ لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا قُرِئَ فِي السَّبْعِ بِضَمِّ التَّاءِ الْمُثَنَّاةِ فَوْقُ وَنَصْبِ أَهْلِهَا وبفتح المثناة تحت ورفع اهلها وجئت شيئا إمرا أَيْ عَظِيمًا كَثِيرَ الشِّدَّةِ وَلَا تُرْهِقْنِي أَيْ تغشني وتحملني قوله أقتلت نفسا زاكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا قرئ في السبع زاكية وزكية قَالُوا وَمَعْنَاهُ طَاهِرَةٌ مِنَ الذُّنُوبِ وَقَوْلُهُ بِغَيْرِ نَفْسٍ أَيْ بِغَيْرِ قِصَاصٍ لَكَ عَلَيْهَا وَالنُّكْرُ الْمُنْكَرُ وَقُرِئَ فِي السَّبْعِ بِإِسْكَانِ الْكَافِ وَضَمِّهَا وَالْأَكْثَرُونَ بِالْإِسْكَانِ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَقَوْلُهُ إِذَا غُلَامٌ يَلْعَبُ فَقَتَلَهُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ صَبِيًّا لَيْسَ بِبَالِغٍ لِأَنَّهُ حَقِيقَةُ الْغُلَامِ وَهَذَا قَوْلُ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بَالِغًا وَزَعَمَتْ طَائِفَةٌ أَنَّهُ كَانَ بَالِغًا يَعْمَلُ بِالْفَسَادِ وَاحْتَجَّتْ بِقَوْلِهِ اقتلت نفسا زكية بغير نفس فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ مِمَّنْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ وَالصَّبِيُّ لَا قِصَاصَ عَلَيْهِ وَبِقَوْلِهِ كَانَ كَافِرًا في قراءة بن عَبَّاسٍ كَمَا ذَكَرَ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ وَالْجَوَابُ عَنِ الْأَوَّلِ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْمُرَادَ التنبيه عَلَى أَنَّهُ قَتَلَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَالثَّانِي أَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّ شَرْعَهُمْ كَانَ إِيجَابَ الْقِصَاصِ عَلَى الصَّبِيِّ كَمَا أَنَّهُ فِي شَرْعِنَا يُؤَاخَذُ بِغَرَامَةِ الْمُتْلَفَاتِ وَالْجَوَابُ عَنِ الثَّانِي مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ شَاذٌّ لَا حُجَّةَ فِيهِ وَالثَّانِي أَنَّهُ سَمَّاهُ بِمَا يَؤُولُ إِلَيْهِ لَوْ عَاشَ كَمَا جَاءَ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ قَوْلُهُ قَدْ بَلَغْتَ من لدني عذرا فيه ثلاث قراآت فِي السَّبْعِ الْأَكْثَرُونَ بِضَمِّ الدَّالِوَتَشْدِيدِ النُّونِ وَالثَّانِيَةُ بِالضَّمِّ وَتَخْفِيفِ النُّونِ وَالثَّالِثَةُ بِإِسْكَانِ الدَّالِ وَإِشْمَامِهَا الضَّمَّ وَتَخْفِيفِ النُّونِ وَمَعْنَاهُ قَدْ بَلَغْتَ إِلَى الْغَايَةِ الَّتِي تُعْذَرُ بِسَبَبِهَا فِي فِرَاقِي قَوْلُهُ تَعَالَى فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا اتيا اهل قرية قال الثعلبي قال بن عباس هي انطاكية وقال بن سِيرِينَ الْأَيْلَةُ وَهِيَ أَبْعَدُ الْأَرْضِ مِنَ السَّمَاءِ قَوْلُهُ تَعَالَى فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ ينقض هَذَا مِنَ الْمَجَازِ لِأَنَّ الْجِدَارَ لَا يَكُونُ لَهُ حَقِيقَةُ إِرَادَةٍ وَمَعْنَاهُ قَرُبَ مِنَ الِانْقِضَاضِ وَهُوَ السُّقُوطُ وَاسْتَدَلَّ الْأُصُولِيُّونَ بِهَذَا عَلَى وُجُودِ الْمَجَازِ فِي الْقُرْآنِ وَلَهُ نَظَائِرُ مَعْرُوفَةٌ قَالَ وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ كَانَ طُولُ هَذَا الْجِدَارِ إِلَى السَّمَاءِ مِائَةَ ذِرَاعٍ قَوْلُهُ لَوْ شِئْتَ لتخذت عليه اجرا قُرِئَ بِالسَّبْعِ لَتَخِذْتَ بِتَخْفِيفِ التَّاءِ وَكَسْرِ الْخَاءِ وَلَاتَّخَذْتَ بِالتَّشْدِيدِ وَفَتْحِ الْخَاءِ أَيْ لَأَخَذْتَ عَلَيْهِ أُجْرَةً تَأْكُلُ بِهَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَجَاءَ عُصْفُورٌ حَتَّى وَقَعَ عَلَى حَرْفِ السَّفِينَةِ ثُمَّ نَقَرَ فِي الْبَحْرِ فَقَالَ لَهُ الْخَضِرُ مَا نَقَصَ عِلْمِي وَعِلْمُكَ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى إِلَّا مِثْلَ مَا نَقَصَ هَذَا الْعُصْفُورُ مِنَ الْبَحْرِ) قَالَ الْعُلَمَاءُ لَفْظُ النَّقْصِ هُنَا لَيْسَ عَلَى ظَاهِرِهِ وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ أَنَّ عِلْمِي وَعِلْمُكُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى كَنِسْبَةِ مَا نَقَرَهُ هَذَا الْعُصْفُورُ إِلَى مَاءِ الْبَحْرِ هَذَا عَلَى التَّقْرِيبِ إِلَى الْأَفْهَامِ وَإِلَّا فَنِسْبَةُ عِلْمِهِمَا أَقَلُّ وَأَحْقَرُ وَقَدْ جَاءَ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ مَا عِلْمِي وَعِلْمُكَ فِي جَنْبِ عِلْمِ اللَّهِ إِلَّا كَمَا أَخَذَ هَذَا الْعُصْفُورُ بِمِنْقَارِهِ أَيْ فِي جَنْبِ مَعْلُومِ اللَّهِ وَقَدْ يطلق العلمبِمَعْنَى الْمَعْلُومِ وَهُوَ مِنْ إِطْلَاقِ الْمَصْدَرِ لِإِرَادَةِ الْمَفْعُولِ كَقَوْلِهِمْ رَغْمَ ضَرْبِ السُّلْطَانِ أَيْ مَضْرُوبِهِ قَالَ الْقَاضِي وَقَالَ بَعْضُ مَنْ أَشْكَلَ عَلَيْهِ هَذَا الْحَدِيثُ إِلَّا هُنَا بِمَعْنَى وَلَا أَيْ وَلَا نَقَصَ عِلْمِي وَعِلْمُكَ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ وَلَا مِثْلَ مَا أَخْذَ هَذَا الْعُصْفُورُ لِأَنَّ عِلْمَ اللَّهِ تَعَالَى لَا يَدْخُلُهُ نَقْصٌ قَالَ الْقَاضِي وَلَا حَاجَةَ إِلَى هَذَا التَّكَلُّفِ بَلْ هُوَ صَحِيحٌ كَمَا بَيَّنَّا وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (كذب نوف) هوجار عَلَى مَذْهَبِ أَصْحَابِنَا أَنَّ الْكَذِبَ هُوَ الْإِخْبَارُ عن الشئ خِلَافِ مَا هُوَ عَمْدًا كَانَ أَوْ سَهْوًا خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ وَسَبَقَتِ الْمَسْأَلَةُ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (حتى انتهينا إِلَى الصَّخْرَةِ فَعُمِّيَ عَلَيْهِ) وَقَعَ فِي بَعْضِ الْأُصُولِ بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الْمِيمِ وَفِي بَعْضِهَا بِضَمِّ الْعَيْنِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ وَفِي بَعْضِهَا بَالِغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مِثْلُ الْكَوَّةِ) بِفَتْحِ الْكَافِ وَيُقَالُ بِضَمِّهَا وَهِيَ الطاقكَمَا قَالَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى قَوْلُهُ (مُسْتَلْقِيًا عَلَى حُلَاوَةِ الْقَفَا) هِيَ وَسَطُ الْقَفَا وَمَعْنَاهُ لَمْ يَمِلْ إِلَى أَحَدِ جَانِبَيْهِ وَهِيَ بِضَمِّ الْحَاءِ وَفَتْحِهَا وَكَسْرِهَا أَفْصَحُهَا الضَّمُّ وَمِمَّنْ حَكَى الْكَسْرَ صَاحِبُ نِهَايَةِ الْغَرِيبِ وَيُقَالُ أَيْضًا حَلَاوًا بِالْفَتْحِ وَحُلَاوَى بِالضَّمِّ وَالْقَصْرِ وَحَلْوَاءُ بِالْمَدِّ قَوْلُهُ (مَجِيءُ مَا جَاءَ بِكَ) قَالَ الْقَاضِي ضَبَطْنَاهُ مجئ مَرْفُوعٌ غَيْرُ مَنَوَّنٍ عَنْ بَعْضِهِمْ وَعَنْ بَعْضِهِمْ مَنُوَّنًا قَالَ وَهُوَ أَظْهَرُ أَيُّ أَمْرٍ عَظِيمٍ جَاءَ بِكَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (انْتَحَى عَلَيْهَا) أَيِ اعْتَمَدَ عَلَى السَّفِينَةِ وَقَصَدَخَرْقَهَا وَاسْتَدَلَّ بِهِ الْعُلَمَاءُ عَلَى النَّظَرِ فِي الْمَصَالِحِ عِنْدَ تَعَارُضِ الْأُمُورِ وَأَنَّهُ إِذَا تَعَارَضَتْ مَفْسَدَتَانِ دُفِعَ أَعْظَمُهُمَا بِارْتِكَابِ أَخَفِّهِمَا كَمَا خَرَقَ السَّفِينَةَ لِدَفْعِ غَصْبِهَا وَذَهَابِ جُمْلَتِهَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَانْطَلَقَ إِلَى أَحَدِهِمْ بَادِيَ الرَّأْيِ فَقَتَلَهُ) بَادِئُ بِالْهَمْزِ وَتَرْكِهِ فَمَنْ هَمَزَهُ مَعْنَاهُ أَوَّلُ الرَّأْيِ وَابْتِدَاؤُهُ أَيِ انْطَلَقَ إِلَيْهِ مُسَارِعًا إِلَى قَتْلِهِ مِنْ غَيْرِ فِكْرٍ وَمَنْ لَمْ يَهْمِزْ فَمَعْنَاهُ ظَهَرَ لَهُ رَأْيٌ فِي قَتْلِهِ مِنَ الْبَدْءِ وَهُوَ ظُهُورُ رَأْيٍ لَمْ يَكُنْ قَالَ الْقَاضِي وَيُمَدُّ الْبَدْءُ وَيُقْصَرُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى مُوسَى قَالَ وَكَانَ إِذَا ذَكَرَ أَحَدًا مِنَ الْأَنْبِيَاءِ بَدَأَ بِنَفْسِهِ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى أَخِي كَذَا رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْنَا) قَالَ أَصْحَابُنَا فِيهِ اسْتِحْبَابُ ابْتِدَاءِ الْإِنْسَانِ بِنَفْسِهِ فِي الدُّعَاءِ وَشِبْهِهِ مِنْ أُمُورِ الْآخِرَةِ وَأَمَّا حُظُوظُ الدُّنْيَا فَالْأَدَبُ فِيهَا الْإِيثَارُ وَتَقْدِيمُ غَيْرِهِ عَلَى نَفْسِهِ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الِابْتِدَاءِ فِي عُنْوَانِ الْكِتَابِ فَالصَّحِيحُ الَّذِي قَالَهُ كَثِيرُونَ مِنَ السَّلَفِ وَجَاءَ بِهِ الصَّحِيحُ أَنَّهُ يَبْدَأُ بِنَفْسِهِ فَيُقَدِّمُهَا عَلَى الْمَكْتُوبِ إِلَيْهِ فَيُقَالُ مِنْ فُلَانٍ إِلَى فُلَانٍ وَمِنْهُ حَدِيثُ كِتَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى هِرَقْلَ عَظِيمِ الرُّومِ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ يَبْدَأُ بِالْمَكْتُوبِ إِلَيْهِ فَيَقُولُ إِلَى فُلَانٍ مِنْ فُلَانٍ قَالُوا إِلَّا أَنْ يَكْتُبَ الْأَمِيرُ إِلَى مَنْ دُونَهُ أَوِ السَّيِّدُ إِلَى عَبْدِهِ أَوِ الْوَالِدُ إِلَى وَلَدِهِ وَنَحْوُ هَذَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَكِنْ أَخَذْتُهُ مِنْ صَاحِبِهِ ذَمَامَةً) هِيَ بِفَتْحِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِأَيِ اسْتِحْيَاءً لِتَكْرَارِ مُخَالَفَتِهِ وَقِيلَ مَلَامَةً وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَشْهُورُ قَوْلُهُ (وَأَمَّا الْغُلَامُ فَطُبِعَ يَوْمَ طُبِعَ كَافِرًا) قَالَ الْقَاضِي فِي هَذَا حُجَّةٌ بَيِّنَةٌ لِأَهْلِ السُّنَّةِ لِصِحَّةِ أَصْلِ مَذْهَبِهِمْ فِي الطَّبْعِ وَالرَّيْنِ وَالْأَكِنَّةِ وَالْأَغْشِيَةِ وَالْحُجُبِ وَالسَّدِّ وَأَشْبَاهِ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ الْوَارِدَةِ فِي الشَّرْعِ فِي أَفْعَالِ اللَّهِ تَعَالَى بِقُلُوبِ أَهْلِ الْكُفْرِ وَالضَّلَالِ وَمَعْنَى ذَلِكَ عِنْدَهُمْ خَلَقَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهَا ضِدَّ الْإِيمَانِ وَضِدَّ الْهُدَى وَهَذَا عَلَى أَصْلِ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّ الْعَبْدَ لَا قُدْرَةَ لَهُ إِلَّا مَا أَرَادَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَيَسَّرَهُ لَهُ وَخَلَقَهُ لَهُ خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ وَالْقَدَرِيَّةِ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ لِلْعَبْدِ فِعْلًا مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ وَقُدْرَةً عَلَى الْهُدَى وَالضَّلَالِ وَالْخَيْرِ وَالشَّرِّ وَالْإِيمَانِ وَالْكُفْرِ وَأَنَّ مَعْنَى هَذِهِ الْأَلْفَاظِ نِسْبَةُ اللَّهِ تَعَالَى لِأَصْحَابِهَا وَحُكْمُهُ عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعْنَاهَا خَلَقَهُ عَلَامَةً لِذَلِكَ فِي قُلُوبِهِمْ وَالْحَقُّ الَّذِي لَا شَكَّ فِيهِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَفْعَلُ مَا يشاء من الخير والشر لا يسئل عما يفعل وهم يسئلون وَكَمَا قَالَ تَعَالَى فِي الذَّرِّ هَؤُلَاءِ لِلْجَنَّةِ وَلَا أُبَالِي وَهَؤُلَاءِ لِلنَّارِ وَلَا أُبَالِي فَالَّذِينَ قَضَى لَهُمْ بِالنَّارِ طَبَعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَخَتَمَ عَلَيْهَا وَغَشَّاهَا وَأَكَنَّهَا وَجَعَلَ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهَا سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهَا سَدًّا وَحِجَابًا مَسْتُورًا وَجَعَلَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضًا لِتَتِمَّ سابقته فيهم وتمضي كلمته لاراد لِحُكْمِهِ وَلَا مُعَقِّبَ لِأَمْرِهِ وَقَضَائِهِ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ وَقَدْ يَحْتَجُّ بِهَذَا الْحَدِيثِ مَنْ يَقُولُ أَطْفَالُ الْكُفَّارِ فِي النَّارِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَأَنَّ فِيهِمْ ثَلَاثَةَ مَذَاهِبَ الصَّحِيحُ أَنَّهُمْ فِي الْجَنَّةِ وَالثَّانِي فِي النَّارِ وَالثَّالِثُ يَتَوَقَّفُ عن الكلام فيهم فلا يحكم لهم بشئ وَتَقَدَّمَتْ دَلَائِلُ الْجَمِيعِ وَلِلْقَائِلَيْنِ بِالْجَنَّةِ أَنْ يَقُولُوا فِي جَوَابِ هَذَا الْحَدِيثِ مَعْنَاهُ عَلِمَ اللَّهُ لَوْ بَلَغَ لَكَانَ كَافِرًا قَوْلُهُ (وَكَانَ أَبَوَاهُ قَدْ عَطَفَا عَلَيْهِ فَلَوْ أَدْرَكَ أَرْهَقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا) أَيْ حَمَلَهُمَا عَلَيْهِمَا وَأَلْحَقَهُمَا بِهِمَا وَالْمُرَادُ بِالطُّغْيَانِ هُنَا الزِّيَادَةُ فِي الضَّلَالِ وَهَذَا الْحَدِيثُ مِنْ دَلَائِلِ مَذْهَبِأَهْلِ الْحَقِّ فِي أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَعْلَمُ بِمَا كَانَ وَبِمَا يَكُونُ وَبِمَا لَا يَكُونُ لَوْ كَانَ كَيْفَ كَانَ يَكُونُ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَقَوْلُهُ تَعَالَى وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قرطاس فلمسوه بايديهم لقال الذين كفروا الْآيَةَ وَقَوْلُهُ تَعَالَى وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رجلا وللبسنا عليهم وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ قَوْلُهُ تَعَالَى خَيْرًا منه زكاة واقرب رحما قِيلَ الْمُرَادُ بِالزَّكَاةِ الْإِسْلَامُ وَقِيلَ الصَّلَاحُ وَأَمَّا الرُّحْمُ فَقِيلَ مَعْنَاهُ الرَّحْمَةُ لِوَالِدَيْهِ وَبِرُّهُمَا وَقِيلَ الْمُرَادُ يَرْحَمَانِهِ قِيلَ أَبْدَلَهُمَا اللَّهُ بِنْتًا صَالِحَةً وَقِيلَ ابْنًا حَكَاهُ الْقَاضِي قَوْلُهُ (تَمَارَى هُوَ وَالْحُرُّ بْنُ قَيْسٍ) أَيْ تَنَازَعَا وَتَجَادَلَا وَالْحُرُّ بِالْحَاءِ وَالرَّاءِ وَفِي هَذِهِ الْقِصَّةِ أَنْوَاعٌ مِنَ الْقَوَاعِدِ وَالْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ وَالْآدَابِ وَالنَّفَائِسِ الْمُهِمَّةِ سَبَقَ التَّنْبِيهُ عَلَى مُعْظَمِهَا سِوَى مَا هُوَ ظَاهِرٌ مِنْهَا وَمِمَّا لَمْ يَسْبِقْ أَنَّهُ لَا بَأْسَ عَلَى الْعَالِمِ وَالْفَاضِلِ أَنْ يَخْدُمَهُ الْمَفْضُولُ وَيَقْضِيَ لَهُ حَاجَةً وَلَا يَكُونُ هَذَا مِنْ أَخْذِ الْعِوَضِ عَلَى تَعْلِيمِ الْعِلْمِ وَالْآدَابِ بَلْ مِنْ مَرُوءَاتِ الْأَصْحَابِ وَحُسْنِ الْعِشْرَةِ وَدَلِيلُهُ مِنْ هَذِهِ الْقِصَّةِ حَمْلُ فَتَاهُ غَدَاءَهُمَا وَحَمْلُ أَصْحَابِ السَّفِينَةِ موسى والخضربِغَيْرِ أُجْرَةٍ لِمَعْرِفَتِهِمُ الْخَضِرَ بِالصَّلَاحِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَمِنْهَا الْحَثُّ عَلَى التَّوَاضُعِ فِي عِلْمِهِ وَغَيْرِهِ وَأَنَّهُ لَا يَدَّعِي أَنَّهُ أَعْلَمُ النَّاسِ وَأَنَّهُ إِذَا سُئِلَ عَنْ أَعْلَمِ النَّاسِ يَقُولُ اللَّهُ أَعْلَمُ وَمِنْهَا بَيَانُ أَصْلٍ عَظِيمٍ مِنْ أُصُولِ الْإِسْلَامِ وَهُوَ وُجُوبُ التَّسْلِيمِ لِكُلِّ مَا جَاءَ بِهِ الشَّرْعُ وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُ لَا تَظْهَرُ حِكْمَتُهُ لِلْعُقُولِ وَلَا يَفْهَمُهُ أَكْثَرُ النَّاسِ وَقَدْ لَا يَفْهَمُونَهُ كُلُّهُمْ كَالْقَدَرِ مَوْضِعُ الدَّلَالَةِ قَتْلُ الْغُلَامِ وَخَرْقُ السَّفِينَةِ فَإِنَّ صُورَتَهُمَا صُورَةُ الْمُنْكَرِ وَكَانَ صَحِيحًا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ لَهُ حِكَمٌ بَيِّنَةٌ لَكِنَّهَا لَا تَظْهَرُ لِلْخَلْقِ فَإِذَا أَعْلَمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا عَلِمُوهَا وَلِهَذَا قَالَ وَمَا فعلته عن امري يَعْنِي بَلْ بِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى( كتاب فضائل الصحابة رضي الله عنهم) قَالَ الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْمَازِرِيُّ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي تَفْضِيلِ بَعْضِ الصَّحَابَةِ عَلَى بَعْضٍ فقالت طائفة لا نفاضل بَلْ نُمْسِكُ عَنْ ذَلِكَ وَقَالَ الْجُمْهُورُ بِالتَّفْضِيلِ ثُمَّ اخْتَلَفُوا فَقَالَ أَهْلُ السُّنَّةِ أَفْضَلُهُمْ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ وَقَالَ الْخَطَّابِيَّةُ أَفْضَلُهُمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَقَالَتِ الرَّاوَنْدِيَّةُ أَفْضَلُهُمُ الْعَبَّاسُ وَقَالَتِ الشِّيعَةُ عَلِيٌّ وَاتَّفَقَ أَهْلُ السُّنَّةِ عَلَى أَنَّ أَفْضَلَهُمْ أَبُو بَكْرٍ ثُمَّ عُمَرُ قَالَ جُمْهُورُهُمْ ثُمَّ عُثْمَانُ ثُمَّ عَلِيٌّ وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ السُّنَّةِ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ بِتَقْدِيمِ عَلِيٍّ عَلَى عُثْمَانَ وَالصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ تَقْدِيمُ عُثْمَانَ قَالَ أَبُو مَنْصُورٍ الْبَغْدَادِيُّ أَصْحَابُنَا مُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّ أَفْضَلَهُمُ الْخُلَفَاءُ الْأَرْبَعَةُ عَلَى التَّرْتِيبِ الْمَذْكُورِ ثُمَّ تَمَامُ الْعَشَرَةِ ثُمَّ أَهْلُ بَدْرٍ ثُمَّ أُحُدٍ ثُمَّ بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ وَمِمَّنْ لَهُ مَزِيَّةُ أَهْلُ الْعَقَبَتَيْنِ مِنَ الْأَنْصَارِ وَكَذَلِكَ السَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ وَهُمْ مَنْ صَلَّى إلى القبلتين في قول بن الْمُسَيِّبِ وَطَائِفَةٍ وَفِي قَوْلِ الشَّعْبِيِّ أَهْلُ بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ وَفِي قَوْلِ عَطَاءٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ أَهْلُ بَدْرٍ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ منهم بن عَبْدِ الْبَرِّ إِلَى أَنَّ مَنْ تُوُفِّيَ مِنَ الصَّحَابَةِ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْضَلُ مِمَّنْ بَقِيَ بَعْدَهُ وَهَذَا الْإِطْلَاقُ غير مرضي وَلَا مَقْبُولٍ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي أَنَّ التَّفْضِيلَ الْمَذْكُورَ قَطْعِيٌّ أَمْ لَا وَهَلْ هُوَ فِي الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ أَمْ فِي الظَّاهِرِ خَاصَّةً وَمِمَّنْ قَالَ بِالْقَطْعِ أَبُو الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيُّ قَالَ وَهُمْ فِي الْفَضْلِ عَلَى تَرْتِيبِهِمْ فِي الْإِمَامَةِ وَمِمَّنْ قَالَ بِأَنَّهُ اجْتِهَادِيٌّ ظَنِّيٌّ أَبُو بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيُّ وذكر بن الْبَاقِلَّانِيِّ اخْتِلَافَ الْعُلَمَاءِ فِي أَنَّ التَّفْضِيلَ هَلْ هو في الظاهر ام فِي الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ جَمِيعًا وَكَذَلِكَ اخْتَلَفُوا فِي عَائِشَةَ وَخَدِيجَةَ أَيَّتُهُمَا أَفْضَلُ وَفِي عَائِشَةَ وَفَاطِمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ وَأَمَّا عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَخِلَافَتُهُ صَحِيحَةٌ بِالْإِجْمَاعِ وَقُتِلَ مَظْلُومًا وَقَتَلَتْهُ فَسَقَةٌ لِأَنَّ مُوجِبَاتِ الْقَتْلِ مَضْبُوطَةٌ وَلَمْ يَجْرِ مِنْهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَا يَقْتَضِيهِ وَلَمْ يُشَارِكْ فِي قَتْلِهِ أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَإِنَّمَا قَتَلَهُ هَمَجٌ وَرُعَاعٌ مِنْ غَوْغَاءِ الْقَبَائِلِ وسفلةوهو بن امرأة كعب الاحبار وقيل بن اخيه والمشهور الاول قاله بن أَبِي حَاتِمٍ وَغَيْرُهُ قَالُوا وَكُنْيَتُهُ أَبُو يَزِيدَ وَقِيلَ أَبُوْ رُشْدٍ وَكَانَ عَالِمًا حَكِيمًا قَاضِيًا وَإِمَامًا لِأَهْلِ دِمَشْقَ قَوْلُهُ (كَذَبَ عَدُوُّ اللَّهِ) قَالَ الْعُلَمَاءُ هُوَ عَلَى وَجْهِ الْإِغْلَاظِ وَالزَّجْرِ عَنْ مِثْلِ قَوْلِهِ لَا أَنَّهُ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ عَدُوُّ اللَّهِ حَقِيقَةً إِنَّمَا قَالَهُ مُبَالَغَةً فِي إِنْكَارِ قَوْلِهِ لِمُخَالَفَتِهِ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ ذَلِكَ فِي حَالِ غضب بن عَبَّاسٍ لِشِدَّةِ إِنْكَارِهِ وَحَالَ الْغَضَبِ تُطْلَقُ الْأَلْفَاظُ وَلَا تُرَادُ بِهَا حَقَائِقُهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (أَنَا أَعْلَمُ) أَيْ فِي اعْتِقَادِهِ وَإِلَّا فَكَانَ الْخَضِرُ أَعْلَمُ مِنْهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْحَدِيثِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَعَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِ إِذْ لَمْ يَرُدَّ الْعِلْمَ إِلَيْهِ) أَيْ كَانَ حَقُّهُ أَنْ يَقُولَ اللَّهُ أَعْلَمُ فان مخلوقات الله تعالى لا يعلمها الاهو قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ الا هو وَاسْتَدَلَّ الْعُلَمَاءُ بِسُؤَالِ مُوسَى السَّبِيلَ إِلَى لِقَاءِ الخضر صلى الله عليهما وسلم على استحباب الِاسْتِكْثَارِ مِنْهُ وَأَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْعَالِمِ وَإِنْ كَانَ مِنَ الْعِلْمِ بِمَحَلٍّ عَظِيمٍ أَنْ يَأْخُذَهُ مِمَّنْ هُوَ أَعْلَمُ مِنْهُ وَيَسْعَى إِلَيْهِ فِي تَحْصِيلِهِ وَفِيهِ فَضِيلَةُ طَلَبِ الْعِلْمِ وَفِي تَزَوُّدِهِ الْحُوتَ وَغَيْرَهُ جَوَازُ التَّزَوُّدِ فِي السَّفَرِ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ الْأَدَبُ مَعَ الْعَالِمِ وَحُرْمَةُ الْمَشَايِخِ وَتَرْكُ الِاعْتِرَاضِ عَلَيْهِمْ وَتَأْوِيلُ مَا لَا يُفْهَمُ ظَاهِرُهُ مِنْ أَفْعَالِهِمْ وَحَرَكَاتِهِمْ وَأَقْوَالِهِمْ وَالْوَفَاءُ بِعُهُودِهِمْ وَالِاعْتِذَارُ عِنْدَ مُخَالَفَةِ عَهْدِهِمْ وَفِيهِ إِثْبَاتُ كَرَامَاتِ الْأَوْلِيَاءِ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ الْخَضِرُ وَلِيٌّ وَفِيهِ جَوَازُ سُؤَالِ الطَّعَامِ عِنْدَ الْحَاجَةِ وَجَوَازُ إِجَارَةِ السَّفِينَةِ وَجَوَازُ رُكُوبِ السَّفِينَةِ وَالدَّابَّةِ وَسُكْنَى الدَّارِ وَلُبْسِ الثَّوْبِ وَنَحْوِ ذَلِكَ بِغَيْرِ أُجْرَةٍ بِرِضَى صَاحِبِهِ لقَوْلِهِ حَمَلُونَا بِغَيْرِ نَوْلٍ وَفِيهِ الْحُكْمُ بِالظَّاهِرِ حَتَّى يَتَبَيَّنَ خِلَافُهُ لِإِنْكَارِ مُوسَى قَالَ الْقَاضِي وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي قَوْلِ مُوسَى لَقَدْ جئت شيئا إمرا وَشَيْئًا نُكْرًا أَيُّهُمَا أَشَدُّ فَقِيلَ إِمْرًا لِأَنَّهُ الْعَظِيمُ وَلِأَنَّهُ فِي مُقَابَلَةِ خَرْقِ السَّفِينَةِ الَّذِي يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ فِي الْعَادَةِ هَلَاكُ الَّذِي فِيهَا وَأَمْوَالِهِمْ وَهُوَ أَعْظَمُ مِنْ قَتْلِ الْغُلَامِ فَإِنَّهَا نفس واحد وقيل نكرا اشد لانه قَالَهُ عِنْدَ مُبَاشَرَةِ الْقَتْلِ حَقِيقَةً وَأَمَّا الْقَتْلُ فِي خَرْقِ السَّفِينَةِ فَمَظْنُونٌ وَقَدْ يَسْلَمُونَ فِي العادةوقد سَلِمُوا فِي هَذِهِ الْقَضِيَّةِ وَلَيْسَفِيهِ مَا هُوَ مُحَقَّقٌ إِلَّا مُجَرَّدَ الْخَرْقِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ تَعَالَى (إِنَّ عَبْدًا مِنْ عِبَادِي بِمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ هُوَ أَعْلَمُ مِنْكَ) قَالَ قَتَادَةُ هُوَ مَجْمَعُ بَحْرَيْ فَارِسٍ وَالرُّومِ مِمَّا يَلِي الْمَشْرِقَ وَحَكَى الثَّعْلَبِيُّ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أَنَّهُ بَأَفْرِيقِيَّةَ قَوْلُهُ (احْمِلْ حُوتًا فِي مِكْتَلٍ فَحَيْثُ تَفْقِدُ الْحُوتَ فَهُوَ ثَمَّ) الْحُوتُ السَّمَكَةُ وَكَانَتْ سَمَكَةً مَالِحَةً كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ وَالْمِكْتَلُ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِ المثناة فوق وهو القفة والزنبيل وَسَبَقَ بَيَانُهُ مَرَّاتٍ وَتَفْقِدُهُ بِكَسْرِ الْقَافِ أَيْ يَذْهَبُ مِنْكَ يُقَالُ فَقَدَهُ وَافْتَقَدَهُ وَثَمَّ بِفَتْحِ الثَّاءِ أَيْ هُنَاكَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَانْطَلَقَ مَعَهُ فَتَاهُ) وَهُوَ يُوشَعُ بْنُ نُونٍ مَعْنَى فَتَاهُ صَاحِبُهُ وَنُونٌ مَصْرُوفٌ كَنُوحٍ وَهَذَا الْحَدِيثُ يَرُدُّ قَوْلَ مَنْ قَالَ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ إِنَّ فَتَاهُ عَبْدٌ لَهُ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْأَقْوَالِ الْبَاطِلَةِ قَالُوا وَهُوَ يُوشَعُ بْنُ نُونِ بْنِ إِفْرَاثِيمَ بْنِ يُوسُفَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَأَمْسَكَ اللَّهُ عَنْهُ جِرْيَةَ الْمَاءِ حَتَّى كَانَ مِثْلَ الطَّاقِ) أَمَّا الْجِرْيَةُ فَبِكَسْرِ الْجِيمِ وَالطَّاقُ عَقْدُ الْبِنَاءِ وَجَمْعُهُ طِيقَانٌ وَأَطْوَاقٌ وَهُوَ الْأَزَجُ وَمَا عُقِدَ أَعْلَاهُ مِنَ الْبِنَاءِ وَبَقِيَ مَا تَحْتَهُ خَالِيًا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَانْطَلَقَا بَقِيَّةَ يَوْمِهِمَا وَلَيْلَتِهِمَا) ضَبَطُوهُ بِنَصْبِ لَيْلَتِهِمَا وَجَرِّهَا وَالنَّصَبُ التَّعَبُ قَالُوا لَحِقَهُ النَّصَبُ وَالْجُوعُ لِيَطْلُبَ الْغِذَاءَ فَيَتَذَكَّرَ بِهِ نِسْيَانَ الْحُوتِ وَلِهَذَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَنْصَبْ حَتَّى جَاوَزَ الْمَكَانَ الَّذِيأُمِرَ بِهِ قَوْلُهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عجبا قِيلَ إِنَّ لَفْظَةَ عَجَبًا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مِنْ تَمَامِ كَلَامِ يُوشَعَ وَقِيلَ مِنْ كَلَامِ مُوسَى أَيْ قَالَ مُوسَى عَجِبْتُ مِنْ هَذَا عَجَبًا وَقِيلَ مِنْ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى وَمَعْنَاهُ اتَّخَذَ مُوسَى سَبِيلَ الْحُوتِ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا قَوْلُهُ مَا كُنَّا نَبْغِي أَيْ نَطْلُبُ مَعْنَاهُ أَنَّ الَّذِي جِئْنَا نَطْلُبُهُ هُوَ الْمَوْضِعُ الَّذِي نَفْقِدُ فِيهِ الْحُوتَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَرَأَى رَجُلًا مُسَجًّى عَلَيْهِ بِثَوْبٍ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ الْخَضِرُ أَنَّى بِأَرْضِكَ السَّلَامُ) الْمُسَجَّى الْمُغَطَّى وَأَنَّى أَيْ مِنْ أَيْنَ السَّلَامُفِي هَذِهِ الْأَرْضِ الَّتِي لَا يُعْرَفُ فِيهَا السَّلَامُ قَالَ الْعُلَمَاءُ أَنَّى تَأْتِي بِمَعْنَى أَيْنَ وَمَتَى وَحَيْثُ وَكَيْفَ وَحَمَلُوهُمَا بِغَيْرِ نَوْلٍ بِفَتْحِ النُّونِ وَإِسْكَانِ الْوَاوِ أَيْ بِغَيْرِ أَجْرٍ وَالنَّوْلُ وَالنَّوَالُ الْعَطَاءُ قَوْلُهُ لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا قُرِئَ فِي السَّبْعِ بِضَمِّ التَّاءِ الْمُثَنَّاةِ فَوْقُ وَنَصْبِ أَهْلِهَا وبفتح المثناة تحت ورفع اهلها وجئت شيئا إمرا أَيْ عَظِيمًا كَثِيرَ الشِّدَّةِ وَلَا تُرْهِقْنِي أَيْ تغشني وتحملني قوله أقتلت نفسا زاكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا قرئ في السبع زاكية وزكية قَالُوا وَمَعْنَاهُ طَاهِرَةٌ مِنَ الذُّنُوبِ وَقَوْلُهُ بِغَيْرِ نَفْسٍ أَيْ بِغَيْرِ قِصَاصٍ لَكَ عَلَيْهَا وَالنُّكْرُ الْمُنْكَرُ وَقُرِئَ فِي السَّبْعِ بِإِسْكَانِ الْكَافِ وَضَمِّهَا وَالْأَكْثَرُونَ بِالْإِسْكَانِ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَقَوْلُهُ إِذَا غُلَامٌ يَلْعَبُ فَقَتَلَهُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ صَبِيًّا لَيْسَ بِبَالِغٍ لِأَنَّهُ حَقِيقَةُ الْغُلَامِ وَهَذَا قَوْلُ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بَالِغًا وَزَعَمَتْ طَائِفَةٌ أَنَّهُ كَانَ بَالِغًا يَعْمَلُ بِالْفَسَادِ وَاحْتَجَّتْ بِقَوْلِهِ اقتلت نفسا زكية بغير نفس فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ مِمَّنْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ وَالصَّبِيُّ لَا قِصَاصَ عَلَيْهِ وَبِقَوْلِهِ كَانَ كَافِرًا في قراءة بن عَبَّاسٍ كَمَا ذَكَرَ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ وَالْجَوَابُ عَنِ الْأَوَّلِ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْمُرَادَ التنبيه عَلَى أَنَّهُ قَتَلَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَالثَّانِي أَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّ شَرْعَهُمْ كَانَ إِيجَابَ الْقِصَاصِ عَلَى الصَّبِيِّ كَمَا أَنَّهُ فِي شَرْعِنَا يُؤَاخَذُ بِغَرَامَةِ الْمُتْلَفَاتِ وَالْجَوَابُ عَنِ الثَّانِي مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ شَاذٌّ لَا حُجَّةَ فِيهِ وَالثَّانِي أَنَّهُ سَمَّاهُ بِمَا يَؤُولُ إِلَيْهِ لَوْ عَاشَ كَمَا جَاءَ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ قَوْلُهُ قَدْ بَلَغْتَ من لدني عذرا فيه ثلاث قراآت فِي السَّبْعِ الْأَكْثَرُونَ بِضَمِّ الدَّالِوَتَشْدِيدِ النُّونِ وَالثَّانِيَةُ بِالضَّمِّ وَتَخْفِيفِ النُّونِ وَالثَّالِثَةُ بِإِسْكَانِ الدَّالِ وَإِشْمَامِهَا الضَّمَّ وَتَخْفِيفِ النُّونِ وَمَعْنَاهُ قَدْ بَلَغْتَ إِلَى الْغَايَةِ الَّتِي تُعْذَرُ بِسَبَبِهَا فِي فِرَاقِي قَوْلُهُ تَعَالَى فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا اتيا اهل قرية قال الثعلبي قال بن عباس هي انطاكية وقال بن سِيرِينَ الْأَيْلَةُ وَهِيَ أَبْعَدُ الْأَرْضِ مِنَ السَّمَاءِ قَوْلُهُ تَعَالَى فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ ينقض هَذَا مِنَ الْمَجَازِ لِأَنَّ الْجِدَارَ لَا يَكُونُ لَهُ حَقِيقَةُ إِرَادَةٍ وَمَعْنَاهُ قَرُبَ مِنَ الِانْقِضَاضِ وَهُوَ السُّقُوطُ وَاسْتَدَلَّ الْأُصُولِيُّونَ بِهَذَا عَلَى وُجُودِ الْمَجَازِ فِي الْقُرْآنِ وَلَهُ نَظَائِرُ مَعْرُوفَةٌ قَالَ وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ كَانَ طُولُ هَذَا الْجِدَارِ إِلَى السَّمَاءِ مِائَةَ ذِرَاعٍ قَوْلُهُ لَوْ شِئْتَ لتخذت عليه اجرا قُرِئَ بِالسَّبْعِ لَتَخِذْتَ بِتَخْفِيفِ التَّاءِ وَكَسْرِ الْخَاءِ وَلَاتَّخَذْتَ بِالتَّشْدِيدِ وَفَتْحِ الْخَاءِ أَيْ لَأَخَذْتَ عَلَيْهِ أُجْرَةً تَأْكُلُ بِهَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَجَاءَ عُصْفُورٌ حَتَّى وَقَعَ عَلَى حَرْفِ السَّفِينَةِ ثُمَّ نَقَرَ فِي الْبَحْرِ فَقَالَ لَهُ الْخَضِرُ مَا نَقَصَ عِلْمِي وَعِلْمُكَ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى إِلَّا مِثْلَ مَا نَقَصَ هَذَا الْعُصْفُورُ مِنَ الْبَحْرِ) قَالَ الْعُلَمَاءُ لَفْظُ النَّقْصِ هُنَا لَيْسَ عَلَى ظَاهِرِهِ وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ أَنَّ عِلْمِي وَعِلْمُكُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى كَنِسْبَةِ مَا نَقَرَهُ هَذَا الْعُصْفُورُ إِلَى مَاءِ الْبَحْرِ هَذَا عَلَى التَّقْرِيبِ إِلَى الْأَفْهَامِ وَإِلَّا فَنِسْبَةُ عِلْمِهِمَا أَقَلُّ وَأَحْقَرُ وَقَدْ جَاءَ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ مَا عِلْمِي وَعِلْمُكَ فِي جَنْبِ عِلْمِ اللَّهِ إِلَّا كَمَا أَخَذَ هَذَا الْعُصْفُورُ بِمِنْقَارِهِ أَيْ فِي جَنْبِ مَعْلُومِ اللَّهِ وَقَدْ يطلق العلمبِمَعْنَى الْمَعْلُومِ وَهُوَ مِنْ إِطْلَاقِ الْمَصْدَرِ لِإِرَادَةِ الْمَفْعُولِ كَقَوْلِهِمْ رَغْمَ ضَرْبِ السُّلْطَانِ أَيْ مَضْرُوبِهِ قَالَ الْقَاضِي وَقَالَ بَعْضُ مَنْ أَشْكَلَ عَلَيْهِ هَذَا الْحَدِيثُ إِلَّا هُنَا بِمَعْنَى وَلَا أَيْ وَلَا نَقَصَ عِلْمِي وَعِلْمُكَ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ وَلَا مِثْلَ مَا أَخْذَ هَذَا الْعُصْفُورُ لِأَنَّ عِلْمَ اللَّهِ تَعَالَى لَا يَدْخُلُهُ نَقْصٌ قَالَ الْقَاضِي وَلَا حَاجَةَ إِلَى هَذَا التَّكَلُّفِ بَلْ هُوَ صَحِيحٌ كَمَا بَيَّنَّا وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (كذب نوف) هوجار عَلَى مَذْهَبِ أَصْحَابِنَا أَنَّ الْكَذِبَ هُوَ الْإِخْبَارُ عن الشئ خِلَافِ مَا هُوَ عَمْدًا كَانَ أَوْ سَهْوًا خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ وَسَبَقَتِ الْمَسْأَلَةُ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (حتى انتهينا إِلَى الصَّخْرَةِ فَعُمِّيَ عَلَيْهِ) وَقَعَ فِي بَعْضِ الْأُصُولِ بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الْمِيمِ وَفِي بَعْضِهَا بِضَمِّ الْعَيْنِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ وَفِي بَعْضِهَا بَالِغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مِثْلُ الْكَوَّةِ) بِفَتْحِ الْكَافِ وَيُقَالُ بِضَمِّهَا وَهِيَ الطاقكَمَا قَالَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى قَوْلُهُ (مُسْتَلْقِيًا عَلَى حُلَاوَةِ الْقَفَا) هِيَ وَسَطُ الْقَفَا وَمَعْنَاهُ لَمْ يَمِلْ إِلَى أَحَدِ جَانِبَيْهِ وَهِيَ بِضَمِّ الْحَاءِ وَفَتْحِهَا وَكَسْرِهَا أَفْصَحُهَا الضَّمُّ وَمِمَّنْ حَكَى الْكَسْرَ صَاحِبُ نِهَايَةِ الْغَرِيبِ وَيُقَالُ أَيْضًا حَلَاوًا بِالْفَتْحِ وَحُلَاوَى بِالضَّمِّ وَالْقَصْرِ وَحَلْوَاءُ بِالْمَدِّ قَوْلُهُ (مَجِيءُ مَا جَاءَ بِكَ) قَالَ الْقَاضِي ضَبَطْنَاهُ مجئ مَرْفُوعٌ غَيْرُ مَنَوَّنٍ عَنْ بَعْضِهِمْ وَعَنْ بَعْضِهِمْ مَنُوَّنًا قَالَ وَهُوَ أَظْهَرُ أَيُّ أَمْرٍ عَظِيمٍ جَاءَ بِكَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (انْتَحَى عَلَيْهَا) أَيِ اعْتَمَدَ عَلَى السَّفِينَةِ وَقَصَدَخَرْقَهَا وَاسْتَدَلَّ بِهِ الْعُلَمَاءُ عَلَى النَّظَرِ فِي الْمَصَالِحِ عِنْدَ تَعَارُضِ الْأُمُورِ وَأَنَّهُ إِذَا تَعَارَضَتْ مَفْسَدَتَانِ دُفِعَ أَعْظَمُهُمَا بِارْتِكَابِ أَخَفِّهِمَا كَمَا خَرَقَ السَّفِينَةَ لِدَفْعِ غَصْبِهَا وَذَهَابِ جُمْلَتِهَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَانْطَلَقَ إِلَى أَحَدِهِمْ بَادِيَ الرَّأْيِ فَقَتَلَهُ) بَادِئُ بِالْهَمْزِ وَتَرْكِهِ فَمَنْ هَمَزَهُ مَعْنَاهُ أَوَّلُ الرَّأْيِ وَابْتِدَاؤُهُ أَيِ انْطَلَقَ إِلَيْهِ مُسَارِعًا إِلَى قَتْلِهِ مِنْ غَيْرِ فِكْرٍ وَمَنْ لَمْ يَهْمِزْ فَمَعْنَاهُ ظَهَرَ لَهُ رَأْيٌ فِي قَتْلِهِ مِنَ الْبَدْءِ وَهُوَ ظُهُورُ رَأْيٍ لَمْ يَكُنْ قَالَ الْقَاضِي وَيُمَدُّ الْبَدْءُ وَيُقْصَرُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى مُوسَى قَالَ وَكَانَ إِذَا ذَكَرَ أَحَدًا مِنَ الْأَنْبِيَاءِ بَدَأَ بِنَفْسِهِ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى أَخِي كَذَا رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْنَا) قَالَ أَصْحَابُنَا فِيهِ اسْتِحْبَابُ ابْتِدَاءِ الْإِنْسَانِ بِنَفْسِهِ فِي الدُّعَاءِ وَشِبْهِهِ مِنْ أُمُورِ الْآخِرَةِ وَأَمَّا حُظُوظُ الدُّنْيَا فَالْأَدَبُ فِيهَا الْإِيثَارُ وَتَقْدِيمُ غَيْرِهِ عَلَى نَفْسِهِ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الِابْتِدَاءِ فِي عُنْوَانِ الْكِتَابِ فَالصَّحِيحُ الَّذِي قَالَهُ كَثِيرُونَ مِنَ السَّلَفِ وَجَاءَ بِهِ الصَّحِيحُ أَنَّهُ يَبْدَأُ بِنَفْسِهِ فَيُقَدِّمُهَا عَلَى الْمَكْتُوبِ إِلَيْهِ فَيُقَالُ مِنْ فُلَانٍ إِلَى فُلَانٍ وَمِنْهُ حَدِيثُ كِتَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى هِرَقْلَ عَظِيمِ الرُّومِ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ يَبْدَأُ بِالْمَكْتُوبِ إِلَيْهِ فَيَقُولُ إِلَى فُلَانٍ مِنْ فُلَانٍ قَالُوا إِلَّا أَنْ يَكْتُبَ الْأَمِيرُ إِلَى مَنْ دُونَهُ أَوِ السَّيِّدُ إِلَى عَبْدِهِ أَوِ الْوَالِدُ إِلَى وَلَدِهِ وَنَحْوُ هَذَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَكِنْ أَخَذْتُهُ مِنْ صَاحِبِهِ ذَمَامَةً) هِيَ بِفَتْحِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِأَيِ اسْتِحْيَاءً لِتَكْرَارِ مُخَالَفَتِهِ وَقِيلَ مَلَامَةً وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَشْهُورُ قَوْلُهُ (وَأَمَّا الْغُلَامُ فَطُبِعَ يَوْمَ طُبِعَ كَافِرًا) قَالَ الْقَاضِي فِي هَذَا حُجَّةٌ بَيِّنَةٌ لِأَهْلِ السُّنَّةِ لِصِحَّةِ أَصْلِ مَذْهَبِهِمْ فِي الطَّبْعِ وَالرَّيْنِ وَالْأَكِنَّةِ وَالْأَغْشِيَةِ وَالْحُجُبِ وَالسَّدِّ وَأَشْبَاهِ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ الْوَارِدَةِ فِي الشَّرْعِ فِي أَفْعَالِ اللَّهِ تَعَالَى بِقُلُوبِ أَهْلِ الْكُفْرِ وَالضَّلَالِ وَمَعْنَى ذَلِكَ عِنْدَهُمْ خَلَقَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهَا ضِدَّ الْإِيمَانِ وَضِدَّ الْهُدَى وَهَذَا عَلَى أَصْلِ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّ الْعَبْدَ لَا قُدْرَةَ لَهُ إِلَّا مَا أَرَادَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَيَسَّرَهُ لَهُ وَخَلَقَهُ لَهُ خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ وَالْقَدَرِيَّةِ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ لِلْعَبْدِ فِعْلًا مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ وَقُدْرَةً عَلَى الْهُدَى وَالضَّلَالِ وَالْخَيْرِ وَالشَّرِّ وَالْإِيمَانِ وَالْكُفْرِ وَأَنَّ مَعْنَى هَذِهِ الْأَلْفَاظِ نِسْبَةُ اللَّهِ تَعَالَى لِأَصْحَابِهَا وَحُكْمُهُ عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعْنَاهَا خَلَقَهُ عَلَامَةً لِذَلِكَ فِي قُلُوبِهِمْ وَالْحَقُّ الَّذِي لَا شَكَّ فِيهِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَفْعَلُ مَا يشاء من الخير والشر لا يسئل عما يفعل وهم يسئلون وَكَمَا قَالَ تَعَالَى فِي الذَّرِّ هَؤُلَاءِ لِلْجَنَّةِ وَلَا أُبَالِي وَهَؤُلَاءِ لِلنَّارِ وَلَا أُبَالِي فَالَّذِينَ قَضَى لَهُمْ بِالنَّارِ طَبَعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَخَتَمَ عَلَيْهَا وَغَشَّاهَا وَأَكَنَّهَا وَجَعَلَ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهَا سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهَا سَدًّا وَحِجَابًا مَسْتُورًا وَجَعَلَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضًا لِتَتِمَّ سابقته فيهم وتمضي كلمته لاراد لِحُكْمِهِ وَلَا مُعَقِّبَ لِأَمْرِهِ وَقَضَائِهِ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ وَقَدْ يَحْتَجُّ بِهَذَا الْحَدِيثِ مَنْ يَقُولُ أَطْفَالُ الْكُفَّارِ فِي النَّارِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَأَنَّ فِيهِمْ ثَلَاثَةَ مَذَاهِبَ الصَّحِيحُ أَنَّهُمْ فِي الْجَنَّةِ وَالثَّانِي فِي النَّارِ وَالثَّالِثُ يَتَوَقَّفُ عن الكلام فيهم فلا يحكم لهم بشئ وَتَقَدَّمَتْ دَلَائِلُ الْجَمِيعِ وَلِلْقَائِلَيْنِ بِالْجَنَّةِ أَنْ يَقُولُوا فِي جَوَابِ هَذَا الْحَدِيثِ مَعْنَاهُ عَلِمَ اللَّهُ لَوْ بَلَغَ لَكَانَ كَافِرًا قَوْلُهُ (وَكَانَ أَبَوَاهُ قَدْ عَطَفَا عَلَيْهِ فَلَوْ أَدْرَكَ أَرْهَقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا) أَيْ حَمَلَهُمَا عَلَيْهِمَا وَأَلْحَقَهُمَا بِهِمَا وَالْمُرَادُ بِالطُّغْيَانِ هُنَا الزِّيَادَةُ فِي الضَّلَالِ وَهَذَا الْحَدِيثُ مِنْ دَلَائِلِ مَذْهَبِأَهْلِ الْحَقِّ فِي أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَعْلَمُ بِمَا كَانَ وَبِمَا يَكُونُ وَبِمَا لَا يَكُونُ لَوْ كَانَ كَيْفَ كَانَ يَكُونُ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَقَوْلُهُ تَعَالَى وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قرطاس فلمسوه بايديهم لقال الذين كفروا الْآيَةَ وَقَوْلُهُ تَعَالَى وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رجلا وللبسنا عليهم وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ قَوْلُهُ تَعَالَى خَيْرًا منه زكاة واقرب رحما قِيلَ الْمُرَادُ بِالزَّكَاةِ الْإِسْلَامُ وَقِيلَ الصَّلَاحُ وَأَمَّا الرُّحْمُ فَقِيلَ مَعْنَاهُ الرَّحْمَةُ لِوَالِدَيْهِ وَبِرُّهُمَا وَقِيلَ الْمُرَادُ يَرْحَمَانِهِ قِيلَ أَبْدَلَهُمَا اللَّهُ بِنْتًا صَالِحَةً وَقِيلَ ابْنًا حَكَاهُ الْقَاضِي قَوْلُهُ (تَمَارَى هُوَ وَالْحُرُّ بْنُ قَيْسٍ) أَيْ تَنَازَعَا وَتَجَادَلَا وَالْحُرُّ بِالْحَاءِ وَالرَّاءِ وَفِي هَذِهِ الْقِصَّةِ أَنْوَاعٌ مِنَ الْقَوَاعِدِ وَالْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ وَالْآدَابِ وَالنَّفَائِسِ الْمُهِمَّةِ سَبَقَ التَّنْبِيهُ عَلَى مُعْظَمِهَا سِوَى مَا هُوَ ظَاهِرٌ مِنْهَا وَمِمَّا لَمْ يَسْبِقْ أَنَّهُ لَا بَأْسَ عَلَى الْعَالِمِ وَالْفَاضِلِ أَنْ يَخْدُمَهُ الْمَفْضُولُ وَيَقْضِيَ لَهُ حَاجَةً وَلَا يَكُونُ هَذَا مِنْ أَخْذِ الْعِوَضِ عَلَى تَعْلِيمِ الْعِلْمِ وَالْآدَابِ بَلْ مِنْ مَرُوءَاتِ الْأَصْحَابِ وَحُسْنِ الْعِشْرَةِ وَدَلِيلُهُ مِنْ هَذِهِ الْقِصَّةِ حَمْلُ فَتَاهُ غَدَاءَهُمَا وَحَمْلُ أَصْحَابِ السَّفِينَةِ موسى والخضربِغَيْرِ أُجْرَةٍ لِمَعْرِفَتِهِمُ الْخَضِرَ بِالصَّلَاحِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَمِنْهَا الْحَثُّ عَلَى التَّوَاضُعِ فِي عِلْمِهِ وَغَيْرِهِ وَأَنَّهُ لَا يَدَّعِي أَنَّهُ أَعْلَمُ النَّاسِ وَأَنَّهُ إِذَا سُئِلَ عَنْ أَعْلَمِ النَّاسِ يَقُولُ اللَّهُ أَعْلَمُ وَمِنْهَا بَيَانُ أَصْلٍ عَظِيمٍ مِنْ أُصُولِ الْإِسْلَامِ وَهُوَ وُجُوبُ التَّسْلِيمِ لِكُلِّ مَا جَاءَ بِهِ الشَّرْعُ وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُ لَا تَظْهَرُ حِكْمَتُهُ لِلْعُقُولِ وَلَا يَفْهَمُهُ أَكْثَرُ النَّاسِ وَقَدْ لَا يَفْهَمُونَهُ كُلُّهُمْ كَالْقَدَرِ مَوْضِعُ الدَّلَالَةِ قَتْلُ الْغُلَامِ وَخَرْقُ السَّفِينَةِ فَإِنَّ صُورَتَهُمَا صُورَةُ الْمُنْكَرِ وَكَانَ صَحِيحًا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ لَهُ حِكَمٌ بَيِّنَةٌ لَكِنَّهَا لَا تَظْهَرُ لِلْخَلْقِ فَإِذَا أَعْلَمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا عَلِمُوهَا وَلِهَذَا قَالَ وَمَا فعلته عن امري يَعْنِي بَلْ بِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى( كتاب فضائل الصحابة رضي الله عنهم) قَالَ الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْمَازِرِيُّ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي تَفْضِيلِ بَعْضِ الصَّحَابَةِ عَلَى بَعْضٍ فقالت طائفة لا نفاضل بَلْ نُمْسِكُ عَنْ ذَلِكَ وَقَالَ الْجُمْهُورُ بِالتَّفْضِيلِ ثُمَّ اخْتَلَفُوا فَقَالَ أَهْلُ السُّنَّةِ أَفْضَلُهُمْ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ وَقَالَ الْخَطَّابِيَّةُ أَفْضَلُهُمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَقَالَتِ الرَّاوَنْدِيَّةُ أَفْضَلُهُمُ الْعَبَّاسُ وَقَالَتِ الشِّيعَةُ عَلِيٌّ وَاتَّفَقَ أَهْلُ السُّنَّةِ عَلَى أَنَّ أَفْضَلَهُمْ أَبُو بَكْرٍ ثُمَّ عُمَرُ قَالَ جُمْهُورُهُمْ ثُمَّ عُثْمَانُ ثُمَّ عَلِيٌّ وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ السُّنَّةِ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ بِتَقْدِيمِ عَلِيٍّ عَلَى عُثْمَانَ وَالصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ تَقْدِيمُ عُثْمَانَ قَالَ أَبُو مَنْصُورٍ الْبَغْدَادِيُّ أَصْحَابُنَا مُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّ أَفْضَلَهُمُ الْخُلَفَاءُ الْأَرْبَعَةُ عَلَى التَّرْتِيبِ الْمَذْكُورِ ثُمَّ تَمَامُ الْعَشَرَةِ ثُمَّ أَهْلُ بَدْرٍ ثُمَّ أُحُدٍ ثُمَّ بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ وَمِمَّنْ لَهُ مَزِيَّةُ أَهْلُ الْعَقَبَتَيْنِ مِنَ الْأَنْصَارِ وَكَذَلِكَ السَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ وَهُمْ مَنْ صَلَّى إلى القبلتين في قول بن الْمُسَيِّبِ وَطَائِفَةٍ وَفِي قَوْلِ الشَّعْبِيِّ أَهْلُ بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ وَفِي قَوْلِ عَطَاءٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ أَهْلُ بَدْرٍ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ منهم بن عَبْدِ الْبَرِّ إِلَى أَنَّ مَنْ تُوُفِّيَ مِنَ الصَّحَابَةِ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْضَلُ مِمَّنْ بَقِيَ بَعْدَهُ وَهَذَا الْإِطْلَاقُ غير مرضي وَلَا مَقْبُولٍ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي أَنَّ التَّفْضِيلَ الْمَذْكُورَ قَطْعِيٌّ أَمْ لَا وَهَلْ هُوَ فِي الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ أَمْ فِي الظَّاهِرِ خَاصَّةً وَمِمَّنْ قَالَ بِالْقَطْعِ أَبُو الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيُّ قَالَ وَهُمْ فِي الْفَضْلِ عَلَى تَرْتِيبِهِمْ فِي الْإِمَامَةِ وَمِمَّنْ قَالَ بِأَنَّهُ اجْتِهَادِيٌّ ظَنِّيٌّ أَبُو بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيُّ وذكر بن الْبَاقِلَّانِيِّ اخْتِلَافَ الْعُلَمَاءِ فِي أَنَّ التَّفْضِيلَ هَلْ هو في الظاهر ام فِي الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ جَمِيعًا وَكَذَلِكَ اخْتَلَفُوا فِي عَائِشَةَ وَخَدِيجَةَ أَيَّتُهُمَا أَفْضَلُ وَفِي عَائِشَةَ وَفَاطِمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ وَأَمَّا عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَخِلَافَتُهُ صَحِيحَةٌ بِالْإِجْمَاعِ وَقُتِلَ مَظْلُومًا وَقَتَلَتْهُ فَسَقَةٌ لِأَنَّ مُوجِبَاتِ الْقَتْلِ مَضْبُوطَةٌ وَلَمْ يَجْرِ مِنْهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَا يَقْتَضِيهِ وَلَمْ يُشَارِكْ فِي قَتْلِهِ أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَإِنَّمَا قَتَلَهُ هَمَجٌ وَرُعَاعٌ مِنْ غَوْغَاءِ الْقَبَائِلِ وسفلةوهو بن امرأة كعب الاحبار وقيل بن اخيه والمشهور الاول قاله بن أَبِي حَاتِمٍ وَغَيْرُهُ قَالُوا وَكُنْيَتُهُ أَبُو يَزِيدَ وَقِيلَ أَبُوْ رُشْدٍ وَكَانَ عَالِمًا حَكِيمًا قَاضِيًا وَإِمَامًا لِأَهْلِ دِمَشْقَ قَوْلُهُ (كَذَبَ عَدُوُّ اللَّهِ) قَالَ الْعُلَمَاءُ هُوَ عَلَى وَجْهِ الْإِغْلَاظِ وَالزَّجْرِ عَنْ مِثْلِ قَوْلِهِ لَا أَنَّهُ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ عَدُوُّ اللَّهِ حَقِيقَةً إِنَّمَا قَالَهُ مُبَالَغَةً فِي إِنْكَارِ قَوْلِهِ لِمُخَالَفَتِهِ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ ذَلِكَ فِي حَالِ غضب بن عَبَّاسٍ لِشِدَّةِ إِنْكَارِهِ وَحَالَ الْغَضَبِ تُطْلَقُ الْأَلْفَاظُ وَلَا تُرَادُ بِهَا حَقَائِقُهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (أَنَا أَعْلَمُ) أَيْ فِي اعْتِقَادِهِ وَإِلَّا فَكَانَ الْخَضِرُ أَعْلَمُ مِنْهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْحَدِيثِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَعَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِ إِذْ لَمْ يَرُدَّ الْعِلْمَ إِلَيْهِ) أَيْ كَانَ حَقُّهُ أَنْ يَقُولَ اللَّهُ أَعْلَمُ فان مخلوقات الله تعالى لا يعلمها الاهو قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ الا هو وَاسْتَدَلَّ الْعُلَمَاءُ بِسُؤَالِ مُوسَى السَّبِيلَ إِلَى لِقَاءِ الخضر صلى الله عليهما وسلم على استحباب الِاسْتِكْثَارِ مِنْهُ وَأَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْعَالِمِ وَإِنْ كَانَ مِنَ الْعِلْمِ بِمَحَلٍّ عَظِيمٍ أَنْ يَأْخُذَهُ مِمَّنْ هُوَ أَعْلَمُ مِنْهُ وَيَسْعَى إِلَيْهِ فِي تَحْصِيلِهِ وَفِيهِ فَضِيلَةُ طَلَبِ الْعِلْمِ وَفِي تَزَوُّدِهِ الْحُوتَ وَغَيْرَهُ جَوَازُ التَّزَوُّدِ فِي السَّفَرِ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ الْأَدَبُ مَعَ الْعَالِمِ وَحُرْمَةُ الْمَشَايِخِ وَتَرْكُ الِاعْتِرَاضِ عَلَيْهِمْ وَتَأْوِيلُ مَا لَا يُفْهَمُ ظَاهِرُهُ مِنْ أَفْعَالِهِمْ وَحَرَكَاتِهِمْ وَأَقْوَالِهِمْ وَالْوَفَاءُ بِعُهُودِهِمْ وَالِاعْتِذَارُ عِنْدَ مُخَالَفَةِ عَهْدِهِمْ وَفِيهِ إِثْبَاتُ كَرَامَاتِ الْأَوْلِيَاءِ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ الْخَضِرُ وَلِيٌّ وَفِيهِ جَوَازُ سُؤَالِ الطَّعَامِ عِنْدَ الْحَاجَةِ وَجَوَازُ إِجَارَةِ السَّفِينَةِ وَجَوَازُ رُكُوبِ السَّفِينَةِ وَالدَّابَّةِ وَسُكْنَى الدَّارِ وَلُبْسِ الثَّوْبِ وَنَحْوِ ذَلِكَ بِغَيْرِ أُجْرَةٍ بِرِضَى صَاحِبِهِ لقَوْلِهِ حَمَلُونَا بِغَيْرِ نَوْلٍ وَفِيهِ الْحُكْمُ بِالظَّاهِرِ حَتَّى يَتَبَيَّنَ خِلَافُهُ لِإِنْكَارِ مُوسَى قَالَ الْقَاضِي وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي قَوْلِ مُوسَى لَقَدْ جئت شيئا إمرا وَشَيْئًا نُكْرًا أَيُّهُمَا أَشَدُّ فَقِيلَ إِمْرًا لِأَنَّهُ الْعَظِيمُ وَلِأَنَّهُ فِي مُقَابَلَةِ خَرْقِ السَّفِينَةِ الَّذِي يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ فِي الْعَادَةِ هَلَاكُ الَّذِي فِيهَا وَأَمْوَالِهِمْ وَهُوَ أَعْظَمُ مِنْ قَتْلِ الْغُلَامِ فَإِنَّهَا نفس واحد وقيل نكرا اشد لانه قَالَهُ عِنْدَ مُبَاشَرَةِ الْقَتْلِ حَقِيقَةً وَأَمَّا الْقَتْلُ فِي خَرْقِ السَّفِينَةِ فَمَظْنُونٌ وَقَدْ يَسْلَمُونَ فِي العادةوقد سَلِمُوا فِي هَذِهِ الْقَضِيَّةِ وَلَيْسَفِيهِ مَا هُوَ مُحَقَّقٌ إِلَّا مُجَرَّدَ الْخَرْقِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ تَعَالَى (إِنَّ عَبْدًا مِنْ عِبَادِي بِمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ هُوَ أَعْلَمُ مِنْكَ) قَالَ قَتَادَةُ هُوَ مَجْمَعُ بَحْرَيْ فَارِسٍ وَالرُّومِ مِمَّا يَلِي الْمَشْرِقَ وَحَكَى الثَّعْلَبِيُّ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أَنَّهُ بَأَفْرِيقِيَّةَ قَوْلُهُ (احْمِلْ حُوتًا فِي مِكْتَلٍ فَحَيْثُ تَفْقِدُ الْحُوتَ فَهُوَ ثَمَّ) الْحُوتُ السَّمَكَةُ وَكَانَتْ سَمَكَةً مَالِحَةً كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ وَالْمِكْتَلُ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِ المثناة فوق وهو القفة والزنبيل وَسَبَقَ بَيَانُهُ مَرَّاتٍ وَتَفْقِدُهُ بِكَسْرِ الْقَافِ أَيْ يَذْهَبُ مِنْكَ يُقَالُ فَقَدَهُ وَافْتَقَدَهُ وَثَمَّ بِفَتْحِ الثَّاءِ أَيْ هُنَاكَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَانْطَلَقَ مَعَهُ فَتَاهُ) وَهُوَ يُوشَعُ بْنُ نُونٍ مَعْنَى فَتَاهُ صَاحِبُهُ وَنُونٌ مَصْرُوفٌ كَنُوحٍ وَهَذَا الْحَدِيثُ يَرُدُّ قَوْلَ مَنْ قَالَ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ إِنَّ فَتَاهُ عَبْدٌ لَهُ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْأَقْوَالِ الْبَاطِلَةِ قَالُوا وَهُوَ يُوشَعُ بْنُ نُونِ بْنِ إِفْرَاثِيمَ بْنِ يُوسُفَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَأَمْسَكَ اللَّهُ عَنْهُ جِرْيَةَ الْمَاءِ حَتَّى كَانَ مِثْلَ الطَّاقِ) أَمَّا الْجِرْيَةُ فَبِكَسْرِ الْجِيمِ وَالطَّاقُ عَقْدُ الْبِنَاءِ وَجَمْعُهُ طِيقَانٌ وَأَطْوَاقٌ وَهُوَ الْأَزَجُ وَمَا عُقِدَ أَعْلَاهُ مِنَ الْبِنَاءِ وَبَقِيَ مَا تَحْتَهُ خَالِيًا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَانْطَلَقَا بَقِيَّةَ يَوْمِهِمَا وَلَيْلَتِهِمَا) ضَبَطُوهُ بِنَصْبِ لَيْلَتِهِمَا وَجَرِّهَا وَالنَّصَبُ التَّعَبُ قَالُوا لَحِقَهُ النَّصَبُ وَالْجُوعُ لِيَطْلُبَ الْغِذَاءَ فَيَتَذَكَّرَ بِهِ نِسْيَانَ الْحُوتِ وَلِهَذَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَنْصَبْ حَتَّى جَاوَزَ الْمَكَانَ الَّذِيأُمِرَ بِهِ قَوْلُهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عجبا قِيلَ إِنَّ لَفْظَةَ عَجَبًا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مِنْ تَمَامِ كَلَامِ يُوشَعَ وَقِيلَ مِنْ كَلَامِ مُوسَى أَيْ قَالَ مُوسَى عَجِبْتُ مِنْ هَذَا عَجَبًا وَقِيلَ مِنْ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى وَمَعْنَاهُ اتَّخَذَ مُوسَى سَبِيلَ الْحُوتِ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا قَوْلُهُ مَا كُنَّا نَبْغِي أَيْ نَطْلُبُ مَعْنَاهُ أَنَّ الَّذِي جِئْنَا نَطْلُبُهُ هُوَ الْمَوْضِعُ الَّذِي نَفْقِدُ فِيهِ الْحُوتَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَرَأَى رَجُلًا مُسَجًّى عَلَيْهِ بِثَوْبٍ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ الْخَضِرُ أَنَّى بِأَرْضِكَ السَّلَامُ) الْمُسَجَّى الْمُغَطَّى وَأَنَّى أَيْ مِنْ أَيْنَ السَّلَامُفِي هَذِهِ الْأَرْضِ الَّتِي لَا يُعْرَفُ فِيهَا السَّلَامُ قَالَ الْعُلَمَاءُ أَنَّى تَأْتِي بِمَعْنَى أَيْنَ وَمَتَى وَحَيْثُ وَكَيْفَ وَحَمَلُوهُمَا بِغَيْرِ نَوْلٍ بِفَتْحِ النُّونِ وَإِسْكَانِ الْوَاوِ أَيْ بِغَيْرِ أَجْرٍ وَالنَّوْلُ وَالنَّوَالُ الْعَطَاءُ قَوْلُهُ لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا قُرِئَ فِي السَّبْعِ بِضَمِّ التَّاءِ الْمُثَنَّاةِ فَوْقُ وَنَصْبِ أَهْلِهَا وبفتح المثناة تحت ورفع اهلها وجئت شيئا إمرا أَيْ عَظِيمًا كَثِيرَ الشِّدَّةِ وَلَا تُرْهِقْنِي أَيْ تغشني وتحملني قوله أقتلت نفسا زاكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا قرئ في السبع زاكية وزكية قَالُوا وَمَعْنَاهُ طَاهِرَةٌ مِنَ الذُّنُوبِ وَقَوْلُهُ بِغَيْرِ نَفْسٍ أَيْ بِغَيْرِ قِصَاصٍ لَكَ عَلَيْهَا وَالنُّكْرُ الْمُنْكَرُ وَقُرِئَ فِي السَّبْعِ بِإِسْكَانِ الْكَافِ وَضَمِّهَا وَالْأَكْثَرُونَ بِالْإِسْكَانِ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَقَوْلُهُ إِذَا غُلَامٌ يَلْعَبُ فَقَتَلَهُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ صَبِيًّا لَيْسَ بِبَالِغٍ لِأَنَّهُ حَقِيقَةُ الْغُلَامِ وَهَذَا قَوْلُ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بَالِغًا وَزَعَمَتْ طَائِفَةٌ أَنَّهُ كَانَ بَالِغًا يَعْمَلُ بِالْفَسَادِ وَاحْتَجَّتْ بِقَوْلِهِ اقتلت نفسا زكية بغير نفس فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ مِمَّنْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ وَالصَّبِيُّ لَا قِصَاصَ عَلَيْهِ وَبِقَوْلِهِ كَانَ كَافِرًا في قراءة بن عَبَّاسٍ كَمَا ذَكَرَ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ وَالْجَوَابُ عَنِ الْأَوَّلِ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْمُرَادَ التنبيه عَلَى أَنَّهُ قَتَلَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَالثَّانِي أَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّ شَرْعَهُمْ كَانَ إِيجَابَ الْقِصَاصِ عَلَى الصَّبِيِّ كَمَا أَنَّهُ فِي شَرْعِنَا يُؤَاخَذُ بِغَرَامَةِ الْمُتْلَفَاتِ وَالْجَوَابُ عَنِ الثَّانِي مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ شَاذٌّ لَا حُجَّةَ فِيهِ وَالثَّانِي أَنَّهُ سَمَّاهُ بِمَا يَؤُولُ إِلَيْهِ لَوْ عَاشَ كَمَا جَاءَ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ قَوْلُهُ قَدْ بَلَغْتَ من لدني عذرا فيه ثلاث قراآت فِي السَّبْعِ الْأَكْثَرُونَ بِضَمِّ الدَّالِوَتَشْدِيدِ النُّونِ وَالثَّانِيَةُ بِالضَّمِّ وَتَخْفِيفِ النُّونِ وَالثَّالِثَةُ بِإِسْكَانِ الدَّالِ وَإِشْمَامِهَا الضَّمَّ وَتَخْفِيفِ النُّونِ وَمَعْنَاهُ قَدْ بَلَغْتَ إِلَى الْغَايَةِ الَّتِي تُعْذَرُ بِسَبَبِهَا فِي فِرَاقِي قَوْلُهُ تَعَالَى فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا اتيا اهل قرية قال الثعلبي قال بن عباس هي انطاكية وقال بن سِيرِينَ الْأَيْلَةُ وَهِيَ أَبْعَدُ الْأَرْضِ مِنَ السَّمَاءِ قَوْلُهُ تَعَالَى فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ ينقض هَذَا مِنَ الْمَجَازِ لِأَنَّ الْجِدَارَ لَا يَكُونُ لَهُ حَقِيقَةُ إِرَادَةٍ وَمَعْنَاهُ قَرُبَ مِنَ الِانْقِضَاضِ وَهُوَ السُّقُوطُ وَاسْتَدَلَّ الْأُصُولِيُّونَ بِهَذَا عَلَى وُجُودِ الْمَجَازِ فِي الْقُرْآنِ وَلَهُ نَظَائِرُ مَعْرُوفَةٌ قَالَ وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ كَانَ طُولُ هَذَا الْجِدَارِ إِلَى السَّمَاءِ مِائَةَ ذِرَاعٍ قَوْلُهُ لَوْ شِئْتَ لتخذت عليه اجرا قُرِئَ بِالسَّبْعِ لَتَخِذْتَ بِتَخْفِيفِ التَّاءِ وَكَسْرِ الْخَاءِ وَلَاتَّخَذْتَ بِالتَّشْدِيدِ وَفَتْحِ الْخَاءِ أَيْ لَأَخَذْتَ عَلَيْهِ أُجْرَةً تَأْكُلُ بِهَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَجَاءَ عُصْفُورٌ حَتَّى وَقَعَ عَلَى حَرْفِ السَّفِينَةِ ثُمَّ نَقَرَ فِي الْبَحْرِ فَقَالَ لَهُ الْخَضِرُ مَا نَقَصَ عِلْمِي وَعِلْمُكَ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى إِلَّا مِثْلَ مَا نَقَصَ هَذَا الْعُصْفُورُ مِنَ الْبَحْرِ) قَالَ الْعُلَمَاءُ لَفْظُ النَّقْصِ هُنَا لَيْسَ عَلَى ظَاهِرِهِ وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ أَنَّ عِلْمِي وَعِلْمُكُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى كَنِسْبَةِ مَا نَقَرَهُ هَذَا الْعُصْفُورُ إِلَى مَاءِ الْبَحْرِ هَذَا عَلَى التَّقْرِيبِ إِلَى الْأَفْهَامِ وَإِلَّا فَنِسْبَةُ عِلْمِهِمَا أَقَلُّ وَأَحْقَرُ وَقَدْ جَاءَ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ مَا عِلْمِي وَعِلْمُكَ فِي جَنْبِ عِلْمِ اللَّهِ إِلَّا كَمَا أَخَذَ هَذَا الْعُصْفُورُ بِمِنْقَارِهِ أَيْ فِي جَنْبِ مَعْلُومِ اللَّهِ وَقَدْ يطلق العلمبِمَعْنَى الْمَعْلُومِ وَهُوَ مِنْ إِطْلَاقِ الْمَصْدَرِ لِإِرَادَةِ الْمَفْعُولِ كَقَوْلِهِمْ رَغْمَ ضَرْبِ السُّلْطَانِ أَيْ مَضْرُوبِهِ قَالَ الْقَاضِي وَقَالَ بَعْضُ مَنْ أَشْكَلَ عَلَيْهِ هَذَا الْحَدِيثُ إِلَّا هُنَا بِمَعْنَى وَلَا أَيْ وَلَا نَقَصَ عِلْمِي وَعِلْمُكَ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ وَلَا مِثْلَ مَا أَخْذَ هَذَا الْعُصْفُورُ لِأَنَّ عِلْمَ اللَّهِ تَعَالَى لَا يَدْخُلُهُ نَقْصٌ قَالَ الْقَاضِي وَلَا حَاجَةَ إِلَى هَذَا التَّكَلُّفِ بَلْ هُوَ صَحِيحٌ كَمَا بَيَّنَّا وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (كذب نوف) هوجار عَلَى مَذْهَبِ أَصْحَابِنَا أَنَّ الْكَذِبَ هُوَ الْإِخْبَارُ عن الشئ خِلَافِ مَا هُوَ عَمْدًا كَانَ أَوْ سَهْوًا خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ وَسَبَقَتِ الْمَسْأَلَةُ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (حتى انتهينا إِلَى الصَّخْرَةِ فَعُمِّيَ عَلَيْهِ) وَقَعَ فِي بَعْضِ الْأُصُولِ بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الْمِيمِ وَفِي بَعْضِهَا بِضَمِّ الْعَيْنِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ وَفِي بَعْضِهَا بَالِغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مِثْلُ الْكَوَّةِ) بِفَتْحِ الْكَافِ وَيُقَالُ بِضَمِّهَا وَهِيَ الطاقكَمَا قَالَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى قَوْلُهُ (مُسْتَلْقِيًا عَلَى حُلَاوَةِ الْقَفَا) هِيَ وَسَطُ الْقَفَا وَمَعْنَاهُ لَمْ يَمِلْ إِلَى أَحَدِ جَانِبَيْهِ وَهِيَ بِضَمِّ الْحَاءِ وَفَتْحِهَا وَكَسْرِهَا أَفْصَحُهَا الضَّمُّ وَمِمَّنْ حَكَى الْكَسْرَ صَاحِبُ نِهَايَةِ الْغَرِيبِ وَيُقَالُ أَيْضًا حَلَاوًا بِالْفَتْحِ وَحُلَاوَى بِالضَّمِّ وَالْقَصْرِ وَحَلْوَاءُ بِالْمَدِّ قَوْلُهُ (مَجِيءُ مَا جَاءَ بِكَ) قَالَ الْقَاضِي ضَبَطْنَاهُ مجئ مَرْفُوعٌ غَيْرُ مَنَوَّنٍ عَنْ بَعْضِهِمْ وَعَنْ بَعْضِهِمْ مَنُوَّنًا قَالَ وَهُوَ أَظْهَرُ أَيُّ أَمْرٍ عَظِيمٍ جَاءَ بِكَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (انْتَحَى عَلَيْهَا) أَيِ اعْتَمَدَ عَلَى السَّفِينَةِ وَقَصَدَخَرْقَهَا وَاسْتَدَلَّ بِهِ الْعُلَمَاءُ عَلَى النَّظَرِ فِي الْمَصَالِحِ عِنْدَ تَعَارُضِ الْأُمُورِ وَأَنَّهُ إِذَا تَعَارَضَتْ مَفْسَدَتَانِ دُفِعَ أَعْظَمُهُمَا بِارْتِكَابِ أَخَفِّهِمَا كَمَا خَرَقَ السَّفِينَةَ لِدَفْعِ غَصْبِهَا وَذَهَابِ جُمْلَتِهَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَانْطَلَقَ إِلَى أَحَدِهِمْ بَادِيَ الرَّأْيِ فَقَتَلَهُ) بَادِئُ بِالْهَمْزِ وَتَرْكِهِ فَمَنْ هَمَزَهُ مَعْنَاهُ أَوَّلُ الرَّأْيِ وَابْتِدَاؤُهُ أَيِ انْطَلَقَ إِلَيْهِ مُسَارِعًا إِلَى قَتْلِهِ مِنْ غَيْرِ فِكْرٍ وَمَنْ لَمْ يَهْمِزْ فَمَعْنَاهُ ظَهَرَ لَهُ رَأْيٌ فِي قَتْلِهِ مِنَ الْبَدْءِ وَهُوَ ظُهُورُ رَأْيٍ لَمْ يَكُنْ قَالَ الْقَاضِي وَيُمَدُّ الْبَدْءُ وَيُقْصَرُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى مُوسَى قَالَ وَكَانَ إِذَا ذَكَرَ أَحَدًا مِنَ الْأَنْبِيَاءِ بَدَأَ بِنَفْسِهِ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى أَخِي كَذَا رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْنَا) قَالَ أَصْحَابُنَا فِيهِ اسْتِحْبَابُ ابْتِدَاءِ الْإِنْسَانِ بِنَفْسِهِ فِي الدُّعَاءِ وَشِبْهِهِ مِنْ أُمُورِ الْآخِرَةِ وَأَمَّا حُظُوظُ الدُّنْيَا فَالْأَدَبُ فِيهَا الْإِيثَارُ وَتَقْدِيمُ غَيْرِهِ عَلَى نَفْسِهِ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الِابْتِدَاءِ فِي عُنْوَانِ الْكِتَابِ فَالصَّحِيحُ الَّذِي قَالَهُ كَثِيرُونَ مِنَ السَّلَفِ وَجَاءَ بِهِ الصَّحِيحُ أَنَّهُ يَبْدَأُ بِنَفْسِهِ فَيُقَدِّمُهَا عَلَى الْمَكْتُوبِ إِلَيْهِ فَيُقَالُ مِنْ فُلَانٍ إِلَى فُلَانٍ وَمِنْهُ حَدِيثُ كِتَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى هِرَقْلَ عَظِيمِ الرُّومِ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ يَبْدَأُ بِالْمَكْتُوبِ إِلَيْهِ فَيَقُولُ إِلَى فُلَانٍ مِنْ فُلَانٍ قَالُوا إِلَّا أَنْ يَكْتُبَ الْأَمِيرُ إِلَى مَنْ دُونَهُ أَوِ السَّيِّدُ إِلَى عَبْدِهِ أَوِ الْوَالِدُ إِلَى وَلَدِهِ وَنَحْوُ هَذَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَكِنْ أَخَذْتُهُ مِنْ صَاحِبِهِ ذَمَامَةً) هِيَ بِفَتْحِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِأَيِ اسْتِحْيَاءً لِتَكْرَارِ مُخَالَفَتِهِ وَقِيلَ مَلَامَةً وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَشْهُورُ قَوْلُهُ (وَأَمَّا الْغُلَامُ فَطُبِعَ يَوْمَ طُبِعَ كَافِرًا) قَالَ الْقَاضِي فِي هَذَا حُجَّةٌ بَيِّنَةٌ لِأَهْلِ السُّنَّةِ لِصِحَّةِ أَصْلِ مَذْهَبِهِمْ فِي الطَّبْعِ وَالرَّيْنِ وَالْأَكِنَّةِ وَالْأَغْشِيَةِ وَالْحُجُبِ وَالسَّدِّ وَأَشْبَاهِ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ الْوَارِدَةِ فِي الشَّرْعِ فِي أَفْعَالِ اللَّهِ تَعَالَى بِقُلُوبِ أَهْلِ الْكُفْرِ وَالضَّلَالِ وَمَعْنَى ذَلِكَ عِنْدَهُمْ خَلَقَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهَا ضِدَّ الْإِيمَانِ وَضِدَّ الْهُدَى وَهَذَا عَلَى أَصْلِ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّ الْعَبْدَ لَا قُدْرَةَ لَهُ إِلَّا مَا أَرَادَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَيَسَّرَهُ لَهُ وَخَلَقَهُ لَهُ خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ وَالْقَدَرِيَّةِ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ لِلْعَبْدِ فِعْلًا مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ وَقُدْرَةً عَلَى الْهُدَى وَالضَّلَالِ وَالْخَيْرِ وَالشَّرِّ وَالْإِيمَانِ وَالْكُفْرِ وَأَنَّ مَعْنَى هَذِهِ الْأَلْفَاظِ نِسْبَةُ اللَّهِ تَعَالَى لِأَصْحَابِهَا وَحُكْمُهُ عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعْنَاهَا خَلَقَهُ عَلَامَةً لِذَلِكَ فِي قُلُوبِهِمْ وَالْحَقُّ الَّذِي لَا شَكَّ فِيهِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَفْعَلُ مَا يشاء من الخير والشر لا يسئل عما يفعل وهم يسئلون وَكَمَا قَالَ تَعَالَى فِي الذَّرِّ هَؤُلَاءِ لِلْجَنَّةِ وَلَا أُبَالِي وَهَؤُلَاءِ لِلنَّارِ وَلَا أُبَالِي فَالَّذِينَ قَضَى لَهُمْ بِالنَّارِ طَبَعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَخَتَمَ عَلَيْهَا وَغَشَّاهَا وَأَكَنَّهَا وَجَعَلَ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهَا سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهَا سَدًّا وَحِجَابًا مَسْتُورًا وَجَعَلَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضًا لِتَتِمَّ سابقته فيهم وتمضي كلمته لاراد لِحُكْمِهِ وَلَا مُعَقِّبَ لِأَمْرِهِ وَقَضَائِهِ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ وَقَدْ يَحْتَجُّ بِهَذَا الْحَدِيثِ مَنْ يَقُولُ أَطْفَالُ الْكُفَّارِ فِي النَّارِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَأَنَّ فِيهِمْ ثَلَاثَةَ مَذَاهِبَ الصَّحِيحُ أَنَّهُمْ فِي الْجَنَّةِ وَالثَّانِي فِي النَّارِ وَالثَّالِثُ يَتَوَقَّفُ عن الكلام فيهم فلا يحكم لهم بشئ وَتَقَدَّمَتْ دَلَائِلُ الْجَمِيعِ وَلِلْقَائِلَيْنِ بِالْجَنَّةِ أَنْ يَقُولُوا فِي جَوَابِ هَذَا الْحَدِيثِ مَعْنَاهُ عَلِمَ اللَّهُ لَوْ بَلَغَ لَكَانَ كَافِرًا قَوْلُهُ (وَكَانَ أَبَوَاهُ قَدْ عَطَفَا عَلَيْهِ فَلَوْ أَدْرَكَ أَرْهَقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا) أَيْ حَمَلَهُمَا عَلَيْهِمَا وَأَلْحَقَهُمَا بِهِمَا وَالْمُرَادُ بِالطُّغْيَانِ هُنَا الزِّيَادَةُ فِي الضَّلَالِ وَهَذَا الْحَدِيثُ مِنْ دَلَائِلِ مَذْهَبِأَهْلِ الْحَقِّ فِي أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَعْلَمُ بِمَا كَانَ وَبِمَا يَكُونُ وَبِمَا لَا يَكُونُ لَوْ كَانَ كَيْفَ كَانَ يَكُونُ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَقَوْلُهُ تَعَالَى وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قرطاس فلمسوه بايديهم لقال الذين كفروا الْآيَةَ وَقَوْلُهُ تَعَالَى وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رجلا وللبسنا عليهم وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ قَوْلُهُ تَعَالَى خَيْرًا منه زكاة واقرب رحما قِيلَ الْمُرَادُ بِالزَّكَاةِ الْإِسْلَامُ وَقِيلَ الصَّلَاحُ وَأَمَّا الرُّحْمُ فَقِيلَ مَعْنَاهُ الرَّحْمَةُ لِوَالِدَيْهِ وَبِرُّهُمَا وَقِيلَ الْمُرَادُ يَرْحَمَانِهِ قِيلَ أَبْدَلَهُمَا اللَّهُ بِنْتًا صَالِحَةً وَقِيلَ ابْنًا حَكَاهُ الْقَاضِي قَوْلُهُ (تَمَارَى هُوَ وَالْحُرُّ بْنُ قَيْسٍ) أَيْ تَنَازَعَا وَتَجَادَلَا وَالْحُرُّ بِالْحَاءِ وَالرَّاءِ وَفِي هَذِهِ الْقِصَّةِ أَنْوَاعٌ مِنَ الْقَوَاعِدِ وَالْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ وَالْآدَابِ وَالنَّفَائِسِ الْمُهِمَّةِ سَبَقَ التَّنْبِيهُ عَلَى مُعْظَمِهَا سِوَى مَا هُوَ ظَاهِرٌ مِنْهَا وَمِمَّا لَمْ يَسْبِقْ أَنَّهُ لَا بَأْسَ عَلَى الْعَالِمِ وَالْفَاضِلِ أَنْ يَخْدُمَهُ الْمَفْضُولُ وَيَقْضِيَ لَهُ حَاجَةً وَلَا يَكُونُ هَذَا مِنْ أَخْذِ الْعِوَضِ عَلَى تَعْلِيمِ الْعِلْمِ وَالْآدَابِ بَلْ مِنْ مَرُوءَاتِ الْأَصْحَابِ وَحُسْنِ الْعِشْرَةِ وَدَلِيلُهُ مِنْ هَذِهِ الْقِصَّةِ حَمْلُ فَتَاهُ غَدَاءَهُمَا وَحَمْلُ أَصْحَابِ السَّفِينَةِ موسى والخضربِغَيْرِ أُجْرَةٍ لِمَعْرِفَتِهِمُ الْخَضِرَ بِالصَّلَاحِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَمِنْهَا الْحَثُّ عَلَى التَّوَاضُعِ فِي عِلْمِهِ وَغَيْرِهِ وَأَنَّهُ لَا يَدَّعِي أَنَّهُ أَعْلَمُ النَّاسِ وَأَنَّهُ إِذَا سُئِلَ عَنْ أَعْلَمِ النَّاسِ يَقُولُ اللَّهُ أَعْلَمُ وَمِنْهَا بَيَانُ أَصْلٍ عَظِيمٍ مِنْ أُصُولِ الْإِسْلَامِ وَهُوَ وُجُوبُ التَّسْلِيمِ لِكُلِّ مَا جَاءَ بِهِ الشَّرْعُ وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُ لَا تَظْهَرُ حِكْمَتُهُ لِلْعُقُولِ وَلَا يَفْهَمُهُ أَكْثَرُ النَّاسِ وَقَدْ لَا يَفْهَمُونَهُ كُلُّهُمْ كَالْقَدَرِ مَوْضِعُ الدَّلَالَةِ قَتْلُ الْغُلَامِ وَخَرْقُ السَّفِينَةِ فَإِنَّ صُورَتَهُمَا صُورَةُ الْمُنْكَرِ وَكَانَ صَحِيحًا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ لَهُ حِكَمٌ بَيِّنَةٌ لَكِنَّهَا لَا تَظْهَرُ لِلْخَلْقِ فَإِذَا أَعْلَمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا عَلِمُوهَا وَلِهَذَا قَالَ وَمَا فعلته عن امري يَعْنِي بَلْ بِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى( كتاب فضائل الصحابة رضي الله عنهم) قَالَ الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْمَازِرِيُّ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي تَفْضِيلِ بَعْضِ الصَّحَابَةِ عَلَى بَعْضٍ فقالت طائفة لا نفاضل بَلْ نُمْسِكُ عَنْ ذَلِكَ وَقَالَ الْجُمْهُورُ بِالتَّفْضِيلِ ثُمَّ اخْتَلَفُوا فَقَالَ أَهْلُ السُّنَّةِ أَفْضَلُهُمْ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ وَقَالَ الْخَطَّابِيَّةُ أَفْضَلُهُمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَقَالَتِ الرَّاوَنْدِيَّةُ أَفْضَلُهُمُ الْعَبَّاسُ وَقَالَتِ الشِّيعَةُ عَلِيٌّ وَاتَّفَقَ أَهْلُ السُّنَّةِ عَلَى أَنَّ أَفْضَلَهُمْ أَبُو بَكْرٍ ثُمَّ عُمَرُ قَالَ جُمْهُورُهُمْ ثُمَّ عُثْمَانُ ثُمَّ عَلِيٌّ وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ السُّنَّةِ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ بِتَقْدِيمِ عَلِيٍّ عَلَى عُثْمَانَ وَالصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ تَقْدِيمُ عُثْمَانَ قَالَ أَبُو مَنْصُورٍ الْبَغْدَادِيُّ أَصْحَابُنَا مُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّ أَفْضَلَهُمُ الْخُلَفَاءُ الْأَرْبَعَةُ عَلَى التَّرْتِيبِ الْمَذْكُورِ ثُمَّ تَمَامُ الْعَشَرَةِ ثُمَّ أَهْلُ بَدْرٍ ثُمَّ أُحُدٍ ثُمَّ بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ وَمِمَّنْ لَهُ مَزِيَّةُ أَهْلُ الْعَقَبَتَيْنِ مِنَ الْأَنْصَارِ وَكَذَلِكَ السَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ وَهُمْ مَنْ صَلَّى إلى القبلتين في قول بن الْمُسَيِّبِ وَطَائِفَةٍ وَفِي قَوْلِ الشَّعْبِيِّ أَهْلُ بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ وَفِي قَوْلِ عَطَاءٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ أَهْلُ بَدْرٍ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ منهم بن عَبْدِ الْبَرِّ إِلَى أَنَّ مَنْ تُوُفِّيَ مِنَ الصَّحَابَةِ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْضَلُ مِمَّنْ بَقِيَ بَعْدَهُ وَهَذَا الْإِطْلَاقُ غير مرضي وَلَا مَقْبُولٍ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي أَنَّ التَّفْضِيلَ الْمَذْكُورَ قَطْعِيٌّ أَمْ لَا وَهَلْ هُوَ فِي الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ أَمْ فِي الظَّاهِرِ خَاصَّةً وَمِمَّنْ قَالَ بِالْقَطْعِ أَبُو الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيُّ قَالَ وَهُمْ فِي الْفَضْلِ عَلَى تَرْتِيبِهِمْ فِي الْإِمَامَةِ وَمِمَّنْ قَالَ بِأَنَّهُ اجْتِهَادِيٌّ ظَنِّيٌّ أَبُو بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيُّ وذكر بن الْبَاقِلَّانِيِّ اخْتِلَافَ الْعُلَمَاءِ فِي أَنَّ التَّفْضِيلَ هَلْ هو في الظاهر ام فِي الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ جَمِيعًا وَكَذَلِكَ اخْتَلَفُوا فِي عَائِشَةَ وَخَدِيجَةَ أَيَّتُهُمَا أَفْضَلُ وَفِي عَائِشَةَ وَفَاطِمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ وَأَمَّا عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَخِلَافَتُهُ صَحِيحَةٌ بِالْإِجْمَاعِ وَقُتِلَ مَظْلُومًا وَقَتَلَتْهُ فَسَقَةٌ لِأَنَّ مُوجِبَاتِ الْقَتْلِ مَضْبُوطَةٌ وَلَمْ يَجْرِ مِنْهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَا يَقْتَضِيهِ وَلَمْ يُشَارِكْ فِي قَتْلِهِ أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَإِنَّمَا قَتَلَهُ هَمَجٌ وَرُعَاعٌ مِنْ غَوْغَاءِ الْقَبَائِلِ وسفلةوهو بن امرأة كعب الاحبار وقيل بن اخيه والمشهور الاول قاله بن أَبِي حَاتِمٍ وَغَيْرُهُ قَالُوا وَكُنْيَتُهُ أَبُو يَزِيدَ وَقِيلَ أَبُوْ رُشْدٍ وَكَانَ عَالِمًا حَكِيمًا قَاضِيًا وَإِمَامًا لِأَهْلِ دِمَشْقَ قَوْلُهُ (كَذَبَ عَدُوُّ اللَّهِ) قَالَ الْعُلَمَاءُ هُوَ عَلَى وَجْهِ الْإِغْلَاظِ وَالزَّجْرِ عَنْ مِثْلِ قَوْلِهِ لَا أَنَّهُ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ عَدُوُّ اللَّهِ حَقِيقَةً إِنَّمَا قَالَهُ مُبَالَغَةً فِي إِنْكَارِ قَوْلِهِ لِمُخَالَفَتِهِ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ ذَلِكَ فِي حَالِ غضب بن عَبَّاسٍ لِشِدَّةِ إِنْكَارِهِ وَحَالَ الْغَضَبِ تُطْلَقُ الْأَلْفَاظُ وَلَا تُرَادُ بِهَا حَقَائِقُهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (أَنَا أَعْلَمُ) أَيْ فِي اعْتِقَادِهِ وَإِلَّا فَكَانَ الْخَضِرُ أَعْلَمُ مِنْهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْحَدِيثِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَعَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِ إِذْ لَمْ يَرُدَّ الْعِلْمَ إِلَيْهِ) أَيْ كَانَ حَقُّهُ أَنْ يَقُولَ اللَّهُ أَعْلَمُ فان مخلوقات الله تعالى لا يعلمها الاهو قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ الا هو وَاسْتَدَلَّ الْعُلَمَاءُ بِسُؤَالِ مُوسَى السَّبِيلَ إِلَى لِقَاءِ الخضر صلى الله عليهما وسلم على استحباب الِاسْتِكْثَارِ مِنْهُ وَأَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْعَالِمِ وَإِنْ كَانَ مِنَ الْعِلْمِ بِمَحَلٍّ عَظِيمٍ أَنْ يَأْخُذَهُ مِمَّنْ هُوَ أَعْلَمُ مِنْهُ وَيَسْعَى إِلَيْهِ فِي تَحْصِيلِهِ وَفِيهِ فَضِيلَةُ طَلَبِ الْعِلْمِ وَفِي تَزَوُّدِهِ الْحُوتَ وَغَيْرَهُ جَوَازُ التَّزَوُّدِ فِي السَّفَرِ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ الْأَدَبُ مَعَ الْعَالِمِ وَحُرْمَةُ الْمَشَايِخِ وَتَرْكُ الِاعْتِرَاضِ عَلَيْهِمْ وَتَأْوِيلُ مَا لَا يُفْهَمُ ظَاهِرُهُ مِنْ أَفْعَالِهِمْ وَحَرَكَاتِهِمْ وَأَقْوَالِهِمْ وَالْوَفَاءُ بِعُهُودِهِمْ وَالِاعْتِذَارُ عِنْدَ مُخَالَفَةِ عَهْدِهِمْ وَفِيهِ إِثْبَاتُ كَرَامَاتِ الْأَوْلِيَاءِ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ الْخَضِرُ وَلِيٌّ وَفِيهِ جَوَازُ سُؤَالِ الطَّعَامِ عِنْدَ الْحَاجَةِ وَجَوَازُ إِجَارَةِ السَّفِينَةِ وَجَوَازُ رُكُوبِ السَّفِينَةِ وَالدَّابَّةِ وَسُكْنَى الدَّارِ وَلُبْسِ الثَّوْبِ وَنَحْوِ ذَلِكَ بِغَيْرِ أُجْرَةٍ بِرِضَى صَاحِبِهِ لقَوْلِهِ حَمَلُونَا بِغَيْرِ نَوْلٍ وَفِيهِ الْحُكْمُ بِالظَّاهِرِ حَتَّى يَتَبَيَّنَ خِلَافُهُ لِإِنْكَارِ مُوسَى قَالَ الْقَاضِي وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي قَوْلِ مُوسَى لَقَدْ جئت شيئا إمرا وَشَيْئًا نُكْرًا أَيُّهُمَا أَشَدُّ فَقِيلَ إِمْرًا لِأَنَّهُ الْعَظِيمُ وَلِأَنَّهُ فِي مُقَابَلَةِ خَرْقِ السَّفِينَةِ الَّذِي يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ فِي الْعَادَةِ هَلَاكُ الَّذِي فِيهَا وَأَمْوَالِهِمْ وَهُوَ أَعْظَمُ مِنْ قَتْلِ الْغُلَامِ فَإِنَّهَا نفس واحد وقيل نكرا اشد لانه قَالَهُ عِنْدَ مُبَاشَرَةِ الْقَتْلِ حَقِيقَةً وَأَمَّا الْقَتْلُ فِي خَرْقِ السَّفِينَةِ فَمَظْنُونٌ وَقَدْ يَسْلَمُونَ فِي العادةوقد سَلِمُوا فِي هَذِهِ الْقَضِيَّةِ وَلَيْسَفِيهِ مَا هُوَ مُحَقَّقٌ إِلَّا مُجَرَّدَ الْخَرْقِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ تَعَالَى (إِنَّ عَبْدًا مِنْ عِبَادِي بِمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ هُوَ أَعْلَمُ مِنْكَ) قَالَ قَتَادَةُ هُوَ مَجْمَعُ بَحْرَيْ فَارِسٍ وَالرُّومِ مِمَّا يَلِي الْمَشْرِقَ وَحَكَى الثَّعْلَبِيُّ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أَنَّهُ بَأَفْرِيقِيَّةَ قَوْلُهُ (احْمِلْ حُوتًا فِي مِكْتَلٍ فَحَيْثُ تَفْقِدُ الْحُوتَ فَهُوَ ثَمَّ) الْحُوتُ السَّمَكَةُ وَكَانَتْ سَمَكَةً مَالِحَةً كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ وَالْمِكْتَلُ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِ المثناة فوق وهو القفة والزنبيل وَسَبَقَ بَيَانُهُ مَرَّاتٍ وَتَفْقِدُهُ بِكَسْرِ الْقَافِ أَيْ يَذْهَبُ مِنْكَ يُقَالُ فَقَدَهُ وَافْتَقَدَهُ وَثَمَّ بِفَتْحِ الثَّاءِ أَيْ هُنَاكَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَانْطَلَقَ مَعَهُ فَتَاهُ) وَهُوَ يُوشَعُ بْنُ نُونٍ مَعْنَى فَتَاهُ صَاحِبُهُ وَنُونٌ مَصْرُوفٌ كَنُوحٍ وَهَذَا الْحَدِيثُ يَرُدُّ قَوْلَ مَنْ قَالَ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ إِنَّ فَتَاهُ عَبْدٌ لَهُ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْأَقْوَالِ الْبَاطِلَةِ قَالُوا وَهُوَ يُوشَعُ بْنُ نُونِ بْنِ إِفْرَاثِيمَ بْنِ يُوسُفَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَأَمْسَكَ اللَّهُ عَنْهُ جِرْيَةَ الْمَاءِ حَتَّى كَانَ مِثْلَ الطَّاقِ) أَمَّا الْجِرْيَةُ فَبِكَسْرِ الْجِيمِ وَالطَّاقُ عَقْدُ الْبِنَاءِ وَجَمْعُهُ طِيقَانٌ وَأَطْوَاقٌ وَهُوَ الْأَزَجُ وَمَا عُقِدَ أَعْلَاهُ مِنَ الْبِنَاءِ وَبَقِيَ مَا تَحْتَهُ خَالِيًا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَانْطَلَقَا بَقِيَّةَ يَوْمِهِمَا وَلَيْلَتِهِمَا) ضَبَطُوهُ بِنَصْبِ لَيْلَتِهِمَا وَجَرِّهَا وَالنَّصَبُ التَّعَبُ قَالُوا لَحِقَهُ النَّصَبُ وَالْجُوعُ لِيَطْلُبَ الْغِذَاءَ فَيَتَذَكَّرَ بِهِ نِسْيَانَ الْحُوتِ وَلِهَذَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَنْصَبْ حَتَّى جَاوَزَ الْمَكَانَ الَّذِيأُمِرَ بِهِ قَوْلُهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عجبا قِيلَ إِنَّ لَفْظَةَ عَجَبًا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مِنْ تَمَامِ كَلَامِ يُوشَعَ وَقِيلَ مِنْ كَلَامِ مُوسَى أَيْ قَالَ مُوسَى عَجِبْتُ مِنْ هَذَا عَجَبًا وَقِيلَ مِنْ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى وَمَعْنَاهُ اتَّخَذَ مُوسَى سَبِيلَ الْحُوتِ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا قَوْلُهُ مَا كُنَّا نَبْغِي أَيْ نَطْلُبُ مَعْنَاهُ أَنَّ الَّذِي جِئْنَا نَطْلُبُهُ هُوَ الْمَوْضِعُ الَّذِي نَفْقِدُ فِيهِ الْحُوتَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَرَأَى رَجُلًا مُسَجًّى عَلَيْهِ بِثَوْبٍ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ الْخَضِرُ أَنَّى بِأَرْضِكَ السَّلَامُ) الْمُسَجَّى الْمُغَطَّى وَأَنَّى أَيْ مِنْ أَيْنَ السَّلَامُفِي هَذِهِ الْأَرْضِ الَّتِي لَا يُعْرَفُ فِيهَا السَّلَامُ قَالَ الْعُلَمَاءُ أَنَّى تَأْتِي بِمَعْنَى أَيْنَ وَمَتَى وَحَيْثُ وَكَيْفَ وَحَمَلُوهُمَا بِغَيْرِ نَوْلٍ بِفَتْحِ النُّونِ وَإِسْكَانِ الْوَاوِ أَيْ بِغَيْرِ أَجْرٍ وَالنَّوْلُ وَالنَّوَالُ الْعَطَاءُ قَوْلُهُ لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا قُرِئَ فِي السَّبْعِ بِضَمِّ التَّاءِ الْمُثَنَّاةِ فَوْقُ وَنَصْبِ أَهْلِهَا وبفتح المثناة تحت ورفع اهلها وجئت شيئا إمرا أَيْ عَظِيمًا كَثِيرَ الشِّدَّةِ وَلَا تُرْهِقْنِي أَيْ تغشني وتحملني قوله أقتلت نفسا زاكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا قرئ في السبع زاكية وزكية قَالُوا وَمَعْنَاهُ طَاهِرَةٌ مِنَ الذُّنُوبِ وَقَوْلُهُ بِغَيْرِ نَفْسٍ أَيْ بِغَيْرِ قِصَاصٍ لَكَ عَلَيْهَا وَالنُّكْرُ الْمُنْكَرُ وَقُرِئَ فِي السَّبْعِ بِإِسْكَانِ الْكَافِ وَضَمِّهَا وَالْأَكْثَرُونَ بِالْإِسْكَانِ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَقَوْلُهُ إِذَا غُلَامٌ يَلْعَبُ فَقَتَلَهُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ صَبِيًّا لَيْسَ بِبَالِغٍ لِأَنَّهُ حَقِيقَةُ الْغُلَامِ وَهَذَا قَوْلُ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بَالِغًا وَزَعَمَتْ طَائِفَةٌ أَنَّهُ كَانَ بَالِغًا يَعْمَلُ بِالْفَسَادِ وَاحْتَجَّتْ بِقَوْلِهِ اقتلت نفسا زكية بغير نفس فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ مِمَّنْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ وَالصَّبِيُّ لَا قِصَاصَ عَلَيْهِ وَبِقَوْلِهِ كَانَ كَافِرًا في قراءة بن عَبَّاسٍ كَمَا ذَكَرَ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ وَالْجَوَابُ عَنِ الْأَوَّلِ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْمُرَادَ التنبيه عَلَى أَنَّهُ قَتَلَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَالثَّانِي أَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّ شَرْعَهُمْ كَانَ إِيجَابَ الْقِصَاصِ عَلَى الصَّبِيِّ كَمَا أَنَّهُ فِي شَرْعِنَا يُؤَاخَذُ بِغَرَامَةِ الْمُتْلَفَاتِ وَالْجَوَابُ عَنِ الثَّانِي مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ شَاذٌّ لَا حُجَّةَ فِيهِ وَالثَّانِي أَنَّهُ سَمَّاهُ بِمَا يَؤُولُ إِلَيْهِ لَوْ عَاشَ كَمَا جَاءَ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ قَوْلُهُ قَدْ بَلَغْتَ من لدني عذرا فيه ثلاث قراآت فِي السَّبْعِ الْأَكْثَرُونَ بِضَمِّ الدَّالِوَتَشْدِيدِ النُّونِ وَالثَّانِيَةُ بِالضَّمِّ وَتَخْفِيفِ النُّونِ وَالثَّالِثَةُ بِإِسْكَانِ الدَّالِ وَإِشْمَامِهَا الضَّمَّ وَتَخْفِيفِ النُّونِ وَمَعْنَاهُ قَدْ بَلَغْتَ إِلَى الْغَايَةِ الَّتِي تُعْذَرُ بِسَبَبِهَا فِي فِرَاقِي قَوْلُهُ تَعَالَى فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا اتيا اهل قرية قال الثعلبي قال بن عباس هي انطاكية وقال بن سِيرِينَ الْأَيْلَةُ وَهِيَ أَبْعَدُ الْأَرْضِ مِنَ السَّمَاءِ قَوْلُهُ تَعَالَى فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ ينقض هَذَا مِنَ الْمَجَازِ لِأَنَّ الْجِدَارَ لَا يَكُونُ لَهُ حَقِيقَةُ إِرَادَةٍ وَمَعْنَاهُ قَرُبَ مِنَ الِانْقِضَاضِ وَهُوَ السُّقُوطُ وَاسْتَدَلَّ الْأُصُولِيُّونَ بِهَذَا عَلَى وُجُودِ الْمَجَازِ فِي الْقُرْآنِ وَلَهُ نَظَائِرُ مَعْرُوفَةٌ قَالَ وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ كَانَ طُولُ هَذَا الْجِدَارِ إِلَى السَّمَاءِ مِائَةَ ذِرَاعٍ قَوْلُهُ لَوْ شِئْتَ لتخذت عليه اجرا قُرِئَ بِالسَّبْعِ لَتَخِذْتَ بِتَخْفِيفِ التَّاءِ وَكَسْرِ الْخَاءِ وَلَاتَّخَذْتَ بِالتَّشْدِيدِ وَفَتْحِ الْخَاءِ أَيْ لَأَخَذْتَ عَلَيْهِ أُجْرَةً تَأْكُلُ بِهَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَجَاءَ عُصْفُورٌ حَتَّى وَقَعَ عَلَى حَرْفِ السَّفِينَةِ ثُمَّ نَقَرَ فِي الْبَحْرِ فَقَالَ لَهُ الْخَضِرُ مَا نَقَصَ عِلْمِي وَعِلْمُكَ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى إِلَّا مِثْلَ مَا نَقَصَ هَذَا الْعُصْفُورُ مِنَ الْبَحْرِ) قَالَ الْعُلَمَاءُ لَفْظُ النَّقْصِ هُنَا لَيْسَ عَلَى ظَاهِرِهِ وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ أَنَّ عِلْمِي وَعِلْمُكُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى كَنِسْبَةِ مَا نَقَرَهُ هَذَا الْعُصْفُورُ إِلَى مَاءِ الْبَحْرِ هَذَا عَلَى التَّقْرِيبِ إِلَى الْأَفْهَامِ وَإِلَّا فَنِسْبَةُ عِلْمِهِمَا أَقَلُّ وَأَحْقَرُ وَقَدْ جَاءَ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ مَا عِلْمِي وَعِلْمُكَ فِي جَنْبِ عِلْمِ اللَّهِ إِلَّا كَمَا أَخَذَ هَذَا الْعُصْفُورُ بِمِنْقَارِهِ أَيْ فِي جَنْبِ مَعْلُومِ اللَّهِ وَقَدْ يطلق العلمبِمَعْنَى الْمَعْلُومِ وَهُوَ مِنْ إِطْلَاقِ الْمَصْدَرِ لِإِرَادَةِ الْمَفْعُولِ كَقَوْلِهِمْ رَغْمَ ضَرْبِ السُّلْطَانِ أَيْ مَضْرُوبِهِ قَالَ الْقَاضِي وَقَالَ بَعْضُ مَنْ أَشْكَلَ عَلَيْهِ هَذَا الْحَدِيثُ إِلَّا هُنَا بِمَعْنَى وَلَا أَيْ وَلَا نَقَصَ عِلْمِي وَعِلْمُكَ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ وَلَا مِثْلَ مَا أَخْذَ هَذَا الْعُصْفُورُ لِأَنَّ عِلْمَ اللَّهِ تَعَالَى لَا يَدْخُلُهُ نَقْصٌ قَالَ الْقَاضِي وَلَا حَاجَةَ إِلَى هَذَا التَّكَلُّفِ بَلْ هُوَ صَحِيحٌ كَمَا بَيَّنَّا وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (كذب نوف) هوجار عَلَى مَذْهَبِ أَصْحَابِنَا أَنَّ الْكَذِبَ هُوَ الْإِخْبَارُ عن الشئ خِلَافِ مَا هُوَ عَمْدًا كَانَ أَوْ سَهْوًا خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ وَسَبَقَتِ الْمَسْأَلَةُ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (حتى انتهينا إِلَى الصَّخْرَةِ فَعُمِّيَ عَلَيْهِ) وَقَعَ فِي بَعْضِ الْأُصُولِ بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الْمِيمِ وَفِي بَعْضِهَا بِضَمِّ الْعَيْنِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ وَفِي بَعْضِهَا بَالِغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مِثْلُ الْكَوَّةِ) بِفَتْحِ الْكَافِ وَيُقَالُ بِضَمِّهَا وَهِيَ الطاقكَمَا قَالَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى قَوْلُهُ (مُسْتَلْقِيًا عَلَى حُلَاوَةِ الْقَفَا) هِيَ وَسَطُ الْقَفَا وَمَعْنَاهُ لَمْ يَمِلْ إِلَى أَحَدِ جَانِبَيْهِ وَهِيَ بِضَمِّ الْحَاءِ وَفَتْحِهَا وَكَسْرِهَا أَفْصَحُهَا الضَّمُّ وَمِمَّنْ حَكَى الْكَسْرَ صَاحِبُ نِهَايَةِ الْغَرِيبِ وَيُقَالُ أَيْضًا حَلَاوًا بِالْفَتْحِ وَحُلَاوَى بِالضَّمِّ وَالْقَصْرِ وَحَلْوَاءُ بِالْمَدِّ قَوْلُهُ (مَجِيءُ مَا جَاءَ بِكَ) قَالَ الْقَاضِي ضَبَطْنَاهُ مجئ مَرْفُوعٌ غَيْرُ مَنَوَّنٍ عَنْ بَعْضِهِمْ وَعَنْ بَعْضِهِمْ مَنُوَّنًا قَالَ وَهُوَ أَظْهَرُ أَيُّ أَمْرٍ عَظِيمٍ جَاءَ بِكَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (انْتَحَى عَلَيْهَا) أَيِ اعْتَمَدَ عَلَى السَّفِينَةِ وَقَصَدَخَرْقَهَا وَاسْتَدَلَّ بِهِ الْعُلَمَاءُ عَلَى النَّظَرِ فِي الْمَصَالِحِ عِنْدَ تَعَارُضِ الْأُمُورِ وَأَنَّهُ إِذَا تَعَارَضَتْ مَفْسَدَتَانِ دُفِعَ أَعْظَمُهُمَا بِارْتِكَابِ أَخَفِّهِمَا كَمَا خَرَقَ السَّفِينَةَ لِدَفْعِ غَصْبِهَا وَذَهَابِ جُمْلَتِهَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَانْطَلَقَ إِلَى أَحَدِهِمْ بَادِيَ الرَّأْيِ فَقَتَلَهُ) بَادِئُ بِالْهَمْزِ وَتَرْكِهِ فَمَنْ هَمَزَهُ مَعْنَاهُ أَوَّلُ الرَّأْيِ وَابْتِدَاؤُهُ أَيِ انْطَلَقَ إِلَيْهِ مُسَارِعًا إِلَى قَتْلِهِ مِنْ غَيْرِ فِكْرٍ وَمَنْ لَمْ يَهْمِزْ فَمَعْنَاهُ ظَهَرَ لَهُ رَأْيٌ فِي قَتْلِهِ مِنَ الْبَدْءِ وَهُوَ ظُهُورُ رَأْيٍ لَمْ يَكُنْ قَالَ الْقَاضِي وَيُمَدُّ الْبَدْءُ وَيُقْصَرُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى مُوسَى قَالَ وَكَانَ إِذَا ذَكَرَ أَحَدًا مِنَ الْأَنْبِيَاءِ بَدَأَ بِنَفْسِهِ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى أَخِي كَذَا رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْنَا) قَالَ أَصْحَابُنَا فِيهِ اسْتِحْبَابُ ابْتِدَاءِ الْإِنْسَانِ بِنَفْسِهِ فِي الدُّعَاءِ وَشِبْهِهِ مِنْ أُمُورِ الْآخِرَةِ وَأَمَّا حُظُوظُ الدُّنْيَا فَالْأَدَبُ فِيهَا الْإِيثَارُ وَتَقْدِيمُ غَيْرِهِ عَلَى نَفْسِهِ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الِابْتِدَاءِ فِي عُنْوَانِ الْكِتَابِ فَالصَّحِيحُ الَّذِي قَالَهُ كَثِيرُونَ مِنَ السَّلَفِ وَجَاءَ بِهِ الصَّحِيحُ أَنَّهُ يَبْدَأُ بِنَفْسِهِ فَيُقَدِّمُهَا عَلَى الْمَكْتُوبِ إِلَيْهِ فَيُقَالُ مِنْ فُلَانٍ إِلَى فُلَانٍ وَمِنْهُ حَدِيثُ كِتَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى هِرَقْلَ عَظِيمِ الرُّومِ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ يَبْدَأُ بِالْمَكْتُوبِ إِلَيْهِ فَيَقُولُ إِلَى فُلَانٍ مِنْ فُلَانٍ قَالُوا إِلَّا أَنْ يَكْتُبَ الْأَمِيرُ إِلَى مَنْ دُونَهُ أَوِ السَّيِّدُ إِلَى عَبْدِهِ أَوِ الْوَالِدُ إِلَى وَلَدِهِ وَنَحْوُ هَذَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَكِنْ أَخَذْتُهُ مِنْ صَاحِبِهِ ذَمَامَةً) هِيَ بِفَتْحِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِأَيِ اسْتِحْيَاءً لِتَكْرَارِ مُخَالَفَتِهِ وَقِيلَ مَلَامَةً وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَشْهُورُ قَوْلُهُ (وَأَمَّا الْغُلَامُ فَطُبِعَ يَوْمَ طُبِعَ كَافِرًا) قَالَ الْقَاضِي فِي هَذَا حُجَّةٌ بَيِّنَةٌ لِأَهْلِ السُّنَّةِ لِصِحَّةِ أَصْلِ مَذْهَبِهِمْ فِي الطَّبْعِ وَالرَّيْنِ وَالْأَكِنَّةِ وَالْأَغْشِيَةِ وَالْحُجُبِ وَالسَّدِّ وَأَشْبَاهِ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ الْوَارِدَةِ فِي الشَّرْعِ فِي أَفْعَالِ اللَّهِ تَعَالَى بِقُلُوبِ أَهْلِ الْكُفْرِ وَالضَّلَالِ وَمَعْنَى ذَلِكَ عِنْدَهُمْ خَلَقَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهَا ضِدَّ الْإِيمَانِ وَضِدَّ الْهُدَى وَهَذَا عَلَى أَصْلِ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّ الْعَبْدَ لَا قُدْرَةَ لَهُ إِلَّا مَا أَرَادَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَيَسَّرَهُ لَهُ وَخَلَقَهُ لَهُ خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ وَالْقَدَرِيَّةِ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ لِلْعَبْدِ فِعْلًا مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ وَقُدْرَةً عَلَى الْهُدَى وَالضَّلَالِ وَالْخَيْرِ وَالشَّرِّ وَالْإِيمَانِ وَالْكُفْرِ وَأَنَّ مَعْنَى هَذِهِ الْأَلْفَاظِ نِسْبَةُ اللَّهِ تَعَالَى لِأَصْحَابِهَا وَحُكْمُهُ عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعْنَاهَا خَلَقَهُ عَلَامَةً لِذَلِكَ فِي قُلُوبِهِمْ وَالْحَقُّ الَّذِي لَا شَكَّ فِيهِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَفْعَلُ مَا يشاء من الخير والشر لا يسئل عما يفعل وهم يسئلون وَكَمَا قَالَ تَعَالَى فِي الذَّرِّ هَؤُلَاءِ لِلْجَنَّةِ وَلَا أُبَالِي وَهَؤُلَاءِ لِلنَّارِ وَلَا أُبَالِي فَالَّذِينَ قَضَى لَهُمْ بِالنَّارِ طَبَعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَخَتَمَ عَلَيْهَا وَغَشَّاهَا وَأَكَنَّهَا وَجَعَلَ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهَا سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهَا سَدًّا وَحِجَابًا مَسْتُورًا وَجَعَلَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضًا لِتَتِمَّ سابقته فيهم وتمضي كلمته لاراد لِحُكْمِهِ وَلَا مُعَقِّبَ لِأَمْرِهِ وَقَضَائِهِ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ وَقَدْ يَحْتَجُّ بِهَذَا الْحَدِيثِ مَنْ يَقُولُ أَطْفَالُ الْكُفَّارِ فِي النَّارِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَأَنَّ فِيهِمْ ثَلَاثَةَ مَذَاهِبَ الصَّحِيحُ أَنَّهُمْ فِي الْجَنَّةِ وَالثَّانِي فِي النَّارِ وَالثَّالِثُ يَتَوَقَّفُ عن الكلام فيهم فلا يحكم لهم بشئ وَتَقَدَّمَتْ دَلَائِلُ الْجَمِيعِ وَلِلْقَائِلَيْنِ بِالْجَنَّةِ أَنْ يَقُولُوا فِي جَوَابِ هَذَا الْحَدِيثِ مَعْنَاهُ عَلِمَ اللَّهُ لَوْ بَلَغَ لَكَانَ كَافِرًا قَوْلُهُ (وَكَانَ أَبَوَاهُ قَدْ عَطَفَا عَلَيْهِ فَلَوْ أَدْرَكَ أَرْهَقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا) أَيْ حَمَلَهُمَا عَلَيْهِمَا وَأَلْحَقَهُمَا بِهِمَا وَالْمُرَادُ بِالطُّغْيَانِ هُنَا الزِّيَادَةُ فِي الضَّلَالِ وَهَذَا الْحَدِيثُ مِنْ دَلَائِلِ مَذْهَبِأَهْلِ الْحَقِّ فِي أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَعْلَمُ بِمَا كَانَ وَبِمَا يَكُونُ وَبِمَا لَا يَكُونُ لَوْ كَانَ كَيْفَ كَانَ يَكُونُ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَقَوْلُهُ تَعَالَى وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قرطاس فلمسوه بايديهم لقال الذين كفروا الْآيَةَ وَقَوْلُهُ تَعَالَى وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رجلا وللبسنا عليهم وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ قَوْلُهُ تَعَالَى خَيْرًا منه زكاة واقرب رحما قِيلَ الْمُرَادُ بِالزَّكَاةِ الْإِسْلَامُ وَقِيلَ الصَّلَاحُ وَأَمَّا الرُّحْمُ فَقِيلَ مَعْنَاهُ الرَّحْمَةُ لِوَالِدَيْهِ وَبِرُّهُمَا وَقِيلَ الْمُرَادُ يَرْحَمَانِهِ قِيلَ أَبْدَلَهُمَا اللَّهُ بِنْتًا صَالِحَةً وَقِيلَ ابْنًا حَكَاهُ الْقَاضِي قَوْلُهُ (تَمَارَى هُوَ وَالْحُرُّ بْنُ قَيْسٍ) أَيْ تَنَازَعَا وَتَجَادَلَا وَالْحُرُّ بِالْحَاءِ وَالرَّاءِ وَفِي هَذِهِ الْقِصَّةِ أَنْوَاعٌ مِنَ الْقَوَاعِدِ وَالْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ وَالْآدَابِ وَالنَّفَائِسِ الْمُهِمَّةِ سَبَقَ التَّنْبِيهُ عَلَى مُعْظَمِهَا سِوَى مَا هُوَ ظَاهِرٌ مِنْهَا وَمِمَّا لَمْ يَسْبِقْ أَنَّهُ لَا بَأْسَ عَلَى الْعَالِمِ وَالْفَاضِلِ أَنْ يَخْدُمَهُ الْمَفْضُولُ وَيَقْضِيَ لَهُ حَاجَةً وَلَا يَكُونُ هَذَا مِنْ أَخْذِ الْعِوَضِ عَلَى تَعْلِيمِ الْعِلْمِ وَالْآدَابِ بَلْ مِنْ مَرُوءَاتِ الْأَصْحَابِ وَحُسْنِ الْعِشْرَةِ وَدَلِيلُهُ مِنْ هَذِهِ الْقِصَّةِ حَمْلُ فَتَاهُ غَدَاءَهُمَا وَحَمْلُ أَصْحَابِ السَّفِينَةِ موسى والخضربِغَيْرِ أُجْرَةٍ لِمَعْرِفَتِهِمُ الْخَضِرَ بِالصَّلَاحِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَمِنْهَا الْحَثُّ عَلَى التَّوَاضُعِ فِي عِلْمِهِ وَغَيْرِهِ وَأَنَّهُ لَا يَدَّعِي أَنَّهُ أَعْلَمُ النَّاسِ وَأَنَّهُ إِذَا سُئِلَ عَنْ أَعْلَمِ النَّاسِ يَقُولُ اللَّهُ أَعْلَمُ وَمِنْهَا بَيَانُ أَصْلٍ عَظِيمٍ مِنْ أُصُولِ الْإِسْلَامِ وَهُوَ وُجُوبُ التَّسْلِيمِ لِكُلِّ مَا جَاءَ بِهِ الشَّرْعُ وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُ لَا تَظْهَرُ حِكْمَتُهُ لِلْعُقُولِ وَلَا يَفْهَمُهُ أَكْثَرُ النَّاسِ وَقَدْ لَا يَفْهَمُونَهُ كُلُّهُمْ كَالْقَدَرِ مَوْضِعُ الدَّلَالَةِ قَتْلُ الْغُلَامِ وَخَرْقُ السَّفِينَةِ فَإِنَّ صُورَتَهُمَا صُورَةُ الْمُنْكَرِ وَكَانَ صَحِيحًا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ لَهُ حِكَمٌ بَيِّنَةٌ لَكِنَّهَا لَا تَظْهَرُ لِلْخَلْقِ فَإِذَا أَعْلَمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا عَلِمُوهَا وَلِهَذَا قَالَ وَمَا فعلته عن امري يَعْنِي بَلْ بِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى( كتاب فضائل الصحابة رضي الله عنهم) قَالَ الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْمَازِرِيُّ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي تَفْضِيلِ بَعْضِ الصَّحَابَةِ عَلَى بَعْضٍ فقالت طائفة لا نفاضل بَلْ نُمْسِكُ عَنْ ذَلِكَ وَقَالَ الْجُمْهُورُ بِالتَّفْضِيلِ ثُمَّ اخْتَلَفُوا فَقَالَ أَهْلُ السُّنَّةِ أَفْضَلُهُمْ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ وَقَالَ الْخَطَّابِيَّةُ أَفْضَلُهُمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَقَالَتِ الرَّاوَنْدِيَّةُ أَفْضَلُهُمُ الْعَبَّاسُ وَقَالَتِ الشِّيعَةُ عَلِيٌّ وَاتَّفَقَ أَهْلُ السُّنَّةِ عَلَى أَنَّ أَفْضَلَهُمْ أَبُو بَكْرٍ ثُمَّ عُمَرُ قَالَ جُمْهُورُهُمْ ثُمَّ عُثْمَانُ ثُمَّ عَلِيٌّ وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ السُّنَّةِ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ بِتَقْدِيمِ عَلِيٍّ عَلَى عُثْمَانَ وَالصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ تَقْدِيمُ عُثْمَانَ قَالَ أَبُو مَنْصُورٍ الْبَغْدَادِيُّ أَصْحَابُنَا مُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّ أَفْضَلَهُمُ الْخُلَفَاءُ الْأَرْبَعَةُ عَلَى التَّرْتِيبِ الْمَذْكُورِ ثُمَّ تَمَامُ الْعَشَرَةِ ثُمَّ أَهْلُ بَدْرٍ ثُمَّ أُحُدٍ ثُمَّ بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ وَمِمَّنْ لَهُ مَزِيَّةُ أَهْلُ الْعَقَبَتَيْنِ مِنَ الْأَنْصَارِ وَكَذَلِكَ السَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ وَهُمْ مَنْ صَلَّى إلى القبلتين في قول بن الْمُسَيِّبِ وَطَائِفَةٍ وَفِي قَوْلِ الشَّعْبِيِّ أَهْلُ بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ وَفِي قَوْلِ عَطَاءٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ أَهْلُ بَدْرٍ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ منهم بن عَبْدِ الْبَرِّ إِلَى أَنَّ مَنْ تُوُفِّيَ مِنَ الصَّحَابَةِ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْضَلُ مِمَّنْ بَقِيَ بَعْدَهُ وَهَذَا الْإِطْلَاقُ غير مرضي وَلَا مَقْبُولٍ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي أَنَّ التَّفْضِيلَ الْمَذْكُورَ قَطْعِيٌّ أَمْ لَا وَهَلْ هُوَ فِي الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ أَمْ فِي الظَّاهِرِ خَاصَّةً وَمِمَّنْ قَالَ بِالْقَطْعِ أَبُو الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيُّ قَالَ وَهُمْ فِي الْفَضْلِ عَلَى تَرْتِيبِهِمْ فِي الْإِمَامَةِ وَمِمَّنْ قَالَ بِأَنَّهُ اجْتِهَادِيٌّ ظَنِّيٌّ أَبُو بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيُّ وذكر بن الْبَاقِلَّانِيِّ اخْتِلَافَ الْعُلَمَاءِ فِي أَنَّ التَّفْضِيلَ هَلْ هو في الظاهر ام فِي الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ جَمِيعًا وَكَذَلِكَ اخْتَلَفُوا فِي عَائِشَةَ وَخَدِيجَةَ أَيَّتُهُمَا أَفْضَلُ وَفِي عَائِشَةَ وَفَاطِمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ وَأَمَّا عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَخِلَافَتُهُ صَحِيحَةٌ بِالْإِجْمَاعِ وَقُتِلَ مَظْلُومًا وَقَتَلَتْهُ فَسَقَةٌ لِأَنَّ مُوجِبَاتِ الْقَتْلِ مَضْبُوطَةٌ وَلَمْ يَجْرِ مِنْهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَا يَقْتَضِيهِ وَلَمْ يُشَارِكْ فِي قَتْلِهِ أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَإِنَّمَا قَتَلَهُ هَمَجٌ وَرُعَاعٌ مِنْ غَوْغَاءِ الْقَبَائِلِ وسفلةوهو بن امرأة كعب الاحبار وقيل بن اخيه والمشهور الاول قاله بن أَبِي حَاتِمٍ وَغَيْرُهُ قَالُوا وَكُنْيَتُهُ أَبُو يَزِيدَ وَقِيلَ أَبُوْ رُشْدٍ وَكَانَ عَالِمًا حَكِيمًا قَاضِيًا وَإِمَامًا لِأَهْلِ دِمَشْقَ قَوْلُهُ (كَذَبَ عَدُوُّ اللَّهِ) قَالَ الْعُلَمَاءُ هُوَ عَلَى وَجْهِ الْإِغْلَاظِ وَالزَّجْرِ عَنْ مِثْلِ قَوْلِهِ لَا أَنَّهُ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ عَدُوُّ اللَّهِ حَقِيقَةً إِنَّمَا قَالَهُ مُبَالَغَةً فِي إِنْكَارِ قَوْلِهِ لِمُخَالَفَتِهِ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ ذَلِكَ فِي حَالِ غضب بن عَبَّاسٍ لِشِدَّةِ إِنْكَارِهِ وَحَالَ الْغَضَبِ تُطْلَقُ الْأَلْفَاظُ وَلَا تُرَادُ بِهَا حَقَائِقُهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (أَنَا أَعْلَمُ) أَيْ فِي اعْتِقَادِهِ وَإِلَّا فَكَانَ الْخَضِرُ أَعْلَمُ مِنْهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْحَدِيثِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَعَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِ إِذْ لَمْ يَرُدَّ الْعِلْمَ إِلَيْهِ) أَيْ كَانَ حَقُّهُ أَنْ يَقُولَ اللَّهُ أَعْلَمُ فان مخلوقات الله تعالى لا يعلمها الاهو قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ الا هو وَاسْتَدَلَّ الْعُلَمَاءُ بِسُؤَالِ مُوسَى السَّبِيلَ إِلَى لِقَاءِ الخضر صلى الله عليهما وسلم على استحباب الِاسْتِكْثَارِ مِنْهُ وَأَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْعَالِمِ وَإِنْ كَانَ مِنَ الْعِلْمِ بِمَحَلٍّ عَظِيمٍ أَنْ يَأْخُذَهُ مِمَّنْ هُوَ أَعْلَمُ مِنْهُ وَيَسْعَى إِلَيْهِ فِي تَحْصِيلِهِ وَفِيهِ فَضِيلَةُ طَلَبِ الْعِلْمِ وَفِي تَزَوُّدِهِ الْحُوتَ وَغَيْرَهُ جَوَازُ التَّزَوُّدِ فِي السَّفَرِ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ الْأَدَبُ مَعَ الْعَالِمِ وَحُرْمَةُ الْمَشَايِخِ وَتَرْكُ الِاعْتِرَاضِ عَلَيْهِمْ وَتَأْوِيلُ مَا لَا يُفْهَمُ ظَاهِرُهُ مِنْ أَفْعَالِهِمْ وَحَرَكَاتِهِمْ وَأَقْوَالِهِمْ وَالْوَفَاءُ بِعُهُودِهِمْ وَالِاعْتِذَارُ عِنْدَ مُخَالَفَةِ عَهْدِهِمْ وَفِيهِ إِثْبَاتُ كَرَامَاتِ الْأَوْلِيَاءِ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ الْخَضِرُ وَلِيٌّ وَفِيهِ جَوَازُ سُؤَالِ الطَّعَامِ عِنْدَ الْحَاجَةِ وَجَوَازُ إِجَارَةِ السَّفِينَةِ وَجَوَازُ رُكُوبِ السَّفِينَةِ وَالدَّابَّةِ وَسُكْنَى الدَّارِ وَلُبْسِ الثَّوْبِ وَنَحْوِ ذَلِكَ بِغَيْرِ أُجْرَةٍ بِرِضَى صَاحِبِهِ لقَوْلِهِ حَمَلُونَا بِغَيْرِ نَوْلٍ وَفِيهِ الْحُكْمُ بِالظَّاهِرِ حَتَّى يَتَبَيَّنَ خِلَافُهُ لِإِنْكَارِ مُوسَى قَالَ الْقَاضِي وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي قَوْلِ مُوسَى لَقَدْ جئت شيئا إمرا وَشَيْئًا نُكْرًا أَيُّهُمَا أَشَدُّ فَقِيلَ إِمْرًا لِأَنَّهُ الْعَظِيمُ وَلِأَنَّهُ فِي مُقَابَلَةِ خَرْقِ السَّفِينَةِ الَّذِي يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ فِي الْعَادَةِ هَلَاكُ الَّذِي فِيهَا وَأَمْوَالِهِمْ وَهُوَ أَعْظَمُ مِنْ قَتْلِ الْغُلَامِ فَإِنَّهَا نفس واحد وقيل نكرا اشد لانه قَالَهُ عِنْدَ مُبَاشَرَةِ الْقَتْلِ حَقِيقَةً وَأَمَّا الْقَتْلُ فِي خَرْقِ السَّفِينَةِ فَمَظْنُونٌ وَقَدْ يَسْلَمُونَ فِي العادةوقد سَلِمُوا فِي هَذِهِ الْقَضِيَّةِ وَلَيْسَفِيهِ مَا هُوَ مُحَقَّقٌ إِلَّا مُجَرَّدَ الْخَرْقِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ تَعَالَى (إِنَّ عَبْدًا مِنْ عِبَادِي بِمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ هُوَ أَعْلَمُ مِنْكَ) قَالَ قَتَادَةُ هُوَ مَجْمَعُ بَحْرَيْ فَارِسٍ وَالرُّومِ مِمَّا يَلِي الْمَشْرِقَ وَحَكَى الثَّعْلَبِيُّ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أَنَّهُ بَأَفْرِيقِيَّةَ قَوْلُهُ (احْمِلْ حُوتًا فِي مِكْتَلٍ فَحَيْثُ تَفْقِدُ الْحُوتَ فَهُوَ ثَمَّ) الْحُوتُ السَّمَكَةُ وَكَانَتْ سَمَكَةً مَالِحَةً كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ وَالْمِكْتَلُ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِ المثناة فوق وهو القفة والزنبيل وَسَبَقَ بَيَانُهُ مَرَّاتٍ وَتَفْقِدُهُ بِكَسْرِ الْقَافِ أَيْ يَذْهَبُ مِنْكَ يُقَالُ فَقَدَهُ وَافْتَقَدَهُ وَثَمَّ بِفَتْحِ الثَّاءِ أَيْ هُنَاكَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَانْطَلَقَ مَعَهُ فَتَاهُ) وَهُوَ يُوشَعُ بْنُ نُونٍ مَعْنَى فَتَاهُ صَاحِبُهُ وَنُونٌ مَصْرُوفٌ كَنُوحٍ وَهَذَا الْحَدِيثُ يَرُدُّ قَوْلَ مَنْ قَالَ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ إِنَّ فَتَاهُ عَبْدٌ لَهُ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْأَقْوَالِ الْبَاطِلَةِ قَالُوا وَهُوَ يُوشَعُ بْنُ نُونِ بْنِ إِفْرَاثِيمَ بْنِ يُوسُفَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَأَمْسَكَ اللَّهُ عَنْهُ جِرْيَةَ الْمَاءِ حَتَّى كَانَ مِثْلَ الطَّاقِ) أَمَّا الْجِرْيَةُ فَبِكَسْرِ الْجِيمِ وَالطَّاقُ عَقْدُ الْبِنَاءِ وَجَمْعُهُ طِيقَانٌ وَأَطْوَاقٌ وَهُوَ الْأَزَجُ وَمَا عُقِدَ أَعْلَاهُ مِنَ الْبِنَاءِ وَبَقِيَ مَا تَحْتَهُ خَالِيًا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَانْطَلَقَا بَقِيَّةَ يَوْمِهِمَا وَلَيْلَتِهِمَا) ضَبَطُوهُ بِنَصْبِ لَيْلَتِهِمَا وَجَرِّهَا وَالنَّصَبُ التَّعَبُ قَالُوا لَحِقَهُ النَّصَبُ وَالْجُوعُ لِيَطْلُبَ الْغِذَاءَ فَيَتَذَكَّرَ بِهِ نِسْيَانَ الْحُوتِ وَلِهَذَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَنْصَبْ حَتَّى جَاوَزَ الْمَكَانَ الَّذِيأُمِرَ بِهِ قَوْلُهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عجبا قِيلَ إِنَّ لَفْظَةَ عَجَبًا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مِنْ تَمَامِ كَلَامِ يُوشَعَ وَقِيلَ مِنْ كَلَامِ مُوسَى أَيْ قَالَ مُوسَى عَجِبْتُ مِنْ هَذَا عَجَبًا وَقِيلَ مِنْ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى وَمَعْنَاهُ اتَّخَذَ مُوسَى سَبِيلَ الْحُوتِ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا قَوْلُهُ مَا كُنَّا نَبْغِي أَيْ نَطْلُبُ مَعْنَاهُ أَنَّ الَّذِي جِئْنَا نَطْلُبُهُ هُوَ الْمَوْضِعُ الَّذِي نَفْقِدُ فِيهِ الْحُوتَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَرَأَى رَجُلًا مُسَجًّى عَلَيْهِ بِثَوْبٍ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ الْخَضِرُ أَنَّى بِأَرْضِكَ السَّلَامُ) الْمُسَجَّى الْمُغَطَّى وَأَنَّى أَيْ مِنْ أَيْنَ السَّلَامُفِي هَذِهِ الْأَرْضِ الَّتِي لَا يُعْرَفُ فِيهَا السَّلَامُ قَالَ الْعُلَمَاءُ أَنَّى تَأْتِي بِمَعْنَى أَيْنَ وَمَتَى وَحَيْثُ وَكَيْفَ وَحَمَلُوهُمَا بِغَيْرِ نَوْلٍ بِفَتْحِ النُّونِ وَإِسْكَانِ الْوَاوِ أَيْ بِغَيْرِ أَجْرٍ وَالنَّوْلُ وَالنَّوَالُ الْعَطَاءُ قَوْلُهُ لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا قُرِئَ فِي السَّبْعِ بِضَمِّ التَّاءِ الْمُثَنَّاةِ فَوْقُ وَنَصْبِ أَهْلِهَا وبفتح المثناة تحت ورفع اهلها وجئت شيئا إمرا أَيْ عَظِيمًا كَثِيرَ الشِّدَّةِ وَلَا تُرْهِقْنِي أَيْ تغشني وتحملني قوله أقتلت نفسا زاكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا قرئ في السبع زاكية وزكية قَالُوا وَمَعْنَاهُ طَاهِرَةٌ مِنَ الذُّنُوبِ وَقَوْلُهُ بِغَيْرِ نَفْسٍ أَيْ بِغَيْرِ قِصَاصٍ لَكَ عَلَيْهَا وَالنُّكْرُ الْمُنْكَرُ وَقُرِئَ فِي السَّبْعِ بِإِسْكَانِ الْكَافِ وَضَمِّهَا وَالْأَكْثَرُونَ بِالْإِسْكَانِ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَقَوْلُهُ إِذَا غُلَامٌ يَلْعَبُ فَقَتَلَهُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ صَبِيًّا لَيْسَ بِبَالِغٍ لِأَنَّهُ حَقِيقَةُ الْغُلَامِ وَهَذَا قَوْلُ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بَالِغًا وَزَعَمَتْ طَائِفَةٌ أَنَّهُ كَانَ بَالِغًا يَعْمَلُ بِالْفَسَادِ وَاحْتَجَّتْ بِقَوْلِهِ اقتلت نفسا زكية بغير نفس فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ مِمَّنْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ وَالصَّبِيُّ لَا قِصَاصَ عَلَيْهِ وَبِقَوْلِهِ كَانَ كَافِرًا في قراءة بن عَبَّاسٍ كَمَا ذَكَرَ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ وَالْجَوَابُ عَنِ الْأَوَّلِ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْمُرَادَ التنبيه عَلَى أَنَّهُ قَتَلَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَالثَّانِي أَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّ شَرْعَهُمْ كَانَ إِيجَابَ الْقِصَاصِ عَلَى الصَّبِيِّ كَمَا أَنَّهُ فِي شَرْعِنَا يُؤَاخَذُ بِغَرَامَةِ الْمُتْلَفَاتِ وَالْجَوَابُ عَنِ الثَّانِي مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ شَاذٌّ لَا حُجَّةَ فِيهِ وَالثَّانِي أَنَّهُ سَمَّاهُ بِمَا يَؤُولُ إِلَيْهِ لَوْ عَاشَ كَمَا جَاءَ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ قَوْلُهُ قَدْ بَلَغْتَ من لدني عذرا فيه ثلاث قراآت فِي السَّبْعِ الْأَكْثَرُونَ بِضَمِّ الدَّالِوَتَشْدِيدِ النُّونِ وَالثَّانِيَةُ بِالضَّمِّ وَتَخْفِيفِ النُّونِ وَالثَّالِثَةُ بِإِسْكَانِ الدَّالِ وَإِشْمَامِهَا الضَّمَّ وَتَخْفِيفِ النُّونِ وَمَعْنَاهُ قَدْ بَلَغْتَ إِلَى الْغَايَةِ الَّتِي تُعْذَرُ بِسَبَبِهَا فِي فِرَاقِي قَوْلُهُ تَعَالَى فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا اتيا اهل قرية قال الثعلبي قال بن عباس هي انطاكية وقال بن سِيرِينَ الْأَيْلَةُ وَهِيَ أَبْعَدُ الْأَرْضِ مِنَ السَّمَاءِ قَوْلُهُ تَعَالَى فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ ينقض هَذَا مِنَ الْمَجَازِ لِأَنَّ الْجِدَارَ لَا يَكُونُ لَهُ حَقِيقَةُ إِرَادَةٍ وَمَعْنَاهُ قَرُبَ مِنَ الِانْقِضَاضِ وَهُوَ السُّقُوطُ وَاسْتَدَلَّ الْأُصُولِيُّونَ بِهَذَا عَلَى وُجُودِ الْمَجَازِ فِي الْقُرْآنِ وَلَهُ نَظَائِرُ مَعْرُوفَةٌ قَالَ وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ كَانَ طُولُ هَذَا الْجِدَارِ إِلَى السَّمَاءِ مِائَةَ ذِرَاعٍ قَوْلُهُ لَوْ شِئْتَ لتخذت عليه اجرا قُرِئَ بِالسَّبْعِ لَتَخِذْتَ بِتَخْفِيفِ التَّاءِ وَكَسْرِ الْخَاءِ وَلَاتَّخَذْتَ بِالتَّشْدِيدِ وَفَتْحِ الْخَاءِ أَيْ لَأَخَذْتَ عَلَيْهِ أُجْرَةً تَأْكُلُ بِهَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَجَاءَ عُصْفُورٌ حَتَّى وَقَعَ عَلَى حَرْفِ السَّفِينَةِ ثُمَّ نَقَرَ فِي الْبَحْرِ فَقَالَ لَهُ الْخَضِرُ مَا نَقَصَ عِلْمِي وَعِلْمُكَ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى إِلَّا مِثْلَ مَا نَقَصَ هَذَا الْعُصْفُورُ مِنَ الْبَحْرِ) قَالَ الْعُلَمَاءُ لَفْظُ النَّقْصِ هُنَا لَيْسَ عَلَى ظَاهِرِهِ وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ أَنَّ عِلْمِي وَعِلْمُكُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى كَنِسْبَةِ مَا نَقَرَهُ هَذَا الْعُصْفُورُ إِلَى مَاءِ الْبَحْرِ هَذَا عَلَى التَّقْرِيبِ إِلَى الْأَفْهَامِ وَإِلَّا فَنِسْبَةُ عِلْمِهِمَا أَقَلُّ وَأَحْقَرُ وَقَدْ جَاءَ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ مَا عِلْمِي وَعِلْمُكَ فِي جَنْبِ عِلْمِ اللَّهِ إِلَّا كَمَا أَخَذَ هَذَا الْعُصْفُورُ بِمِنْقَارِهِ أَيْ فِي جَنْبِ مَعْلُومِ اللَّهِ وَقَدْ يطلق العلمبِمَعْنَى الْمَعْلُومِ وَهُوَ مِنْ إِطْلَاقِ الْمَصْدَرِ لِإِرَادَةِ الْمَفْعُولِ كَقَوْلِهِمْ رَغْمَ ضَرْبِ السُّلْطَانِ أَيْ مَضْرُوبِهِ قَالَ الْقَاضِي وَقَالَ بَعْضُ مَنْ أَشْكَلَ عَلَيْهِ هَذَا الْحَدِيثُ إِلَّا هُنَا بِمَعْنَى وَلَا أَيْ وَلَا نَقَصَ عِلْمِي وَعِلْمُكَ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ وَلَا مِثْلَ مَا أَخْذَ هَذَا الْعُصْفُورُ لِأَنَّ عِلْمَ اللَّهِ تَعَالَى لَا يَدْخُلُهُ نَقْصٌ قَالَ الْقَاضِي وَلَا حَاجَةَ إِلَى هَذَا التَّكَلُّفِ بَلْ هُوَ صَحِيحٌ كَمَا بَيَّنَّا وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (كذب نوف) هوجار عَلَى مَذْهَبِ أَصْحَابِنَا أَنَّ الْكَذِبَ هُوَ الْإِخْبَارُ عن الشئ خِلَافِ مَا هُوَ عَمْدًا كَانَ أَوْ سَهْوًا خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ وَسَبَقَتِ الْمَسْأَلَةُ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (حتى انتهينا إِلَى الصَّخْرَةِ فَعُمِّيَ عَلَيْهِ) وَقَعَ فِي بَعْضِ الْأُصُولِ بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الْمِيمِ وَفِي بَعْضِهَا بِضَمِّ الْعَيْنِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ وَفِي بَعْضِهَا بَالِغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مِثْلُ الْكَوَّةِ) بِفَتْحِ الْكَافِ وَيُقَالُ بِضَمِّهَا وَهِيَ الطاقكَمَا قَالَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى قَوْلُهُ (مُسْتَلْقِيًا عَلَى حُلَاوَةِ الْقَفَا) هِيَ وَسَطُ الْقَفَا وَمَعْنَاهُ لَمْ يَمِلْ إِلَى أَحَدِ جَانِبَيْهِ وَهِيَ بِضَمِّ الْحَاءِ وَفَتْحِهَا وَكَسْرِهَا أَفْصَحُهَا الضَّمُّ وَمِمَّنْ حَكَى الْكَسْرَ صَاحِبُ نِهَايَةِ الْغَرِيبِ وَيُقَالُ أَيْضًا حَلَاوًا بِالْفَتْحِ وَحُلَاوَى بِالضَّمِّ وَالْقَصْرِ وَحَلْوَاءُ بِالْمَدِّ قَوْلُهُ (مَجِيءُ مَا جَاءَ بِكَ) قَالَ الْقَاضِي ضَبَطْنَاهُ مجئ مَرْفُوعٌ غَيْرُ مَنَوَّنٍ عَنْ بَعْضِهِمْ وَعَنْ بَعْضِهِمْ مَنُوَّنًا قَالَ وَهُوَ أَظْهَرُ أَيُّ أَمْرٍ عَظِيمٍ جَاءَ بِكَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (انْتَحَى عَلَيْهَا) أَيِ اعْتَمَدَ عَلَى السَّفِينَةِ وَقَصَدَخَرْقَهَا وَاسْتَدَلَّ بِهِ الْعُلَمَاءُ عَلَى النَّظَرِ فِي الْمَصَالِحِ عِنْدَ تَعَارُضِ الْأُمُورِ وَأَنَّهُ إِذَا تَعَارَضَتْ مَفْسَدَتَانِ دُفِعَ أَعْظَمُهُمَا بِارْتِكَابِ أَخَفِّهِمَا كَمَا خَرَقَ السَّفِينَةَ لِدَفْعِ غَصْبِهَا وَذَهَابِ جُمْلَتِهَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَانْطَلَقَ إِلَى أَحَدِهِمْ بَادِيَ الرَّأْيِ فَقَتَلَهُ) بَادِئُ بِالْهَمْزِ وَتَرْكِهِ فَمَنْ هَمَزَهُ مَعْنَاهُ أَوَّلُ الرَّأْيِ وَابْتِدَاؤُهُ أَيِ انْطَلَقَ إِلَيْهِ مُسَارِعًا إِلَى قَتْلِهِ مِنْ غَيْرِ فِكْرٍ وَمَنْ لَمْ يَهْمِزْ فَمَعْنَاهُ ظَهَرَ لَهُ رَأْيٌ فِي قَتْلِهِ مِنَ الْبَدْءِ وَهُوَ ظُهُورُ رَأْيٍ لَمْ يَكُنْ قَالَ الْقَاضِي وَيُمَدُّ الْبَدْءُ وَيُقْصَرُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى مُوسَى قَالَ وَكَانَ إِذَا ذَكَرَ أَحَدًا مِنَ الْأَنْبِيَاءِ بَدَأَ بِنَفْسِهِ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى أَخِي كَذَا رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْنَا) قَالَ أَصْحَابُنَا فِيهِ اسْتِحْبَابُ ابْتِدَاءِ الْإِنْسَانِ بِنَفْسِهِ فِي الدُّعَاءِ وَشِبْهِهِ مِنْ أُمُورِ الْآخِرَةِ وَأَمَّا حُظُوظُ الدُّنْيَا فَالْأَدَبُ فِيهَا الْإِيثَارُ وَتَقْدِيمُ غَيْرِهِ عَلَى نَفْسِهِ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الِابْتِدَاءِ فِي عُنْوَانِ الْكِتَابِ فَالصَّحِيحُ الَّذِي قَالَهُ كَثِيرُونَ مِنَ السَّلَفِ وَجَاءَ بِهِ الصَّحِيحُ أَنَّهُ يَبْدَأُ بِنَفْسِهِ فَيُقَدِّمُهَا عَلَى الْمَكْتُوبِ إِلَيْهِ فَيُقَالُ مِنْ فُلَانٍ إِلَى فُلَانٍ وَمِنْهُ حَدِيثُ كِتَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى هِرَقْلَ عَظِيمِ الرُّومِ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ يَبْدَأُ بِالْمَكْتُوبِ إِلَيْهِ فَيَقُولُ إِلَى فُلَانٍ مِنْ فُلَانٍ قَالُوا إِلَّا أَنْ يَكْتُبَ الْأَمِيرُ إِلَى مَنْ دُونَهُ أَوِ السَّيِّدُ إِلَى عَبْدِهِ أَوِ الْوَالِدُ إِلَى وَلَدِهِ وَنَحْوُ هَذَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَكِنْ أَخَذْتُهُ مِنْ صَاحِبِهِ ذَمَامَةً) هِيَ بِفَتْحِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِأَيِ اسْتِحْيَاءً لِتَكْرَارِ مُخَالَفَتِهِ وَقِيلَ مَلَامَةً وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَشْهُورُ قَوْلُهُ (وَأَمَّا الْغُلَامُ فَطُبِعَ يَوْمَ طُبِعَ كَافِرًا) قَالَ الْقَاضِي فِي هَذَا حُجَّةٌ بَيِّنَةٌ لِأَهْلِ السُّنَّةِ لِصِحَّةِ أَصْلِ مَذْهَبِهِمْ فِي الطَّبْعِ وَالرَّيْنِ وَالْأَكِنَّةِ وَالْأَغْشِيَةِ وَالْحُجُبِ وَالسَّدِّ وَأَشْبَاهِ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ الْوَارِدَةِ فِي الشَّرْعِ فِي أَفْعَالِ اللَّهِ تَعَالَى بِقُلُوبِ أَهْلِ الْكُفْرِ وَالضَّلَالِ وَمَعْنَى ذَلِكَ عِنْدَهُمْ خَلَقَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهَا ضِدَّ الْإِيمَانِ وَضِدَّ الْهُدَى وَهَذَا عَلَى أَصْلِ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّ الْعَبْدَ لَا قُدْرَةَ لَهُ إِلَّا مَا أَرَادَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَيَسَّرَهُ لَهُ وَخَلَقَهُ لَهُ خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ وَالْقَدَرِيَّةِ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ لِلْعَبْدِ فِعْلًا مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ وَقُدْرَةً عَلَى الْهُدَى وَالضَّلَالِ وَالْخَيْرِ وَالشَّرِّ وَالْإِيمَانِ وَالْكُفْرِ وَأَنَّ مَعْنَى هَذِهِ الْأَلْفَاظِ نِسْبَةُ اللَّهِ تَعَالَى لِأَصْحَابِهَا وَحُكْمُهُ عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعْنَاهَا خَلَقَهُ عَلَامَةً لِذَلِكَ فِي قُلُوبِهِمْ وَالْحَقُّ الَّذِي لَا شَكَّ فِيهِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَفْعَلُ مَا يشاء من الخير والشر لا يسئل عما يفعل وهم يسئلون وَكَمَا قَالَ تَعَالَى فِي الذَّرِّ هَؤُلَاءِ لِلْجَنَّةِ وَلَا أُبَالِي وَهَؤُلَاءِ لِلنَّارِ وَلَا أُبَالِي فَالَّذِينَ قَضَى لَهُمْ بِالنَّارِ طَبَعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَخَتَمَ عَلَيْهَا وَغَشَّاهَا وَأَكَنَّهَا وَجَعَلَ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهَا سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهَا سَدًّا وَحِجَابًا مَسْتُورًا وَجَعَلَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضًا لِتَتِمَّ سابقته فيهم وتمضي كلمته لاراد لِحُكْمِهِ وَلَا مُعَقِّبَ لِأَمْرِهِ وَقَضَائِهِ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ وَقَدْ يَحْتَجُّ بِهَذَا الْحَدِيثِ مَنْ يَقُولُ أَطْفَالُ الْكُفَّارِ فِي النَّارِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَأَنَّ فِيهِمْ ثَلَاثَةَ مَذَاهِبَ الصَّحِيحُ أَنَّهُمْ فِي الْجَنَّةِ وَالثَّانِي فِي النَّارِ وَالثَّالِثُ يَتَوَقَّفُ عن الكلام فيهم فلا يحكم لهم بشئ وَتَقَدَّمَتْ دَلَائِلُ الْجَمِيعِ وَلِلْقَائِلَيْنِ بِالْجَنَّةِ أَنْ يَقُولُوا فِي جَوَابِ هَذَا الْحَدِيثِ مَعْنَاهُ عَلِمَ اللَّهُ لَوْ بَلَغَ لَكَانَ كَافِرًا قَوْلُهُ (وَكَانَ أَبَوَاهُ قَدْ عَطَفَا عَلَيْهِ فَلَوْ أَدْرَكَ أَرْهَقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا) أَيْ حَمَلَهُمَا عَلَيْهِمَا وَأَلْحَقَهُمَا بِهِمَا وَالْمُرَادُ بِالطُّغْيَانِ هُنَا الزِّيَادَةُ فِي الضَّلَالِ وَهَذَا الْحَدِيثُ مِنْ دَلَائِلِ مَذْهَبِأَهْلِ الْحَقِّ فِي أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَعْلَمُ بِمَا كَانَ وَبِمَا يَكُونُ وَبِمَا لَا يَكُونُ لَوْ كَانَ كَيْفَ كَانَ يَكُونُ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَقَوْلُهُ تَعَالَى وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قرطاس فلمسوه بايديهم لقال الذين كفروا الْآيَةَ وَقَوْلُهُ تَعَالَى وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رجلا وللبسنا عليهم وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ قَوْلُهُ تَعَالَى خَيْرًا منه زكاة واقرب رحما قِيلَ الْمُرَادُ بِالزَّكَاةِ الْإِسْلَامُ وَقِيلَ الصَّلَاحُ وَأَمَّا الرُّحْمُ فَقِيلَ مَعْنَاهُ الرَّحْمَةُ لِوَالِدَيْهِ وَبِرُّهُمَا وَقِيلَ الْمُرَادُ يَرْحَمَانِهِ قِيلَ أَبْدَلَهُمَا اللَّهُ بِنْتًا صَالِحَةً وَقِيلَ ابْنًا حَكَاهُ الْقَاضِي قَوْلُهُ (تَمَارَى هُوَ وَالْحُرُّ بْنُ قَيْسٍ) أَيْ تَنَازَعَا وَتَجَادَلَا وَالْحُرُّ بِالْحَاءِ وَالرَّاءِ وَفِي هَذِهِ الْقِصَّةِ أَنْوَاعٌ مِنَ الْقَوَاعِدِ وَالْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ وَالْآدَابِ وَالنَّفَائِسِ الْمُهِمَّةِ سَبَقَ التَّنْبِيهُ عَلَى مُعْظَمِهَا سِوَى مَا هُوَ ظَاهِرٌ مِنْهَا وَمِمَّا لَمْ يَسْبِقْ أَنَّهُ لَا بَأْسَ عَلَى الْعَالِمِ وَالْفَاضِلِ أَنْ يَخْدُمَهُ الْمَفْضُولُ وَيَقْضِيَ لَهُ حَاجَةً وَلَا يَكُونُ هَذَا مِنْ أَخْذِ الْعِوَضِ عَلَى تَعْلِيمِ الْعِلْمِ وَالْآدَابِ بَلْ مِنْ مَرُوءَاتِ الْأَصْحَابِ وَحُسْنِ الْعِشْرَةِ وَدَلِيلُهُ مِنْ هَذِهِ الْقِصَّةِ حَمْلُ فَتَاهُ غَدَاءَهُمَا وَحَمْلُ أَصْحَابِ السَّفِينَةِ موسى والخضربِغَيْرِ أُجْرَةٍ لِمَعْرِفَتِهِمُ الْخَضِرَ بِالصَّلَاحِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَمِنْهَا الْحَثُّ عَلَى التَّوَاضُعِ فِي عِلْمِهِ وَغَيْرِهِ وَأَنَّهُ لَا يَدَّعِي أَنَّهُ أَعْلَمُ النَّاسِ وَأَنَّهُ إِذَا سُئِلَ عَنْ أَعْلَمِ النَّاسِ يَقُولُ اللَّهُ أَعْلَمُ وَمِنْهَا بَيَانُ أَصْلٍ عَظِيمٍ مِنْ أُصُولِ الْإِسْلَامِ وَهُوَ وُجُوبُ التَّسْلِيمِ لِكُلِّ مَا جَاءَ بِهِ الشَّرْعُ وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُ لَا تَظْهَرُ حِكْمَتُهُ لِلْعُقُولِ وَلَا يَفْهَمُهُ أَكْثَرُ النَّاسِ وَقَدْ لَا يَفْهَمُونَهُ كُلُّهُمْ كَالْقَدَرِ مَوْضِعُ الدَّلَالَةِ قَتْلُ الْغُلَامِ وَخَرْقُ السَّفِينَةِ فَإِنَّ صُورَتَهُمَا صُورَةُ الْمُنْكَرِ وَكَانَ صَحِيحًا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ لَهُ حِكَمٌ بَيِّنَةٌ لَكِنَّهَا لَا تَظْهَرُ لِلْخَلْقِ فَإِذَا أَعْلَمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا عَلِمُوهَا وَلِهَذَا قَالَ وَمَا فعلته عن امري يَعْنِي بَلْ بِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى( كتاب فضائل الصحابة رضي الله عنهم) قَالَ الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْمَازِرِيُّ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي تَفْضِيلِ بَعْضِ الصَّحَابَةِ عَلَى بَعْضٍ فقالت طائفة لا نفاضل بَلْ نُمْسِكُ عَنْ ذَلِكَ وَقَالَ الْجُمْهُورُ بِالتَّفْضِيلِ ثُمَّ اخْتَلَفُوا فَقَالَ أَهْلُ السُّنَّةِ أَفْضَلُهُمْ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ وَقَالَ الْخَطَّابِيَّةُ أَفْضَلُهُمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَقَالَتِ الرَّاوَنْدِيَّةُ أَفْضَلُهُمُ الْعَبَّاسُ وَقَالَتِ الشِّيعَةُ عَلِيٌّ وَاتَّفَقَ أَهْلُ السُّنَّةِ عَلَى أَنَّ أَفْضَلَهُمْ أَبُو بَكْرٍ ثُمَّ عُمَرُ قَالَ جُمْهُورُهُمْ ثُمَّ عُثْمَانُ ثُمَّ عَلِيٌّ وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ السُّنَّةِ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ بِتَقْدِيمِ عَلِيٍّ عَلَى عُثْمَانَ وَالصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ تَقْدِيمُ عُثْمَانَ قَالَ أَبُو مَنْصُورٍ الْبَغْدَادِيُّ أَصْحَابُنَا مُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّ أَفْضَلَهُمُ الْخُلَفَاءُ الْأَرْبَعَةُ عَلَى التَّرْتِيبِ الْمَذْكُورِ ثُمَّ تَمَامُ الْعَشَرَةِ ثُمَّ أَهْلُ بَدْرٍ ثُمَّ أُحُدٍ ثُمَّ بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ وَمِمَّنْ لَهُ مَزِيَّةُ أَهْلُ الْعَقَبَتَيْنِ مِنَ الْأَنْصَارِ وَكَذَلِكَ السَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ وَهُمْ مَنْ صَلَّى إلى القبلتين في قول بن الْمُسَيِّبِ وَطَائِفَةٍ وَفِي قَوْلِ الشَّعْبِيِّ أَهْلُ بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ وَفِي قَوْلِ عَطَاءٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ أَهْلُ بَدْرٍ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ منهم بن عَبْدِ الْبَرِّ إِلَى أَنَّ مَنْ تُوُفِّيَ مِنَ الصَّحَابَةِ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْضَلُ مِمَّنْ بَقِيَ بَعْدَهُ وَهَذَا الْإِطْلَاقُ غير مرضي وَلَا مَقْبُولٍ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي أَنَّ التَّفْضِيلَ الْمَذْكُورَ قَطْعِيٌّ أَمْ لَا وَهَلْ هُوَ فِي الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ أَمْ فِي الظَّاهِرِ خَاصَّةً وَمِمَّنْ قَالَ بِالْقَطْعِ أَبُو الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيُّ قَالَ وَهُمْ فِي الْفَضْلِ عَلَى تَرْتِيبِهِمْ فِي الْإِمَامَةِ وَمِمَّنْ قَالَ بِأَنَّهُ اجْتِهَادِيٌّ ظَنِّيٌّ أَبُو بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيُّ وذكر بن الْبَاقِلَّانِيِّ اخْتِلَافَ الْعُلَمَاءِ فِي أَنَّ التَّفْضِيلَ هَلْ هو في الظاهر ام فِي الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ جَمِيعًا وَكَذَلِكَ اخْتَلَفُوا فِي عَائِشَةَ وَخَدِيجَةَ أَيَّتُهُمَا أَفْضَلُ وَفِي عَائِشَةَ وَفَاطِمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ وَأَمَّا عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَخِلَافَتُهُ صَحِيحَةٌ بِالْإِجْمَاعِ وَقُتِلَ مَظْلُومًا وَقَتَلَتْهُ فَسَقَةٌ لِأَنَّ مُوجِبَاتِ الْقَتْلِ مَضْبُوطَةٌ وَلَمْ يَجْرِ مِنْهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَا يَقْتَضِيهِ وَلَمْ يُشَارِكْ فِي قَتْلِهِ أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَإِنَّمَا قَتَلَهُ هَمَجٌ وَرُعَاعٌ مِنْ غَوْغَاءِ الْقَبَائِلِ وسفلةوهو بن امرأة كعب الاحبار وقيل بن اخيه والمشهور الاول قاله بن أَبِي حَاتِمٍ وَغَيْرُهُ قَالُوا وَكُنْيَتُهُ أَبُو يَزِيدَ وَقِيلَ أَبُوْ رُشْدٍ وَكَانَ عَالِمًا حَكِيمًا قَاضِيًا وَإِمَامًا لِأَهْلِ دِمَشْقَ قَوْلُهُ (كَذَبَ عَدُوُّ اللَّهِ) قَالَ الْعُلَمَاءُ هُوَ عَلَى وَجْهِ الْإِغْلَاظِ وَالزَّجْرِ عَنْ مِثْلِ قَوْلِهِ لَا أَنَّهُ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ عَدُوُّ اللَّهِ حَقِيقَةً إِنَّمَا قَالَهُ مُبَالَغَةً فِي إِنْكَارِ قَوْلِهِ لِمُخَالَفَتِهِ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ ذَلِكَ فِي حَالِ غضب بن عَبَّاسٍ لِشِدَّةِ إِنْكَارِهِ وَحَالَ الْغَضَبِ تُطْلَقُ الْأَلْفَاظُ وَلَا تُرَادُ بِهَا حَقَائِقُهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (أَنَا أَعْلَمُ) أَيْ فِي اعْتِقَادِهِ وَإِلَّا فَكَانَ الْخَضِرُ أَعْلَمُ مِنْهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْحَدِيثِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَعَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِ إِذْ لَمْ يَرُدَّ الْعِلْمَ إِلَيْهِ) أَيْ كَانَ حَقُّهُ أَنْ يَقُولَ اللَّهُ أَعْلَمُ فان مخلوقات الله تعالى لا يعلمها الاهو قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ الا هو وَاسْتَدَلَّ الْعُلَمَاءُ بِسُؤَالِ مُوسَى السَّبِيلَ إِلَى لِقَاءِ الخضر صلى الله عليهما وسلم على استحباب الِاسْتِكْثَارِ مِنْهُ وَأَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْعَالِمِ وَإِنْ كَانَ مِنَ الْعِلْمِ بِمَحَلٍّ عَظِيمٍ أَنْ يَأْخُذَهُ مِمَّنْ هُوَ أَعْلَمُ مِنْهُ وَيَسْعَى إِلَيْهِ فِي تَحْصِيلِهِ وَفِيهِ فَضِيلَةُ طَلَبِ الْعِلْمِ وَفِي تَزَوُّدِهِ الْحُوتَ وَغَيْرَهُ جَوَازُ التَّزَوُّدِ فِي السَّفَرِ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ الْأَدَبُ مَعَ الْعَالِمِ وَحُرْمَةُ الْمَشَايِخِ وَتَرْكُ الِاعْتِرَاضِ عَلَيْهِمْ وَتَأْوِيلُ مَا لَا يُفْهَمُ ظَاهِرُهُ مِنْ أَفْعَالِهِمْ وَحَرَكَاتِهِمْ وَأَقْوَالِهِمْ وَالْوَفَاءُ بِعُهُودِهِمْ وَالِاعْتِذَارُ عِنْدَ مُخَالَفَةِ عَهْدِهِمْ وَفِيهِ إِثْبَاتُ كَرَامَاتِ الْأَوْلِيَاءِ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ الْخَضِرُ وَلِيٌّ وَفِيهِ جَوَازُ سُؤَالِ الطَّعَامِ عِنْدَ الْحَاجَةِ وَجَوَازُ إِجَارَةِ السَّفِينَةِ وَجَوَازُ رُكُوبِ السَّفِينَةِ وَالدَّابَّةِ وَسُكْنَى الدَّارِ وَلُبْسِ الثَّوْبِ وَنَحْوِ ذَلِكَ بِغَيْرِ أُجْرَةٍ بِرِضَى صَاحِبِهِ لقَوْلِهِ حَمَلُونَا بِغَيْرِ نَوْلٍ وَفِيهِ الْحُكْمُ بِالظَّاهِرِ حَتَّى يَتَبَيَّنَ خِلَافُهُ لِإِنْكَارِ مُوسَى قَالَ الْقَاضِي وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي قَوْلِ مُوسَى لَقَدْ جئت شيئا إمرا وَشَيْئًا نُكْرًا أَيُّهُمَا أَشَدُّ فَقِيلَ إِمْرًا لِأَنَّهُ الْعَظِيمُ وَلِأَنَّهُ فِي مُقَابَلَةِ خَرْقِ السَّفِينَةِ الَّذِي يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ فِي الْعَادَةِ هَلَاكُ الَّذِي فِيهَا وَأَمْوَالِهِمْ وَهُوَ أَعْظَمُ مِنْ قَتْلِ الْغُلَامِ فَإِنَّهَا نفس واحد وقيل نكرا اشد لانه قَالَهُ عِنْدَ مُبَاشَرَةِ الْقَتْلِ حَقِيقَةً وَأَمَّا الْقَتْلُ فِي خَرْقِ السَّفِينَةِ فَمَظْنُونٌ وَقَدْ يَسْلَمُونَ فِي العادةوقد سَلِمُوا فِي هَذِهِ الْقَضِيَّةِ وَلَيْسَفِيهِ مَا هُوَ مُحَقَّقٌ إِلَّا مُجَرَّدَ الْخَرْقِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ تَعَالَى (إِنَّ عَبْدًا مِنْ عِبَادِي بِمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ هُوَ أَعْلَمُ مِنْكَ) قَالَ قَتَادَةُ هُوَ مَجْمَعُ بَحْرَيْ فَارِسٍ وَالرُّومِ مِمَّا يَلِي الْمَشْرِقَ وَحَكَى الثَّعْلَبِيُّ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أَنَّهُ بَأَفْرِيقِيَّةَ قَوْلُهُ (احْمِلْ حُوتًا فِي مِكْتَلٍ فَحَيْثُ تَفْقِدُ الْحُوتَ فَهُوَ ثَمَّ) الْحُوتُ السَّمَكَةُ وَكَانَتْ سَمَكَةً مَالِحَةً كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ وَالْمِكْتَلُ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِ المثناة فوق وهو القفة والزنبيل وَسَبَقَ بَيَانُهُ مَرَّاتٍ وَتَفْقِدُهُ بِكَسْرِ الْقَافِ أَيْ يَذْهَبُ مِنْكَ يُقَالُ فَقَدَهُ وَافْتَقَدَهُ وَثَمَّ بِفَتْحِ الثَّاءِ أَيْ هُنَاكَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَانْطَلَقَ مَعَهُ فَتَاهُ) وَهُوَ يُوشَعُ بْنُ نُونٍ مَعْنَى فَتَاهُ صَاحِبُهُ وَنُونٌ مَصْرُوفٌ كَنُوحٍ وَهَذَا الْحَدِيثُ يَرُدُّ قَوْلَ مَنْ قَالَ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ إِنَّ فَتَاهُ عَبْدٌ لَهُ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْأَقْوَالِ الْبَاطِلَةِ قَالُوا وَهُوَ يُوشَعُ بْنُ نُونِ بْنِ إِفْرَاثِيمَ بْنِ يُوسُفَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَأَمْسَكَ اللَّهُ عَنْهُ جِرْيَةَ الْمَاءِ حَتَّى كَانَ مِثْلَ الطَّاقِ) أَمَّا الْجِرْيَةُ فَبِكَسْرِ الْجِيمِ وَالطَّاقُ عَقْدُ الْبِنَاءِ وَجَمْعُهُ طِيقَانٌ وَأَطْوَاقٌ وَهُوَ الْأَزَجُ وَمَا عُقِدَ أَعْلَاهُ مِنَ الْبِنَاءِ وَبَقِيَ مَا تَحْتَهُ خَالِيًا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَانْطَلَقَا بَقِيَّةَ يَوْمِهِمَا وَلَيْلَتِهِمَا) ضَبَطُوهُ بِنَصْبِ لَيْلَتِهِمَا وَجَرِّهَا وَالنَّصَبُ التَّعَبُ قَالُوا لَحِقَهُ النَّصَبُ وَالْجُوعُ لِيَطْلُبَ الْغِذَاءَ فَيَتَذَكَّرَ بِهِ نِسْيَانَ الْحُوتِ وَلِهَذَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَنْصَبْ حَتَّى جَاوَزَ الْمَكَانَ الَّذِيأُمِرَ بِهِ قَوْلُهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عجبا قِيلَ إِنَّ لَفْظَةَ عَجَبًا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مِنْ تَمَامِ كَلَامِ يُوشَعَ وَقِيلَ مِنْ كَلَامِ مُوسَى أَيْ قَالَ مُوسَى عَجِبْتُ مِنْ هَذَا عَجَبًا وَقِيلَ مِنْ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى وَمَعْنَاهُ اتَّخَذَ مُوسَى سَبِيلَ الْحُوتِ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا قَوْلُهُ مَا كُنَّا نَبْغِي أَيْ نَطْلُبُ مَعْنَاهُ أَنَّ الَّذِي جِئْنَا نَطْلُبُهُ هُوَ الْمَوْضِعُ الَّذِي نَفْقِدُ فِيهِ الْحُوتَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَرَأَى رَجُلًا مُسَجًّى عَلَيْهِ بِثَوْبٍ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ الْخَضِرُ أَنَّى بِأَرْضِكَ السَّلَامُ) الْمُسَجَّى الْمُغَطَّى وَأَنَّى أَيْ مِنْ أَيْنَ السَّلَامُفِي هَذِهِ الْأَرْضِ الَّتِي لَا يُعْرَفُ فِيهَا السَّلَامُ قَالَ الْعُلَمَاءُ أَنَّى تَأْتِي بِمَعْنَى أَيْنَ وَمَتَى وَحَيْثُ وَكَيْفَ وَحَمَلُوهُمَا بِغَيْرِ نَوْلٍ بِفَتْحِ النُّونِ وَإِسْكَانِ الْوَاوِ أَيْ بِغَيْرِ أَجْرٍ وَالنَّوْلُ وَالنَّوَالُ الْعَطَاءُ قَوْلُهُ لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا قُرِئَ فِي السَّبْعِ بِضَمِّ التَّاءِ الْمُثَنَّاةِ فَوْقُ وَنَصْبِ أَهْلِهَا وبفتح المثناة تحت ورفع اهلها وجئت شيئا إمرا أَيْ عَظِيمًا كَثِيرَ الشِّدَّةِ وَلَا تُرْهِقْنِي أَيْ تغشني وتحملني قوله أقتلت نفسا زاكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا قرئ في السبع زاكية وزكية قَالُوا وَمَعْنَاهُ طَاهِرَةٌ مِنَ الذُّنُوبِ وَقَوْلُهُ بِغَيْرِ نَفْسٍ أَيْ بِغَيْرِ قِصَاصٍ لَكَ عَلَيْهَا وَالنُّكْرُ الْمُنْكَرُ وَقُرِئَ فِي السَّبْعِ بِإِسْكَانِ الْكَافِ وَضَمِّهَا وَالْأَكْثَرُونَ بِالْإِسْكَانِ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَقَوْلُهُ إِذَا غُلَامٌ يَلْعَبُ فَقَتَلَهُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ صَبِيًّا لَيْسَ بِبَالِغٍ لِأَنَّهُ حَقِيقَةُ الْغُلَامِ وَهَذَا قَوْلُ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بَالِغًا وَزَعَمَتْ طَائِفَةٌ أَنَّهُ كَانَ بَالِغًا يَعْمَلُ بِالْفَسَادِ وَاحْتَجَّتْ بِقَوْلِهِ اقتلت نفسا زكية بغير نفس فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ مِمَّنْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ وَالصَّبِيُّ لَا قِصَاصَ عَلَيْهِ وَبِقَوْلِهِ كَانَ كَافِرًا في قراءة بن عَبَّاسٍ كَمَا ذَكَرَ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ وَالْجَوَابُ عَنِ الْأَوَّلِ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْمُرَادَ التنبيه عَلَى أَنَّهُ قَتَلَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَالثَّانِي أَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّ شَرْعَهُمْ كَانَ إِيجَابَ الْقِصَاصِ عَلَى الصَّبِيِّ كَمَا أَنَّهُ فِي شَرْعِنَا يُؤَاخَذُ بِغَرَامَةِ الْمُتْلَفَاتِ وَالْجَوَابُ عَنِ الثَّانِي مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ شَاذٌّ لَا حُجَّةَ فِيهِ وَالثَّانِي أَنَّهُ سَمَّاهُ بِمَا يَؤُولُ إِلَيْهِ لَوْ عَاشَ كَمَا جَاءَ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ قَوْلُهُ قَدْ بَلَغْتَ من لدني عذرا فيه ثلاث قراآت فِي السَّبْعِ الْأَكْثَرُونَ بِضَمِّ الدَّالِوَتَشْدِيدِ النُّونِ وَالثَّانِيَةُ بِالضَّمِّ وَتَخْفِيفِ النُّونِ وَالثَّالِثَةُ بِإِسْكَانِ الدَّالِ وَإِشْمَامِهَا الضَّمَّ وَتَخْفِيفِ النُّونِ وَمَعْنَاهُ قَدْ بَلَغْتَ إِلَى الْغَايَةِ الَّتِي تُعْذَرُ بِسَبَبِهَا فِي فِرَاقِي قَوْلُهُ تَعَالَى فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا اتيا اهل قرية قال الثعلبي قال بن عباس هي انطاكية وقال بن سِيرِينَ الْأَيْلَةُ وَهِيَ أَبْعَدُ الْأَرْضِ مِنَ السَّمَاءِ قَوْلُهُ تَعَالَى فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ ينقض هَذَا مِنَ الْمَجَازِ لِأَنَّ الْجِدَارَ لَا يَكُونُ لَهُ حَقِيقَةُ إِرَادَةٍ وَمَعْنَاهُ قَرُبَ مِنَ الِانْقِضَاضِ وَهُوَ السُّقُوطُ وَاسْتَدَلَّ الْأُصُولِيُّونَ بِهَذَا عَلَى وُجُودِ الْمَجَازِ فِي الْقُرْآنِ وَلَهُ نَظَائِرُ مَعْرُوفَةٌ قَالَ وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ كَانَ طُولُ هَذَا الْجِدَارِ إِلَى السَّمَاءِ مِائَةَ ذِرَاعٍ قَوْلُهُ لَوْ شِئْتَ لتخذت عليه اجرا قُرِئَ بِالسَّبْعِ لَتَخِذْتَ بِتَخْفِيفِ التَّاءِ وَكَسْرِ الْخَاءِ وَلَاتَّخَذْتَ بِالتَّشْدِيدِ وَفَتْحِ الْخَاءِ أَيْ لَأَخَذْتَ عَلَيْهِ أُجْرَةً تَأْكُلُ بِهَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَجَاءَ عُصْفُورٌ حَتَّى وَقَعَ عَلَى حَرْفِ السَّفِينَةِ ثُمَّ نَقَرَ فِي الْبَحْرِ فَقَالَ لَهُ الْخَضِرُ مَا نَقَصَ عِلْمِي وَعِلْمُكَ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى إِلَّا مِثْلَ مَا نَقَصَ هَذَا الْعُصْفُورُ مِنَ الْبَحْرِ) قَالَ الْعُلَمَاءُ لَفْظُ النَّقْصِ هُنَا لَيْسَ عَلَى ظَاهِرِهِ وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ أَنَّ عِلْمِي وَعِلْمُكُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى كَنِسْبَةِ مَا نَقَرَهُ هَذَا الْعُصْفُورُ إِلَى مَاءِ الْبَحْرِ هَذَا عَلَى التَّقْرِيبِ إِلَى الْأَفْهَامِ وَإِلَّا فَنِسْبَةُ عِلْمِهِمَا أَقَلُّ وَأَحْقَرُ وَقَدْ جَاءَ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ مَا عِلْمِي وَعِلْمُكَ فِي جَنْبِ عِلْمِ اللَّهِ إِلَّا كَمَا أَخَذَ هَذَا الْعُصْفُورُ بِمِنْقَارِهِ أَيْ فِي جَنْبِ مَعْلُومِ اللَّهِ وَقَدْ يطلق العلمبِمَعْنَى الْمَعْلُومِ وَهُوَ مِنْ إِطْلَاقِ الْمَصْدَرِ لِإِرَادَةِ الْمَفْعُولِ كَقَوْلِهِمْ رَغْمَ ضَرْبِ السُّلْطَانِ أَيْ مَضْرُوبِهِ قَالَ الْقَاضِي وَقَالَ بَعْضُ مَنْ أَشْكَلَ عَلَيْهِ هَذَا الْحَدِيثُ إِلَّا هُنَا بِمَعْنَى وَلَا أَيْ وَلَا نَقَصَ عِلْمِي وَعِلْمُكَ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ وَلَا مِثْلَ مَا أَخْذَ هَذَا الْعُصْفُورُ لِأَنَّ عِلْمَ اللَّهِ تَعَالَى لَا يَدْخُلُهُ نَقْصٌ قَالَ الْقَاضِي وَلَا حَاجَةَ إِلَى هَذَا التَّكَلُّفِ بَلْ هُوَ صَحِيحٌ كَمَا بَيَّنَّا وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (كذب نوف) هوجار عَلَى مَذْهَبِ أَصْحَابِنَا أَنَّ الْكَذِبَ هُوَ الْإِخْبَارُ عن الشئ خِلَافِ مَا هُوَ عَمْدًا كَانَ أَوْ سَهْوًا خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ وَسَبَقَتِ الْمَسْأَلَةُ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (حتى انتهينا إِلَى الصَّخْرَةِ فَعُمِّيَ عَلَيْهِ) وَقَعَ فِي بَعْضِ الْأُصُولِ بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الْمِيمِ وَفِي بَعْضِهَا بِضَمِّ الْعَيْنِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ وَفِي بَعْضِهَا بَالِغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مِثْلُ الْكَوَّةِ) بِفَتْحِ الْكَافِ وَيُقَالُ بِضَمِّهَا وَهِيَ الطاقكَمَا قَالَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى قَوْلُهُ (مُسْتَلْقِيًا عَلَى حُلَاوَةِ الْقَفَا) هِيَ وَسَطُ الْقَفَا وَمَعْنَاهُ لَمْ يَمِلْ إِلَى أَحَدِ جَانِبَيْهِ وَهِيَ بِضَمِّ الْحَاءِ وَفَتْحِهَا وَكَسْرِهَا أَفْصَحُهَا الضَّمُّ وَمِمَّنْ حَكَى الْكَسْرَ صَاحِبُ نِهَايَةِ الْغَرِيبِ وَيُقَالُ أَيْضًا حَلَاوًا بِالْفَتْحِ وَحُلَاوَى بِالضَّمِّ وَالْقَصْرِ وَحَلْوَاءُ بِالْمَدِّ قَوْلُهُ (مَجِيءُ مَا جَاءَ بِكَ) قَالَ الْقَاضِي ضَبَطْنَاهُ مجئ مَرْفُوعٌ غَيْرُ مَنَوَّنٍ عَنْ بَعْضِهِمْ وَعَنْ بَعْضِهِمْ مَنُوَّنًا قَالَ وَهُوَ أَظْهَرُ أَيُّ أَمْرٍ عَظِيمٍ جَاءَ بِكَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (انْتَحَى عَلَيْهَا) أَيِ اعْتَمَدَ عَلَى السَّفِينَةِ وَقَصَدَخَرْقَهَا وَاسْتَدَلَّ بِهِ الْعُلَمَاءُ عَلَى النَّظَرِ فِي الْمَصَالِحِ عِنْدَ تَعَارُضِ الْأُمُورِ وَأَنَّهُ إِذَا تَعَارَضَتْ مَفْسَدَتَانِ دُفِعَ أَعْظَمُهُمَا بِارْتِكَابِ أَخَفِّهِمَا كَمَا خَرَقَ السَّفِينَةَ لِدَفْعِ غَصْبِهَا وَذَهَابِ جُمْلَتِهَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَانْطَلَقَ إِلَى أَحَدِهِمْ بَادِيَ الرَّأْيِ فَقَتَلَهُ) بَادِئُ بِالْهَمْزِ وَتَرْكِهِ فَمَنْ هَمَزَهُ مَعْنَاهُ أَوَّلُ الرَّأْيِ وَابْتِدَاؤُهُ أَيِ انْطَلَقَ إِلَيْهِ مُسَارِعًا إِلَى قَتْلِهِ مِنْ غَيْرِ فِكْرٍ وَمَنْ لَمْ يَهْمِزْ فَمَعْنَاهُ ظَهَرَ لَهُ رَأْيٌ فِي قَتْلِهِ مِنَ الْبَدْءِ وَهُوَ ظُهُورُ رَأْيٍ لَمْ يَكُنْ قَالَ الْقَاضِي وَيُمَدُّ الْبَدْءُ وَيُقْصَرُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى مُوسَى قَالَ وَكَانَ إِذَا ذَكَرَ أَحَدًا مِنَ الْأَنْبِيَاءِ بَدَأَ بِنَفْسِهِ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى أَخِي كَذَا رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْنَا) قَالَ أَصْحَابُنَا فِيهِ اسْتِحْبَابُ ابْتِدَاءِ الْإِنْسَانِ بِنَفْسِهِ فِي الدُّعَاءِ وَشِبْهِهِ مِنْ أُمُورِ الْآخِرَةِ وَأَمَّا حُظُوظُ الدُّنْيَا فَالْأَدَبُ فِيهَا الْإِيثَارُ وَتَقْدِيمُ غَيْرِهِ عَلَى نَفْسِهِ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الِابْتِدَاءِ فِي عُنْوَانِ الْكِتَابِ فَالصَّحِيحُ الَّذِي قَالَهُ كَثِيرُونَ مِنَ السَّلَفِ وَجَاءَ بِهِ الصَّحِيحُ أَنَّهُ يَبْدَأُ بِنَفْسِهِ فَيُقَدِّمُهَا عَلَى الْمَكْتُوبِ إِلَيْهِ فَيُقَالُ مِنْ فُلَانٍ إِلَى فُلَانٍ وَمِنْهُ حَدِيثُ كِتَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى هِرَقْلَ عَظِيمِ الرُّومِ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ يَبْدَأُ بِالْمَكْتُوبِ إِلَيْهِ فَيَقُولُ إِلَى فُلَانٍ مِنْ فُلَانٍ قَالُوا إِلَّا أَنْ يَكْتُبَ الْأَمِيرُ إِلَى مَنْ دُونَهُ أَوِ السَّيِّدُ إِلَى عَبْدِهِ أَوِ الْوَالِدُ إِلَى وَلَدِهِ وَنَحْوُ هَذَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَكِنْ أَخَذْتُهُ مِنْ صَاحِبِهِ ذَمَامَةً) هِيَ بِفَتْحِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِأَيِ اسْتِحْيَاءً لِتَكْرَارِ مُخَالَفَتِهِ وَقِيلَ مَلَامَةً وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَشْهُورُ قَوْلُهُ (وَأَمَّا الْغُلَامُ فَطُبِعَ يَوْمَ طُبِعَ كَافِرًا) قَالَ الْقَاضِي فِي هَذَا حُجَّةٌ بَيِّنَةٌ لِأَهْلِ السُّنَّةِ لِصِحَّةِ أَصْلِ مَذْهَبِهِمْ فِي الطَّبْعِ وَالرَّيْنِ وَالْأَكِنَّةِ وَالْأَغْشِيَةِ وَالْحُجُبِ وَالسَّدِّ وَأَشْبَاهِ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ الْوَارِدَةِ فِي الشَّرْعِ فِي أَفْعَالِ اللَّهِ تَعَالَى بِقُلُوبِ أَهْلِ الْكُفْرِ وَالضَّلَالِ وَمَعْنَى ذَلِكَ عِنْدَهُمْ خَلَقَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهَا ضِدَّ الْإِيمَانِ وَضِدَّ الْهُدَى وَهَذَا عَلَى أَصْلِ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّ الْعَبْدَ لَا قُدْرَةَ لَهُ إِلَّا مَا أَرَادَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَيَسَّرَهُ لَهُ وَخَلَقَهُ لَهُ خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ وَالْقَدَرِيَّةِ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ لِلْعَبْدِ فِعْلًا مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ وَقُدْرَةً عَلَى الْهُدَى وَالضَّلَالِ وَالْخَيْرِ وَالشَّرِّ وَالْإِيمَانِ وَالْكُفْرِ وَأَنَّ مَعْنَى هَذِهِ الْأَلْفَاظِ نِسْبَةُ اللَّهِ تَعَالَى لِأَصْحَابِهَا وَحُكْمُهُ عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعْنَاهَا خَلَقَهُ عَلَامَةً لِذَلِكَ فِي قُلُوبِهِمْ وَالْحَقُّ الَّذِي لَا شَكَّ فِيهِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَفْعَلُ مَا يشاء من الخير والشر لا يسئل عما يفعل وهم يسئلون وَكَمَا قَالَ تَعَالَى فِي الذَّرِّ هَؤُلَاءِ لِلْجَنَّةِ وَلَا أُبَالِي وَهَؤُلَاءِ لِلنَّارِ وَلَا أُبَالِي فَالَّذِينَ قَضَى لَهُمْ بِالنَّارِ طَبَعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَخَتَمَ عَلَيْهَا وَغَشَّاهَا وَأَكَنَّهَا وَجَعَلَ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهَا سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهَا سَدًّا وَحِجَابًا مَسْتُورًا وَجَعَلَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضًا لِتَتِمَّ سابقته فيهم وتمضي كلمته لاراد لِحُكْمِهِ وَلَا مُعَقِّبَ لِأَمْرِهِ وَقَضَائِهِ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ وَقَدْ يَحْتَجُّ بِهَذَا الْحَدِيثِ مَنْ يَقُولُ أَطْفَالُ الْكُفَّارِ فِي النَّارِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَأَنَّ فِيهِمْ ثَلَاثَةَ مَذَاهِبَ الصَّحِيحُ أَنَّهُمْ فِي الْجَنَّةِ وَالثَّانِي فِي النَّارِ وَالثَّالِثُ يَتَوَقَّفُ عن الكلام فيهم فلا يحكم لهم بشئ وَتَقَدَّمَتْ دَلَائِلُ الْجَمِيعِ وَلِلْقَائِلَيْنِ بِالْجَنَّةِ أَنْ يَقُولُوا فِي جَوَابِ هَذَا الْحَدِيثِ مَعْنَاهُ عَلِمَ اللَّهُ لَوْ بَلَغَ لَكَانَ كَافِرًا قَوْلُهُ (وَكَانَ أَبَوَاهُ قَدْ عَطَفَا عَلَيْهِ فَلَوْ أَدْرَكَ أَرْهَقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا) أَيْ حَمَلَهُمَا عَلَيْهِمَا وَأَلْحَقَهُمَا بِهِمَا وَالْمُرَادُ بِالطُّغْيَانِ هُنَا الزِّيَادَةُ فِي الضَّلَالِ وَهَذَا الْحَدِيثُ مِنْ دَلَائِلِ مَذْهَبِأَهْلِ الْحَقِّ فِي أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَعْلَمُ بِمَا كَانَ وَبِمَا يَكُونُ وَبِمَا لَا يَكُونُ لَوْ كَانَ كَيْفَ كَانَ يَكُونُ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَقَوْلُهُ تَعَالَى وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قرطاس فلمسوه بايديهم لقال الذين كفروا الْآيَةَ وَقَوْلُهُ تَعَالَى وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رجلا وللبسنا عليهم وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ قَوْلُهُ تَعَالَى خَيْرًا منه زكاة واقرب رحما قِيلَ الْمُرَادُ بِالزَّكَاةِ الْإِسْلَامُ وَقِيلَ الصَّلَاحُ وَأَمَّا الرُّحْمُ فَقِيلَ مَعْنَاهُ الرَّحْمَةُ لِوَالِدَيْهِ وَبِرُّهُمَا وَقِيلَ الْمُرَادُ يَرْحَمَانِهِ قِيلَ أَبْدَلَهُمَا اللَّهُ بِنْتًا صَالِحَةً وَقِيلَ ابْنًا حَكَاهُ الْقَاضِي قَوْلُهُ (تَمَارَى هُوَ وَالْحُرُّ بْنُ قَيْسٍ) أَيْ تَنَازَعَا وَتَجَادَلَا وَالْحُرُّ بِالْحَاءِ وَالرَّاءِ وَفِي هَذِهِ الْقِصَّةِ أَنْوَاعٌ مِنَ الْقَوَاعِدِ وَالْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ وَالْآدَابِ وَالنَّفَائِسِ الْمُهِمَّةِ سَبَقَ التَّنْبِيهُ عَلَى مُعْظَمِهَا سِوَى مَا هُوَ ظَاهِرٌ مِنْهَا وَمِمَّا لَمْ يَسْبِقْ أَنَّهُ لَا بَأْسَ عَلَى الْعَالِمِ وَالْفَاضِلِ أَنْ يَخْدُمَهُ الْمَفْضُولُ وَيَقْضِيَ لَهُ حَاجَةً وَلَا يَكُونُ هَذَا مِنْ أَخْذِ الْعِوَضِ عَلَى تَعْلِيمِ الْعِلْمِ وَالْآدَابِ بَلْ مِنْ مَرُوءَاتِ الْأَصْحَابِ وَحُسْنِ الْعِشْرَةِ وَدَلِيلُهُ مِنْ هَذِهِ الْقِصَّةِ حَمْلُ فَتَاهُ غَدَاءَهُمَا وَحَمْلُ أَصْحَابِ السَّفِينَةِ موسى والخضربِغَيْرِ أُجْرَةٍ لِمَعْرِفَتِهِمُ الْخَضِرَ بِالصَّلَاحِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَمِنْهَا الْحَثُّ عَلَى التَّوَاضُعِ فِي عِلْمِهِ وَغَيْرِهِ وَأَنَّهُ لَا يَدَّعِي أَنَّهُ أَعْلَمُ النَّاسِ وَأَنَّهُ إِذَا سُئِلَ عَنْ أَعْلَمِ النَّاسِ يَقُولُ اللَّهُ أَعْلَمُ وَمِنْهَا بَيَانُ أَصْلٍ عَظِيمٍ مِنْ أُصُولِ الْإِسْلَامِ وَهُوَ وُجُوبُ التَّسْلِيمِ لِكُلِّ مَا جَاءَ بِهِ الشَّرْعُ وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُ لَا تَظْهَرُ حِكْمَتُهُ لِلْعُقُولِ وَلَا يَفْهَمُهُ أَكْثَرُ النَّاسِ وَقَدْ لَا يَفْهَمُونَهُ كُلُّهُمْ كَالْقَدَرِ مَوْضِعُ الدَّلَالَةِ قَتْلُ الْغُلَامِ وَخَرْقُ السَّفِينَةِ فَإِنَّ صُورَتَهُمَا صُورَةُ الْمُنْكَرِ وَكَانَ صَحِيحًا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ لَهُ حِكَمٌ بَيِّنَةٌ لَكِنَّهَا لَا تَظْهَرُ لِلْخَلْقِ فَإِذَا أَعْلَمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا عَلِمُوهَا وَلِهَذَا قَالَ وَمَا فعلته عن امري يَعْنِي بَلْ بِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى( كتاب فضائل الصحابة رضي الله عنهم) قَالَ الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْمَازِرِيُّ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي تَفْضِيلِ بَعْضِ الصَّحَابَةِ عَلَى بَعْضٍ فقالت طائفة لا نفاضل بَلْ نُمْسِكُ عَنْ ذَلِكَ وَقَالَ الْجُمْهُورُ بِالتَّفْضِيلِ ثُمَّ اخْتَلَفُوا فَقَالَ أَهْلُ السُّنَّةِ أَفْضَلُهُمْ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ وَقَالَ الْخَطَّابِيَّةُ أَفْضَلُهُمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَقَالَتِ الرَّاوَنْدِيَّةُ أَفْضَلُهُمُ الْعَبَّاسُ وَقَالَتِ الشِّيعَةُ عَلِيٌّ وَاتَّفَقَ أَهْلُ السُّنَّةِ عَلَى أَنَّ أَفْضَلَهُمْ أَبُو بَكْرٍ ثُمَّ عُمَرُ قَالَ جُمْهُورُهُمْ ثُمَّ عُثْمَانُ ثُمَّ عَلِيٌّ وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ السُّنَّةِ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ بِتَقْدِيمِ عَلِيٍّ عَلَى عُثْمَانَ وَالصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ تَقْدِيمُ عُثْمَانَ قَالَ أَبُو مَنْصُورٍ الْبَغْدَادِيُّ أَصْحَابُنَا مُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّ أَفْضَلَهُمُ الْخُلَفَاءُ الْأَرْبَعَةُ عَلَى التَّرْتِيبِ الْمَذْكُورِ ثُمَّ تَمَامُ الْعَشَرَةِ ثُمَّ أَهْلُ بَدْرٍ ثُمَّ أُحُدٍ ثُمَّ بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ وَمِمَّنْ لَهُ مَزِيَّةُ أَهْلُ الْعَقَبَتَيْنِ مِنَ الْأَنْصَارِ وَكَذَلِكَ السَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ وَهُمْ مَنْ صَلَّى إلى القبلتين في قول بن الْمُسَيِّبِ وَطَائِفَةٍ وَفِي قَوْلِ الشَّعْبِيِّ أَهْلُ بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ وَفِي قَوْلِ عَطَاءٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ أَهْلُ بَدْرٍ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ منهم بن عَبْدِ الْبَرِّ إِلَى أَنَّ مَنْ تُوُفِّيَ مِنَ الصَّحَابَةِ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْضَلُ مِمَّنْ بَقِيَ بَعْدَهُ وَهَذَا الْإِطْلَاقُ غير مرضي وَلَا مَقْبُولٍ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي أَنَّ التَّفْضِيلَ الْمَذْكُورَ قَطْعِيٌّ أَمْ لَا وَهَلْ هُوَ فِي الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ أَمْ فِي الظَّاهِرِ خَاصَّةً وَمِمَّنْ قَالَ بِالْقَطْعِ أَبُو الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيُّ قَالَ وَهُمْ فِي الْفَضْلِ عَلَى تَرْتِيبِهِمْ فِي الْإِمَامَةِ وَمِمَّنْ قَالَ بِأَنَّهُ اجْتِهَادِيٌّ ظَنِّيٌّ أَبُو بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيُّ وذكر بن الْبَاقِلَّانِيِّ اخْتِلَافَ الْعُلَمَاءِ فِي أَنَّ التَّفْضِيلَ هَلْ هو في الظاهر ام فِي الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ جَمِيعًا وَكَذَلِكَ اخْتَلَفُوا فِي عَائِشَةَ وَخَدِيجَةَ أَيَّتُهُمَا أَفْضَلُ وَفِي عَائِشَةَ وَفَاطِمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ وَأَمَّا عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَخِلَافَتُهُ صَحِيحَةٌ بِالْإِجْمَاعِ وَقُتِلَ مَظْلُومًا وَقَتَلَتْهُ فَسَقَةٌ لِأَنَّ مُوجِبَاتِ الْقَتْلِ مَضْبُوطَةٌ وَلَمْ يَجْرِ مِنْهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَا يَقْتَضِيهِ وَلَمْ يُشَارِكْ فِي قَتْلِهِ أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَإِنَّمَا قَتَلَهُ هَمَجٌ وَرُعَاعٌ مِنْ غَوْغَاءِ الْقَبَائِلِ وسفلةالْأَطْرَافِ وَالْأَرْذَالِ تَحَزَّبُوا وَقَصَدُوهُ مِنْ مِصْرَ فَعَجَزَتِ الصَّحَابَةُ الْحَاضِرُونَ عَنْ دَفْعِهِمْ فَحَصَرُوهُ حَتَّى قَتَلُوهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَمَّا عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَخِلَافَتُهُ صَحِيحَةٌ بِالْإِجْمَاعِ وَكَانَ هُوَ الْخَلِيفَةَ فِي وَقْتِهِ لَا خِلَافَةَ لِغَيْرِهِ وَأَمَّا مُعَاوِيَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَهُوَ مِنَ الْعُدُولِ الْفُضَلَاءِ وَالصَّحَابَةِ النُّجَبَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَمَّا الْحُرُوبُ الَّتِي جَرَتْ فَكَانَتْ لِكُلِّ طَائِفَةٍ شُبْهَةٌ اعْتَقَدَتْ تَصْوِيبَ أَنْفُسِهَا بِسَبَبِهَا وَكُلُّهُمْ عُدُولٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَمُتَأَوِّلُونَ فِي حُرُوبِهِمْ وَغَيْرِهَا وَلَمْ يُخْرِجْ شئ مِنْ ذَلِكَ أَحَدًا مِنْهُمْ عَنِ الْعَدَالَةِ لِأَنَّهُمْ مُجْتَهِدُونَ اخْتَلَفُوا فِي مَسَائِلَ مِنْ مَحَلِّ الِاجْتِهَادِ كَمَا يَخْتَلِفُ الْمُجْتَهِدُونَ بَعْدَهُمْ فِي مَسَائِلَ مِنَ الدِّمَاءِ وَغَيْرِهَا وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ نَقْصُ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَاعْلَمْ أَنَّ سَبَبَ تِلْكَ الْحُرُوبِ أَنَّ الْقَضَايَا كَانَتْ مُشْتَبِهَةً فَلِشِدَّةِ اشْتِبَاهِهَا اخْتَلَفَ اجتهادهم وصاروا ثلاثة اقسام قسم ظهر لهم بِالِاجْتِهَادِ أَنَّ الْحَقَّ فِي هَذَا الطَّرَفِ وَأَنَّ مُخَالِفَهُ بَاغٍ فَوَجَبَ عَلَيْهِمْ نُصْرَتُهُ وَقِتَالُ الْبَاغِي عَلَيْهِ فِيمَا اعْتَقَدُوهُ فَفَعَلُوا ذَلِكَ وَلَمْ يَكُنْ يَحِلُّ لِمَنْ هَذِهِ صِفَتُهُ التَّأَخُّرُ عَنْ مُسَاعَدَةِ امام العدل في قتال البغاة في اعتقاده وَقِسْمٌ عَكْسُ هَؤُلَاءِ ظَهَرَ لَهُمْ بِالِاجْتِهَادِ أَنَّ الْحَقَّ فِي الطَّرَفِ الْآخَرِ فَوَجَبَ عَلَيْهِمْ مُسَاعَدَتُهُ وَقِتَالُ الْبَاغِي عَلَيْهِ وَقِسْمٌ ثَالِثٌ اشْتَبَهَتْ عَلَيْهِمُ الْقَضِيَّةُ وَتَحَيَّرُوا فِيهَا وَلَمْ يَظْهَرْ لَهُمْ تَرْجِيحُ أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ فَاعْتَزَلُوا الْفَرِيقَيْنِ وَكَانَ هَذَا الِاعْتِزَالُ هُوَ الْوَاجِبُ فِي حَقِّهِمْ لِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ الْإِقْدَامُ عَلَى قِتَالِ مُسْلِمٍ حَتَّى يَظْهَرَ أَنَّهُ مُسْتَحِقٌّ لِذَلِكَ وَلَوْ ظَهَرَ لِهَؤُلَاءِ رُجْحَانُ أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ وَأَنَّ الْحَقَّ مَعَهُ لَمَا جَازَ لَهُمُ التَّأَخُّرُ عَنْ نُصْرَتِهِ فِي قِتَالِ الْبُغَاةِ عَلَيْهِ فَكُلُّهُمْ مَعْذُورُونَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَلِهَذَا اتَّفَقَ أَهْلُ الْحَقِّ وَمَنْ يُعْتَدُّ بِهِ فِي الْإِجْمَاعِ عَلَى قَبُولِ شَهَادَاتِهِمْ وَرِوَايَاتِهِمْ وَكَمَالِ عَدَالَتِهِمْ رَضِيَ الله عنهم اجمعين (بَاب مِنْ فَضَائِلِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

    [2380] الْبكالِي بِكَسْر الْبَاء الْمُوَحدَة وَتَخْفِيف الْكَاف قَالَ كذب عَدو الله قَالَ النَّوَوِيّ قَالَ الْعلمَاء هُوَ على وَجه الإغلاظ والزجر عَن مثل قَوْله لَا أَنه يعْتَقد أَنه عَدو الله حَقِيقَة إِنَّمَا قَالَه مُبَالغَة فِي إِنْكَار قَوْله لمُخَالفَته قَول رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَانَ ذَلِك فِي حَال غضب بن عَبَّاس لشدَّة إِنْكَاره وَحَال الْغَضَب تطلق الْأَلْفَاظ وَلَا يُرَاد حقائقها بمجمع الْبَحْرين قَالَ قَتَادَة أَي بحري فَارس وَالروم مِمَّا يَلِي الْمشرق وَعَن أبي بن كَعْب أَنه بإفريقية ثمَّ بِفَتْح الْمُثَلَّثَة أَي هُنَاكَ يُوشَع بن نون هُوَ بن أفراثيم بن يُوسُف وَنون مَصْرُوف كنوح جرية المَاء بِكَسْر الْجِيم الطاق عقد الْبناء وَهُوَ الأزج يعْقد أَعْلَاهُ وَتَحْته خَال وليلتهما قَالَ النَّوَوِيّ ضبطوه بِالنّصب والجر نصبا أَي تعبا مسجى أَي مغطى أَنى بأرضك السَّلَام أَي من أَيْن السَّلَام فِي هَذِه الأَرْض الَّتِي لَا يعرف فِيهَا السَّلَام نول بِفَتْح النُّون وَسُكُون الْوَاو أَي أجر النول الْعَطاء مَا نقص علمي وعلمك من علم الله إِلَّا مثل مَا نقص هَذَا العصفور من هَذَا الْبَحْر قَالَ الْعلمَاء لفظ النَّقْص هُنَا لَيْسَ على ظَاهره وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ أَن علمي وعلمك بِالنِّسْبَةِ إِلَى علم الله كنسبة مَا نقره هَذَا العصفور إِلَى مَاء الْبَحْر وَهَذَا على وَجه التَّقْرِيب إِلَى الأفهام فَعميَ عَلَيْهِ ضبط بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَكسر الْمِيم وبضم الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الْمِيم الكوة بِفَتْح الْكَاف وَيُقَال بضَمهَا وَهِي الطاق حلاوة الْقَفَا بِتَثْلِيث الْحَاء وَالضَّم أفْصح مَجِيء مَا جَاءَ بك قَالَ القَاضِي ضبط بِالرَّفْع غير منون ومنونا قَالَ وَهُوَ أظهر أَي أَمر عَظِيم جَاءَ بك انتحى عَلَيْهَا أَي اعْتمد على السَّفِينَة وَقصد خرقها انْطلق إِلَى أحدهم بادئ الرَّأْي بِالْهَمْز وَتَركه فَمن همزه فَمَعْنَاه أول الرَّأْي أَي انْطلق مسارعا إِلَى قَتله من غير فكر وَمن لم يهمز فَمَعْنَاه ظهر لَهُ رَأْي فِي قَتله من البداء وَهُوَ ظُهُور رَأْي لم يكن ذمَامَة بِفَتْح الذَّال الْمُعْجَمَة أَي استحياء لِكَثْرَة مُخَالفَته

    عن سعيد بن جبير قال: قلت لابن عباس: إن نوفا البكالي يزعم أن موسى، عليه السلام. صاحب بني إسرائيل ليس هو موسى صاحب الخضر، عليه السلام. فقال: كذب عدو الله. سمعت أبي بن كعب يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: قام موسى عليه السلام خطيبا في بني إسرائيل. فسئل أي الناس أعلم؟ فقال: أنا أعلم. قال: فعتب الله عليه إذ لم يرد العلم إليه. فأوحى الله إليه أن عبدا من عبادي بمجمع البحرين هو أعلم منك. قال موسى: أي رب! كيف لي به؟ فقل له: احمل حوتا في مكتل. فحيث تفقد الحوت فهو ثم. فانطلق وانطلق معه فتاه، وهو يوشع بن نون. فحمل موسى عليه السلام حوتا في مكتل، وانطلق هو وفتاه يمشيان حتى أتيا الصخرة. فرقد موسى عليه السلام وفتاه. فاضطرب الحوت في المكتل، حتى خرج من المكتل، فسقط في البحر. قال: وأمسك الله عنه جرية الماء حتى كان مثل الطاق. فكان للحوت سربا وكان لموسى وفتاه عجبا. فانطلقا بقية يومهما وليلتهما ونسي صاحب موسى أن يخبره. فلما أصبح موسى عليه السلام قال لفتاه: {{{ آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا }}} قال: ولم ينصب حتى جاوز المكان الذي أمر به: {{{ قال أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره واتخذ سبيله في البحر عجبا }}} قال موسى: {{{ ذلك ما كنا نبغ فارتدا على آثارهما قصصا }}} قال: يقصان آثارهما حتى أتيا الصخرة. فرأى رجلا مسجى عليه بثوب. فسلم عليه موسى. فقال له الخضر: أنى بأرضك السلام؟ قال: أنا موسى. قال: موسى بني إسرائيل؟ قال: نعم. قال: إنك على علم من علم الله علمكه الله لا أعلمه. وأنا على علم من علم الله علمنيه لا تعلمه. قال له موسى عليه السلام: {{{ هل أتبعك على أن تعلمني مما علمت رشدا قال إنك لن تستطيع معي صبرا وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا قال ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا }}} قال له الخضر {{{ فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا }}} قال: نعم. فانطلق الخضر وموسى يمشيان على ساحل البحر. فمرت بهما سفينة فكلماهم أن يحملوهما. فعرفوا الخضر، فحملوهما بغير نول. فعمد الخضر إلى لوح من ألواح السفينة فنزعه. فقال له موسى: قوم حملونا بغير نول عمدت إلى سفينتهم فخرقتها {{{ لتغرق أهلها لقد جئت شيئا إمرا قال ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا قال لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرا }}} ثم خرجا من السفينة. فبينما هما يمشيان على الساحل إذا غلام يلعب مع الغلمان. فأخذ الخضر برأسه فاقتلعه بيده، فقتله. فقال موسى {{{ أقتلت نفسا زاكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا قال ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا }}} قال: وهذه أشد من الأولى {{{ قال إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها فأبوا أن يضيفوهما فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض فأقامه }}} يقول: مائل. قال الخضر بيده هكذا. فأقامه. قال له موسى: قوم أتيناهم فلم يضيفونا ولم يطعمونا {{{ لو شئت لتخذت عليه أجرا قال هذا فراق بيني وبينك سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا }}} قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يرحم الله موسى لوددت أنه كان صبر حتى يقص علينا من أخبارهما قال: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كانت الأولى من موسى نسيانا قال: وجاء عصفور حتى وقع على حرف السفينة ثم نقر في البحر. فقال له الخضر: ما نقص علمي وعلمك من علم الله إلا مثل ما نقص هذا العصفور من البحر قال: سعيد بن جبير: وكان يقرأ: وكان أمامهم ملك يأخذ كل سفينة صالحة غصبا. وكان يقرأ: وأما الغلام فكان كافرا.


    المعنى العام يقول الله تعالى {{{ الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس }}}[الحج: 75] فالرسل عليهم السلام صفوة بني آدم، لأنهم الوسطاء بين الله وبين خلقه، يبلغون عن الله ما يشاؤه جل شأنه، ومن شأن الوسيط أن يكون على صورة محبوبه، حتى يتقبله الطرف المأمور، صورة عالية كريمة شريفة خلقيا وخلقيا، وهكذا كانت الرسل في مناقبهم، ولكل رسول ميزة خاصة، لا يلزمها أن يكون أعلى من زملائه من الرسل، فالخصوصية لا تقتضي الأفضلية، كما يقولون، لكن بعضهم امتاز بخصوصيات تفوق خصوصيات سواه، ومع ذلك فلا يلزم أن يكون أعلى رتبة عند ربه، ومن هنا حرص صلى الله عليه وسلم أن يوصي بعدم المفاضلة بين الرسل، فقال: لا تفاضلوا بين الأنبياء، بل نهى أن تفضله أمته على أحد من الرسل، فقال: لا تفضلوني على الأنبياء، وذلك على الرغم مما أوحي إليه من أنه سيد ولد آدم، وعلى الرغم من أنه صلى الله عليه وسلم أعلن هذه السيادة لأصحابه، إذ فرق بين أن يكون الإنسان سيدا في نفسه، وبين أن يسيد نفسه، أو حبيبه في كل مجلس، فرق بين ثبوت صفات الفضل في ذاتها، وبين أن يتباهى بها أهلوها، فحين قال اليهودي: والذي فضل موسى على العالمين لطمه المسلم، وقال: وعلى محمد؟ وحين شكا اليهودي اللطمة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لام المسلم، وذكر أفضلية لموسى عليه السلام، وأنه أول من يفيق من الصعقة يوم القيامة، وقال: لا تفضلوني على موسى، حتى الرسول الذي لا نعرف له كثير ميزات كان صلى الله عليه وسلم ينهانا أن نفضله عليه، فهو يقول: لا ينبغي لمسلم أن يقول: إن محمدا خير من يونس بن متى، وكان كثيرا ما يدفعه هذا التواضع إلى الثناء على غيره من الرسل، فحين سئل: من أكرم الناس؟ قال يوسف بن نبي الله يعقوب، ابن نبي الله إسحق، ابن نبي الله وخليله إبراهيم عليه السلام. ومن هنا عنى علماء الإسلام بإبراز فضائل الرسل، عناية لا تقل عن عنايتهم بإبراز فضائل رسولهم، فأفاضوا في عرض خصائص موسى عليه السلام، وهم في ذلك سائرون على نهج القرآن الكريم، الذي أفاض في أحداث قصص موسى عليه السلام إفاضة لا تماثلها إفاضة لأحد من الرسل. وفي هذا الباب ذكر الإمام مسلم لموسى عليه السلام قصة الحجر الذي جرى بثيابه، لبراءة موسى مما اتهمه به قومه، وقصة ملك الموت، وما جرى له مع موسى، وقصة اليهودي الذي حلف برب موسى، وقصة رؤية محمد صلى الله عليه وسلم في إسرائه موسى عليه السلام يصلي، وقصة موسى مع الخضر عليهما السلام، وفي شرحهما ما يغني عن تكراره هنا. وزاد الإمام البخاري على ذلك قصة ندائه من جانب الطور، وقصة أمه، وقد أصبح فؤادها فارغا، وقصة شد عضده بأخيه هارون، وقصة وعد موسى ثلاثين ليلة، وقصة أمره قومه أن يذبحوا بقرة، وقصة احتجاج آدم وموسى بخصوص القدر والخطيئة. فصلى الله وسلم وبارك على جميع رسله، لا نفرق بين أحد منهم، ونحن لله مسلمون. المباحث العربية (كانت بنو إسرائيل يغتسلون عراة) أي جماعتهم وأكثرهم، أو بعضهم، كقوله تعالى {{{ قالت الأعراب آمنا }}}[الحجرات: 14] والمراد يغتسلون جماعات في مكان واحد، فسر ذلك بقوله: (ينظر بعضهم إلى سوءة بعض) الظاهر أن ذلك كان غير محرم عندهم. (وكان موسى عليه السلام يغتسل وحده) لئلا يرى سوءته أحد استحياء وأدبا. ففي الرواية الثانية كان موسى عليه السلام رجلا حييا، قال: فكان لا يرى متجردا. (فقالوا: والله ما يمنع موسى أن يغتسل معنا إلا أنه آدر) أي قال بعض بني إسرائيل المحيطون به، القريبون من حياته، في الرواية الثانية قال: فقال بنو إسرائيل: إنه آدر أي بعض بني إسرائيل، والآدر بهمزة ممدودة ثم دال مفتوحة، وهو عظيم الخصيتين، والأدرة بضم الهمزة وسكون الدال على المشهور، وبفتحتين أيضا فيما حكي، ورجح الأول وهو نفخة في الخصية، وعند البخاري إن موسى كان رجلا حييا ستيرا، لا يرى من جلده شيء، استحياء منه، فآذاه من آذاه من بني إسرائيل، فقالوا: ما يستتر هذا التستر، إلا من عيب بجلده إما برص وإما أدرة، وإما آفة. (فذهب مرة يغتسل) حال مقدرة، أي يريد الاغتسال، في الرواية الثانية فاغتسل عند مويه فيه مجاز المشارفة، أي فأراد الاغتسال وأشرف عليه، ومويه بضم الميم، وفتح الواو، وإسكان الياء وهو تصغير ماء، وأصله موه والتصغير يرد الأشياء إلى أصولها. قال القاضي: وقع في معظم الروايات مشربة بفتح الميم وإسكان الشين، وهي حفرة في أصل النخلة، يجمع الماء فيها لسقيها، قال القاضي: وأظن الأول تصحيفا. (فوضع ثوبه على حجر) وفي رواية للبخاري فخلا يوم وحده، فوضع ثيابه على الحجر وظاهره أنه خلع كل ثيابه قبل دخوله في الماء، وأنه دخل في الماء عريانا، وعليه بوب البخاري في الغسل من اغتسل عريانا لكن عند أحمد أن موسى كان إذا أراد أن يدخل الماء لم يلق ثوبه، حتى يواري عورته في الماء فالمراد من وضع ثوبه على الحجر وضع بعض ثيابه، ويساعد هذا المعنى رواية تنكير الثياب عند الكشميهني فوضع ثيابا له ونقل ابن الجوزي عن الحسن بن أبي بكر النيسابوري أن موسى نزل إلى الماء مؤتزرا، فلما خرج تتبع الحجر، والمئزر مبتل بالماء، فعلموا عند رؤيته أنه غير آدر، لأن الأدرة تظهر تحت الثوب المبلول بالماء. قال الحافظ ابن حجر: هذا القول محتمل، لكن المنقول خلافه. (ففر الحجر بثوبه) في الرواية الثانية فانطلق الحجر يسعى وبينت رواية البخاري أن انطلاق الحجر كان بعد أن اغتسل موسى، ولفظها فوضع ثيابه على الحجر، ثم اغتسل، فلما فرغ أقبل إلى ثيابه ليأخذها وإن الحجر عدا بثوبه وفيها وإن الله أراد أن يبرئه مما قالوا لموسى. (فجمح موسى بأثره، يقول: ثوبي حجر، ثوبي حجر) جمح بالحاء، أي ذهب مسرعا إسراعا بليغا وروي فخرج ومعنى ثوبي حجر دع ثوبي يا حجر، أو أعطني ثوبي يا حجر وعند البخاري ثوبي يا حجر ومخاطبة الحجر أمر عادي يحصل عند الدهشة، كأنه كلام نفسي، أو أنه أجراه مجرى من يعقل، لكونه فر بثوبه، فانتقل عنده من حكم الجماد إلى حكم من يعقل، فناداه، فلما لم يعطه ضربه، وقريب من هذا قول بعضهم: يحتمل أنه كان يعتقد أن في الحجر تمييزا، يدرك به النداء، بقدرة الله، وعند البخاري فأخذ موسى عصاه، وطلب الحجر، فجعل يقول: ثوبي حجر. ثوبي حجر (حتى نظرت بنو إسرائيل إلى سوءة موسى، فقالوا: والله ما بموسى من بأس، فقام الحجر بعد، حتى نظر إليه، قال: فأخذ ثوبه، فطفق بالحجر ضربا) ضربا منصوب على المصدر، أي يضربه ضربا وفي رواية للبخاري حتى انتهى إلى ملأ من بني إسرائيل، فرأوه عريانا، أحسن ما خلق الله، وأبرأه مما يقولون، وقام الحجر، فأخذ ثوبه فلبسه، وطفق بالحجر ضربا بعصاه وظاهره أنهم رأوا جسده، وترتيب الأحداث على هذا واضح، فضرب موسى للحجر كان بعد أن وقف الحجر، وأخذ موسى ثيابه ولبسها، فروايتنا الثانية، في قولها واتبعه موسى بعصاه، يضربه، ثوبي حجر، ثوبي حجر، حتى وقف على ملأ من بني إسرائيل فيها تقديم وتأخير، إذ لو تمكن موسى من ضرب الحجر لتمكن من أخذ ثيابه، قبل الوقوف على بني إسرائيل. قال ابن الجوزي: والذي يظهر أنه استمر يتتبع الحجر على ما في الخبر، حتى وقف على مجلس لبني إسرائيل، كان فيهم من قال فيه من قال، وبهذا تظهر الفائدة، وإلا فلو كان الوقوف على قوم منهم في الجملة لم يقع ذلك الموقع اهـ. وعند ابن مردويه وابن خزيمة فقالت بنو إسرائيل: قاتل الله الأفاكين، وكانت براءته (قال أبو هريرة: والله إنه بالحجر ندب، ستة أو سبعة، ضرب موسى عليه السلام بالحجر) الندب بفتح النون والدال أصله الجرح إذا لم يرتفع عن الجلد، والمراد أن عصا موسى أثرت في الحجر، تأثيرا ظاهرا، ست علامات أو سبعا، وليس هذا بغريب على عصا موسى عليه السلام. (ونزلت: {{{ يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى فبرأه الله مما قالوا وكان عند الله وجيها }}}[الأحزاب: 69]) وفي رواية للبخاري فذلك قوله تعالى... وظاهر هذه الرواية أن ذكر الآية مع القصة من كلام أبي هريرة واجتهاده، لكن في رواية له عند ابن مردويه، قال: قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم {{{ يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى فبرأه الله مما قالوا }}}الآية قال: إن بني إسرائيل كانوا يقولون: إن موسى آدر.. فذكر نحو الحديث السابق. مما يفيد أن سبب النزول مرفوع، لكن روى أحمد بن منيع في مسنده بإسناد حسن والطحاوي وابن مردويه أن الآية المذكورة نزلت في طعن بني إسرائيل على موسى بسبب هارون، لأنه توجه معه إلى زيارة، فمات هارون، فدفنه موسى، فطعن فيه بعض بني إسرائيل، وقالوا: أنت قتلته، فبرأه الله تعالى بأن رفع لهم جسد هارون، وهو ميت فخاطبهم بأنه مات قال الحافظ ابن حجر: وفي الإسناد ضعف، ولو ثبت لم يكن فيه ما يمنع أن يكون في الفريقين معا، ففي كل منهما أوذي موسى، فبرأه الله مما قالوا، والله أعلم. (أرسل ملك الموت إلى موسى عليه السلام) أرسل مبني للمجهول، أي أرسله ربه، في الرواية الرابعة جاء ملك الموت إلى موسى عليه السلام فقال له: أجب ربك أي للموت وعند أحمد والطبري كان ملك الموت يأتي الناس عيانا، فأتى موسى... والرواية الثالثة موقوفة، لكن الرابعة مرفوعة. (فلما جاءه صكه، ففقأ عينه) أي فلما جاءه، وأخبره بموته، كره الموت، فلطمه، وفقء عين الملك قيل على الحقيقة، وأن الله أذن لموسى في هذه اللطمة، امتحانا للمكلوم، والله سبحانه وتعالى يفعل في خلقه ما يشاء، ويمتحنهم بما أراد، ورد الله إلى ملك الموت عينه البشرية، ليرجع إلى موسى، على كمال الصورة، فيكون ذلك أقوى في اعتباره، قال ابن عقيل: يجوز أن يكون موسى أذن له أن يفعل ذلك بملك الموت، وأمر ملك الموت بالصبر على ذلك. وقال ابن قتيبة: إنما فقأ موسى العين التي هي تخييل وتمثيل، وليست عينا حقيقية، ومعنى رد الله عينه أعاده إلى خلقته الحقيقية. وقال بعض العلماء: إن هذا على المجاز، والمراد أن موسى ناظره وحاجه، فغلبه بالحجة، ويقال: فقأ فلان عين فلان، إذا غالبه بالحجة، ويقال: عورت الشيء إذا أدخلت فيه نقصا، قال المازري: وفي هذا القول ضعف، قوله صلى الله عليه وسلم فرد الله عينه قال النووي: فإن قيل: أراد رد حجته كان بعيدا. وقال بعض العلماء: إن موسى عليه السلام لم يعلم أنه ملك من عند الله، وظن أنه رجل قصده، يريد نفسه، فدافعه، فأدت المدافعة إلى فقء العين، لا أنه قصدها بالفقء، قال النووي: وتؤيده رواية صكه وهذا جواب ابن خزيمة وغيره من المتقدمين، واختاره المازري والقاضي عياض، قالوا: وليس في الحديث تصريح بأنه تعمد فقء عينه، قال النووي: فإن قيل: فقد اعترف موسى حين جاءه ثانيا بأنه ملك الموت؟ فالجواب أنه أتاه في المرة الثانية بعلامة، علم بها أنه ملك الموت، فاستسلم، بخلاف المرة الأولى. أقول: وهذا بعيد أيضا، فالملائكة لا تحكمهم الصورة، والمختار عندي أنه خيل لموسى أنه فقأ عين ملك الموت، كما خيل إليه حين رآه في المرة الثانية أن الله رد له عينه، أو الكلام على التشبيه، أي فكأنه فقأ عينه، وكأن الله رد إليه عينه، وسيأتي مزيد لهذه المسألة في فقه الحديث. (أرسلتني إلى عبد لا يريد الموت) في الرواية الرابعة إنك أرسلتني إلى عبد لك، لا يريد الموت، وقد فقأ عيني وفي رواية قال: يا رب، عبدك موسى فقأ عيني، ولولا كرامته عليك لشققت عليه (ارجع إليه، فقيل له: يضع يده على متن ثور، فله بما غطت يده بكل شعرة سنة) في الرواية الرابعة ارجع إلى عبدي، فقل: الحياة تريد؟ والكلام على الاستفهام، والحياة مفعول مقدم فإن كنت تريد الحياة، فضع يدك على متن ثور، فما توارت أي فما غطت يدك من شعره، فإنك تعيش بها سنة والمتن بفتح الميم وسكون التاء الظهر. (قال: أي رب، ثم مه؟ قال: ثم الموت) في الرواية الرابعة قال: ثم مه؟ قال: ثم الموت وفي الكلام طي، تقديره، فرجع ملك الموت إلى موسى، فقال له ما قال ربه، فقال موسى مناجيا ربه. يا رب، ثم ماذا بعد هذه السنين؟ قال له ربه. ثم الموت يقع. ومه هي ما الاستفهامية، دخل عليها هاء السكت. (قال: فالآن) الفاء في جواب شرط مقدر، أي إذا كانت النهاية الموت لا محالة فالمختار عندي الموت الآن، وفي الرواية الرابعة فالآن من قريب. (فسأل الله أن يدنيه من الأرض المقدسة رمية بحجر) وفي الرواية الرابعة رب أمتني بفتح الهمزة وكسر الميم وسكون التاء، أي قريبا من الأرض المقدسة رمية بحجر أي مسافة رمية بحجر، وفي بعض النسخ رب أدنني بالدال ونونين. (فلو كنت ثم لأريتكم قبره، إلى جانب الطريق، تحت الكثيب الأحمر) في الرواية الرابعة عند الكثيب الأحمر وهو التل من الرمال الحمراء. وزعم ابن حبان أن قبر موسى بمدين، بين المدينة وبيت المقدس، وتعقبه الضياء بأن أرض مدين ليست قريبة من المدينة، ولا من بيت المقدس، قال: وهذا اشتهر عن قبر بأريحا، عنده كثيب أحمر، أنه قبر موسى وأريحا من الأرض المقدسة. وفي بعض الروايات فشمه شمة، تقبض روحه، وكان يأتي الناس خفية أي وصار يأتي خفية لقبض الأرواح قيل: عاش مائة وعشرين سنة. (بينما يهودي يعرض سلعة له، أعطي بها شيئا كرهه - أو لم يرضه) قال الحافظ ابن حجر: لم أقف على اسم هذا اليهودي في هذه القصة، وزعم بعضهم أنه فنحاص - بكسر الفاء وسكون النون - وعزاه لابن إسحاق، والذي ذكره ابن إسحق لفنحاص مع أبي بكر الصديق في لطمه إياه، قصة أخرى، في نزول قوله تعالى {{{ لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء }}}[آل عمران: 181]. (قال: لا. والذي اصطفى موسى- عليه السلام - على البشر) لا متضمنة معنى جملة، أي لا أبيع. وفي الرواية السادسة والذي اصطفى موسى على العالمين زاد البخاري في قسم يقسم به. (فسمعه رجل من الأنصار، فلطم وجهه) في الرواية السادسة فرفع المسلم يده عند ذلك. فلطم وجه اليهودي عند ذلك أي عند سماعه قول اليهودي، وإنما صنع ذلك لفهمه من عموم لفظ العالمين دخول محمد صلى الله عليه وسلم فيه، وقد تقرر عنده أن محمدا صلى الله عليه وسلم أفضل، وعند سفيان بن عيينة في جامعه، وابن أبي الدنيا في كتاب البعث، عن سعيد بن المسيب قال: كان بين رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وبين رجل من اليهود كلام في شيء قال عمرو بن دينار: هو أبو بكر الصديق، وهذا القول يتنافى مع روايتنا من الأنصار اللهم إلا أن يراد من الأنصار المعنى الأعم، أي الذين ناصروا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر أهم وأول من ناصر. (تقول: والذي اصطفى موسى على البشر؟ ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا؟) وفي الرواية السادسة فقال المسلم: والذي اصطفى محمدا صلى الله عليه وسلم على العالمين، وقال اليهودي: والذي اصطفى موسى عليه السلام على العالمين فيحتمل أنها استبا بعد حلف اليهودي، فحلف كل منهما، فكان حلف اليهودي بعد حلف المسلم، وفي رواية قال المسلم: أي خبيث. على محمد؟ أي فضل موسى على محمد؟ (فذهب اليهودي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا أبا القاسم، إن لي ذمة وعهدا، وقال: فلان لطم وجهي) وفي الرواية السادسة فذهب اليهودي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبره بما كان من أمره وأمر المسلم. (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لم لطمت وجهه؟) معطوف على محذوف، أي فدعا المسلم، فقال له... إلخ، ففي رواية فدعا النبي صلى الله عليه وسلم المسلم، فسأله عن ذلك، فأخبره وفي رواية فقال ادعوه لي، فجاء، فقال: أضربته؟ (لا تفضلوا بين أنبياء الله) وفي الرواية السادسة لا تخيروني على موسى وفي ملحق الرواية السادسة لا تخيروا بين الأنبياء. (ثم ينفخ فيه أخرى، فأكون أول من بعث - أو في أول من بعث - فإذا موسى عليه السلام أخذ بالعرش، فلا أدري. أحوسب بصعقته يوم الطور؟ أو بعث قبلي؟) وفي الرواية السادسة فإن الناس يصعقون فأكون أول من يفيق، فإذا موسى باطش بجانب العرش، فما أدري، أكان فيمن صعق، فأفاق قبلي؟ أم كان ممن استثنى الله؟ وفي رواية فإن الناس يصعقون يوم القيامة، فأصعق معهم قال العلماء: المراد بالصعق غشي يلحق من سمع صوتا، أو رأى شيئا يفزع منه، قال الحافظ ابن حجر: وهذه الرواية ثم ينفخ فيه أخرى فأكون أول من بعث ظاهر في أن الإفاقة بعد النفخة الثانية، وأصرح منها رواية إني أول من يرفع رأسه بعد النفخة الأخيرة قال: وأما ما وقع في حديث أبي سعيد فإن الناس يصعقون يوم القيامة، فأكون أول من تنشق عنه الأرض فهو وهم من الرواة - كما قال المحققون - والصواب ما وقع في رواية غيره فأكون أول من يفيق وأن كونه صلى الله عليه وسلم أول من تنشق عنه الأرض صحيح، لكنه في حديث آخر، ليس في قصة موسى، قال: ويمكن الجمع بأن النفخة الأولى يعقبها الصعق من جميع الخلق، أحيائهم وأمواتهم، وهو الفزع، ثم يعقب ذلك الفزع للموتى زيادة فيما هم فيه، وللأحياء موتا، ثم ينفخ الثانية للبعث، فيفيقون أجمعون، فمن كان مقبورا انشقت عنه الأرض، فخرج من قبره، ومن ليس بمقبور لا يحتاج إلى ذلك، وقد ثبت أن موسى ممن قبر في الحياة الدنيا. قال الحافظ ابن حجر: وقد استشكل كون جميع الخلق يصعقون - أي يغشى عليهم من الفزع - مع أن الموتى لا إحساس لهم، فقيل: المراد أن الذين يصعقون هم الأحياء، وأما الموتى فهم في الاستثناء في قوله {{{ ونفخ في الصور فصعق من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله }}}[الزمر: 68] أي إلا من سبق له الموت قبل ذلك، فإنه لا يصعق، وإلى هذا جنح القرطبي، ولا يعارضه ما ورد في هذا الحديث أن موسى ممن استثنى الله، لأن الأنبياء أحياء عند الله، وإن كانوا في صورة الأموات بالنسبة إلى أهل الدنيا، وقد ثبت ذلك للشهداء، ولا شك أن الأنبياء أرفع رتبة من الشهداء، وورد التصريح بأن الشهداء ممن استثنى الله، وقال عياض: يحتمل أن يكون المراد صعقة فزع بعد البعث، حين تنشق السماء والأرض، وتعقبه القرطبي بأنه صلى الله عليه وسلم صرح بأنه حين يخرج من قبره يلقى موسى، وهو متعلق بالعرش، وهذا إنما يكون عند نفخة البعث، اهـ. قال الحافظ ابن حجر: ويرده قوله صريحا - كما تقدم - إن الناس يصعقون، فأصعق معهم إلى آخر ما تقدم، قال: ويؤيده أنه عبر بقوله أفاق لأنه إنما يقال: أفاق من الغشي، وبعث من الموت، وكذا عبر عن صعقة الطور بالإفاقة، لأنها لم تكن موتا بلا شك، وإذا تقرر ذلك كله ظهر صحة الحمل على أنها غشية، تحصل للناس في الموقف. اهـ. وقوله في الرواية السادسة فإذا موسى باطش بجانب العرش أي آخذ بجانب من العرش بقوة، والبطش الأخذ بقوة، أما قوله في الرواية الخامسة فإذا موسى آخذ بالعرش أي آخذ ببعض قوائم العرش، ففي رواية آخذ بقائمة من قوائم العرش. (مررت على موسى، وهو يصلي في قبره) يراجع شرح هذا في كتاب الإيمان، من كتابنا. (ولا أقول: إن أحدا أفضل من يونس بن متى عليه السلام) كذا في الرواية الخامسة، وفي الرواية السابعة والثامنة يقول الله تبارك وتعالى: لا ينبغي لعبد لي - أو لعبدي - أن يقول: أنا خير من يونس ابن متى، عليه السلام وفي رواية البخاري لا يقولن أحدكم إني خير من يونس والضمير في إني للرسول صلى الله عليه وسلم. وارتباط النهي عن تفضيله صلى الله عليه وسلم بالكلام عن موسى إنما هو ارتباط النهي عن التفضيل مطلقا، حتى عن يونس عليه السلام، الذي قال الله تعالى في شأنه {{{ فاصبر لحكم ربك ولا تكن كصاحب الحوت إذ نادى وهو مكظوم }}}[القلم: 48] مغموم {{{ لولا أن تداركه نعمة من ربه لنبذ بالعراء وهو مذموم }}}[القلم: 49] لكنه نبذ غير مذموم. (ونسبه إلى أبيه) من كلام الراوي، أي نسبه صلى الله عليه وسلم إلى أبيه فقال: يونس بن فلان، ولم ينسبه إلى متى لأن متى اسم أمه، وهذا محكي عن وهب بن منبه، وذكره الطبري، وتبعه ابن الأثير في الكامل، وكأن الراوي نسي اسم أبيه الذي ذكره رسول الله صلى الله عليه وسلم، كذا قيل: وهو بعيد، والصحيح ما في الصحيح أنه يونس بن متى، وكأن الراوي بهذه الجملة يرد على القول الأول، ويقول: ونسبه إلى أبيه متى. (من أكرم الناس؟ قال: أتقاهم) أصل الكرم كثرة الخير، وقد فهم صلى الله عليه وسلم أن السؤال عن أكمل الكرم وأعمه، فأجاب بالأتقى، أخذا من قوله تعالى {{{ إن أكرمكم عند الله أتقاكم }}}[الحجرات: 13] ومن كان متقيا كان كثير الخير، وكثير الفائد في الدنيا، وصاحب الدرجات العلى في الآخرة. (ليس عن هذا نسألك)، ظن صلى الله عليه وسلم أنهم يسألون عن شخصية جامعة لمكارم الأخلاق، فأجاب بقوله: (فيوسف نبي الله، ابن نبي الله، ابن نبي الله، ابن خليل الله) فهو ابن ثلاثة أنبياء، متناسلين، فهو ابن يعقوب بن إسحق بن إبراهيم، وانضم إلى هذا الشرف علم الرؤيا، وتمكنه فيه، ورياسة الدنيا، وملكها بالسيرة الجميلة، وحياطته الرعية، وعموم نفعه إياهم، وشفقته عليهم، وإنقاذه إياهم من تلك السنين، والفاء في جواب شرط مقدر، أي إذا كنتم لا تقصدون الأكرم بالمعنى الذي ذكرته، فيوسف، وينطق بضم السين وكسرها وفتحها، مع الهمز على الواو وتركه، فهذه ستة أوجه. (ليس عن هذا نسألك) ففهم صلى الله عليه وسلم أنهم يسألون عن قبائل العرب، فقال:- (فعن معادن العرب تسألوني؟ خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا) ومعناه: إن كنتم تسألون عن أصول العرب فأصحاب المروءات ومكارم الأخلاق في الجاهلية، إذا أسلموا وفقهوا فهم خيار الناس. (كان زكريا نجارا) أي فكان يأكل من عمل يده، وهو فضيلة، وزكريا فيها خمس لغات، المد والقصر، وزكري بالتشديد، والتخفيف وزكر كعلم. وزكريا والد يحيى، ويحيى وعيسى ابن مريم ابنا خالة، قال ابن إسحاق: كان زكريا وابنه آخر من بعث من بني إسرائيل، قبل عيسى، وقال أيضا: أراد بنو إسرائيل قتل زكريا، ففر منهم، فمر بشجرة، فانفلقت له، فدخل فيها، فالتأمت عليه فأخذ الشيطان بهدبة ثوبه، فرأوها، فوضعوا المنشار على الشجرة، فنشروها، حتى قطعوه من وسطه في جوفها، وكذلك قتلوا يحيى، وكان ذلك قبل أن يرفع عيسى عليهم السلام. (إن نوفا البكالي) قال النووي: هكذا ضبطه الجمهور، بكسر الباء، وفتح الكاف مخففة، رواه بعضهم بفتح الباء، وتشديد الكاف، قال القاضي: هذا الثاني: هو ضبط أكثر الشيوخ وأصحاب الحديث، قال: والصواب الأول، وهو قول المحققين، وهو منسوب إلى بني بكال، بطن من حمير، وقيل من همدان، ونوف هذا هو ابن امرأة كعب الأحبار، وقيل: ابن أخيه، والمشهور الأول، قاله ابن أبي حاتم وغيره، وكان عالما حكيما قاضيا، وإماما لأهل دمشق، وضبطه العلماء بفتح النون، وسكون الواو، بعدها فاء، قال الحافظ ابن حجر: وهو تابعي صدوق. (ليس هو موسى صاحب الخضر) روى البخاري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إنما سمي الخضر بفتح الخاء وكسر الضاد - لأنه جلس على فروة بيضاء، فإذا هي تهتز من خلفه خضراء زاد عبد الرزاق في مصنفه الفرو الحشيش الأبيض، وما أشبهه قال عبد الله بن أحمد بعد أن رواه عن أبيه: أظن هذا تفسيرا من عبد الرزاق. اهـ. وجزم بذلك القاضي عياض، وقال ابن الأعرابي: الفروة أرض بيضاء، ليس فيها نبات، وبهذا جزم الخطابي ومن تبعه، وحكي عن مجاهد أنه قيل له الخضر، لأنه كان إذا صلى اخضر ما حوله، وقد اختلف في اسمه واسم أبيه، وفي نسبه، وفي نبوته، وفي تعميره، فقال وهب بن منبه، هو بليا، بفتح الباء، وسكون اللام، وقيل بزيادة ألف بعد الباء، وقيل: إلياس، وقيل: اليسع، وقيل: عامر، وقيل: خضرون، والأول أثبت. وهو ابن ملكان بن فالغ بن عابر بن شالخ بن أرفشخذ بن سام بن نوح، فعلى هذا فمولده قبل إبراهيم الخليل، لأنه يكون ابن عم جد إبراهيم، وقيل: كان بعد عهد إبراهيم، وقيل ابن آدم لصلبه، وقيل: ابن قابيل، وقيل: ابن فرعون، وقيل: ابن بنت فرعون، وقيل: كان أبوه فارسيا، وقيل: إنه الذي أماته الله، ثم بعثه بعد مائة عام، فلا يموت حتى ينفخ في الصور، أقوال كثيرة لا سند لها يعتد به. أما عن نبوته فعند أكثر أهل العلم أنه نبي، ثم اختلفوا: هل هو رسول أم لا؟ وقالت طائفة منهم القشيري هو ولي. وفي الرواية الثانية عشرة إن نوفا يزعم أن موسى الذي ذهب يلتمس العلم ليس بموسى بني إسرائيل. قال: أسمعته يا سعيد؟ قلت: نعم. قال: كذب نوف وفي رواية للبخاري إن بالكوفة رجلا قاصا، يقال له: نوف يزعم... إلخ. (كذب عدو الله) قال النووي: قال العلماء: هو على وجه الإغلاظ والزجر عن مثل قوله، لا أنه يعتقد أنه عدو الله حقيقة، إنما قاله مبالغة في إنكاره قوله، لمخالفته قول رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان ذلك في حال غضب ابن عباس، لشدة إنكاره، وحال الغضب تطلق الألفاظ، ولا يراد بها حقيقتها. (قام موسى عليه السلام خطيبا في بني إسرائيل، فسئل: أي الناس أعلم؟ فقال: أنا أعلم) وفي الرواية الثالثة عشرة إنه بينما موسى عليه السلام في قومه، يذكرهم بأيام الله - وأيام الله نعماؤه وبلاؤه - إذ قال: ما أعلم في الأرض رجلا خير - أو أعلم - مني وفي رواية للبخاري بينما موسى في ملأ من بني إسرائيل، جاءه رجل، فقال: هل تعلم أحدا أعلم منك؟ قال: لا وفي رواية للبخاري ذكر الناس يوما، حتى إذا فاضت العيون، ورقت القلوب ولى، فأدركه رجل، فقال... (قال: فعتب الله عليه، إذ لم يرد العلم إليه، فأوحى الله إليه: أن عبدا من عبادي بمجمع البحرين هو أعلم منك) في الرواية الثالثة عشرة فأوحى الله إليه: إني أعلم بالخير منه، أو عند من هو؟ إن في الأرض رجلا، هو أعلم منك أي كان حقه أن يقول: والله أعلم، فيرد العلم لله. ومجمع البحرين ملتقاهما، قيل: هما بحر فارس والروم، والمراد مكان يقرب من التقائهما، وإلا فهما لا يلتقيان إلا في البحر المحيط، وهما شعبتان منه، قيل: عند طنجة، قيل: الكر والرس بأرمينية. (قال موسى: أي رب. كيف لي به؟) في الرواية الثالثة عشرة قال: يا رب، فدلني عليه وفي رواية للبخاري فسأل موسى السبيل إليه. (فقيل له: احمل حوتا في مكتل، فحيث تفقد الحوت، فهو ثم) بفتح الثاء، أي هناك، والحوت السمكة وكانت السمكة مالحة، ففي الرواية الثالثة عشرة تزود حوتا مالحا والمكتل بكسر الميم وسكون الكاف وفتح التاء هو القفة والزنبيل، وفي رواية للبخاري تأخذ حوتا، فتجعله في مكتل، حيثما فقدت الحوت فهو ثم وفي رواية أخرى له فجعل له الحوت آية، وقيل له: إذا فقدت الحوت فارجع، فإنك ستلقاه. (فانطلق، وانطلق معه فتاه، وهو يوشع بن نون، فحمل موسى عليه السلام حوتا في مكتل، وانطلق هو وفتاه يمشيان، حتى أتيا الصخرة، فرقد موسى عليه السلام وفتاه، فاضطرب الحوت في المكتل، حتى خرج من المكتل، فسقط في البحر) ومعنى فتاه صاحبه. ونون مصروف، مثل نوح. وفي الرواية الثالثة عشرة حتى انتهيا إلى الصخرة، فعمي عليه، فانطلق وترك فتاه، فاضطرب الحوت في الماء، فجعل الماء لا يلتئم عليه أي لا يغطيه وصار مثل الكوة أي الفتحة أو الفجوة. (وأمسك الله عنه جرية الماء) فبقي في فجوة ظاهرا، والجرية بكسر الجيم. (فكان مثل الطاق) كوة تتخذ في الحائط، غير نافذة توضع فيها الأشياء. (فكان للحوت سربا) أي مسلكا، كالسرب، وهو النفق. (وكان لموسى وفتاه عجبا) أي بعد أن رجعا إلى المكان ورأياه، فهذا الكلام مقدم من تأخير. (فانطلقا بقية يومهما وليلتهما، ونسي صاحب موسى أن يخبره، فلما أصبح موسى عليه السلام قال لفتاه: {{{ آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا }}}) في الرواية الثالثة عشرة فجعل الماء لا يلتئم عليه، صار مثل الكوة، فقال فتاه: ألا ألحق نبي الله فأخبره؟ قال: فنسي وفي القرآن الكريم {{{ فلما بلغا مجمع بينهما نسيا حوتهما }}}أي حال حوتهما، أي نسي موسى وجوده أو عدم وجوده في المكتل، ونسي فتاه أن يخبر موسى بوقوعه في البحر، وقيل: إن الناسي هو فتاه لا غير، نسي أن يخبر موسى بخبر الحوت، والشيء قد ينسب إلى الجماعة، وإن كان الذي فعله واحدا. ( {{{ قال أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره }}}) أي وما أنساني ذكر أمره لك إلا الشيطان. {{{ قال ذلك ما كنا نبغ }}} أي نطلب، معناه أن الذي جئنا نطلبه هو الموضع الذي نفقد فيه الحوت. ( {{{ فارتدا على آثارهما قصصا }}}) أي ارتدا في طريقهما الذي جاءا منه، يقصانه قصصا، أي يتبعانه اتباعا، زاد في الرواية الثالثة عشرة فأراه مكان الحوت، قال: ها هنا وصف لي، فذهب يلتمس. (فرأى رجلا مسجى عليه بثوب، فسلم عليه موسى) أي مغطى عليه بثوب، وفي الرواية الثالثة عشرة فإذا هو بالخضر، مسجى ثوبا، مستلقيا على القفا - أو قال: على حلاوة القفا - قال: السلام عليكم (فقال له الخضر: أنى بأرضك السلام)؟ أي كيف يأتي السلام من أرضك؟ فالاستفهام للتعجب، أي هذه التحية عجيبة بأرضك، ويحتمل أن يكون المعنى من أين هذا الكلام بأرضك؟ فهي ظرف مكان. وفي رواية لابن أبي حاتم فرأى الخضر، وعليه جبة من صوف، وكساء من صوف، ومعه عصا، قد ألقى عليها طعامه. (قال: أنا موسى. قال: موسى بني إسرائيل؟ قال: نعم) في الرواية الثالثة عشرة قال: السلام عليكم، فكشف الثوب عن وجهه، قال: وعليكم السلام. من أنت؟ قال: أنا موسى. قال: ومن موسى؟ قال: موسى بني إسرائيل، قال: مجيء ما، جاء بك أي سبب ما جاء بك؟ قال: جئت لتعلمني مما علمت رشدا أي علما ذا رشد، وإصابة للخير. (قال إنك على علم من علم الله، علمكه الله، لا أعلمه، وأنا على علم من علم الله، علمنيه، لا تعلمه، قال له موسى عليه السلام: {{{ هل أتبعك على أن تعلمن مما علمت رشدا }}}) وروي أن الخضر استوى جالسا، لما عرف أنه موسى، ثم قال: يا موسى، أما يكفيك أن التوراة بيدك؟ وأن الوحي يأتيك؟ قال موسى: إن ربي أرسلني إليك لأتبعك، وأتعلم من علمك. ( {{{ قال إنك لن تستطيع معي صبرا* وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا }}}) زاد في الرواية الثالثة عشرة، شيء أمرت به أن أفعله، إذا رأيته لم تصبر؟ أكد عدم صبره بـ إن وبلن، وعدل عن لن تصبر إلى لن تستطيع ونكر صبرا في سياق النفي، لإفادة العموم، أي لن تستطيع معي صبرا، أي صبر، مهما قل، وعلل ذلك بأنه عليه السلام يتولى أمورا خفية المراد، منكرة الظواهر، والرجل الصالح لا سيما صاحب الشريعة، لا يتمالك أن يشمئز عند مشاهدتها، وكأنه علم مع ذلك حدة موسى عليه السلام، ومزيد غيرته التي أوصلته إلى أن يأخذ برأس أخيه، يجره إليه. ( {{{ قال ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا }}}) حذف التعليق على المشيئة في معصية الأمر اكتفاء بذكره في الصبر، وهو مراد، وقيل: علق في الصبر فصبر ثلاث حوادث، ولم يعلق في الطاعة وعدم المعصية، فاعترض وأنكر من أول حادثة. (قال له الخضر: {{{ قال فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا }}}قال: نعم) أي لا تسألني عن سر شيء تشاهده - فضلا عن المناقشة، والاعتراض والإنكار - حتى أبتدئك ببيانه. ( {{{ فانطلقا }}}) أي موسى والخضر، عليهما السلام، ولم يضم إليهما يوشع لأنه تابع، وقيل: رده موسى عليه السلام إلى بني إسرائيل، وفي رواية أنهما انطلقا يمشيان على ساحل البحر، فمرت بهما سفينة، فكلموهم أن يحملوهما، فعرفوا الخضر، فحملوهما من غير أجر. ( {{{ حتى إذا ركبا في السفينة خرقها }}}) روي أنهما لما ركبا في السفينة أخرج الخضر من مكتله القدوم، أو مثقابا ومطرقة، وانتحى ناحية عنهم وخرق خرقا، وضع عليه لوحا، وجلس عليه. ( {{{ قال: أخرقتها لتغرق أهلها؟ لقد جئت شيئا إمرا }}}) أي فظيعا منكرا، واللام في لتغرق لام العاقبة، وقيل للتعليل، روي أن موسى عليه السلام اشتد غضبا، وشد على الخضر ثيابه، وأراد أن يقذف به في البحر، وهو يقول: أردت هلاكهم؟ فستعلم أنك أول هالك. ( {{{ قال ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا }}}؟) والاستفهام تقريري، أي قر بأنك لن تستطيع معي صبرا. ( {{{ قال لا تؤاخذني بما نسيت }}}) أي لا تؤاخذني على إنكاري المتسبب عن نسياني الوصية. ( {{{ ولا ترهقني من أمري عسرا }}}) أي لا تحملني من اتباعي لك صعوبة، ويسر على المتابعة بالإغضاء عما وقع مني، فقبل عذره، وجنحت السفينة إلى الشاطئ لإصلاحها، ونزلا منها. ( {{{ فانطلقا }}}) يمشيان على الشاطئ، فمرا بقرية. ( {{{ حتى إذا لقيا غلاما فقتله }}}) روي أنه كان يلعب مع الغلمان، وكانوا على ما قيل عشرة، وأنه لم يكن فيهم أحسن منه ولا أنظف، وروي أنه ضرب رأسه بالجدار فقتله، وقيل: اقتلع رأسه، وقيل: ذبحه بالسكين، قيل: كان بالغا، وقيل لم يكن بالغا، وفي الرواية الثالثة عشرة فانطلقا، حتى إذا لقيا غلمانا يلعبون، قال: فانطلق إلى أحدهم، بادي الرأي، فقتله، فذعر عندها موسى عليه السلام، ذعرة منكرة. ( {{{ قال أقتلت نفسا زكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا }}}) أي نفسا طاهرة من الذنوب، بغير قصاص لك عليه، ونكرا بضم النون وسكون الكاف، أي منكرا جدا. ( {{{ قال ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا }}}قال: وهذه أشد من الأولى) زاد في الرواية الثالثة عشرة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم - عند هذا المكان - من القصة رحمة الله علينا وعلى موسى، لولا أنه عجل لرأى العجب، ولكنه أخذته من صاحبه ذمامة بفتح الذال، أي حياء، وإشفاق من اللوم ولو صبر لرأى العجب قال الراوي: وكان صلى الله عليه وسلم إذا ذكر أحد من الأنبياء بدأ بنفسه: رحمة الله علينا، وعلى أخي كذا رحمة الله علينا. ( {{{ قال إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا }}}) أي إن سألتك عن شيء تفعله من الأعاجيب بعد هذه المرة فلا تصحبني معك، قد بلغت إلى الغاية التي تعذر بسببها في فراقي، حيث خالفتك مرة بعد مرة. ( {{{ فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها }}}) قيل: القرية هي أنطاكية، وقيل: هي الأيلة، والمعنى استطعما بعض أهلها، أي طلبا طعاما، ولم يطلبوا ضيافة. وفي الرواية الثالثة عشرة حتى إذا أتيا أهل قرية لئاما، فطافا في المجالس، فاستطعما أهلها. ( {{{ فأبوا أن يضيفوهما }}}) أي أبوا مجرد إيوائهما، فضلا عن إطعامهما. ( {{{ فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض فأقامه }}}) قيل: هدمه، فبناه، وفي الكلام مجاز لأن الجدار لا إرادة له. وقيل: وجده مائلا، فقال له الخضر بيده هكذا. فأقامه، قال القرطبي: كونه مسحه بيده فأقامه هو الصحيح، وهو أشبه بأحوال الأنبياء عليهم السلام، واعترض بأنه غير ملائم لما بعد، إذ لا يستحق بمثله الأجر. ( {{{ قال لو شئت لاتخذت عليه أجرا }}}) أي قال موسى عليه السلام ذلك تحريضا للخضر عليه السلام، وحثا على أخذ الأجرة، لحاجتهما إليها، وقيل: قاله تعريضا بأن فعله ذلك ليس في محله. ( {{{ قال هذا فراق بيني وبينك سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا }}}) زاد في الرواية الثالثة عشرة وأخذ بثوبه. (وجاء عصفور) مجيئه مناسب لأن يكون بعد كشف السر، لكن السفينة كانت في أول الرحلة. ( {{{ أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر فأردت أن أعيبها }}}) أي كانت لضعفاء، لا يقدرون على مدافعة الظلمة، أي كانت لهم ملكا، أو عارية، أو كانوا أجراء، واللام للاختصاص، يتعيشون منها، فأردت أن أجعلها ذات عيب، ولم أرد إغراق من بها، كما حسبت. ( {{{ وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا }}}) أي يأخذ كل سفينة صالحة غصبا يسخرها، أي فوجدها الملك معيبة، فتركها، فأصلحوها بقطعة خشب، وتكسبوا عليها. ( {{{ وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين فخشينا أن يرهقهما طغيانا وكفرا }}}) في الرواية الثالثة عشرة وأما الغلام فطبع يوم طبع كافرا، وكان أبواه قد عطفا عليه، فلو أنه أدرك أرهقهما طغيانا وكفرا. فقه الحديث يؤخذ من أحاديث الباب 1- من قصة موسى عليه السلام، والحجر، الرواية الأولى والثانية معجزتان ظاهرتان لموسى عليه السلام، إحداهما مشي الحجر بثوبه إلى ملأ بني إسرائيل، والثانية حصول الندب، وأثر الضرب فيه، كيف لا. وقد ضرب الحجر من قبل فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا؟ 2- قال النووي: وفيه وجود التمييز في الجمادات كالحجر ونحوه، ومثله تسليم الحجر بمكة، وحنين الجذع. 3- وجواز الغسل عريانا في الخلوة، وإن كان ستر العورة أفضل، وبهذا قال الشافعي، ومالك وجماهير العلماء، وخالفهم ابن أبي ليلى، وقال: إن للماء ساكنا، واحتج في ذلك بحديث ضعيف. 4- وفيه ما ابتلي به الأنبياء والصالحون من أذى السفهاء والجهال، وصبرهم عليهم. 5- وفيه أن الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم منزهون عن النقائص في الخلقة، سالمون من العاهات والمعايب. ذكره القاضي وغيره، وقالوا: ولا التفات إلى ما قاله من لا تحقيق له من أهل التاريخ في إضافة بعض العاهات إلى بعضهم، بل نزههم الله تعالى من كل عيب وكل شيء يبغض العيون، أو ينفر القلوب. 6- وفيه جواز المشي عريانا لضرورة، وقال ابن الجوزي: لما كان موسى في خلوة، وخرج من الماء، فلم يجد ثوبه، تبع الحجر، بناء على أن لا يصادف أحدا وهو عريان، فاتفق أنه كان هناك قوم، فمر بهم، كما أن جوانب الأنهار - وإن خلت غالبا - لا يؤمن وجود قوم قريب منها، فبني الأمر على أنه لا يراه أحد، لأجل خلاء المكان، فاتفق رؤية من رآه، قال الحافظ ابن حجر: والظاهر أنه استمر يتبع الحجر، حتى وقف على مجلس لبني إسرائيل، كان فيهم من قال فيه ما قال، وبهذا تظهر الفائدة. 7- وفيه جواز النظر إلى العورة عند الضرورة الداعية لذلك من مداواة أو براءة من عيب، وهذا على قول من يقول: شرع من قبلنا شرع لنا. 8- ومن قوله كانت بنو إسرائيل يغتسلون عراة، ينظر بعضهم إلى سوءة بعض أن ذلك كان جائزا في شرعهم، وإلا لما أقرهم موسى على ذلك، وكان هو عليه السلام يغتسل وحده، أخذا بالأفضل، وأغرب ابن بطال، فقال: هذا يدل على أنهم كانوا عصاة له، وتبعه القرطبي في ذلك. 9- وفيه أن من نسب نبيا من الأنبياء إلى نقص في خلقته، فقد آذاه، ويخشى على فاعله الكفر. 10- وأن الآدمي يغلب عليه طباع البشر، لأن موسى علم أن الحجر ما سار بثوبه إلا بأمر من الله، ومع ذلك عامله معاملة من يعقل، فناداه، وضربه. 11- ومن قصة موسى عليه السلام وملك الموت، روايتنا الثالثة والرابعة، أن الملك يتمثل بصورة الإنسان، وقد جاء ذلك في أحاديث مشهورة. 12- قال ابن خزيمة: أنكر بعض المبتدعة هذا الحديث، وقالوا: إن كان موسى عرفه فقد استخف به، وإن كان لم يعرفه فكيف لم يقتص له من فقء عينه؟ قال: والجواب أن الله لم يبعث ملك الموت لموسى، وهو يريد قبض روحه حينئذ، وإنما بعثه إليه اختبارا، وإنما لطم موسى ملك الموت لأنه رأى آدميا، دخل داره بغير إذنه، ولم يعلم أنه ملك الموت، وقد أباح الشرع فقء عين الناظر في دار المسلم بغير إذن، وقد جاءت الملائكة إلى إبراهيم وإلى لوط في صورة آدميين، فلم يعرفهم ابتداء، ولو عرفهم إبراهيم لما قدم لهم المأكول، ولو عرفهم لوط لما خاف عليهم من قومه. قال: وعلى تقدير أن يكون عرفه، فمن أين لهذا المبتدع مشروعية القصاص بين الملائكة والبشر؟ ثم من أين له أن ملك الموت طلب القصاص من موسى، فلم يقتص له. وقال النووي: لا يمتنع أن يأذن الله لموسى في هذه اللطمة، امتحانا للملطوم. وقال غيره: إنما لطمه لأنه جاء لقبض روحه، من قبل أن يخبره، لما ثبت أنه لم يقبض نبي حتى يخبر، فلهذا لما خيره في المرة الثانية أذعن. وقال ابن قتيبة: إنما فقأ موسى العين التي هي تخييل وتمثيل، وليست عينا حقيقية، ومعنى رد الله عينه أعاده إلى خلقته الحقيقية. وقيل على ظاهره، ورد الله إلى ملك الموت عينه البشرية، ليرجع إلى موسى على كمال الصورة، فيكون ذلك أقوى في اعتباره. قال الحافظ ابن حجر: وهذا هو المعتمد. وجوز ابن عقيل أن يكون موسى أذن له أن يفعل ذلك بملك الموت، وأمر ملك الموت بالصبر على ذلك، كما أمر موسى بالصبر على ما يصنع الخضر. 13- واستدل بقوله فلك بكل شعرة سنة على أن الذي بقي من الدنيا كثير جدا، لأن عدد الشعر الذي تواريه اليد كثير. 14- واستدل به على جواز الزيادة في العمر، وقد قال به قوم في قوله تعالى {{{ وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره إلا في كتاب }}}[فاطر: 11] وأنه زيادة ونقص في الحقيقة. ومنع قوم ذلك، وأجابوا عن قصة موسى بأن أجله قد كان قرب حضوره، ولم يبق منه إلا مقدار ما دار بينه وبين ملك الموت من المراجعتين، فأمر بقبض روحه أولا، مع سبق علم الله أن ذلك لا يقع إلا بعد المراجعة، وإن لم يطلع ملك الموت على ذلك أولا. 15- وفيه فضل الدفن في الأماكن المقدسة، والفاضلة، والمواطن المباركة، والقرب من مدافن الصالحين. قاله النووي. 16- ومن الرواية الخامسة النهي عن التفضيل بين الأنبياء. 17- فضيلة موسى عليه السلام. 18- أهل الذمة لهم ما لنا، وعليهم ما علينا. 19- فضيلة يونس عليه السلام، وكذا من الرواية السابعة والثامنة. 20- ومن الرواية التاسعة فضيلة يوسف عليه السلام. 21- وأن الناس معادن، خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا. 22- وأن التقوى رأس الفضائل. 23- ومن الرواية العاشرة فضيلة زكريا عليه السلام. 24- ومن الرواية الحادية عشرة وما بعدها، من قصة موسى والخضر عليهما السلام. ما يؤكد قوله تعالى {{{ وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم }}}[البقرة: 216]. 25- ومن إنكار تعلم موسى بني إسرائيل من الخضر ذهب أهل الكتاب وتابعهم من تبعهم من المحدثين والمؤرخين وزعموا أن موسى هنا هو موسى بن ميشا بن يوسف بن يعقوب، وهو موسى الأول، وتعللوا بأن موسى النبي لا يتعلم من غيره. وأجيب بأن التعلم كان من نبي، ولا غضاضة في تعلم نبي من نبي، قالوا: ولو سلمنا بنبوة الخضر لا نسلم أن موسى بن عمران، وهو الأفضل يتعلم ممن ليس مثله في الفضل، فإن الخضر عليه السلام على القول بنبوته، بل القول برسالته، لم يبلغ درجة موسى عليه السلام. واستبعدوا أن يكون موسى هو موسى بني إسرائيل، على أساس أن بعد الخروج من مصر حصل هو وقومه في التيه، وتوفي فيه، ولم يخرج قومه منه إلا بعد وفاته والقصة تقتضي خروجه عليه السلام من التيه، لأنها لم تكن وهو في مصر بالإجماع، وتقتضي أيضا الغيبة أياما، ولو وقعت لعلمها كثير من بني إسرائيل، الذين كانوا معه، ولو علمت لنقلت، لتضمنها أمرا غريبا، تتوافر الدواعي على نقله، فحيث لم يكن لم تكن، وأجيب بأن عدم سماح نفوسهم بالقول بتعليم نبيهم عليه السلام من مثله في الفضل، أمر لا يساعده العقل، وليس هو إلا كالحمية الجاهلية، إذ لا يبعد عقلا تعلم الأفضل الأعلم، شيئا ليس عنده، ممن هو دونه في الفضل والعلم، وقد يوجد في المفضول ما لا يوجد في الفاضل. ثم إن عدم خروج موسى من التيه غير مسلم، وكذلك اقتضاء الغيبة أياما، لجواز أن يكون على وجه خارق للعادة، وقد يقال: يجوز أن يكون عليه السلام خرج وغاب أياما، لكن لم يعلموا أن عليه السلام ذهب لهذا الأمر، وظنوا أنه ذهب يناجي ويتعبد، ولم يوقفهم على حقيقة غيبته بعد أن رجع، لعلمه بقصور فهمهم، فخاف من حط قدره عندهم، ويجوز أن يكون غاب عنهم، وعلموا غيبته، لكن لم يتناقلوها جيلا بعد جيل، لتوهم أن فيها شيئا مما يحط قدره عندهم. قال العلماء: ولا يخفى أن باب الاحتمال واسع، وبالجملة لا نبالي بإنكارهم بعد جواز الوقوع عقلا، وإخبار الله تعالى به. والله أعلم 26- وفي الحديث مصداق لقوله تعالى {{{ وفوق كل ذي علم عليم }}}[يوسف: 76]. 27- ومن بناء الخضر عليه السلام للجدار، وحفظ الكنز لليتيم أن صلاح الآباء ينفع الأبناء بعد موتهما. والله أعلم





    حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ، وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عُمَرَ الْمَكِّيُّ كُلُّهُمْ عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، - وَاللَّفْظُ لاِبْنِ أَبِي عُمَرَ - حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، بْنُ عُيَيْنَةَ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ قُلْتُ لاِبْنِ عَبَّاسٍ إِنَّ نَوْفًا الْبِكَالِيَّ يَزْعُمُ أَنَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ صَاحِبَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَيْسَ هُوَ مُوسَى صَاحِبَ الْخَضِرِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ ‏.‏ فَقَالَ كَذَبَ عَدُوُّ اللَّهِ سَمِعْتُ أُبَىَّ بْنَ كَعْبٍ يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ ‏"‏ قَامَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ خَطِيبًا فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ فَسُئِلَ أَىُّ النَّاسِ أَعْلَمُ فَقَالَ أَنَا أَعْلَمُ ‏.‏ قَالَ فَعَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِ إِذْ لَمْ يَرُدَّ الْعِلْمَ إِلَيْهِ فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ أَنَّ عَبْدًا مِنْ عِبَادِي بِمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ هُوَ أَعْلَمُ مِنْكَ قَالَ مُوسَى أَىْ رَبِّ كَيْفَ لِي بِهِ فَقِيلَ لَهُ احْمِلْ حُوتًا فِي مِكْتَلٍ فَحَيْثُ تَفْقِدُ الْحُوتَ فَهُوَ ثَمَّ ‏.‏ فَانْطَلَقَ وَانْطَلَقَ مَعَهُ فَتَاهُ وَهُوَ يُوشَعُ بْنُ نُونٍ فَحَمَلَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ حُوتًا فِي مِكْتَلٍ وَانْطَلَقَ هُوَ وَفَتَاهُ يَمْشِيَانِ حَتَّى أَتَيَا الصَّخْرَةَ فَرَقَدَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَفَتَاهُ فَاضْطَرَبَ الْحُوتُ فِي الْمِكْتَلِ حَتَّى خَرَجَ مِنَ الْمِكْتَلِ فَسَقَطَ فِي الْبَحْرِ - قَالَ - وَأَمْسَكَ اللَّهُ عَنْهُ جِرْيَةَ الْمَاءِ حَتَّى كَانَ مِثْلَ الطَّاقِ فَكَانَ لِلْحُوتِ سَرَبًا وَكَانَ لِمُوسَى وَفَتَاهُ عَجَبًا فَانْطَلَقَا بَقِيَّةَ يَوْمِهِمَا وَلَيْلَتِهِمَا وَنَسِيَ صَاحِبُ مُوسَى أَنْ يُخْبِرَهُ فَلَمَّا أَصْبَحَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا - قَالَ - وَلَمْ يَنْصَبْ حَتَّى جَاوَزَ الْمَكَانَ الَّذِي أُمِرَ بِهِ ‏.‏ قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلاَّ الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا ‏.‏ قَالَ مُوسَى ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِي فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا ‏.‏ قَالَ يَقُصَّانِ آثَارَهُمَا حَتَّى أَتَيَا الصَّخْرَةَ فَرَأَى رَجُلاً مُسَجًّى عَلَيْهِ بِثَوْبٍ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ مُوسَى ‏.‏ فَقَالَ لَهُ الْخَضِرُ أَنَّى بِأَرْضِكَ السَّلاَمُ قَالَ أَنَا مُوسَى ‏.‏ قَالَ مُوسَى بَنِي إِسْرَائِيلَ قَالَ نَعَمْ ‏.‏ قَالَ إِنَّكَ عَلَى عِلْمٍ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ عَلَّمَكَهُ اللَّهُ لاَ أَعْلَمُهُ وَأَنَا عَلَى عِلْمٍ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ عَلَّمَنِيهِ لاَ تَعْلَمُهُ ‏.‏ قَالَ لَهُ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِي مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلاَ أَعْصِي لَكَ أَمْرًا ‏.‏ قَالَ لَهُ الْخَضِرُ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلاَ تَسْأَلْنِي عَنْ شَىْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا ‏.‏ قَالَ نَعَمْ ‏.‏ فَانْطَلَقَ الْخَضِرُ وَمُوسَى يَمْشِيَانِ عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ فَمَرَّتْ بِهِمَا سَفِينَةٌ فَكَلَّمَاهُمْ أَنْ يَحْمِلُوهُمَا فَعَرَفُوا الْخَضِرَ فَحَمَلُوهُمَا بِغَيْرِ نَوْلٍ فَعَمَدَ الْخَضِرُ إِلَى لَوْحٍ مِنْ أَلْوَاحِ السَّفِينَةِ فَنَزَعَهُ فَقَالَ لَهُ مُوسَى قَوْمٌ حَمَلُونَا بِغَيْرِ نَوْلٍ عَمَدْتَ إِلَى سَفِينَتِهِمْ فَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا ‏.‏ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا قَالَ لاَ تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلاَ تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا ثُمَّ خَرَجَا مِنَ السَّفِينَةِ فَبَيْنَمَا هُمَا يَمْشِيَانِ عَلَى السَّاحِلِ إِذَا غُلاَمٌ يَلْعَبُ مَعَ الْغِلْمَانِ فَأَخَذَ الْخَضِرُ بِرَأْسِهِ فَاقْتَلَعَهُ بِيَدِهِ فَقَتَلَهُ ‏.‏ فَقَالَ مُوسَى أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَاكِيَةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا ‏.‏ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا قَالَ وَهَذِهِ أَشَدُّ مِنَ الأُولَى ‏.‏ قَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَىْءٍ بَعْدَهَا فَلاَ تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا ‏.‏ فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ ‏.‏ يَقُولُ مَائِلٌ ‏.‏ قَالَ الْخَضِرُ بِيَدِهِ هَكَذَا فَأَقَامَهُ ‏.‏ قَالَ لَهُ مُوسَى قَوْمٌ أَتَيْنَاهُمْ فَلَمْ يُضَيِّفُونَا وَلَمْ يُطْعِمُونَا لَوْ شِئْتَ لَتَخِذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا ‏.‏ قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا ‏"‏ ‏.‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ ‏"‏ يَرْحَمُ اللَّهُ مُوسَى لَوَدِدْتُ أَنَّهُ كَانَ صَبَرَ حَتَّى يُقَصَّ عَلَيْنَا مِنْ أَخْبَارِهِمَا ‏"‏ ‏.‏ قَالَ وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ ‏"‏ كَانَتِ الأُولَى مِنْ مُوسَى نِسْيَانًا ‏"‏ ‏.‏ قَالَ ‏"‏ وَجَاءَ عُصْفُورٌ حَتَّى وَقَعَ عَلَى حَرْفِ السَّفِينَةِ ثُمَّ نَقَرَ فِي الْبَحْرِ ‏.‏ فَقَالَ لَهُ الْخَضِرُ مَا نَقَصَ عِلْمِي وَعِلْمُكَ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ إِلاَّ مِثْلَ مَا نَقَصَ هَذَا الْعُصْفُورُ مِنَ الْبَحْرِ ‏"‏ ‏.‏ قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَكَانَ يَقْرَأُ وَكَانَ أَمَامَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ صَالِحَةٍ غَصْبًا ‏.‏ وَكَانَ يَقْرَأُ وَأَمَّا الْغُلاَمُ فَكَانَ كَافِرًا ‏.‏

    Sa'id b. Jubair reported:I said to Ibn Abbas that Nauf al-Bikali was of the opinion that Moses (peace be upon him), the Apostle of Bani Isra'il, was not the same who accompanied Khadir, whereupon he said: The enemy of Allah tells a lie. I heard Ubayy b. Ka'b say: Moses (peace be upon him) stood up to give sermon to the people of Isra'il. He was asked as to who amongst the people has the best knowledge, whereupon he said: I have the best knowledge. Thereupon Allah was annoyed with him that he did not attribute (the best knowledge) to Him. He revealed to him: A servant amongst My servants is at the junction of two rivers who has more knowledge than yours. Moses said: How can I meet him? It was said to him: Carry a fish in the large basket and the place where you find it missing there you will find him. Thereupon Moses proceeded forth along with a young man (Yusha'). Joshua b. Nun and Moses (peace be upon him) put the fish in the basket and there went along with him the young man (Yusha') until they came to a certain rock and Moses and his companion went to sleep and the fish stirred in that basket and fell into the ocean and Allah stopped the current of water like a vault until the way was made for the fish. Moses and his young companion were astonished and they walked for the rest of the day and the night and the friend of Moses forgot to inform him of this incident. When it was morning, Moses (peace be upon him) said to the young man: Bring for us the breakfast for we are dead tired because of this journey, and they did not feel exhausted until they had passed that place where they had been commanded (to stay). He said: Don't you know that when we reached the Sakhra (rock) I forgot the fish and nothing made me forget it but Satan that I could not remember it? How strange is it that the fish found a way in the river? Moses said: That was what we had been aiming at. Then both of them retraced their steps until they reached Sakhra; there they saw a man covered with a cloth. Moses greeted him. Khadir said to him: Where is as-Salam in our country.? He said: I am Moses, whereupon he (Khadir) said: You mean the Moses of Bani Isra'il? He said: Yes. He (Khadir) said: You have a knowledge out of the knowledge of Allah which in fact Allah imparted to you and about that I know nothing and I have knowledge out of Allah's knowledge which He imparted to me and about that you do not know. Moses (peace be upon him) said to him: May I follow you so that you may teach me that with which you have been taught righteousness. He said: You will not be able to bear with me; how you will be able to bear that about which you do not know? Moses said: Thou wilt find me patient, nor shalt I disobey you in aught. Khadir said to him: If you were to follow me, then do not ask me about anything until I myself speak to you about it. He said: Yes. So Khadir and Moses set forth on the bank of the river that there came before them a boat. Both of them talked to them (the owners of the boat) so that they might carry both of them. They had recognised Khadir and they carried them free. Khadir thereupon took hold of a plank in the boat and broke it away. Moses said: These people have carried us without any charge and you attempt to break their boat so that the people sailing in the boat may drown. This is (something) grievous that you have done. He said: Did I not say that you would not bear with me? He said: Blame me not for what I forgot and be not hard upon what I did. Then both of them got down from the boat and began to walk along the coastline that they saw a boy who had been playing with other boys. Khadir pulled up his head and killed him. Moses said: Have you killed an innocent person who is in no way guilty of slaying another? You have done something horrible. Thereupon he said: Did I not say to you that you will not be able to bear with me? He (Moses) said: This (act) is more grievous than the first one. He (Moses) further said. If I ask you about anything after this, keep not company with me, then you would no doubt find (a plausible) excuse for this. Then they both walked on until they reached the inhabitants of a village. They asked its inhabitants for food but they refused to entertain them as their guests. They found in it a wall which had been bent on one side and was about to fall. Khadir set it right with his own hand. Moses, said to him: It is the people to whom we came but they showed us no hospitality and they did not serve us food. If you wish you can get wages for it. He (Khadir) said: This is the parting of ways between me and you. Now I wish to reveal to you the significance of that for which you could not bear with me. Allah's Messenger (ﷺ) said. May Allah have mercy upon Moses! I wish if Moses could show patience and a (fuller) story of both of them could have been told. Allah's Messenger (ﷺ) said that the first thing which Moses said was out of forgetfulness. Then there came a sparrow until it perched on the wall of the boat and took water from the ocean. Thereupon, Khadir said: My knowledge and your knowledge in comparison with the knowledge of Allah is even less than the water taken by the sparrow in its beak in comparison to the water of the ocean, and Sa'id b. Jubair used to recite (verses 79 and 80 of Sura Kahf) in this way: There was before them a king who used to seize every boat by force which was in order, the boy was an unbeliever

    D'après 'Ubayy Ibn Ka'b (que Dieu l'agrée) : Sa'îd Ibn Jubayr a dit : "Je dis un jour à Ibn 'Abbâs : Nawf Al-Bikâlî prétend que Moïse, le compagnon d' Al-Khadir, n'est pas le même Moïse des Enfants d'Israël". - "Il a menti, cet ennemi de Dieu!", répondit Ibn 'Abbâs qui ajouta : J'ai entendu 'Ubayy Ibn Ka'b dire qu'il a entendu le Prophète (paix et bénédiction de Dieu sur lui) dire : Le Prophète Moïse (que la paix soit sur lui), alors qu'il fit le prône aux Enfants d'Israël, fut demandé : "Qui est le plus instruit des hommes?". - "C'est moi", répondit-il. Dieu reprocha alors à Moïse de ne point lui avoir reporté toute science; puis Il lui fit la révélation suivante : "Certes un de Mes adorateurs qui se trouve au confluent des deux mers est plus instruit que toi". - "Seigneur, s'écria Moïse, comment pourrai-je le rencontrer?". - "Prends un poisson, répondit Dieu, mets-le dans un panier et emporte-le. Lorsque tu perdras ce poisson, c'est là que tu le trouveras". Moïse s'en alla, en étant accompagné de son serviteur Yûcha' Ibn Nûn. Moïse emporta le poisson dans un panier, et partirent avec son serviteur jusqu'à leur arrivée à un rocher. Ils reposèrent leurs têtes et s'endormirent. Le poisson se glissa hors du panier et trouva une voie pour parvenir à la mer et Dieu fit arrêter le courant d'eau qui ressembla alors à une voûte (pour aider le poisson à trouver son chemin vers la mer). Ce fait causa la surprise à Moïse et à son serviteur. Puis tous deux continuèrent de marcher pendant le reste de leur journée et pendant toute leur nuit. Le serviteur de Moïse oublia de le rappeler l'incident. Le lendemain matin Moïse dit à son serviteur : Apporte-nous notre déjeuner : nous avons rencontré de la fatigue dans notre présent voyage. Or Moïse n'avait éprouvé aucune fatigue avant d'avoir dépassé l'endroit fixé par Dieu. Le valet lui dit alors : Quand nous avons prit refuge près du rocher, vois-tu, j'ai oublié le poisson - le diable seul m'a fait oublier de (te) rappeler - et il a curieusement pris son chemin dans la mer. Et Moïse reprit : Voici ce que nous cherchions. Puis, ils retournèrent sur leurs pas, suivant leurs traces. Ils revinrent exactement sur leurs pas et, arrivés au rocher, ils aperçurent un homme drapé dans une pièce d'étoffe (thawb). Moïse l'ayant salué, Al-Khadir lui dit : "Où est-elle la paix dans ton pays?". – "Je suis Moïse". - Moïse, le Prophète des Enfants d'Israël?". - "Oui", dit Moïse. – "Tu possèdes de la part de Dieu une science que Dieu t'a enseignée et que je l'ignore. Et moi, je possède de la part de Dieu une science que Dieu m'a enseignée et que tu l'ignores. Moïse lui dit alors : Puis-je te suivre à condition que tu m'apprennes de ce qu'on t'a appris concernant la bonne direction? (L'autre) dit : Jamais tu ne pourras être patient avec moi. Comment endurerais-tu sur des choses que tu n'embrasses pas par ta connaissance? (Moïse) lui dit : Si Dieu veut, tu me trouveras patient; et je ne désobéirai à aucun de tes ordres. Al-Khadir dit alors : Si tu me suis, (...) ne m'interroge sur rien tant que je ne t'en aurai pas fait mention. Ils continuèrent ensemble leur route en marchant le long du rivage de la mer, n'ayant pas de navire à leur disposition, lorsqu'un bateau passa près d'eux. Ils entrèrent en pourparlers avec les marins de ce navire pour qu'ils les prissent à leur bord. Ceux-ci reconnaissant Al-Khadir et les embarquèrent sans leur demander de paie. Tout à coup, un moineau vint se poser sur le bord du navire et piqua son bec à une ou deux reprises dans la mer. "Ô Moïse, dit alors Al-Khadir, toute ta science et la mienne n'ont pas plus amoindri la masse de la science de Dieu que la mer n'a été diminuée par la goutte d'eau puisée par le bec de ce moineau. Alors, de propos délibéré, Al-Khadir prit une des planches du navire et l'arracha". Comment, dit Moïse, voici des gens qui nous ont embarqués sans demander de nolis et, de propos délibéré, tu lacères leur navire pour noyer leur équipage! Tu as commis certes une chose monstrueuse! - (L'autre) répondit : N'ai-je pas dit que tu ne pourrais pas garder patience en ma compagnie? - Ne t'en prends pas à moi, dit (Moïse) pour un oubli de ma part; et ne m'impose pas de grandes difficultés dans mon affaire (mon voyage en votre compagnie). Tel fut le premier oubli de Moïse en ce qui concerne sa promesse d'être patient. Continuant leur route, les voyageurs rencontrèrent un jeune garçon qui jouait avec des enfants de son âge. Al-Khadir, lui saisissant la tête par le sommet, l'arracha du corps. Alors Moïse lui dit : As-tu tué un être innocent, qui n'as tué personne? Tu as commis certes une chose affreuse! - (L'autre) lui dit : Ne t'ai-je pas dit que tu ne pourrais pas garder patience en ma compagnie? Un transmetteur ajoute : "Et ceci est plus grave". Moïse dit alors : Si, après cela, je t'interroge sur quoi que ce soit, dit (Moïse) alors ne m'accompagne plus. Tu seras alors excusé de te séparer de moi. Ils partirent donc tous deux; et quand ils furent arrivés à un village habité, ils demandèrent à manger à ses habitants; mais ceux-ci refusèrent de leur donner l'hospitalité. Ensuite ils y trouvèrent un mur sur le point de s'écrouler. L'homme le redressa. D'un geste de la main, Al-Khadir montra le mur à son compagnon et le releva. - "Agis-tu ainsi envers des gens qui nous avaient refusé la nourriture et l'hospitalité?". Si tu voulais, tu aurais bien pu réclamer pour cela un salaire. - Ceci (marque) la séparation entre toi et moi, dit (l'homme). Je vais t'apprendre l'interprétation de ce que tu n'as pas pu supporter avec patience. Le Prophète (paix et bénédiction de Dieu sur lui) a dit : "Que Dieu fasse miséricorde à Moïse! Comme nous aurions aimé qu'il eût eu assez de patience en sorte qu'il eût pu nous raconter d'autres de leurs aventures". L'authentique de Mouslim 44 - Mérites des compagnons (رضي الله عنهم) Mérites de Abou Bakr As-Siddîq

    Telah menceritakan kepada kami ['Amru bin Muhammad An Naqid] dan [Ishaq bin Ibrahim Al Handzali] dan ['Ubaidullah bin Sa'id] dan [Muhammad bin Abu 'Umar Al Makki] seluruhnya dari [Ibnu 'Uyainah] dan lafazh ini milik Ibnu Abu 'Umar; Telah menceritakan kepada kami [Sufyan bin 'Uyainah]; Telah menceritakan kepada kami ['Amru bin Dinar] dari [Sa'id bin Jubair] dia berkata; "Saya telah berkata kepada [Ibnu Abbas] bahwasanya Nauf Al Bikali mengatakan bahwa Musa 'Alaihis Salam yang berada di tengah kaum Bani Israil bukanlah Musa yang menyertai Nabi Khidhir." (Ibnu Abbas) berkata; 'Berdustalah musuh Allah. Saya pernah mendengar [Ubay bin Ka'ab] berkata; saya mendengar Rasulullah shallallahu 'alaihi wasallam bersabda: 'Suatu ketika Nabi Musa 'Alaihis Salam berdiri untuk berpidato di hadapan kaum Bani israil.' Setelah itu, seseorang bertanya kepadanya; 'Hai Musa, siapakah orang yang paling banyak ilmunya di muka bumi ini? ' Nabi Musa menjawab; 'Akulah orang yang paling banyak ilmunya di muka bumi ini.' Rasulullah shallallahu 'alaihi wasallam berkata: Oleh karena itu, Allah sangat mencela Musa 'Alaihis Salam. Karena ia tidak menyadari bahwa ilmu yang diperolehnya itu adalah pemberian Allah. Lalu Allah mewahyukan kepada Musa; 'Hai Musa, sesungguhnya ada seorang hamba-Ku yang lebih banyak ilmunya dan lebih pandai darimu dan ia sekarang berada di pertemuan dua lautan.' Nabi Musa 'Alaihis Salam bertanya; 'Ya Tuhan, bagaimana caranya saya dapat bertemu dengan hambaMu itu? ' Dijawab; 'bawalah seekor ikan di dalam keranjang dari daun kurma. Manakala ikan tersebut lompat, maka di situlah hambaKu berada.' Kemudian Musa pun berangkat ke tempat itu dengan ditemani seorang muridnya yang bernama Yusya' bin Nun. Nabi Musa sendiri membawa seekor ikan di dalam keranjang yang terbuat dari daun kurma. Keduanya berjalan kaki menuju tempat tersebut. Ketika keduanya sampai di sebuah batu besar, maka keduanya pun tertidur lelap. Tiba-tiba ikan yang berada di dalam keranjang tersebut berguncang keluar, lalu masuk ke dalam air laut. Rasulullah shallallahu 'alaihi wasallam berkata: 'Allah telah menahan air yang dilalui ikan tersebut, hingga menjadi terowongan. Ikan itu menempuh jalannya di lautan, sementara Musa dan muridnya kagum melihat pemandangan yang unik itu. Akhirnya mereka berdua melanjutkan perjalanannya siang dan malam. Rupanya murid Nabi Musa lupa untuk memberitahukannya. Pada pagi harinya, Nabi Musa berkata kepada muridnya; 'Bawalah makanan kita kemari! Sesungguhnya kita merasa letih karena perjalanan kita ini.' Rasulullah shallallahu 'alaihi wasallam berkata: 'Belum berapa jauh Musa melewati tempat yang diperintahkan untuk mencarinya, muridnya berkata; 'Tahukah Anda tatkala kita mencari tempat berlindung di batu besar tadi, maka sesungguhnya saya lupa menceritakan tentang ikan itu dan tidak ada yang membuat saya lupa untuk menceritakannya kecuali syetan, sedangkan ikan tersebut mengambil jalannya ke laut dengan cara yang aneh sekali.' Musa berkata; 'Itulah tempat yang sedang kita cari.' Lalu keduanya kembali mengikuti jalan mereka semula. Rasulullah shallallahu 'alaihi wasallam berkata: 'Kemudian keduanya menelusuri jejak mereka semula.' Setelah keduanya tiba di batu besar tadi, maka mereka melihat seorang laki-laki yang sedang tertidur berselimutkan kain. Lalu Nabi Musa 'Alaihis Salam mengucapkan salam kepadanya. Nabi Khidhir bertanya kepada Musa; 'Bagaimana kedamaian di negerimu? ' Musa berkata; 'Saya adalah Musa.' Nabi Khidhir terperanjat dan bertanya; 'Musa Bani Israil.' Nabi Musa menjawab; 'Ya.' Nabi Khidhir berkata kepada Musa; 'Sesungguhnya kamu mendapatkan sebagian ilmu Allah yang diajarkanNya kepadamu yang tidak aku ketahui dan aku mendapatkan sebagian ilmu Allah yang diajarkanNya kepadaku yang kamu tidak ketahui.' Musa berkat kepada Khidhir; 'Bolehkah aku mengikutimu agar kamu dapat mengajarkan kepadaku ilmu yang benar di antara ilmu-ilmu yang telah diajarkan kepadamu? ' Nabi Khidhir menjawab; 'Sesungguhnya sekali-kali kamu tidak akan sanggup dan sabar bersamaku. Bagaimana kamu bisa sabar atas sesuatu yang kamu belum mempunyai pengetahuan yang cukup tentang hal itu? ' Musa berkata; 'Insya Allah kamu akan mendapatiku sebagai orang yang sabar dan aku pun tidak akan menentangmu dalam suatu urusan pun.' Khidhir menjawab; 'Jika kamu tetap mengikutiku, maka janganlah kamu menanyakan sesuatu hingga aku sendiri yang akan menerangkannya kepadamu.' Musa menjawab; 'Baiklah.' Rasulullah shallallahu 'alaihi wasallam berkata: 'Kemudian Musa dan Khidhir berjalan menusuri pantai. Tak lama kemudian ada sebuah perahu yang lewat. Lalu keduanya meminta tumpangan perahu. Ternyata orang-orang perahu itu mengenal baik Nabi Khidhir, hingga akhirnya mereka mengangkut keduanya tanpa meminta upah.' Lalu Nabi Khidhir mendekat ke salah satu papan di bagian perahu itu dan setelah itu mencabutnya. Melihat hal itu, Musa menegur dan memarahinya; 'Mereka ini adalah orang-orang yang mengangkut kita tanpa meminta upah, tetapi mengapa kamu malah melubangi perahu mereka untuk kamu tenggelamkan penumpangnya? ' Khidhir menjawab; 'Bukankah telah aku katakan kepadamu bahwasanya kamu sekali-kali tidak akan sabar ikut bersamaku.' Musa berkata sambil merayu; 'Janganlah kamu menghukumku karena kealpaanku dan janganlah kamu membebaniku dengan suatu kesulitan dalam urusanku.' Tak lama kemudian, keduanya pun turun dari perahu tersebut. Ketika keduanya sedang berjalan-jalan di tepi pantai, tiba-tiba ada seorang anak kecil yang sedang bermain dengan teman-temannya yang lain. Kemudian, Nabi Khidhir segera memegang dan membekuk (memuntir) kepala anak kecil itu dengan tangannya hingga menemui ajalnya. Dengan gusarnya Nabi Musa berupaya menghardik Nabi Khidhir; 'Mengapa kamu bunuh jiwa yang tak berdosa, sedangkan anak kecil itu belum pernah membunuh? Sungguh kamu telah melakukan perbuatan yang munkar? ' Khidhir berkata; 'Bukankah sudah aku katakan bahwasanya kamu tidak akan mampu untuk bersabar dalam mengikutiku. Dan ini melebihi dari yang sebelumnya.' Musa berkata; 'Jika aku bertanya kepadamu tentang sesuatu setelah ini, maka janganlah kamu perbolehkan aku untuk menyertaimu. Sesungguhnya kamu sudah cukup memberikan uzur (maaf) kepadaku.' Selanjutnya Nabi Musa dan Khidhir melanjutkan perjalanannya. Ketika kami berdua tiba di suatu negeri, maka keduanya pun meminta jamuan dari penduduk negeri tersebut, tapi sayangnya mereka enggan menjamu keduanya. Lalu keduanya mendapatkan sebuah dinding rumah yang hampir roboh dan Nabi Khidhir pun langsung menegakkannya (memperbaikinya). Rasulullah shallallahu 'alaihi wasallam bersabda: 'Dinding itu miring (sambil memberi isyarat dengan tangannya) lalu ditegakkan oleh Khidhir.' Musa berkata kepada Khidhir; 'Kamu telah mengetahui bahwa para penduduk negeri yang kita datangi ini enggan menyambut dan menjamu kita. Kalau kamu mau, sebaiknya kamu minta upah dari hasil perbaikan dinding rumah tersebut. Akhirnya Khidhir berkata; 'Inilah perpisahan antara aku dan kamu. Aku akan beritahukan kepadamu tentang rahasia segala perbuatan yang kamu tidak sabar padanya.' Rasulullah shallallahu 'alaihi wasallam berkata: 'Semoga Allah memberikan rahmat dan karuniaNya kepada Nabi Musa 'Alaihis Salam. Sebenarnya aku lebih senang jika Musa dapat sedikit bersabar, hingga kisah Musa dan Khidhir bisa diceritakan kepada kita dengan lebih panjang lagi. Ubay bin Ka'ab berkata; 'Rasulullah shallallahu 'alaihi wasallam bersabda: 'Penyebab perpisahan tersebut adalah karena Musa alpa.' Rasulullah shallallahu 'alaihi wasallam berkata: 'Tak lama kemudian, datanglah burung kecil tersebut mematuk air laut dengan paruhnya. Lalu Khidhir berkata kepada Musa; 'Sesungguhnya ilmuku dan ilmumu dan ilmu yang kita peroleh dari Allah itu hanyalah seperti seteguk air laut yang diperoleh burung kecil itu di antara hamparan lautan ilmu yang dimiliki Allah.' [Sa'id bin Zubair] berkata; 'Ibnu Abbas membacakan ayat Al Qur'an yang artinya; 'Di depan mereka ada seorang penguasa yang merampas setiap perahu yang bagus. Ibnu Abbas juga membacakan ayat Al Qur'an yang artinya; 'Anak kecil yang dibunuh Nabi Khidhir itu adalah kafir

    Bize Amr b. Muhammed En-Nâkıd ile İshâk b. İbrahim El-Hanzali, Ubeydullah b. Said ve Muhammed b. Ebi Ömer EI-Mekki hep birden İbni Uyeyne'den rivayet ettiler. Lâfız İbni Ebi Ömer'indir. (Dedilerki): Bize Süfyân b. Uyeyne rivayet etti. (Dediki): Bize Amr b. Dinar, Said b. Cübeyr'den rivayet etti. (Şöyle demiş) : İbni Abbas'a: — Nevf El-Bikâli Beni İsrail'in Nebii Musa (Aleyhisselâm)'ın Hızır (Aleyhisselâm)'ın arkadaşı Musa olmadığını söylüyor, dedim. Bunun üzerine şunu söyledi: — Allah'ın düşmanı yalan söylemiş. Ben Übey b. Kâ'b'ı dinledim. Diyordu ki: Ben Resûlullah (Sallallahu Aleyhi ve Sellem)'i şöyle buyururken işittim; «Musa (Aleyhisselâm) Beni israil'in ortasında hutbe okumak için ayağa kalktı da kendisine insanların hangisi en âlimdir diye soruldu. Musa: En âlim benim, dedi. Bunun üzerine Allah onu muaheze eyledi. Çünkü ilmi Allah'a tefviz etmedi. Allah ona: İki denizin kavuştuğu yerde benim kullarımdan bir kul var, o senden daha âlimdir, diye vöhy indirdi. Musa : «Ey Rabbim! Benim için onunla buluşmanın yolu nedir?» diye sordu. Kendisine : — Bir zenbilin içine bir balık koyarak sırtına al. Bu balığı nerede kaybedersen, o zat oradadır, denildi. Musa yola revan oldu. Onunla birlikte hizmetçisi de yola çıktı. Bu zat Yûşa' b, Nûn idi. Musa (Aleyhisselâm) bir zenbilde bir balık taşıyordu. Hizmetçisi ile birlikte yürüyerek gittiler. Nihayet bir kayaya vardılar. (Orada) gerek Musa (Aleyhisselâm) gerekse hizmetçisi uyukladılar.Derken zenbildeki balık harekete gelerek zenbilden çıktı. Ve denize düştü. Allah ondan suyun akıntısını kesti. Hattâ (su) kemer gibi oldu. Balık için bir kanal meydana gelmişti. Musa ile hizmetçisi için şaşacak bir şey olmuştu. Günlerinin kalan kısmı ile o geceyi de yürüdüler. Musa'nın arkadaşı ona haber vermeyi unutmuştu. Musa (Aleyhisselâm) sabahlayınca hizmetçisine : — Sabah kahvaltımızı getir. Gerçekten bu yolculuğumuzda müşkilâtla karşılaştık, dedi. Ama emrolunduğu yeri geçinceye kadar yorulmadı. Hizmetçi : — Gördün mü, kayaya geldiğimizde gerçekten ben balığı unuttum. Ama onu hatırlamayı bana ancak şeytan unutturdu. Ve denizde şaşılacak bir şekilde yolunu tuttu, dedi. Musa : — İşte bizim istediğimiz buydu, dedi. Hemen izlerini takib ederek geriye döndüler. Kendi İzlerini takib ediyorlardı. Nihayet kayaya geldiler. Orada örtünmüş bir adam gördü. Üzerinde bir elbise vardı. Musa ona selâm verdi. Hızır ona : — Senin bu yerinde selâm ne gezer. — Ben Musa'yım! — Beni İsrail'in Musa'sı mı? — Evet! — Sen Allah'ın İlminden bir ilmi bilmektesin ki, Allah onu sana öğretmiştir. Onu ben bilmem. Ben de Allah'ın ilminden bir ilim üzerindeyim ki, onu bana öğretmiştir. Sen bilmezsin, dedi. Musa (Aleyhisselâm) ona : — Sana öğretilenden hakkı bana öğretmek sortiyle sana tâbi olabilir miyim? diye sordu. (Hızır) : — Sen benimle beraber sabra takat getiremezsin, iyice bilmediğin bir şeye nasıl sabredebilirsin ki? dedi. (Musa) — Beni İnşaallah sabırlı bulacaksın. Sana hiç bir hususda karşı gelmem, dedi. Hızır ona : — O halde bana tâbi olursan, bana hiç bir şey sorma. Ta ki kendim sana ondan bir şey anıp söyleyinceye kadar! dedi. Musa : — Pekâlâ! cevâbını verdi. Müteakiben Hızır'la Musa deniz sahilinden yürüyerek yola revan oldular. Derken yanlarına bir gemi uğradı. Bunlar kendilerini gemiye almaları hususunda gemicilerle konuştular.Gemiciler Hızır'ı derhal tanıdılar. Ve ikisini de ücretsiz olarak gemiye bindirdiler. Derken Hızır geminin tahtalarından birine vurarak onu çıkardı. Bunun üzerine Musa ona : — Bir cemâat bizi parasız gemilerine bindirdiler. Sen onların gemisine kastederek yolcularını boğmak için onu yaraladın. Gerçekten çok büyük bir iş yaptın, dedi. Hızır: — Ben sana benimle beraber sabra güç yetiremezsin demedim mi? dedi. Musa : — Unuttuğumdan dolayı beni muaheze etme. Bu iş de benim başıma güçlük de çıkarma, dedi. Bundan sonra gemiden çıktılar. Sahilde yürürlerken bir de baktılar ki, bir çocuk sair çocuklarla oynuyor. Hızır hemen onun kofasından tutarak eliyle onu kopardı ve çocuğu öldürdü. Bunun üzerine Musa : — Masum bir nefsi kısas hakkın olmaksızın öldürdün mü? Gerçekten yadırganacak bir şey yaptın! dedi. Hızır: — Ben sana benimle beraber sabra güç yetiremezsin demedim mi, dedi. Musa : — Ama bu birinciden daha şiddetli idi, dedi ve ilâve etti: Bundan sonra sana bir şey sorarsam bir daha benimle arkadaşlık etme. Benim tarafımdan özür derecesine vardın! dedi. Yine yürüdüler. Nihayet bir köye vararak köylülerden yiyecek istediler. Onlar kendilerini misafir kabul etmekten çekindiler. Bu sefer o köyde yıkılmak üzere olan bir duvar buldular. Hızır onu doğrulttu. Hızır eliyle şöyle işaret ediyor. Eğrilmiş diyordu. Onu doğrulttu. Musa ona : — Bir kavim ki, kendilerine geldik de bizi ne misafir aldılar, ne doyurdular. Dilesen bunun için ücret alabilirdin, dedi. Hızır: — Artık bu senle, benim aramızın ayrılmasıdır. Sabredemediğin şeyin te'vilini sana haber vereceğim, dedi.» Resulullah (Sallaliahu Aleyhi ve Sellem) buyurmuşlarki: «Allah Musa'ya rahmet eylesin. Dilerdim ki, sabretmeliydi de Hızır'la beraber görüp geçirdiklerini bize anlatmalıydı...» Ravi diyor ki: Resulullah (Sallaliahu Aleyhi ve Sellem) şöyle buyurdular: «Birincisi Musa'nın bir unutması idi. Bir serçe gelerek geminin kenarına kondu. Sonra denize bir gaga vurdu. Bunun üzerine Hızır ona : Benim ilmimle senin ilmin Allah'ın ilminden ancak şu serçenin denizden azalttığı su kadar azaltmıştır, dedi.» Said b. Cübeyr şöyle demiş: İbni Abbâs şu âyeti okuyordu: «Önlerinde bir hükümdar vardı ki, işe yarar geminin hepsini gasben alacaktı.» Şu âyeti de okuyordu: «Çocuğa gelince: O kâfirdi.»

    عمرو بن محمد ناقد ، اسحاق بن ابراہیم حنظلی ، عبیداللہ بن سعید اور محمد بن ابی عمر مکی ، ان سب نے ہمیں ابن عیینہ سے حدیث بیان کی ۔ الفاظ ابن ابی عمر کے ہیں ۔ سفیان بن عیینہ نے کہا : ہمیں عمرو بن دینار نے سعید بن جبیر سے حدیث بیان کی ، انھوں نے کہا : کہ میں نے سیدنا ابن عباس رضی اللہ عنہما سے کہا کہ نوف بکالی کہتا ہے کہ سیدنا موسیٰ علیہ السلام جو بنی اسرائیل کے پیغمبر تھے ، وہ اور ہیں اور جو موسیٰ خضر علیہ السلام کے پاس گئے تھے وہ اور ہیں انہوں نے کہا کہ اللہ کا دشمن جھوٹ بولتا ہے ۔ میں نے سیدنا ابی بن کعب رضی اللہ عنہ سے سنا ، وہ کہتے تھے کہ میں نے رسول اللہ صلی اللہ علیہ وسلم سے سنا ، آپ صلی اللہ علیہ وسلم فرماتے تھے کہ سیدنا موسیٰ علیہ السلام اپنی قوم بنی اسرائیل پر خطبہ پڑھنے کو کھڑے ہوئے ، ان سے پوچھا گیا کہ سب لوگوں میں زیادہ علم کس کو ہے؟ انہوں نے کہا کہ مجھ کو ہے ( یہ بات اللہ تعالیٰ کو ناپسند ہوئی ) پس اللہ تعالیٰ نے ان پر اس وجہ سے ناراضگی کا اظہار کیا کہ انہوں نے یہ نہیں کہا کہ اللہ تعالیٰ خوب جانتا ہے ۔ پھر اللہ تعالیٰ نے ان کو وحی بھیجی کہ دو دریاؤں کے ملاپ پر میرا ایک بندہ ہے ، وہ تجھ سے زیادہ عالم ہے سیدنا موسیٰ علیہ السلام نے عرض کیا کہ اے پروردگار! میں اس سے کیسے ملوں؟ حکم ہوا کہ ایک مچھلی زنبیل ( ٹوکرے ) میں رکھ ، جہاں وہ مچھلی گم ہو جائے ، وہیں وہ بندہ ملے گا ۔ یہ سن کر سیدنا موسیٰ علیہ السلام اپنے ساتھی یوشع بن نون علیہ السلام کو ساتھ لے کر چلے اور انہوں نے ایک مچھلی زنبیل میں رکھ لی ۔ دونوں چلتے چلتے صخرہ ( ایک مقام ہے ) کے پاس پہنچے تو سیدنا موسیٰ علیہ السلام اور ان کے ساتھی سو گئے ۔ مچھلی تڑپی یہاں تک کہ زنبیل سے نکل کر دریا میں جا پڑی اور اللہ تعالیٰ نے پانی کا بہنا اس پر سے روک دیا ، یہاں تک کہ پانی کھڑا ہو کر طاق کی طرح ہو گیا اور مچھلی کے لئے خشک راستہ بن گیا ۔ سیدنا موسیٰ علیہ السلام اور ان کے ساتھی کے لئے تعجب ہوا پھر دونوں چلے دن بھر اور رات بھر اور موسیٰ علیہ السلام کے ساتھی مچھلی کا حال ان سے کہنا بھول گئے جب صبح ہوئی تو موسیٰ علیہ السلام نے اپنے ساتھی سے کہا کہ ہمارا ناشتہ لاؤ ، ہم تو اس سفر سے تھک گئے ہیں اور تھکاوٹ اسی وقت ہوئی جب اس جگہ سے آگے بڑھے جہاں جانے کا حکم ہوا تھا ۔ انہوں نے کہا کہ آپ کو معلوم نہیں کہ جب ہم ( مقام ) صخرہ پر اترے تو میں مچھلی بھول گیا اور شیطان نے مجھے بھلایا اور تعجب ہے کہ اس مچھلی نے دریا میں جانے کی راہ لی ۔ سیدنا موسیٰ علیہ السلام نے کہا کہ ہم تو اسی مقام کو ڈھونڈھتے تھے ، پھر دونوں اپنے پاؤں کے نشانوں پر لوٹے یہاں تک کہ صخرہ پر پہنچے ۔ وہاں ایک شخص کو کپڑا اوڑھے ہوئے دیکھا تو سیدنا موسیٰ علیہ السلام نے ان کو سلام کیا تو انہوں نے کہا کہ تمہارے ملک میں سلام کہاں سے ہے؟ سیدنا موسیٰ علیہ السلام نے کہا کہ میں موسیٰ ہوں ۔ انہوں نے کہا کہ بنی اسرائیل کے موسیٰ؟ سیدنا موسیٰ نے کہا کہ ہاں ۔ سیدنا خضر علیہ السلام نے کہا کہ تمہیں اللہ تعالیٰ نے وہ علم دیا ہے جو میں نہیں جانتا ۔ اور مجھے وہ علم دیا ہے جو تم نہیں جانتے سیدنا موسیٰ علیہ السلام نے کہا کہ میں تمہارے ساتھ رہنا چاہتا ہوں اس لئے کہ مجھے وہ علم سکھلاؤ جو تمہیں دیا گیا ہے ۔ سیدنا خضر علیہ السلام نے کہا کہ تم میرے ساتھ صبر نہ کر سکو گے اور تم سے اس بات پر کیسے صبر ہو سکے گا جس کو تم نہیں جانتے ہو ۔ سیدنا موسیٰ علیہ السلام نے کہا کہ اگر اللہ نے چاہا تو تم مجھے صابر پاؤ گے اور میں کسی بات میں تمہاری نافرمانی نہیں کروں گا ۔ سیدنا خضر علیہ السلام نے کہا کہ اچھا اگر میرے ساتھ ہوتے ہو تو مجھ سے کوئی بات نہ پوچھنا جب تک میں خود اس کا ذکر نہ کروں ۔ سیدنا موسیٰ علیہ السلام نے کہا کہ بہت اچھا ۔ پس خضر علیہ السلام اور سیدنا موسیٰ علیہ السلام دونوں سمندر کے کنارے چلے جاتے تھے کہ ایک کشتی سامنے سے نکلی ، دونوں نے کشتی والوں سے کہا کہ ہمیں بٹھا لو ، انہوں نے سیدنا خضر علیہ السلام کو پہچان لیا اور دونوں کو بغیر کرایہ چڑھا لیا ۔ سیدنا خضر علیہ السلام نے اس کشتی کا ایک تختہ اکھاڑ ڈالا ۔ سیدنا موسیٰ علیہ السلام نے کہا کہ ان لوگوں نے تو ہمیں بغیر کرایہ کے چڑھایا اور تم نے ان کی کشتی کو توڑ ڈالا تاکہ کشتی والوں کو ڈبو دو ، یہ تم نے بڑا بھاری کام کیا ۔ سیدنا خضر علیہ السلام نے کہا کہ کیا میں نہیں کہتا تھا کہ تم میرے ساتھ صبر نہ کر سکو گے؟ سیدنا موسیٰ علیہ السلام نے کہا کہ بھول چوک پر مت پکڑو اور مجھ پر تنگی مت کرو ۔ پھر دونوں کشتی سے باہر نکلے اور سمندر کے کنارے چلے جاتے تھے کہ ایک لڑکا ملا جو اور لڑکوں کے ساتھ کھیل رہا تھا ، سیدنا خضر علیہ السلام نے اس کا سر پکڑ کر اکھیڑ لیا اور مار ڈالا ۔ سیدنا موسیٰ علیہ السلام نے کہا کہ تم نے ایک بےگناہ کو ناحق مار ڈالا ، یہ تو بہت برا کام کیا ۔ سیدنا خضر علیہ السلام نے کہا کہ کیا میں نہ کہتا تھا کہ تم میرے ساتھ صبر نہ کر سکو گے؟ اور یہ کام پہلے کام سے بھی زیادہ سخت تھا ۔ سیدنا موسیٰ علیہ السلام نے کہا کہ اب میں تم سے کسی بات پر اعتراض کروں تو مجھے اپنے ساتھ نہ رکھنا بیشک تمہارا اعتراض بجا ہو گا ۔ پھر دونوں چلے یہاں تک کہ ایک گاؤں میں پہنچے ، گاؤں والوں سے کھانا مانگا تو انہوں نے انکار کیا ، پھر ایک دیوار ملی جو گرنے کے قریب تھی اور جھک گئی تھی ، سیدنا خضر علیہ السلام نے اس کو اپنے ہاتھ سے سیدھا کر دیا ۔ سیدنا موسیٰ علیہ السلام نے کہا کہ ان گاؤں والوں سے ہم نے کھانا مانگا اور انہوں نے انکار کیا اور کھانا نہ کھلایا ( ایسے لوگوں کا کام مفت کرنا کیا ضروری تھا؟ ) اگر تم چاہتے تو اس کی مزدوری لے سکتے تھے ۔ سیدنا خضر علیہ السلام نے کہا کہ بس ، اب میرے اور تمہارے درمیان جدائی ہے ، اب میں تم سے ان باتوں کا مطلب کہے دیتا ہوں جن پر تم سے صبر نہ ہو سکا ۔ رسول اللہ صلی اللہ علیہ وسلم نے فرمایا کہ اللہ تعالیٰ موسیٰ علیہ السلام پر رحم کرے ، مجھے آرزو ہے کہ کاش وہ صبر کرتے اور ہمیں ان کی اور باتیں معلوم ہوتیں ۔ اور آپ صلی اللہ علیہ وسلم نے فرمایا کہ پہلی بات سیدنا موسیٰ علیہ السلام نے بھولے سے کی ۔ پھر ایک چڑیا آئی اور کشتی کے کنارے پر بیٹھی اور اس نے سمندر میں چونچ ڈالی ، سیدنا خضر علیہ السلام نے کہا کہ میں نے اور تم نے اللہ تعالیٰ کے علم میں سے اتنا ہی علم سیکھا ہے جتنا اس چڑیا نے سمندر میں سے پانی کم کیا ہے ۔ سیدنا سعید بن جبیر نے کہا کہ سیدنا ابن عباس رضی اللہ عنہما اس طرح پڑھتے تھے کہ ”ان کشتی والوں کے آگے ایک بادشاہ تھا جو ہر ثابت کشتی کو ناحق جبر سے چھین لیتا تھا“ اور پڑھتے تھے کہ ”وہ لڑکا کافر تھا“ ۔

    আমর ইবনু মুহাম্মাদ নাকিদ, ইসহাক ইবনু ইবরাহীম হান্‌যালী, উবাইদুল্লাহ ইবনু সাঈদ ও মুহাম্মাদ ইবনু আবূ উমার মাক্কী (রহঃ) ..... সাঈদ ইবনু জুবায়র (রাযিঃ) হতে বর্ণিত। তিনি বলেন, আমি আবদুল্লাহ ইবনু আব্বাস (রাযিঃ) কে জিজ্ঞেস করলাম, নাওফ বিকালী বলেন যে, বনী ইসরাঈলের নবী মূসা খাযির (আঃ) এর সঙ্গী মূসা নন। ইবনু আব্বাস (রাযিঃ) বলেন, আল্লাহর শক্র মিথ্যারোপ করেছে। আমি উবাই ইবনু কা'ব (রাযিঃ) হতে শুনেছি, তিনি রসূলুল্লাহ সাল্লাল্লাহু আলাইহি ওয়াসাল্লাম কে বলতে শুনেছেন, মূসা (আঃ) বনী ইসরাঈলের মধ্যে বক্তৃতা দিতে দাঁড়ালেন। তাকে জিজ্ঞেস করা হলো, কোন লোক সর্বাধিক জ্ঞানী? তিনি জবাব দিলেন, "আমি সর্বাধিক জ্ঞানী।" আল্লাহ তা'আলা (এ উত্তরে) তার প্রতি অসন্তোষের বহিঃপ্রকাশ করলেন। কেননা, মূসা (আঃ) জ্ঞানকে আল্লাহর প্রতি ন্যস্ত করেননি। তারপর আল্লাহ তার প্রতি ওয়াহী প্রেরণ করলেন যে, দু'সাগরের মধ্যস্থলে আমার বান্দাদের মাঝে এক বান্দা আছে, যে তোমার তুলনায় বেশি জ্ঞানী। মূসা (আঃ) জিজ্ঞেস করলেন, হে প্রতিপালক! আমি কিভাবে তার সন্ধান পাব? তাকে বলা হলো, থলের ভেতর একটি মাছ নাও। মাছটি যেখানে হারিয়ে যাবে সেখানেই তাকে পাবে। তারপর তিনি রওনা হলেন। তার সাথে তার খাদিম ইউশা' ইবনু নূনও চললেন এবং মূসা (আঃ) একটি মাছ ব্যাগে নিয়ে নিলেন। তিনি ও তার খাদিম চলতে চলতে একটি চটানে উপস্থিত হলেন। এখানে মূসা (আঃ) শুয়ে পড়লেন। তার সঙ্গীও শুয়ে পড়ল। মাছটি নড়েচড়ে ব্যাগ হতে বের হয়ে সমুদ্রে ঝাপিয়ে পড়ল। এদিকে আল্লাহ তা'আলা পানির গতিরোধ করে দিলেন। এমনকি একটি গর্তের মতো হয়ে গেল এবং মাছটির জন্য একটি সুড়ঙ্গের ন্যায় হয়ে গেল। মূসা (আঃ) ও তার খাদিমের জন্য এটি একটি আশ্চর্যের বিষয় হলো। তারপর তারা আবার দিবা-রাত্রি চললেন। মূসা (আঃ) এর সঙ্গী সংবাদটি দিতে ভুলে গেল। যখন সকাল হলো মূসা (আঃ) তার খাদিমকে বললেন, আমাদের নাশতা বের করো। আমরা তো এ সফরে ক্লান্ত হয়ে পড়েছি। রসূলুল্লাহ সাল্লাল্লাহু আলাইহি ওয়াসাল্লাম বলেন, আদেশকৃত জায়গা অতিক্রম করে না যাওয়া পর্যন্ত তারা ক্লান্ত হননি। খাদিম বলল, আপনি কি জানেন, যখনই আমরা বড় পাথরটার নিকট বিশ্রাম নিয়েছিলাম তখন আমি মাছের কথাটি ভুলে গেলাম? আর শইতানই আমাকে আপনাকে বলার কথা ভুলিয়ে দিয়েছে এবং বিস্ময়করভাবে মাছটি সমুদ্রে তার নিজের পথ বের করে চলে গেছে। মূসা (আঃ) বললেন, এ স্থানটিই তো আমরা সন্ধান করছি। তারপর দু'জনেই নিজ নিজ পায়ের চিহ্ন অনুকরণ করে বড় পাথর পর্যন্ত পৌছলেন। সেখানে চাদরে আচ্ছাদিত জনৈক লোককে দেখতে পেলেন। মূসা (আঃ) তাকে সালাম দিলেন। খাযির (আঃ) বললেন, তোমাদের এ ভূমিতে সালাম কথেকে আসলো? মূসা (আঃ) বললেন, আমি মূসা। তিনি প্রশ্ন করলেন, বনী ইসরাঈলের মূসা? তিনি বললেন, হ্যাঁ। খাযির বললেন, আল্লাহ তার ইলম হতে এমন এক ইলম তোমাকে দিয়েছেন যা আমি জানি না এবং আল্লাহ তার ইলম হতে এমন এক ইলম আমাকে দিয়েছেন যা তুমি জান না। মূসা (আঃ) বললেন, আমি আপনার সঙ্গে থাকতে চাই যেন আপনার মতো ইলম আমাকে দান করেন। খাযির (আঃ) বললেন, তুমি আমার সঙ্গে ধৈর্য ধারণ করতে পারবে না। আর কী করেই তুমি ধৈর্য ধারণ করবে, যা সম্বন্ধে তুমি অজ্ঞাত? মূসা (আঃ) বললেন, ইনশাআল্লহ, আপনি আমাকে ধৈর্যশীল অবস্থায় পাবেন। আর আপনার কোন আদেশ আমি অমান্য করব না। খাযির (আঃ) বললেন, আচ্ছা তুমি যদি আমার অনুকরণ করে তবে আমি নিজে কিছু বর্ণনা না করা পর্যন্ত কোন ব্যাপারে আমাকে জিজ্ঞেস করবে না। মূসা (আঃ) বললেন, আচ্ছা। খাযির এবং মূসা (আঃ) দু’জনে সমুদ্রের তীর ধরে পথ চলতে লাগলেন। সামনে দিয়ে একটি নৌকা আসলো। তারা নৌকাওয়ালাকে তাদের তুলে নিতে বললেন। তারা খাযির (আঃ) কে চিনে ফেলল, তাই দু’জনকেই বিনা ভাড়ায় উঠিয়ে নিল। কিছুক্ষণ পর খাযির (আঃ) নৌকার একটি তক্তার প্রতি দৃষ্টিপাত করলেন এবং তা উঠিয়ে ফেললেন। (তা দেখে) মূসা (আঃ) বললেন, তারা তো এমন ব্যক্তি যে, আমাদের বিনা ভাড়ায় উঠিয়ে নিয়েছে; আর আপনি তাদের নৌকাটি ছিদ্র করে দিলেন যাতে নৌকা ডুবে যায়? আপনি তো সাংঘাতিক কাজ করেছেন। খাযির (আঃ) বললেন, আমি কি তোমায় বলিনি যে, তুমি আমার সাথে ধৈর্য ধরে থাকতে সক্ষম হবে না। মূসা (আঃ) বললেন, আপনি আমার এ ভুল মাফ করে দিবেন। আর আমাকে কঠিন অবস্থায় ফেলবেন না। তারপর নৌকার বাইরে এলেন এবং উভয়ে সমুদ্র তীর ধরে চলতে লাগলেন। হঠাৎ একটি বালকের সম্মুখীন হলেন, যে অন্যান্য বালকদের সাথে খেলা করছিল। খাযির (আঃ) তার মাথাটা হাত দিয়ে ধরে ছিড়ে ফেলে হত্যা করলেন। মূসা (আঃ) তাকে বললেন, আপনি কোন প্রাণের বিনিময় ব্যতীত একটা নিম্পাপ প্রাণকে শেষ করে দিলেন? আপনি তো বড়ই মন্দ কাজ করলেন। খাযির (আঃ) বললেন, আমি কি তোমাকে বলিনি যে, আমার সঙ্গে তুমি ধৈর্য ধারণ করতে পারবে না এবং এ ভুল প্রথমটার তুলনায় আরো মারাত্মক। মূসা (আঃ) বললেন, হ্যাঁ! তারপর যদি আর কোন ব্যাপারে জিজ্ঞেস করি তাহলে আমাকে সাথে রাখবেন না। নিঃসন্দেহে আপনার প্রতি আমার ক্রটি চরমে পৌছেছে। তারপর দু’জনেই পথ চলতে লাগলেন এবং একটি গ্রামে পৌছে গ্রামবাসীর নিকট খাদ্য কামনা করলেন। তারা তাদের আতিথেয়তা করতে আপত্তি জানালেন। তারপর তারা একটি দেয়াল পেলেন, যেটি ভেঙ্গে পড়ার উপক্রম হয়েছে অর্থাৎ- ঝুঁকে পড়েছে। খাযির (আঃ) আপন হাতে সেটি ঠিক করে সোজা করে দিলেন। মূসা (আঃ) বললেন, আমরা এ গোত্রের নিকট আসলে তারা আমাদের মেহমানদারী করেনি এবং খেতে দেয়নি। আপনি চাইলে এদের কাছ থেকে মজুরি নিতে পারতেন। খাযির (আঃ) বললেন, এবার আমার ও তোমার মাঝে ব্যবধান সূচিত হলো। এখন আমি তোমাকে এসব মর্মার্থ বলছি, যে সবের উপর তুমি ধৈর্যধারণ করতে সক্ষম হওনি। রসূলুল্লাহ সাল্লাল্লাহু আলাইহি ওয়াসাল্লাম বলেছেনঃ আল্লাহ মূসা (আঃ) এর উপর রহম করুন, আমার ইচ্ছা হয় যে, যদি তিনি ধৈর্যধারণ করতেন তাহলে আমাদের নিকট তাদের আরো ঘটনাসমূহের বর্ণনা দেয়া হতো। বর্ণনাকারী বলেন যে, রসূলুল্লাহ সাল্লাল্লাহু আলাইহি ওয়াসাল্লাম বললেনঃ প্রথমটা মূসা (আঃ) ভুলবশত করেছিলেন। এ-ও বলেছেন, একটা চড়ুই পাখি এসে নৌকার কিনারে বসে সমুদ্রে চঞ্চু মারল। সে সময় খাযির (আঃ) মূসাকে বলেন, আমার ও তোমার জ্ঞান আল্লাহর জ্ঞানের চেয়ে ততই কম, যতটি সমুদ্রের পানি হতে এ চড়ুইটি কমিয়েছে। সাঈদ ইবনু জুবায়র (রাযিঃ) বলেন, আবদুল্লাহ ইবনু আব্বাস (রাযিঃ) পড়তেনঃ وَكَانَ أَمَامَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ صَالِحَةٍ غَصْبًا (এদের সামনে একজন বাদশাহ ছিল, যে সকল ভাল নৌকা কেড়ে নিত) তিনি আরো পড়তেন, وَكَانَ الْغُلاَمُ فَكَانَ كَافِرًا (আর সে বালকটি কাফির ছিল)। ইসলামিক ফাউন্ডেশন ৫৯৪৮, ইসলামিক সেন্টার