• 371
  • عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَعَنَ اللَّهُ السَّارِقَ ، يَسْرِقُ الْبَيْضَةَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ ، وَيَسْرِقُ الْحَبْلَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ "

    حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، وَأَبُو كُرَيْبٍ ، قَالَا : حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ ، عَنِ الْأَعْمَشِ ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : لَعَنَ اللَّهُ السَّارِقَ ، يَسْرِقُ الْبَيْضَةَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ ، وَيَسْرِقُ الْحَبْلَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ ، حَدَّثَنَا عَمْرٌو النَّاقِدُ ، وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، وَعَلِيُّ بْنُ خَشْرَمٍ ، كُلُّهُمْ عَنْ عِيسَى بْنِ يُونُسَ ، عَنِ الْأَعْمَشِ ، بِهَذَا الْإِسْنَادِ مِثْلَهُ ، غَيْرَ أَنَّهُ يَقُولُ : إِنْ سَرَقَ حَبْلًا ، وَإِنْ سَرَقَ بَيْضَةً

    لا توجد بيانات
    لَعَنَ اللَّهُ السَّارِقَ ، يَسْرِقُ الْبَيْضَةَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ ، وَيَسْرِقُ
    حديث رقم: 6430 في صحيح البخاري كتاب الحدود باب لعن السارق إذا لم يسم
    حديث رقم: 6446 في صحيح البخاري كتاب الحدود باب قول الله تعالى: {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما} [المائدة: 38] وفي كم يقطع؟
    حديث رقم: 4837 في السنن الصغرى للنسائي كتاب قطع السارق تعظيم السرقة
    حديث رقم: 2578 في سنن ابن ماجة كِتَابُ الْحُدُودِ بَابُ حَدِّ السَّارِقِ
    حديث رقم: 7270 في مسند أحمد ابن حنبل مُسْنَدُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ
    حديث رقم: 5842 في صحيح ابن حبان كِتَابُ الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ بَابُ الْكَذِبِ
    حديث رقم: 7119 في السنن الكبرى للنسائي كِتَابُ قَطْعِ السَّارِقِ لَعْنُ السَّارِقِ
    حديث رقم: 8253 في المستدرك على الصحيحين كِتَابُ الْحُدُودِ وَأَمَّا حَدِيثُ شُرَحْبِيلَ بْنِ أَوْسٍ
    حديث رقم: 27534 في مصنّف بن أبي شيبة كِتَابُ الْحُدُودِ فِي السَّارِقِ ، مَنْ قَالَ : يُقْطَعُ فِي أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةِ
    حديث رقم: 15983 في السنن الكبير للبيهقي كِتَابُ السَّرِقَةِ جُمَّاعُ أَبْوَابِ الْقَطْعِ فِي السَّرِقَةِ
    حديث رقم: 2630 في السنن الصغير للبيهقي كِتَابُ الْحُدُودِ بَابُ الْقَطْعِ فِي السَّرِقَةِ
    حديث رقم: 5028 في مستخرج أبي عوانة كِتَابُ الْحُدُودِ بَيَانُ الْخَبَرِ المُوجِبِ الْقَطْعَ عَلَى السَّارِقِ الْبَيْضَةَ وَالْحَبْلَ ، والإبَاحَةِ لِمَنْ


    [ رقم الحديث عند آل سلمان:3297 ... ورقمه عند عبد الباقي:1687]
    حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ قَالَا حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَعَنَ اللَّهُ السَّارِقَ يَسْرِقُ الْبَيْضَةَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ وَيَسْرِقُ الْحَبْلَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ حَدَّثَنَا عَمْرٌو النَّاقِدُ وَإِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَعَلِيُّ بْنُ خَشْرَمٍ كُلُّهُمْ عَنْ عِيسَى بْنِ يُونُسَ عَنْ الْأَعْمَشِ بِهَذَا الْإِسْنَادِ مِثْلَهُ غَيْرَ أَنَّهُ يَقُولُ إِنْ سَرَقَ حَبْلًا وَإِنْ سَرَقَ بَيْضَةً


    قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَعَنَ اللَّهُ السَّارِقَ هَذَا دَلِيلٌ لِجَوَازِ لَعْنِ غَيْرِ الْمُعَيَّنِ مِنَ الْعُصَاةِ ، لِأَنَّهُ لَعْنٌ لِلْجِنْسِ لَا لِمُعَيَّنٍ ، وَلَعْنُ الْجِنْسِ جَائِزٌ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ وَأَمَّا الْمُعَيَّنُ فَلَا يَجُوزُ لَعْنُهُ ، قَالَ الْقَاضِي : وَأَجَازَ بَعْضُهُمْ لَعْنَ الْمُعَيَّنِ مَا لَمْ يُحَدَّ ، فَإِذَا حُدَّ لَمْ يَجُزْ لَعْنُهُ ، فَإِنَّ الْحُدُودَ كَفَّارَاتٌ لِأَهْلِهَا ، قَالَ الْقَاضِي : وَهَذَا التَّأْوِيلُ بَاطِلٌ ; لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فِي النَّهْيِ عَنِ اللَّعْنِ ، فَيَجِبُ حَمْلُ النَّهْيِ عَلَى الْمُعَيَّنِ لِيُجْمَعَ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

    قَالَ الْعُلَمَاءُ : وَالْحِرْزُ مَشْرُوطٌ ، فَلَا قَطْعَ إِلَّا فِيمَا سُرِقَ مِنْ حِرْزٍ ، وَالْمُعْتَبَرُ فِيهِ الْعُرْفُ مِمَّا عَدَّهُ أَهْلُ الْعُرْفِ حِرْزًا لِذَلِكَ الشَّيْءِ فَهُوَ حِرْزٌ لَهُ ، وَمَا لَا فَلَا . وَخَالَفَهُمْ دَاوُدُ فَلَمْ يَشْتَرِطِ الْحِرْزَ ، قَالُوا : وَيُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَكُونَ لِلسَّارِقِ فِي الْمَسْرُوقِ شُبْهَةٌ ، فَإِنْ كَانَتْ لَمْ يُقْطَعْ ، وَيُشْتَرَطُ أَنْ يُطَالِبَ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ بِالْمَالِ ، وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ إِذَا سَرَقَ أَوَّلًا قُطِعَتْ يَدُهُ الْيُمْنَى ، قَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ وَأَهْلُ الْمَدِينَةِ وَالزُّهْرِيُّ وَأَحْمَدُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَغَيْرُهُمْ : فَإِذَا سَرَقَ ثَانِيًا قُطِعَتْ رِجْلُهُ الْيُسْرَى ، فَإِذَا سَرَقَ ثَالِثًا قُطِعَتْ يَدُهُ الْيُسْرَى ، فَإِنْ سَرَقَ رَابِعًا قُطِعَتْ رِجْلُهُ الْيُمْنَى ، فَإِنْ سَرَقَ بَعْدَ ذَلِكَ عُزِّرَ ، ثُمَّ كُلَّمَا سَرَقَ عُزِّرَ . قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وَالْجَمَاهِيرُ : تُقْطَعُ الْيَدُ مِنَ الرُّسْغِ وَهُوَ الْمَفْصِلُ بَيْنَ الْكَفِّ وَالذِّرَاعِ ، وَتُقْطَعُ الرِّجْلُ مِنَ الْمَفْصِلِ بَيْنَ السَّاقِ وَالْقَدَمِ ، وَقَالَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - : تُقْطَعُ الرِّجْلُ مِنْ شَطْرِ الْقَدَمِ ، وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَأَبُو ثَوْرٍ ، وَقَالَ بَعْضُ السَّلَفِ : تُقْطَعُ الْيَدُ مِنَ الْمَرْفَقِ ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ : مِنَ الْمَنْكِبِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .



    عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن الله السارق يسرق البيضة فتقطع يده ويسرق الحبل فتقطع يده.
    المعنى العام:
    كل المسلم على المسلم حرام، دمه، وماله، وعرضه. فصان الله الدماء بتشريع القصاص والديات، قال تعالى {ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب} [البقرة: 179] وصان الأموال بتشريع حد السرقة، قال تعالى {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالاً من الله} [المائدة: 38] وصان الأعراض بتشريع حد الزنا وحد القذف. إنها عقوبات رادعة مخيفة، قد يظنها البعض قاسية، ولكن الشاعر يقول: فقسا ليزدجروا ومن يك حازمًا فليقس أحيانًا على من يرحمه إن النفوس الشريرة، الأمارة بالسوء، والمدعومة من إبليس وجنوده تحتاج إلى ما يلقي في قلوبها الرعب، حتى تحجم عن الدخول في مسالك الفساد في الأرض، وعن ترويع الناس على ممتلكاتهم. وإن أهم ما يروع المسلم يد السارق، فهي التي تمتد خفية إلى ماله، وتسلبه ثمرة جهده، وحصيلة شقائه، فكانت عقوبة الشرع قطع هذه اليد اليمنى، لقطع الغاية ومنعها من الوقوع، فإن سرق ثانيًا قطعت رجله اليسرى، فإن سرق ثالثًا قطعت يده اليسرى، فإن سرق رابعًا قطعت رجله اليمنى. تلك حدود الله، ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه، ومن يعرض نفسه لهذه العقوبات فهو الجاني على نفسه. من سرق ربع جنيه ذهبي قطعت يده؟ ما أغلى هذه التضحية، وما أبخس ما حصله في مقابلها؟ يد ديتها خمسمائة دينار، تقطع إن سرقت ربع دينار؟ نعم. لكن ليس الربع دينار هو المقابل لليد، وإنما مقابل اليد تأمين الناس على أموالهم، والأمن أغلى ما في الوجود. ولا شفاعة في الحدود، ولا رحمة في تنفيذها، فالله تعالى يقول {الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر} [النور: 2]. نعم لا شفاعة في الحدود ولا محاباة، الشريف أمامها كالوضيع، ولا فداء لها، فالغني أمامها كالفقير. تحكي الأحاديث قصة المرأة الشريفة القرشية، ذات الحسب والنسب، سرقت، فتعرضت لحد الله، وانزعج أهلها، وحسبوا حسابًا للتشهير بهم، ولافتضاحهم، فعرضوا الفداء المضاعف، لعل وعسى، لكنهم يعلمون حق العلم أنه لا يقبل الفداء، فظنوا أن الشفاعة قد تجدي، وهم يستبعدون جدواها، لكن الغريق يتشبث كثيرًا بما لا ينجيه، فمن صاحب الحظوة والدلال عند رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ومن الجريء الذي تسمح له مودته أن يتقدم بهذا الطلب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ إنه ليس إلا أسامة بن زيد، الحبيب ابن الحبيب، فوسطوه، فذهب فشفع، فغضب صلى الله عليه وسلم أشد الغضب، وتلون وجهه، واهتزت أعصابه، وزجر أسامة بغضب قائلاً: أتشفع في حد من حدود الله يا أسامة؟ ما كان يصح منك هذا. يا بلال خذ المرأة فاقطع يدها، ثم خطب في الناس. حمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس إنما أهلك الله من قبلكم لأنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد. ولن تقع أمة الإسلام فيما وقع فيه الأولون. والذي نفسي بيده، لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها. وبهذا استقر الأمن، وعم ربوع الإسلام، بتطبيق وتنفيذ حدود الله. المباحث العربية (كتاب الحدود) جمع حد، وأصله ما يحجز بين شيئين، فيمنع اختلاطهما، وحد الدار ما يميزها، وحد الشيء وصفه المحيط به المميز له عن غيره، وسميت عقوبة السارق والزاني حدًا لكونها تمنعه المعاودة، أو لكونها مقدرة من الشارع. قال الراغب: وتطلق الحدود ويراد بها نفس المعاصي، كقوله تعالى {تلك حدود الله فلا تقربوها} [البقرة: 187]. اهـ. والحدود الشرعية كثيرة، حصرها بعض العلماء، أو حصر ما قيل بوجوب الحد به في سبعة عشر شيئًا: فمن المتفق عليه حد الردة، والحرابة ما لم يتب قبل القدرة، والزنا والقذف به، وشرب الخمر سواء أسكر أم لا، والسرقة. ومن المختلف فيه جحد العارية، وشرب ما يسكر كثيره من غير الخمر، والقذف بغير الزنا، والتعريض بالقذف، واللواط، وإتيان البهيمة، والسحاق، وتمكين المرأة القود وغيره من الدواب من وطئها، والسحر، وترك الصلاة تكاسلاً، والفطر في رمضان. وهذا كله خارج عما تشرع فيه المقاتلة، كما لو ترك قوم الزكاة، ونصبوا لذلك الحرب. (في ربع دينار، فصاعدًا) قال صاحب المحكم: يختص هذا بالفاء، ويجوز ثم بدلها، ولا تجوز الواو، وقال ابن جني: هو منصوب على الحال المؤكدة، أي ولو زاد، ومن المعلوم أنه إذا زاد لم يكن إلا صاعدًا. اهـ. وفي الرواية الثالثة فما فوقه بدل فصاعدًا وهو بمعناه. (المجن) بكسر الميم وفتح الجيم والمجنة من الاجتنان، وهو الاستتار مما يحاذره المستتر، والمجن بكسر الميم آلة استتار، وقد بينت في الرواية الخامسة بقول عائشة حجفة أو ترس يقال: استجن به، وفيه، وعنه، ومنه. (حجفة أو ترس) الحجفة بفتح الحاء، والجيم والفاء الترس من جلود، بلا خشب ولا رباط من عصب، والترس بضم التاء مثلها، قيل: هما بمعنى وقيل: كل آلة منهما تغاير الأخرى، ويطلق عليهما الدرقة، وقد تكون من خشب أو عظم، وتغلف بالجلد أو غيره، هذه هي الحجفة أو الترس قديمًا. أما اليوم فهي من معدن أو نحوه، يحملها الشرطي في يده في المظاهرات ونحوها. (وكلاهما ذو ثمن) هذا التعبير يؤيد أن الحجفة غير الترس، وأو بينهما للتنويع وملحق الرواية الخامسة وهو يومئذ ذو ثمن يؤيد أنهما بمعنى واحد. والتنوين في ثمن للتكثير، والمراد أنه ثمن يرغب فيه، فأخرج الشيء التافه، وليس المراد ترسًا بعينه، أو حجفة بعينها، وإنما المراد الجنس، وأن القطع كان يقع في كل شيء يبلغ قدر ثمن المجن، سواء كان ثمن المجن قليلاً أو كثيرًا، والاعتماد إنما هو على الأقل، فيكون نصابًا، ولا يقطع فيما دونه. وسيأتي خلاف الفقهاء في النصاب وأدلتهم في فقه الحديث. (لعن الله السارق) قال الطيبي: لعل المراد هنا باللعن الإهانة والخذلان. اهـ وأصله الطرد من رحمة الله، والجملة يحتمل أن تكون خبرًا، ليرتدع من سمعه عن السرقة، ويحتمل أن يكون دعاء، ويحتمل أن يراد بها التنفير فقط. (يسرق البيضة، فتقطع يده، ويسرق الحبل، فتقطع يده) أشهر معاني البيضة ما تضعه إناث الطير ونحوها، وهي بهذا المعنى مثل لتحقير ما يسرق، ومن معانيها الخوذة - بضم الخاء - وهي غطاء للرأس من الحديد، يلبسها الجندي والشرطي. وهي بهذا المعنى تبلغ نصاب السرقة غالبًا، والحبل - بفتح الحاء وسكون الباء منه الرفيع الصغير الحقير، ومنه حبل السفينة الغليظ الطويل الغالي الثمن. ولما كان جماهير العلماء يشترطون للقطع بالسرقة نصابًا، ذهب الكثيرون منهم إلى أن المراد بالبيضة بيضة الحديد وأن المراد بالحبل حبل السفينة، ومن هؤلاء الأعمش، راوي الحديث عن أبي صالح، راويه عن أبي هريرة، إذ قال في البخاري: كانوا يرون أنه بيض الحديد، والحبل كانوا يرون أنه من الحبال ما يساوي دراهم. وذهب بعضهم إلى أن المراد بالبيضة البيضة الحقيرة، وبالحبل الحبل الحقير، ووجهوا الحديث بعدة توجيهات، قالوا أولاً: إن هذا الأسلوب في الشائع من الكلام، يقال في موضع التقليل، لا التكثير، لأنه لا يذم في العادة من خاطر بيده، في شيء له قدر، وإنما يذم من خاطر بها فيما لا قدر له، فلا يقال: أخزى الله فلانًا عرض يده في مال له قيمة، وإنما يقال: أخزى الله فلانًا ضحى بيده في شيء تافه حقير. وإذا كان الأمر كذلك كان المراد بالبيضة والحبل ضرب المثل، للتنبيه على عظم ما خسر وهي اليد في حقارة ما حرص عليه، وهو ربع دينار فصاعدًا، والمثل لا يقصد معاني ألفاظه، كقولهم: رجع بخفي حنين. وكما في الحديث: من بنى لله مسجدًا ولو كمفحص قطاة بنى الله له مثله في الجنة. التوجيه الثاني: أن في الكلام حذفًا، بني عليه القطع والتقدير: يسرق البيضة، وتتكرر السرقة للشيء التافه، فلا يقطع، فيتعود السرقة، فيسرق النصاب، فتقطع يده. التوجيه الثالث: أن القطع المذكور ليس حدًا، بمعنى يسرق البيضة أو الحبل، فيقطعه بعض الولاة سياسة، لا قطعًا جائزًا شرعيًا. التوجيه الرابع: أن هذا منسوخ بأحاديث النصاب، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال هذا عند نزول آية السرقة مجملة، من غير بيان نصاب، فقاله على ظاهر اللفظ. والله أعلم. (أن قريشًا أهمهم شأن المرأة المخزومية التي سرقت) المراد من قريش بعض هذه القبيلة المشهورة، ممن أدرك القصة، أهمهم شأن المرأة أي أجلب إليهم هما، أو صيرهم ذوي هم، يقال: أهمني الأمر إذا أقلقني، والمراد من شأنها أمرها المتعلق بالسرقة خوفًا من أن يأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقطع يدها، ففي رواية لما سرقت تلك المرأة أعظمنا ذلك، فأتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم... وسبب إعظامهم ذلك خشية أن تقطع يدها، لعلمهم أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يرخص في الحدود، وكان قطع السارق معلومًا عندهم قبل الإسلام، كذا قيل، والمقصود منه أن الإعظام والاستشفاع بأسامة كان قبل أن يبلغ السلطان، أو قبل أن يحكم. واسم المرأة على الصحيح فاطمة بنت الأسود بن عبد الأسد بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم، وهي بنت أخي أبي سلمة بن عبد الأسد، الصحابي الجليل، الذي كان زوجًا لأم سلمة، قبل النبي صلى الله عليه وسلم، وهذه المرأة قتل أبوها كافرًا يوم بدر، قتله حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه. أما المسروق ففي بعض الروايات قطيفة وفي بعضها حلي وجمع الحافظ ابن حجر باحتمال أن تكون الحلي في القطيفة، فالذي ذكر القطيفة أراد بما فيها، والذي ذكر الحلي ذكر المظروف دون الظرف. اهـ. وقد جاء في الرواية العاشرة كانت امرأة مخزومية تستعير المتاع، وتجحده وعند النسائي استعارت امرأة على ألسنة ناس يعرفون - وهي لا تعرف - حليًا، فباعته، وأخذت ثمنه وعند عبد الرزاق أن امرأة جاءت امرأة، فقالت: إن فلانة تستعيرك حليًا، فأعارتها إياه، فمكثت لا تراه، فجاءت إلى التي استعارت لها، فسألتها، فقالت: ما استعرتك شيئًا، فرجعت إلى الأخرى، فأنكرت، فجاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فدعاها، فسألها، فقالت: والذي بعثك بالحق ما استعرت منها شيئًا. فقال: اذهبوا إلى بيتها، تجدوه تحت فراشها، فأتوه، فأخذوه، وأمر بها، فقطعت وجمع الحافظ ابن حجر بأنه يحتمل أن تكون سرقت القطيفة، وجحدت الحلي، وأطلق عليها في جحد الحلي في رواية أنها سرقت مجازًا. واستبعد الحافظ ابن حجر ما قاله ابن حزم وغيره من أنهما قصتان، بأن في كل من الطريقين أنهم استشفعوا بأسامة، وأنه شفع، وأنه قيل له: لا تشفع في حد من حدود الله، فيبعد أن أسامة يسمع النهي المؤكد عن ذلك، ثم يعود إلى ذلك مرة أخرى، ولا سيما إن اتحد زمن القصتين، ولم يرتض الحافظ ابن حجر جواب ابن حزم عن ذلك بأن أسامة يجوز أن ينسى، ويجوز أن يكون الزجر عن الشفاعة في حد السرقة تقدم، فظن أن الشفاعة في جحد العارية جائزة، وأنه لا حد فيه فشفع، فأجيب بأن فيه الحد أيضًا. قال الحافظ: ولا يخفى ضعف الاحتمالين. وحكى ابن المنذر عن بعض العلماء أن القصة لامرأة واحدة، استعارت وجحدت، وسرقت فقطعت للسرقة، لا للعارية، زاد الخطابي في معالم السنن أن العارية والجحد إنما ذكرت في هذه القصة، تعريفًا لها بخاص صفتها، إذ كانت تكثر ذلك، كما عرفت بأنها مخزومية - وكأنها لما كثر منها ذلك ترقت إلى السرقة، وتجرأت عليها. قال البيهقي: فتحمل رواية من ذكر جحد العارية على تعريفها بذلك، والقطع على السرقة. اهـ وكل هذه التوجيهات محاولات لإبعاد أن يكون القطع على جحد العارية، حيث إن الجمهور لا يقول بالقطع في جحد العارية - وزاد القرطبي هذه التوجيهات إيضاحًا، فقال: يترجح أن يدها قطعت على السرقة، لا لأجل جحد العارية من أوجه: أحدها: قوله في آخر الحديث الذي ذكرت فيه العارية - روايتنا التاسعة والعاشرة - لو أن فاطمة سرقت فإن فيه دلالة قاطعة على أن المرأة قطعت في السرقة، إذ لو كان قطعها لأجل الجحد لكان ذكر السرقة لاغيًا، ولقال: لو أن فاطمة جحدت العارية. ثانيها: لو كانت قطعت في جحد العارية لوجب قطع كل من جحد شيئًا، إذا ثبت عليه، ولو لم يكن بطريق العارية. ثالثها: أنه عارض ذلك حديث ليس على خائن، ولا مختلس، ولا منتهب قطع وهو حديث قوي. قال الحافظ: أخرجه الأربعة وصححه أبو عوانة والترمذي. اهـ. وقواه الحافظ ابن حجر ودافع عنه، ورد على من وهمه. وسيأتي زيادة لهذه المسألة في فقه الحديث. (فقالوا: ومن يجترئ عليه إلا أسامة؟ حب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم) يجترئ بفتح الياء وسكون الجيم وكسر الراء من الجرأة بضم الجيم وسكون الراء وفتح الهمزة، ويجوز فتح الجيم والراء مع المد، وهي الإقدام مع إدلال، وهذا القول كان بعد أن استفهم بعضهم بقوله: من يكلم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ أي من يشفع عنده فيها أن لا تقطع، إما عفوًا، وإما بفداء، ففي بعض الروايات لما سرقت تلك المرأة أعظمنا ذلك، فجئنا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقلنا: نحن نفديها بأربعين أوقية؟ فقال: تطهر خير لها وكأنهم ظنوا أن الحد يسقط بالفدية، كما ظن ذلك من أفتى والد العسيف الذي زنى، بأنه يفتدي منه بمائة شاة ووليدة. فالذين استفهموا: من يكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ غير الذين قالوا: ومن يجترئ عليه إلا أسامة؟ قال الطيبي: الواو - أي في ومن عاطفة على محذوف، تقديره: لا يجترئ عليه أحد لمهابته، ولا يجترئ عليه إلا أسامة، وكأنهم لما قال لهم صلى الله عليه وسلم تطهر خير لها ظنوا أن باب الشفاعة أو الفداء مفتوح، ففزعوا إلى أسامة، ففي بعض الروايات فلما سمعنا لين قول رسول الله صلى الله عليه وسلم أتينا أسامة قيل: وسبب لجوئهم إلى أسامة أنه علم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يشفعه، ويقبل شفاعته، إضافة إلى أنه حب رسول الله صلى الله عليه وسلم - بكسر الحاء، أي محبوبه. (فكلمه أسامة) في الكلام طي، تقديره: فجاءوا إلى أسامة، فكلموه، فجاء أسامة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكلمه، وفي الرواية التاسعة فأتى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكلمه فيها أسامة بن زيد فرسول الله بالرفع نائب فاعل، أي أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمرأة، فأفادت هذه الرواية أن أسامة تشفع لها في حضورها، وفي الرواية الحادية عشرة فأتى بها النبي صلى الله عليه وسلم، فعاذت بأم سلمة أي استجارت بأم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، لأنها قريبتها، وكانت أم سلمة زوجة لعمها، أبي سلمة، وعند الحاكم فعاذت بزينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال المحققون: في هذه الرواية تصحيف، فإن زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت قد ماتت قبل هذه القصة، فلعل أصل الرواية: فعاذت بزينب ربيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي بنت أبي سلمة، أو أن الرواية لا تصحيف فيها، وأن زينب بنت أم سلمة نسبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على سبيل المجاز، فقيل، بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم باعتباره مربيها، وعند أحمد فعاذت بربيب النبي صلى الله عليه وسلم وقال في آخره وكان ربيب النبي صلى الله عليه وسلم سلمة بن أبي سلمة، وعمر بن أبي سلمة وعند عبد الرزاق فجاء عمر بن أبي سلمة، فقال للنبي صلى الله عليه وسلم: أي أبه. إنها عمتي (يقصد عمتي من جهة كبر سنها، وهي حقيقة بنت عمه) فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لو كانت فاطمة بنت محمد لقطعت يدها وعند ابن أبي الشيخ فعاذت بأسامة ولا تنافي بين ذلك كله، فمثلها يستجير بكل من يظن فيه نجدة، وتكون قد استجارت بكل هؤلاء وبغيرهم. (فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: أتشفع في حد من حدود اللَّه؟) أي هذا الذي تشفع فيه ليس لي، ولكنه حد الله الذي لا أعصيه، والاستفهام إنكاري توبيخي، بمعنى نفي الانبغاء، أي لا ينبغي، ولا يليق، ولا يجوز أن تشفع في حد من حدود الله، وفي الرواية التاسعة فتلون وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم زاد النسائي وهو يكلمه أي وأسامة يكلمه، وعند النسائي فزبره بفتح الزاي والباء، أي أغلظ له في النهي، حتى نسبه إلى الجهل، لأن الزبر بفتح الزاي وسكون الباء العقل. (ثم قام فاختطب) افتعل فيها معنى المعالجة وبذل الجهد، وفي رواية للبخاري فخطب وقد بينت الرواية التاسعة وقت هذه الخطبة، وأنها لم تتراخ عن الشفاعة، وأنها كانت في العشي من اليوم نفسه. (إنما أهلك الذين قبلكم) في رواية إنما هلك الذين قبلكم وفي رواية النسائي إنما هلك بنو إسرائيل. (أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد) أنهم إلخ في محل الرفع فاعل أهلك، وفي محل النصب على المفعول لأجله على رواية هلك وقد كان فيمن قبلنا أمور كثيرة تقتضي الإهلاك، كأكل الربا، وأكل أموال الناس بالباطل، وقتل الأنبياء بغير حق، وعدم التناهي عن منكر فعلوه، فالقصر هنا ادعائي، كأن ماعدا تعطيل الحدود لا شيء، ولا يعتد به بجواره. وفي رواية للبخاري كانوا يقيمون الحد على الوضيع وهو من الوضع، وهو النقص، وفي رواية للنسائي بلفظ الدون الضعيف. والشريف يقابل ذلك، لما يستلزم الشرف من الرفعة والقوة. (وايم الله) تقدم شرحه، وحكمه في كتاب الأيمان والنذور، وفي الرواية التاسعة وإني والذي نفسي بيده وفي الرواية الحادية عشرة والله والظاهر أن هذا التغاير من تصرف الرواة، والرواية بالمعنى. (لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها) هذا القول من أمثلة مجيء لو حرف امتناع لامتناع، وإنما خص فاطمة ابنته بالذكر، لأنها أعز أهله عنده، ولأنه لم يكن بقي من بناته حينئذ غيرها، فأراد المبالغة في إثبات إقامة الحد على كل مكلف، وترك المحاباة في ذلك. قيل: ولأن اسمها - رضي الله عنها - يوافق اسم السارقة، فناسب أن يضرب المثل بها. وهذا التعليل ليس بذاك. وفي رواية لقطع محمد يدها على أسلوب التجريد. (ثم أمر بتلك المرأة التي سرقت، فقطعت يدها) في رواية للنسائي قم يا بلال، فخذ بيدها، فاقطعها. (فحسنت توبتها بعد، وتزوجت) هذا يفيد أنها حين سرقت لم تكن متزوجة، وهذه حقيقة، وفي رواية فنكحت تلك المرأة رجلاً من بني سليم، وتابت أي لم تعد للسرقة وكانت حسنة التلبس والمخالطة والمعاشرة. وفي رواية أن النبي صلى الله عليه وسلم كان بعد ذلك يرحمها ويصلها وعند أحمد أنها قالت: هل لي من توبة يا رسول الله؟ فقال: أنت اليوم من خطيئتك كيوم ولدتك أمك. فقه الحديث قال النووي: أجمع العلماء على قطع يد السارق، واختلفوا في اشتراط النصاب، فقال أهل الظاهر: لا يشترط نصاب أصلاً، بل يقطع في القليل والكثير تافها كان، أو غير تافه، وبه قال ابن بنت الشافعي من أصحابنا، وحكاه القاضي عياض عن الحسن البصري والخوارج، واحتجوا بعموم قوله تعالى {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما} [المائدة: 38] ولم يخصوا الآية. وقال جماهير العلماء: لا تقطع إلا في نصاب، لهذه الأحاديث. اهـ. ثم اختلفوا في النصاب على مذاهب، قاربت العشرين مذهبًا. ذكرها الحافظ ابن حجر، نقتطف منها:

    1- أن القطع لا يجب إلا في أربعين درهمًا، أو أربعة دنانير. نقله القاضي عياض ومن تبعه عن إبراهيم النخعي. وهذا القول يقابل عدم اشتراط النصاب، في شذوذ كل منهما.

    2- أن القطع لا يشترط فيه نصاب، إلا أنه لا يقطع في الشيء التافه، كتمرة، لحديث لم يكن القطع في شيء من التافه ولأن عثمان رضي الله عنه قطع في فخارة، وقال لمن يسرق السياط: لئن عدتم لأقطعن فيه، وقطع ابن الزبير في نعلين، وعن عمر بن عبد العزيز أنه قطع في مد أو مدين.

    3- تقطع اليد في درهم فصاعدًا، وهو قول عثمان البتي - بفتح الباء وتشديد التاء - من فقهاء البصرة وربيعة من فقهاء المدينة.
    4- تقطع اليد في درهمين، فصاعدًا. وهو قول الحسن البصري.
    5- تقطع اليد إذا زاد المسروق عن درهمين، ولو لم يبلغ الثلاثة. وسنده عن أنس رضي الله عنه قال: قطع أبو بكر في شيء ما يساوي ثلاثة دراهم أخرجه ابن أبي شيبة بسند قوي.
    6- تقطع اليد في ثلاثة دراهم، ويقوم ما عداها بها، ولو كان ذهبًا، وهي رواية عن أحمد، وحكاه الخطابي عن مالك.
    7- تقطع اليد في ثلاثة دراهم، ويقوم ما عداها بها، إلا إن كان المسروق ذهبًا، فنصابه ربع دينار، وهذا قول مالك، المعروف عند أتباعه، وهو رواية عن أحمد.
    8- تقطع اليد في ثلاثة دراهم، أو ربع دينار ذهبًا، فإن كان المسروق غيرهما قطع به إذا بلغت قيمته أحدهما، وهو المشهور عن أحمد، ورواية عن إسحق.
    9- تقطع اليد في ثلاثة دراهم، أو ربع دينار ذهبًا، فإن كان المسروق غيرهما قطع به إذا بلغت قيمته الغالب منهما الكثير في الاستعمال عرفًا. وهو قول جماعة من المالكية. 10- تقطع اليد في ربع دينار، أو ما يبلغ قيمته ربع دينار، ولو كان دراهم كثيرة، فالمعتبر الذهب وقيمته، وهو مذهب الشافعي، وهو قول عائشة وعمرة وأبي بكر بن حزم وعمر بن عبد العزيز والأوزاعي والليث ورواية عن إسحاق وعن داود، ونقله الخطابي وغيره عن عمر وعثمان وعلي. 1

    1- يقطع في أربعة دراهم، نقله القاضي عياض عن بعض الصحابة، ونقله ابن المنذر عن أبي هريرة وأبي سعيد. 1

    2- يقطع في ثلث دينار. حكاه ابن المنذر عن أبي جعفر الباقر. 1

    3- يقطع في خمسة دراهم، وهو قول ابن شبرمة وابن أبي ليلى من فقهاء الكوفة، ونقل عن الحسن البصري وعن سليمان بن يسار. أخرج النسائي عن عمر بن الخطاب لا تقطع الخمس إلا في خمس أي لا تقطع الأصابع الخمس إلا في خمسة دراهم. 1
    4- لا تقطع اليد إلا في عشرة دراهم، أو ما بلغ قيمتها من ذهب أو عرض، وهو قول أبي حنيفة والثوري وأصحابهما. 1
    5- لا تقطع اليد إلا في دينار، أو ما بلغ قيمته من فضة أو عرض. حكاه ابن حزم عن طائفة. 1
    6- لا تقطع اليد إلا في دينار، أو عشرة دراهم، أو ما يساوي أحدهما. حكي عن علي وابن مسعود، وبه قال عطاء. ونكتفي بهذا القدر، وهدفنا من ذكر هذه الأقوال أن في الأمر سعة، تسمح لأولي الأمر بحرية الحركة في دائرة تحفظ أموال الناس، وتقطع دابر السرقات والإفساد في الأرض، وقد يفيض المال في آخر الزمان وتضعف القيمة، فيصبح الكثير تافها، والعبرة - فيما أرى - بنصاب أو مقدار يزجر السارق، ويؤمن المسلم على ماله. الأمر الثاني الذي اختلف فيه العلماء بعد النصاب اشتراط الحرز أو عدم اشتراطه، وحرز كل شيء هو المكان المناسب لحفظه وصيانته، ولكل شيء حصنه الذي يناسبه، فترك ذهب أو فضة مكشوف أما البيت أو في فنائه والباب مفتوح ليس في حرز مثله، فإذا أخذ خفية، هل يقطع آخذه؟ قال الظاهرية وأبو عبيد الله البصري: نعم، لأن آية السرقة عامة في كل من سرق، وليس فيها ما ينبئ عن اشتراط الحرز، وليس هناك من الأحاديث ما يخصصها، فتبقى عامة تشمل السرقة من الحرز ومن غير الحرز، واشترط الجمهور الحرز، فلا قطع إلا فيما سرق من حرز، والمعتبر فيه العرف فما عده العرف حرزًا لذلك الشيء فهو حرز له، وما لا فلا. وزعم ابن بطال أن شرط الحرز مأخوذ من معنى السرقة. قال الحافظ ابن حجر: فإن صح ما قال سقطت حجة من لا يشترط الحرز. اهـ قلت: إن أراد معنى السرقة لغة فغير مسلم، وإن أراد شرعًا فهو اصطلاح، لا يحتج به عند الاختلاف. ومما اختلف فيه العلماء أيضًا مكان القطع من اليد، فقال بعض الخوارج من المنكب - أي عند اتصال اليد بالكتف، ونقل عن سعيد بن المسيب، واستنكره جماعة، وحجتهم أن العرب تطلق الأيدي على ذلك. وعن بعض السلف: تقطع من المرفق: وحجتهم آية الوضوء {وأيديكم إلى المرافق} [المائدة: 6]. وقال الشافعي وأبو حنيفة ومالك والجماهير: تقطع اليد من الرسغ، وهو المفصل الذي بين الكف والساعد. وهو مراد من قال: من الكوع. وعن علي تقطع من أصول الأصابع، واستحسنه أبو ثور، ورد بأنه لا يسمى مقطوع اليد لغة ولا عرفًا، بل مقطوع الأصابع. وحجة الجمهور الأخذ بأقل ما ينطلق عليه الاسم، لأن اليد قبل السرقة كانت محترمة، فلما جاء النص بقطع اليد، وكانت تطلق على هذه المعاني، وجب أن لا يترك المتيقن، وهو تحريمها إلا بمتيقن، وهو القطع من الكف. الأمر الرابع الذي اختلف فيه العلماء من سرق ثانيًا وثالثًا ورابعًا بعد أن قطع، قال الجمهور: من سرق أولا قطعت يده اليمنى، فإن سرق ثانيًا قطعت رجله اليسرى - من المفصل بين الساق والقدم - فإن سرق ثالثًا قطعت يده اليسرى، فإن سرق رابعًا قطعت رجله اليمنى. واحتجوا بآية المحاربة، وبفعل الصحابة، وبأنهم فهموا من الآية أنها في المرة الواحدة، فإن عاد السارق وجب عليه القطع ثانيًا، إلى أن لا يبقى له ما يقطع، ثم إن سرق عزر وسجن، وقيل: يقتل في الخامسة استدلالاً بحديث منكر. ويؤخذ من الأحاديث فوق ما تقدم

    1- استدل بالأحاديث وبالآية على أن العبرة بعموم اللفظ، لا بخصوص السبب، لأن آية السرقة نزلت في سارق رداء صفوان، أو سارق المجن، وعمل بها الصحابة بعد الرسول صلى الله عليه وسلم في غيرهما من السارقين.

    2- واستدل بالقطع في المجن على مشروعية القطع في كل ما يتمول، قياسًا، واستثنى الحنفية ما يسرع إليه الفساد، وما أصله الإباحة، كالحجارة واللبن والخشب والملح والتراب والكلأ والطير، وفيه رواية عن الحنابلة، والراجح عندهم في مثل السرجين القطع، تفريعًا على جواز بيعه.

    3- ومن الرواية السابعة قال القاضي عياض: جوز بعضهم لعن المعين، ما لم يحد، لأن الحد كفارة، قال: وليس هذا بسديد، لثبوت النهي عن اللعن في الجملة، فحمله على المعين أولى، وقال ابن بطال: لا ينبغي تعيين أهل المعاصي، ومواجهتهم باللعن، وإنما ينبغي أن يلعن في الجملة من فعل ذلك، ليكون ردعًا لهم، وزجرًا عن انتهاك شيء منها، ولا يكون لمعين، لئلا يقنط. وقيل: إن لعن النبي صلى الله عليه وسلم لأهل المعاصي كان تحذيرًا لهم، قبل وقوعها، فإذا فعلوها استغفر لهم، ودعا لهم بالتوبة، وأما من أغلظ له، ولعنه تأديبًا على فعل فعله، فقد دخل في عموم شرطه، حيث قال: سألت ربي أن يجعل لعني له كفارة ورحمة هذا إذا صدر في حق من ليس له بأهل. قال النووي: في هذا الحديث دليل لجواز لعن غير المعين، من العصاة، لأنه لعن للجنس، لا لمعين ولعن الجنس جائز، كما قال الله تعالى {ألا لعنة الله على الظالمين} [هود: 18] وأما المعين فلا يجوز لعنه.
    4- ومن الرواية الثامنة وما بعدها قال النووي: في هذه الأحاديث تحريم الشفاعة في الحد، بعد بلوغه إلى الإمام، وقد أجمع العلماء عليه، وعلى أنه يحرم التشفيع فيه، فأما قبل بلوغه إلى الإمام فقد أجاز الشفاعة فيه أكثر العلماء، إذا لم يكن المشفوع فيه صاحب شر وأذى للناس، فإن كان لم يشفع فيه، وأما المعاصي التي لا حد فيها، وواجبها التعزير، فتجوز الشفاعة والتشفيع فيها، سواء بلغت الإمام أم لا، لأنها أهون، ثم الشفاعة فيها مستحبة، إذا لم يكن المشفوع فيه صاحب أذى ونحوه. اهـ. ويؤيد هذا ما جاء في بعض الروايات أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال لأسامة، لما شفع في المرأة لا تشفع في حد، فإن الحدود إذا انتهت إلي فليس لها مترك وفي بعض الأحاديث تعافوا الحدود فيما بينكم، فما بلغني من حد، فقد وجب صححه الحاكم. وأخرج الطبراني عن عروة بن الزبير، قال لقي الزبير سارقًا، فشفع فيه، فقيل له: حتى يبلغ الإمام. فقال: إذا بلغ الإمام فلعن الله الشافع والمشفع وعند ابن أبي شيبة بسند صحيح عن عكرمة أن ابن عباس وعمارًا والزبير أخذوا سارقًا، فخلوا سبيله، قال عكرمة: فقلت لابن عباس: بئسما صنعتم حين خليتم سبيله. فقال: لا أم لك. أما لو كنت أنت لسرك أن يخلى سبيلك وهذا إذا لم يكن محترفًا، وكان من ذوي الهيئات، فعند أحمد عن عائشة مرفوعًا أقيلوا ذوي الهيئات زلاتهم إلا في الحدود.
    5- وفي الحديث منقبة لأسامة رضي الله عنه. وكان يومئذ غلامًا.
    6- من قوله وايم الله جواز الحلف من غير استحلاف، وهو مستحب إذا كان فيه تفخيم لأمر مطلوب، كما في الحديث.
    7- استدل بالرواية العاشرة على أن جحد العارية يقطع به كالسرقة، وبه قال أحمد وإسحق، وجماهير العلماء وفقهاء الأمصار على أنه لا قطع على من جحد العارية، وقد سبق في المباحث العربية مزيد لهذه المسألة، وفرق العلماء بين السرقة وبين النهب والاختلاس، حيث يقطع في السرقة، ولا يقطع فيهما، فقال القاضي عياض: صان الله تعالى الأموال بإيجاب القطع على السارق، ولم يجعل ذلك في غير السرقة، كالاختلاس والانتهاب والغصب، لأن ذلك قليل بالنسبة إلى السرقة، ولأنه يمكن استرجاع هذا النوع، بالاستدعاء إلى ولاة الأمور، وتسهل إقامة البينة عليه، بخلاف السرقة، فإنها تندر إقامة البينة عليها، فعظم أمرها، واشتدت عقوبتها، ليكون أبلغ في الزجر عنها. اهـ أقول: ثم إن باب التعزير واسع، وعقوبته متنوعة متروكة لولي الأمر، وقد بلغ به بعض الفقهاء الإلقاء من شاهق الجبل.
    8- استشكل أبو العلاء المعري على قطع اليد في سرقة ربع دينار مع أن ديتها خمسمائة دينار، فقال: يد بخمس مئين عسجد وديت ما بالها قطعت في ربع دينار؟ وأجابه القاضي عبد الوهاب المالكي، بأنها لما كانت نظيفة نزيهة كانت غالية، ولما تدنست بالسرقة رخصت، فقال: صيانة العضو أغلاها، وأرخصها صيانة المال، فافهم حكمة الباري وشرح ذلك الحافظ ابن حجر، فقال: إن الدية لو كانت ربع دينار لكثرت الجنايات على الأيدي، ولو كان النصاب للقطع في السرقة خمسمائة دينار لكثرت الجنايات على الأموال، فظهرت الحكمة في الجانبين، وكان في ذلك صيانة من الطرفين. واللَّه أعلم

    لا توجد بيانات