• 399
  • عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ ، " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعِ الْمُزَابَنَةِ وَالْمُحَاقَلَةِ "

    وحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ ، حَدَّثَنَا حُجَيْنُ بْنُ الْمُثَنَّى ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ ، عَنْ عُقَيْلٍ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعِ الْمُزَابَنَةِ وَالْمُحَاقَلَةِ ، وَالْمُزَابَنَةُ : أَنْ يُبَاعَ ثَمَرُ النَّخْلِ بِالتَّمْرِ ، وَالْمُحَاقَلَةُ : أَنْ يُبَاعَ الزَّرْعُ بِالْقَمْحِ ، وَاسْتِكْرَاءُ الْأَرْضِ بِالْقَمْحِ

    المزابنة: المزابنة : بيع ثمر النخل بالتمر كيلا وبيع الزبيب بالعنب كيلا ونحو ذلك
    والمحاقلة: المحاقلة : اكتراء الأرض بالحنطة أو المزارعة على نصيب معلوم كالثلث والربع ونحوهما ، أو بيع الطعام في سنبله بالقمح ، أو بيع الزرع قبل إدراكه
    والمزابنة: المزابنة : بيع ثمر النخل بالتمر كيلا وبيع الزبيب بالعنب كيلا ، وهي بيع ما لا يُعْلَم وزنا أو كيلا أو عددا بمعلوم المقدار ونحو ذلك
    نَهَى عَنْ بَيْعِ الْمُزَابَنَةِ وَالْمُحَاقَلَةِ ، وَالْمُزَابَنَةُ : أَنْ
    حديث رقم: 3872 في السنن الصغرى للنسائي ذكر الأحاديث المختلفة في النهي عن كراء الأرض بالثلث والربع، واختلاف ألفاظ الناقلين للخبر
    حديث رقم: 3874 في السنن الصغرى للنسائي ذكر الأحاديث المختلفة في النهي عن كراء الأرض بالثلث والربع، واختلاف ألفاظ الناقلين للخبر
    حديث رقم: 1323 في موطأ مالك كِتَابُ الْبُيُوعِ بَابُ مَا جَاءَ فِي الْمُزَابَنَةِ وَالْمُحَاقَلَةِ
    حديث رقم: 4487 في السنن الكبرى للنسائي كِتَابُ الْمُزَارَعَةِ ذِكْرُ الْأَسَانِيدِ الْمُخْتَلِفَةِ فِي النَّهْيِ عَنْ كِرَاءِ الْأَرْضِ بِالثُّلُثِ وَالرُّبُعِ ،
    حديث رقم: 4489 في السنن الكبرى للنسائي كِتَابُ الْمُزَارَعَةِ ذِكْرُ الْأَسَانِيدِ الْمُخْتَلِفَةِ فِي النَّهْيِ عَنْ كِرَاءِ الْأَرْضِ بِالثُّلُثِ وَالرُّبُعِ ،
    حديث رقم: 13974 في مصنّف عبد الرزاق كِتَابُ الْبُيُوعِ بَابُ : كِرَاءُ الْأَرْضِ بِالذَّهَبِ ، وَالْفِضَّةِ
    حديث رقم: 14002 في مصنّف عبد الرزاق كِتَابُ الْبُيُوعِ بَابُ اشْتِرَاءُ التَّمْرِ بِالتَّمْرِ فِي رُؤُوسِ النَّخْلِ
    حديث رقم: 205 في السنن المأثورة للشافعي السنن المأثورة للشافعي بَابٌ فِي الْبُيُوعِ
    حديث رقم: 661 في مسند الشافعي وَمِنْ كِتَابِ الْبُيُوعِ
    حديث رقم: 1461 في المطالب العالية للحافظ بن حجر كِتَابُ الْبُيُوعِ بَابُ الْأُصُولِ وَالثِّمَارِ

    عن سعيد بن المسيب رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع المزابنة والمحاقلة. والمزابنة أن يباع ثمر النخل بالتمر. والمحاقلة أن يباع الزرع بالقمح. واستكراء الأرض بالقمح قال: وأخبرني سالم بن عبد الله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لا تبتاعوا الثمر حتى يبدو صلاحه ولا تبتاعوا الثمر بالتمر. وقال سالم: أخبرني عبد الله عن زيد بن ثابت، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه رخص بعد ذلك في بيع العرية بالرطب أو بالتمر. ولم يرخص في غير ذلك.
    المعنى العام:
    البيوع ومبادلة السلعة بالمال، والسلعة بالسلعة، والمال بالمال معاملات بين البشر منذ عمرت بهم الأرض، وهي ضرورة من ضرورات حياتهم، فقد يملك الواحد شيئًا، أو أشياء، ويحتاج غير ما يملك، ونزل قوله تعالى: {وأحل الله البيع وحرم الربا} [البقرة: 275] والعرب يتعاملون معاملات شتى، بعضها ربا، وبعضها بيع، وبعضها ليس بيعًا ولا ربًا، فبينت السنة للناس ما نزل إليهم، وميزت البيع من الربا، والبيع الفاسد من البيع الصحيح، وكان الهدف الأساسي من التشريع حماية كل من المتعاملين من الغرر والغش والخداع والقمار لتحقيق مصلحة المتبايعين قدر الإمكان، وهذه الأحاديث تضع القوانين الحكيمة لبعض المعاملات التي كانت سائدة. وأول هذه القوانين: النهي عن بيع الثمار قبل أن تأمن الآفة، ويبدو صلاحهما وعلامات قرب نضجها من صفرة أو حمرة أو غيرهما، لأنها لو بيعت قبل بدو الصلاح لم يؤمن عليها من الآفة، فتقع الخصومة، فإن تحملها المشتري أكل البائع الثمن دون مقابل. وثانيها: بيع المجهول بالمعلوم، وبيع الثمار على شجرها تخمينًا لمقاديرها بمقادير معلومة من نفس هذه الثمار جافة على الأرض. ولما كانت حياة القوم تقوم على النخل وثمره إلى حد كبير، وكان بعضهم يملك تمرًا ويحتاج رطبًا، وبعضهم يملك رطبًا ويحتاج تمرًا رخص لهم في بيع ثمر النخل على نخله تخمينًا لمقداره بقدر معين من التمر. وثالث هذه القوانين: النهي عن بيع الزرع في سنبله بكيل معلوم من القمح، ونهي عن كراء الأرض مقابل جزء مما يخرج منها، ونهي عن بيع ثمر الشجر عامين أو أكثر، لأنه بيع مجهول وغير مملوك للبائع، كما نهي عن استثناء المجهول من قدر مجهول، فإن جهالة أحد العوضين يفسد البيع. وهكذا تحاول الشريعة الإسلامية أن تغلق أبواب الشر والغرر والخداع، وأن تحقق الأمن والأمان والعدالة والتوازن بين الحقوق. المباحث العربية (نهي عن بيع الثمر حتى يبدو صلاحها) قال أهل اللغة: الثمر بفتح الثاء والميم جمع ثمرة، كخشب جمع خشبة، وجمع الجمع ثمر بضم الثاء والميم، وجمع جمع الجمع أثمار. والثمر حمل الشجر مطلقًا، نخل أو غيره كالعنب والرمان والتفاح والبرتقال والخوخ، وأما التمر بالتاء المثناة فثمرة النخل في حالة معينة، كالزبيب للكرم. وبدو الصلاح - بضم الدال وتشديد الواو - ظهوره، قال النووي: وقع في كثير من كتب المحدثين وغيرهم حتى يبدوا بالألف في الخط، وهو خطأ، والصواب حذفها في مثل هذا. والواو مفتوحة، والفعل منصوب بحتى، ومثله يزهو في الرواية الثانية. يقال: زها النخل يزهو إذا ظهرت ثمرته، وأزهى إذا احمر أو اصفر. قال الخطابي: هكذا يروى حتى يزهو قال: والصواب حتى يزهى والإزهاء في الثمر أن يحمر أو يصفر، وذلك علامة الصلاح فيها، ودليل صلاحها من الآفة. اهـ. وقال ابن الأثير: منهم من أنكر يزهي كما أن منهم من أنكر يزهو وقال الجوهري: الزهو - بفتح الزاي - وأهل الحجاز يضمونها - وهو البسر الملون، يقال إذا ظهرت الحمرة أو الصفرة في النخل: ظهر فيه الزهو، وقد زها النخل زهوًا، وأزهى لغة. قال النووي: هذه أقوال أهل العلم فيه، ويحصل من مجموعها جواز ذلك كله. اهـ. وفي رواية للبخاري عن أنس حتى يزهو. قيل: وما يزهو؟ قال: يحمار أو يصفار وفي رواية قلنا لأنس: ما زهوها؟ قال: تحمر وفي رواية للنسائي قيل يا رسول الله، وما تزهي؟ قال: تحمر وظاهره أن هذا التفسير مرفوع. وفي الرواية الثالثة عطف على حتى يبدو صلاحه وتذهب عنه الآفة وهما متلازمان غالبًا، ولذا جاء في ملحق الرواية الرابعة تفسير ابن عمر لبدو الصلاح بذهاب العاهة، أي يأمن العاهة، كما جاء في الرواية الثانية. وهي الآفة التي تصيب الثمر أو الزرع فتفسده. وقد فسرت حالة بدو صلاح ثمر النخل في الرواية السابعة بقوله حتى يأكل منه (صاحبه) أو يؤكل (أي يصلح للأكل) وحتى يوزن. قال: فقلت. ما يوزن؟ قال الرجل عنده حتى يحرز بضم الياء وفتح الزاء، بينهما حاء ساكنة، أي يخرص ويقدر، قال النووي: ووقع في بعض الأصول بتقديم الراء على الزاي، وهو تصحيف. اهـ. وهذه أوصاف لازمة لبدو الصلاح غالبًا، ومثلها قوله في الرواية الثانية وعن السنبل حتى يبيض ويأمن العاهة، كما عبر عن هذه الحالة في الرواية الخامسة بقوله حتى يطيب وعبر عنها في الرواية الثانية والثلاثين بقوله حتى تشقه والهاء فيه بدل من الحاء في تشقح بضم التاء وسكون الشين وكسر القاف فيهما، وقد فسر الراوي الإشقاه والإشقاح بالاحمرار والاصفرار، والمراد تغير اللون يسيرًا إلى الحمرة أو الصفرة أو غيرهما، وليس المراد حقيقة الحمرة والصفرة وكمالهما، هذا. وبدو الصلاح متفاوت بتفاوت الأثمار، فيبدو صلاح التين بأن يطيب وتوجد فيه الحلاوة، ويظهر السواد في أسوده، والبياض في أبيضه، وكذلك العنب الأسود، بدو صلاحه أن ينحو أسوده إلى السواد، وأن ينحو أبيضه إلى البياض، مع النضج، وكذلك الزيتون بدو صلاحه أن ينحو إلى السواد، وبدو صلاح القثاء والفقوس أن ينعقد، ويبلغ مبلغًا يوجد له طعم، وأما البطيخ فإنه ينحو ناحية الاصفرار والطيب، وأما الموز فقيل: إذا بلغ في شجره قبل أن يطيب، فإنه لا يطيب حتى ينزع. وهكذا، والعرف في ذلك مشهور. وليست هذه الحالة مانعة للآفة، فقد تحصل الآفة بعدها، ولكنها الحالة التي يغلب عندها أمن الآفة، وليس استحالتها. وسيأتي في فقه الحديث حكمة هذا التشريع. (نهي البائع والمبتاع) أي والمشتري، كما صرح به في الرواية الثانية، أي نهي البائع عن الإقدام على بيع ثمرته قبل بدو صلاحها، لئلا يعرض نفسه لأكل مال الغير، لو تلفت الثمرة، ونهي المشتري عن أن يقدم على شراء الثمرة قبل بدو صلاحها، لئلا يعرض ماله للضياع، لو تلفت الثمرة، وقد نهي عن إضاعة المال. وقد وجه النهي إلى المشترين في الرواية الثالثة والثامنة والعاشرة لا تبتاعوا ووجهه إلى البائعين في الرواية الرابعة لا تبيعوا. (عن أبي البختري) قال النووي: هو بفتح الباء وإسكان الخاء وفتح التاء، واسمه سعيد بن عمران، من أفاضل أهل الكوفة، قتل سنة ثلاث وثمانين، ورجح النووي توثيقه، ورد تضعيف الحاكم له. (عن بيع النخل) أي عن بيع ثمر النخل، وليس المراد أصول النخل، لأن الأصول تباع، وثمرها على أي حالة تابعة له. (وعن بيع الثمر بالتمر) أي عن بيع ثمر النخل حالة كونه بسرًا أو رطبًا بتمر، وليس المراد أي ثمار، فإن سائر الثمار - غير ثمر النخل - يجوز بيعها بالتمر. وكان هذا النهي قبل الترخيص بالعرية، كما سيأتي. ولذلك ألحقه ابن عمر بحديث زيد بن ثابت رخص في بيع العرايا. (رخص في بيع العرايا) جمع عرية بفتح العين وكسر الراء وتشديد الياء المفتوحة، كمطايا جمع مطية، وضحايا جمع ضحية، مشتقة من التعري، وهو التجرد، لأنها عريت عن حكم باقي البستان. قال الأزهري: هي فعيلة بمعنى فاعلة، (أي قام بها التعري) وقال الهروي: فعيلة بمعنى مفعولة، من عراه يعروه، إذا أتاه وتردد إليه، لأن صاحبها يتردد إليها، وقيل: سميت بذلك لتخلي صاحبها الأول عنها من بين سائر نخله. والمراد من العرية هنا النخلة أو النخلات عليها رطب، يحتاج صاحبها تمرًا، أو يحتاج صاحب تمر رطبها، فيخرص ما عليها من رطب - أي يخمن ويقدر، فيقال: فيها الآن من الأوسق كذا، فإذا يبس كان من الأوسق كذا وكذا، فيدفع صاحب التمر تمره على الأرض ويخلي صاحب النخلة بينه وبينها. ولها صور كثيرة يختلف فيها الفقهاء، ستأتي في فقه الحديث. فالمراد من رخص في بيع العرايا أي في بيع ثمرتها، لا في بيع رقبتها، فإن بيع الرقبة لا شيء فيه، والرخصة استثناء من أصل للحاجة. وقد جاء تفسير بعض صورها في الروايات، ففي الرواية الثانية عشرة رخص لصاحب العرية أن يبيعها بخرصها من التمر وفي الثالثة عشرة رخص في العرية، يأخذها أهل البيت بخرصها تمرًا، يأكلونها رطبًا وفي ملحقها والعرية النخلة، تجعل للقوم، فيبيعونها بخرصها تمرًا ويقصد بهذه الصورة أن رطب النخلة يوهب لقوم، وهم يحتاجون التمر، لا يحتاجون الرطب، فيبيعون رطبها على رأسها خرصًا بتمر على الأرض كيلاً. وفي ملحق الرابعة عشرة العرية أن يشتري الرجل ثمر النخلات لطعام أهله رطبًا، بخرصها تمرًا وفي الرواية السادسة عشرة رخص في بيع العرية، النخلة والنخلتين، يأخذها أهل البيت بخرصها تمرًا، يأكلونها رطبًا. (بشير بن يسار) قال النووي: بضم الباء وفتح الشين. مدني أنصاري. كان شيخًا كبيرًا فقيهًا، أدرك عامة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان قليل الحديث. (من أهل دارهم) يعني بني حارثة، والمراد من الدار المحلة. (عن بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم) ذكر منهم في الرواية التاسعة عشرة رافع بن خديج، وسهل بن أبي حثمة. (ذلك الربا - ذلك الزبن) بفتح الزاي وسكون الباء، وهو الدفع. (تلك المزابنة) مفاعلة من الزبن. والمراد منها هنا شراء ثمر النخل على رءوس النخل خرصًا بالتمر على الأرض كيلاً، وهل يلحق الكرم وغيره بالنخل؟ ظاهر الروايات ذلك، وسيأتي في فقه الحديث، وسمي هذا البيع المخصوص بالمزابنة، لما فيه من الغرر الذي يوقع كلاً من المتبايعين في المخاصمة والمدافعة عما يراه حقًا له. (فيما دون خمسة أوسق - أو في خمسة) شك من الراوي. وأوسق جمع وسق بفتح الواو وضمها، ويقال بكسرها، والفتح أفصح، ويقال في الجمع أيضًا: أوساق ووسوق، والوسق في الأصل. ضم الشيء بعضه إلى بعض، وقدره ستون صاعًا، والصاع خمسة أرطال وثلث بالبغدادي، وكان كيلاً معروفًا ووزنه يختلف من مكيل إلى مكيل من الحبوب والثمار، وكان كيل الصاع نحو أربع حفنات بحفنات رجل معتدل. (من باع نخلاً قد أبرت) بضم الهمزة وتشديد الباء المكسورة وفتح الراء، مبني للمجهول، يقال: أبرت النخل بالفتح والتخفيف آبره أبرًا مثل أكلت اللحم آكله أكلاً، ويقال: أبرت النخل، بالتشديد، أؤبره تأبيرًا، كعلمته أعلمه تعليمًا، وتأبير النخل أن يشق طلع النخلة، ويطرح فيه شيء من طلع ذكر النخل. (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المحاقلة، والمزابنة، والمخابرة) المحاقلة فسرها في الرواية الواحدة والثلاثين. ببيع الزرع القائم بالحب كيلاً، وقيل: بيع الطعام في سنبله بالبر، مأخوذ من الحقل، والمنهي عنه بيع الثمرة قبل بدو صلاحها، وقيل: بيع ما في رءوس النخل بالتمر، وقيل: كراء الأرض بالحنطة، أو بكيل طعام أو إدام. قال الحافظ ابن حجر: والمشهور أن المحاقلة كراء الأرض ببعض ما تنبت. اهـ. فعلى المشهور الذي ذكره تكون المحاقلة والمخابرة شيئًا واحدًا. قال النووي: المخابرة والمزارعة متقاربتان وهما المعاملة على الأرض ببعض ما يخرج منها من الزرع، كالثلث والربع وغير ذلك من الأجزاء المعلومة، لكن في المزارعة يكون البذر من مالك الأرض، وفي المخابرة يكون البذر من العامل، وقال بعض أصحابنا وجماعة من أهل اللغة وغيرهم: هما بمعنى، قالوا: والمخابرة مشتقة من الخبر، وهو الأكار، أي الفلاح. هذا قول الجمهور، وقيل: مشتقة من الخبار، وهي الأرض اللينة، وقيل: من الخبرة بضم الخاء، وهي النصيب، وقال ابن الأعرابي: مأخوذة من خيبر، لأن أول هذه المعاملة كان فيها. (وعن المعاومة) فسرها الراوي ببيع السنين، ومعناه أن يبيع ثمر الشجر عامين أو ثلاثة أو أكثر، وسيأتي حكمه في فقه الحديث. (وعن الثنيا) بضم الثاء وسكون النون بعدها ياء، وهي الاستثناء في البيع، كقوله: بعتك هذه الكومة إلا بعضها، وهذه الأشجار إلا بعضها، وسيأتي الحكم في فقه الحديث. فقه الحديث تتعرض هذه الأحاديث إلى ثمان نقاط: بيع الثمار قبل بدو صلاحها - وبيع المزابنة أو بيع الرطب حرصًا بالتمر كيلاً - والترخيص في العرايا - وبيع المحاقلة - وبيع المخابرة - وبيع المعاومة أو بيع السنين - وبيع الثنيا، وبيع النخل بثمره.

    1- أما عن بيع الثمار قبل بدو صلاحها وبعده فله حالات: الأولى: بيع الثمار قبل بدو صلاحها بشرط قطعها، وهو صحيح عند عامة العلماء، وقال الثوري وابن أبي ليلى بأنه باطل. دليلهما ظاهر العموم في الأحاديث، ودليل عامة العلماء الإجماع، ولأن علة المنع أن الثمرة قد تتلف بعد البيع وقبل النضج، بل هي معرضة لذلك كثيرًا، فيكون البائع قد أكل مال أخيه، فإذا شرط القطع انتفى هذا الضرر، فلو شرط القطع. ثم لم يقطع فالبيع صحيح، ويلزمه البائع بالقطع. الثانية: بيع الثمار قبل بدو صلاحها مطلقًا، بشرط بقائها على شجرها، وهو باطل عند عامة العلماء، وقال يزيد بن أبي حبيب: يجوز. الثالثة: بيع الثمار قبل بدو صلاحها مطلقًا، بدون شرط القطع وبدون شرط الإبقاء، ومذهب الشافعي وأحمد والجمهور ورواية عن مالك أن البيع باطل، لإطلاق هذه الأحاديث، وإنما صححوه بشرط القطع للإجماع، فخصصوا الأحاديث بالإجماع فيما إذا شرط القطع، ولأن العادة في الثمار الإبقاء، فصار الإبقاء كأنه مشروط وإن لم يذكر، فحكمه حكم ما شرط فيه البقاء. وقال أكثر الحنفية إن البيع صحيح ما دام لم يشترط التبقية، وحملوا النهي على بيع الثمار قبل أن توجد أصلاً، أو أن النهي للتنزيه. الرابعة: بيع الثمار بعد بدو صلاحها. ومذهب الشافعي ومالك وأحمد جواز بيعها مطلقًا، سواء شرط القطع، أو شرط التبقية، أو لم يشترط، لمفهوم هذه الأحاديث، ولأن ما بعد الغاية يخالف ما قبلها، إذا لم يكن من جنسها، ولأن الغالب فيها السلامة، بخلاف ما قبل الصلاح. وقال أبو حنيفة: إن شرط إبقاءها على شجرها لم يصح البيع، وإن لم يشترط إبقاءها صح هذا. ثم قال النووي: ثم إذا بيعت بشرط التبقية أو مطلقًا يلزم البائع بسقايتها إلى أوان الجذاذ، لأن ذلك هو العادة فيها. ثم قال: ومذهب مالك والكوفيين وأكثر العلماء أنه يجوز بيع السنبل المشتد -وتؤيدهم روايتنا الثانية- قال: وأما مذهبنا ففيه تفصيل، فإن كان السنبل شعيرًا أو ذرة أو ما في معناهما، مما ترى حباته، جاز بيعه، وإن كان حنطة ونحوها مما تستر حباته بالقشور التي تزال بالدياس ففيه قولان للشافعي رضي الله عنه، الجديد أنه لا يصح، وهو أصح قوليه، والقديم أنه يصح. وأما قبل الاشتداد فلا يصح بيع الزرع إلا بشرط القطع كما ذكرنا، وإذا باع الزرع قبل الاشتداد مع الأرض بلا شرط جاز، تبعًا للأرض، وكذا الثمر قبل بدو الصلاح إذا بيع مع الشجر جاز بلا شرط تبعًا، وهكذا حكم البقول في الأرض، لا يجوز بيعها في الأرض، دون الأرض إلا بشرط القطع. قال: وفروع المسألة كثيرة. اهـ. وقال الحافظ ابن حجر: واختلف السلف في قوله حتى يبدو صلاحها هل المراد به جنس الثمار، حتى لو بدا الصلاح في بستان من البلد مثلاً جاز بيع ثمرة جميع البساتين، وإن لم يبد الصلاح فيها؟ أو لا بد من بدو الصلاح في كل بستان على حدة؟ أو لا بد من بدو الصلاح في كل جنس على حدة؟ أو في كل شجرة على حدة؟ الأول قول الليث، وهو عند المالكية بشرط أن يكون الصلاح متلاحقًا، والثاني قول أحمد، وعنه رواية كالرابع، والثالث قول الشافعية، ويمكن أن يؤخذ ذلك من التعبير ببدو الصلاح، لأنه دال على الاكتفاء بمسمى الإزهار، من غير اشتراط تكامله، فيؤخذ منه الاكتفاء بزهو بعض الثمرة، وبزهو الشجرة، مع حصول المعنى، وهو الأمن من العاهة، ولولا حصول المعنى لكان تسميتها مزهية بإزهاء بعضها قد لا يكتفي به، لكونه على خلاف الحقيقة، وأيضًا فلو قيل بإزهاء الجميع لأدى إلى فساد الحديقة أو أكثرها، وقد من الله تعالى بكون الثمار لا تطيب دفعة واحدة، ليطول زمن التفكه بها.

    2-وأما بيع المزابنة: فقد عبر عنه في الرواية التاسعة والعاشرة ببيع التمر بالتمر، وفسرها في الرواية الحادية عشرة بقوله والمزابنة أن يباع ثمر النخل بالتمر وفي الرواية السادسة عشرة نهي عن بيع الثمر بالتمر، وقال: تلك المزابنة وفي الرواية التاسعة عشرة نهي عن المزابنة -الثمر بالتمر وفي الرواية الواحدة والعشرين نهي عن المزابنة، والمزابنة بيع الثمر بالتمر كيلاً، وبيع الكرم بالزبيب كيلاً وفي الرواية الثانية والعشرين نهي عن المزابنة، بيع ثمر النخل بالتمر كيلاً، وبيع العنب بالزبيب كيلاً، وبيع الزرع بالحنطة كيلاً وفي الرواية الثالثة والعشرين والمزابنة بيع ثمر النخل بالتمر كيلاًً، وبيع الزبيب بالعنب كيلاً، وعن كل ثمر بخرصه وفي الرواية الرابعة والعشرين والمزابنة أن يباع ما في رءوس النخل بتمر، بكيل مسمى، إن زاد فلي، وإن نقص فعلي وفي الرواية الخامسة والعشرين أن يبيع ثمر حائطه، إن كانت نخلاً بتمر كيلاً، وإن كانت كرمًا أن يبيعه بزبيب كيلاً، وإن كان زرعًا أن يبيعه بكيل طعام وفي الرواية الثانية والثلاثين والمزابنة أن يباع النخل بأوساق من التمر. ولا خلاف في أن بيع الرطب على النخل بالتمر كيلاً، وبيع العنب على الكرم بالزبيب كيلاً مزابنة، والخلاف بين العلماء في إلحاق غيرهما من الثمار بهما، فقيل: تختص المزابنة بهما، والجمهور على الإلحاق، أما الشافعي فيلحق بذلك كل بيع مجهول بمجهول وكل بيع مجهول بمعلوم من جنس يجري الربا في نقده، وقال عن مثل الصورة الواردة في الرواية الرابعة والعشرين، ومعناها خرص ما على رءوس النخل، ثم تقديره بكيل محدد، ثم الالتزام بالنقص وأخذ الزيادة، قال: إنها من قبيل القمار، وليس من قبيل المزابنة، والتحقيق أنها قمار ومزابنة. ومن صور المزابنة على هذا بيع الزرع بالحنطة كيلاً. وأما مالك فقد ألحق بهما كل شيء من الجزاف، لا يعلم كيله ولا وزنه ولا عدده إذا بيع بشيء مسمى من الكيل وغيره، سواء كان من جنس يجري الربا في نقده أم لا. وسبب النهي عنده ما يدخله من القمار والغرر، فنظر مالك إلى معنى المزابنة لغة، وهي المدافعة، ويدخل فيها القمار والمخاطرة، وكل ما يباع مثلاً بمثل لا يجوز فيه كيل بجزاف، ولا جزاف بجزاف. وتفرع عن هذه المسألة مسائل: منها بيع الرطب على رءوس النخل برطب على الأرض، أو على رءوس نخل أخرى، فأجازه ابن خيران من الشافعية، ومنعه الاصطرخي، وصححه جماعة، وقيل: إن كانا نوعًا واحدًا لم يجز، إذ لا حاجة إليه، وإن كانا نوعين جاز، وهو رأي أبي إسحق. ومنها بيع العنب على الكرم خرصًا بالتمر على الأرض كيلاً، وهو جائز. وبيع الرطب والعنب على أصولهما خرصًا بالدرهم والدينار، وهو جائز أيضًا.

    3- والظاهر أن العرايا من قبيل المزابنة، لكنها مستثناة منها، رخص بها للحاجة، وقيل: إن العرايا ليست بيعًا، وليست من المزابنة أصلاً، وإنما هي هدية، لكن الروايات الكثيرة التي تعبر عنها ببيع العرايا لا تساعد هذا القول، بل تعارضه وترفضه. وللعرايا صور يختلف العلماء في حكمها. منها: (أ) أنها نخلة أو نخل، عليها رطب، توهب لمساكين، أي يوهب رطبها لمساكين، وليس أصولها، فيحتاج هؤلاء المساكين إلى التمر، لا يستطيعون أن ينتظروا حتى يصير الرطب تمرًا ولا يحبون أن يأكلوا رطبًا، فرخص لهم أن يبيعوا الرطب على النخل خرصًا بتمر عاجل كيلاً. (ب) النخلة أو النخلات في بستان لرجل يوهب رطبها لمحتاجين -وكانت العادة أنهم يخرجون بأهليهم في وقت الثمار إلى البساتين، فيكره صاحب البستان دخولهم، ويتضرر منهم، فيعرض على الموهوب له أن يبيعه، بخرص رطبه تمرًا، ليدفع الضرر بدخولهم، فرخص له في ذلك، أو يتأذى الموهوب له، فيعرض على الواهب أن يشتري منه الرطب بتمر، فيقبل. اشترط مالك في جواز هذه الصورة أن يكون البيع بعد بدو الصلاح، وأن يكون بتمر مؤجل، وخالفه الشافعي في الشرط الأخير، فقال: يشترط التقابض. كما اشترط مالك في هذه المعاملة أن تكون مع الواهب خاصة، مالك أصول النخل، ورخص بها لما يلحقه من الضرر، وقصر العارية المرخص بها على هذه الصورة، وأجازها الشافعي للمالك ولغيره، كما أجاز الصور الأخرى. (ج) أن يقول الرجل لصاحب بستان: بعني رطب هذه النخلات بخرصها، فيخمن ما عليها، ويقدر كم ينقص إذا يبس، ثم يسلم نفس المقدار تمرًا، ويسلم البائع النخلات. وهذه الصورة أجازها الشافعي في حدود أقل من خمسة أوسق، وفي الخمسة أوسق نفسها خلاف. (د) أن يبيع الرجل ثمر حائطه بعد بدو صلاحه، ويستثني منه نخلات معلومة، يبيتها لنفسه أو لعياله، وهي التي يعفي له عن خرصها في الصدقة، فرخص لأهل الحاجة الذين لا نقد لهم، وعندهم فضول من التمر أن يبتاعوا بذلك التمر من رطب تلك النخلات بخرصها. وهذه الصورة أجازها الشافعي في أقل من خمسة أوسق. ومنع أبو حنيفة صور البيع كلها، وقصر العرية على الهبة، وهي أن يعري الرجل تمر نخلة من نخله، ولا يسلم ذلك له، ثم يبدو له ارتجاع تلك الهبة، فرخص له الشرع أن يحتبس ذلك، ويعطيه بقدر ما وهبه له من الرطب بخرصه تمرًا، وحمله على ذلك عموم النهي عن بيع الثمر بالتمر، وتعقب باستثناء العرايا في حديث ابن عمر، وزيد بن ثابت، ورافع بن خديج وسهل بن أبي حثمة. وقال بعض الحنفية: العرية العطية، فلا تطلق إلا على الهبة، ورد بأنه لا يلزم من كون أصل العرية العطية أن لا تطلق العرية شرعًا على صور أخرى. ثم إن حملهم الرخصة على الهبة بعيد، لأن الرخصة لا تكون إلا بعد ممنوع، والمنع إنما كان في البيع، لا في الهبة، ثم إن الرخصة قيدت بخمسة أوسق، فما دونها، والهبة لا تتقيد. وحكى الطحاوي عن بعض الحنفية أن معنى الرخصة أن الذي وهبت له العرية لم يملكها، لأن الهبة لا تملك إلا بالقبض، فلما جاز له أن يعطي بدلها تمرًا وهو لم يملك المبدل منه حتى يستحق البدل، كان ذلك مستثنى، وكان رخصة. وقال الطحاوي: معنى الرخصة فيه أن المرء مأمور بإمضاء ما وعد به، فلما أذن له أن يحبس ما وعد به، ويعطي بدله، ولا يكون في حكم من أخلف وعده، ظهر بذلك معنى الرخصة. اهـ ولا يخفى أن هذه التعسفات لا تغني شيئًا، فإن الذي رخص في العرية هو الذي نهي عن بيع الثمر بالتمر، في لفظ واحد، من رواية جماعة من الصحابة. قال المحققون: الشافعي أقعد باتباع أحاديث هذا الباب من غيره، فإنها ناطقة باستثناء العرايا من بيع المزابنة، وكل ما ورد من تفسير العرايا في الأحاديث لا يخالفه الشافعي، وإنما يتجه الاعتراض على من تمسك بصورة من الصور الواردة في تفسير العرية، ويمنع غيرها، وأما من عمل بها كلها، ونظمها في ضابط يجمعها فلا اعتراض عليه. وحكي عن الشافعي تقييد العرية الجائزة بالمساكين، وأنكر الغزالي نقل ذلك عن الشافعي، واعتبر الحنابلة هذا القيد مضمومًا إلى القيد الذي اعتبره مالك. فعندهم لا تجوز العرية إلا لحاجة صاحب الحائط إلى البيع، أو لحاجة المشتري إلى الرطب. والله أعلم.
    4- وأما بيع المحاقلة فقد سبق ما قيل في المراد منه في المباحث العربية، وعلى أنه بيع الزرع بالطعام قال ابن بطال: أجمع العلماء على أنه لا يجوز بيع الزرع قبل أن يقطع بالطعام، لأنه بيع مجهول بمعلوم، وأما بيع رطب الزرع بيابسه بعد القطع، مع إمكان المماثلة، فالجمهور لا يجيزون شيئًا من ذلك بجنسه، لا متفاضلاً، ولا متماثلاً. وأجاز أبو حنيفة بيع الزرع الرطب -كالذرة اللين- بالحب اليابس.
    5- وأما بيع المخابرة وقد قلنا إنها قريبة من المزارعة، وأنها المعاملة على الأرض ببعض ما يخرج منها من الزرع، فسنعرض له في الباب الآتي، إن شاء الله.
    6- وأما بيع المعاومة أو بيع السنين. فقد قال النووي: هو باطل بالإجماع، نقل الإجماع فيه ابن المنذر وغيره، لهذه الأحاديث، ولأنه بيع غرر، وبيع معدوم، وبيع مجهول غير مقدور على تسليمه، وغير مملوك للعاقد.
    7- وأما بيع الثنيا والاستثناء من المجموع، كبعتك هذه الثياب إلا بعضها؛ فقد قال النووي: لا يصح البيع، لأن المستثنى مجهول، فلو قال: بعتك هذه الأشجار إلا هذه الشجرة، أو بعتك هذه الشجرة إلا ربعها، أو بعتك بألف إلا درهمًا، وما أشبه ذلك من الثنيا المعلومة صح البيع باتفاق العلماء، ولو باع الصبرة إلا صاعًا منها فالبيع باطل عند الشافعي وأبي حنيفة، وصحح مالك أن يستثنى منها ما لا يزيد على ثلثها، والله أعلم.
    8- ويؤخذ من حديث بيع النخل بثمره، روايتنا السادسة والعشرين والسابعة والعشرين والثامنة والعشرين والتاسعة والعشرين جواز تأبير النخل وغيره من الثمار. قال النووي: وقد أجمعوا على جوازه. قال: وقد اختلف العلماء في حكم بيع النخل، المبيعة بعد التأبير وقبله، هل تدخل فيها الثمرة عند إطلاق بيع النخلة؟ من غير تعرض للثمرة بنفي ولا إثبات؟ فقال مالك والشافعي والليث والأكثرون: إن باع النخلة بعد التأبير فثمرتها للبائع، إلا أن يشترطها المشتري، بأن يقول: اشتريت النخلة بثمرتها هذه، وإن باعها قبل التأبير فثمرتها للمشتري، فإن شرطها البائع لنفسه جاز عند الشافعي والأكثرين، وقال مالك: لا يجوز شرطها للبائع، وقال أبو حنيفة: هي للبائع قبل التأبير وبعده عند الإطلاق، وقال ابن أبي ليلى: هي للمشتري قبل التأبير وبعده، فأما الشافعي والجمهور فأخذوا في المؤبرة بمنطوق الحديث، وفي غيرها بمفهومه: وهو دليل الخطاب، وهو حجة عندهم، وأما أبو حنيفة فأخذ بمنطوقه في المؤبرة، وهو لا يقول بدليل الخطاب، فألحق غير المؤبرة بالمؤبرة. واعترضوا عليه بأن الظاهر يخالف المستتر في حكم التبعية، كما أن الجنين يتبع الأم في البيع، ولا يتبعها الولد المنفصل. وأما ابن أبي ليلى فقوله باطل، منابذ لصريح السنة، ولعله لم يبلغه الحديث. ثم قال: وفي هذا الحديث دلالة لمالك وقول الشافعي القديم أن العبد إذا ملكه سيده مالاً ملكه، لكنه إذا باعه بعد ذلك كان ماله للبائع، إلا أن يشترط المشتري، لظاهر هذا الحديث. وقال الشافعي في الجديد وأبو حنيفة: لا يملك العبد شيئًا أصلاً، وتأولاً الحديث على أن المراد أن يكون في يد العبد شيء من مال السيد، فأضيف ذلك المال إلى العبد، للاختصاص والانتفاع، لا للملك، كما يقال: جل الدابة وسرج الفرس. وإلا فإذا باع السيد العبد فذلك المال للبائع، لأنه ملكه، إلا أن يشترطه المبتاع، فيصح، لأنه يكون قد باع شيئين، العبد والمال الذي في يده بثمن واحد، وذلك جائز. قالا: ويشترط الاحتراز من الربا. قال الشافعي: فإن كان المال دراهم لم يجز بيع العبد وتلك الدراهم بدراهم، فكذا إن كان دنانير، لم يجز بيعها بذهب. وإن كان حنطة لم يجز بيعها بحنطة. وقال مالك: يجوز أن يشترط المشتري وإن كان دراهم والثمن دراهم، وكذلك في جميع الصور، لإطلاق الحديث، قال: وكأنه لا حصة للمال من الثمن. ثم قال: وفي هذا الحديث دليل للأصح عند أصحابنا أنه إذا باع العبد أو الجارية، وعليه ثيابه، لم تدخل في البيع، بل تكون للبائع، إلا أن يشترطها المبتاع، لأنه مال في الجملة، وقال بعض أصحابنا: تدخل، وقال بعضهم: يدخل ساتر العورة فقط، والأصح أنه لا يدخل ساتر العورة ولا غيره، لظاهر هذا الحديث، ولأن اسم العبد لا يتناول الثياب. والله أعلم

    لا توجد بيانات