• 2440
  • عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ ، قَالَ : بَيْنَا أَنَا أَمْشِي مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ حَرْثِ المَدِينَةِ وَهُوَ يَتَوَكَّأُ عَلَى عَسِيبٍ مَعَهُ ، فَمَرَرْنَا عَلَى نَفَرٍ مِنَ اليَهُودِ ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ : سَلُوهُ عَنِ الرُّوحِ ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ : لاَ تَسْأَلُوهُ أَنْ يَجِيءَ فِيهِ بِشَيْءٍ تَكْرَهُونَهُ ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ : لَنَسْأَلَنَّهُ ، فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ مِنْهُمْ فَقَالَ : يَا أَبَا القَاسِمِ ، مَا الرُّوحُ ؟ " فَسَكَتَ عَنْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلِمْتُ أَنَّهُ يُوحَى إِلَيْهِ " ، فَقَالَ : ( وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتُوا مِنَ العِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا )

    حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ ، عَنْ عَبْدِ الوَاحِدِ ، عَنِ الأَعْمَشِ ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ عَلْقَمَةَ ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ ، قَالَ : بَيْنَا أَنَا أَمْشِي مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ حَرْثِ المَدِينَةِ وَهُوَ يَتَوَكَّأُ عَلَى عَسِيبٍ مَعَهُ ، فَمَرَرْنَا عَلَى نَفَرٍ مِنَ اليَهُودِ ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ : سَلُوهُ عَنِ الرُّوحِ ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ : لاَ تَسْأَلُوهُ أَنْ يَجِيءَ فِيهِ بِشَيْءٍ تَكْرَهُونَهُ ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ : لَنَسْأَلَنَّهُ ، فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ مِنْهُمْ فَقَالَ : يَا أَبَا القَاسِمِ ، مَا الرُّوحُ ؟ فَسَكَتَ عَنْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلِمْتُ أَنَّهُ يُوحَى إِلَيْهِ ، فَقَالَ : ( وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتُوا مِنَ العِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا ) ، قَالَ الأَعْمَشُ هَكَذَا فِي قِرَاءَتِنَا

    حرث: الحرث : الزرع والغرس
    يتوكأ: الاتكاء : الاستناد على شيء والميل عليه
    عسيب: العسيب : جريدَة من النَّخْلِ. وهي السَّعَفة ممَّا لا يَنْبُتُ عليه الخُوصُ
    ( وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتُوا
    حديث رقم: 124 في صحيح البخاري كتاب العلم باب قول الله تعالى: {وما أوتيتم من العلم إلا قليلا} [الإسراء: 85]
    حديث رقم: 4465 في صحيح البخاري كتاب تفسير القرآن باب {ويسألونك عن الروح} [الإسراء: 85]
    حديث رقم: 6906 في صحيح البخاري كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة باب ما يكره من كثرة السؤال وتكلف ما لا يعنيه
    حديث رقم: 7058 في صحيح البخاري كتاب التوحيد باب قوله تعالى: {ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين} [الصافات: 171]
    حديث رقم: 5109 في صحيح مسلم كتاب صِفَةِ الْقِيَامَةِ وَالْجَنَّةِ وَالنَّارِ بَابُ سُؤَالِ الْيَهُودِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الرُّوحِ وقَوْلِهِ
    حديث رقم: 3213 في جامع الترمذي أبواب تفسير القرآن باب: ومن سورة بني إسرائيل
    حديث رقم: 3581 في مسند أحمد ابن حنبل مُسْنَدُ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ
    حديث رقم: 3782 في مسند أحمد ابن حنبل مُسْنَدُ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ
    حديث رقم: 4108 في مسند أحمد ابن حنبل مُسْنَدُ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ
    حديث رقم: 97 في صحيح ابن حبان كِتَابُ الْعِلْمِ ذِكْرُ الْخَبَرِ الدَّالِّ عَلَى إِبَاحَةِ كِتْمَانِ الْعَالِمِ بَعْضَ مَا يَعْلَمُ مِنَ
    حديث رقم: 98 في صحيح ابن حبان كِتَابُ الْعِلْمِ ذِكْرُ الْبَيَانِ بِأَنَّ الْأَعْمَشَ لَمْ يَكُنْ بِالْمُنْفَرِدِ فِي سَمَاعِ هَذَا الْخَبَرِ
    حديث رقم: 10856 في السنن الكبرى للنسائي كِتَابُ التَّفْسِيرِ قَوْلُهُ تَعَالَى : وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ
    حديث رقم: 999 في المعجم الصغير للطبراني بَابُ الْمِيمِ مَنِ اسْمُهُ مَحْمُودٌ
    حديث رقم: 351 في المسند للشاشي مُسْنَدُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَا رَوَى عَلْقَمَةُ بْنُ قَيْسٍ النَّخَعِيُّ أَبُو شِبْلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ
    حديث رقم: 352 في المسند للشاشي مُسْنَدُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَا رَوَى عَلْقَمَةُ بْنُ قَيْسٍ النَّخَعِيُّ أَبُو شِبْلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ
    حديث رقم: 217 في مسند ابن أبي شيبة مَا رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
    حديث رقم: 5263 في مسند أبي يعلى الموصلي مسند أبي يعلى الموصلي مُسْنَدُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ
    حديث رقم: 217 في مسند ابن أبي شيبة عُقْبَةُ بْنُ مَالِكٍ
    حديث رقم: 241 في دلائل النبوة لأبي نعيم الأصبهاني الْفَصْلُ السَّابِعَ عَشَرَ وَمِمَّا ظَهَرَ مِنَ الْآيَاتِ فِي مَخْرَجِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ وَفِي طَرِيقهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذِكْرُ مَا رُوِيَ فِي قِصَّةِ السَّيِّدِ وَالْعَاقِبِ لَمَّا نَكَلَا عَنِ الْمُبَاهَلَةِ وَالْتِزَامِهَا الْجِزْيَةَ فِرَارًا مِنَ الْمُبَاهَلَةِ وَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى : فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى : فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ

    [7462] قل الرّوح من أَمر رَبِّي تَمَسَّكَ بِهِ مَنْ زَعَمَ أَنَّ الرُّوحَ قَدِيمَةٌ زَعْمًا أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَمْرِ هُنَا الْأَمْرُ الَّذِي فِي قَوْلِهِ تَعَالَى أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ وَهُوَ فَاسِدٌ فَإِنَّ الْأَمْرَ وَرَدَ فِي الْقُرْآنِ لمعان بتبين الْمُرَادُ بِكُلٍّ مِنْهَا مِنْ سِيَاقِ الْكَلَامِ وَسَيَأْتِي فِي بَاب وَالله خَلقكُم وَمَا تَعْمَلُونَ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْأَمْرِ الَّذِي فِي قَوْلِهِ تَعَالَى الا لَهُ الْخلق وَالْأَمر وَأَنَّهُ بِمَعْنَى الطَّلَبِ الَّذِي هُوَ أَحَدُ أَنْوَاعِ الْكَلَام واما الْأَمر فِي حَدِيث بن مَسْعُودٍ هَذَا فَإِنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْمَأْمُورُ كَمَا يُقَالُ الْخَلْقُ وَيُرَادُ بِهِ الْمَخْلُوقُ وَقَدْ وَقَعَ التَّصْرِيحُ فِي بَعْضِ طُرُقِ الْحَدِيثِ فَفِي تَفْسِيرِ السّديّ عَن أبي مَالك عَن بن عَبَّاسٍ وَعَنْ غَيْرِهِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي يَقُولُ هُوَ خَلْقٌ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ لَيْسَ هُوَ شَيْءٌ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي الْمُرَادِ بِالرُّوحِ الْمَسْئُولِ عَنْهَا هَلْ هِيَ الرُّوحُ الَّتِي تَقُومُ بِهَا الْحَيَاةُ أَوِ الرُّوحُ الْمَذْكُورُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صفا وَفِي قَوْلِهِ تَعَالَى تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا وَتَمَسَّكَ مَنْ قَالَ بِالثَّانِي بِأَنَّ السُّؤَالَ إِنَّمَا يَقَعُ فِي الْعَادَةِ عَمَّا لَا يُعْرَفُ إِلَّا بِالْوَحْيِ وَالرُّوحُ الَّتِي بِهَا الْحَيَاةُ قَدْ تَكَلَّمَ النَّاسُ فِيهَا قَدِيمًا وَحَدِيثًا بِخِلَافِ الرُّوحِ الْمَذْكُورِ فَإِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا عِلْمَ لَهُمْ بِهِ بَلْ هِيَ مِنْ عِلْمِ الْغَيْبِ بِخِلَافِ الْأُولَى وَقَدْ أَطْلَقَ اللَّهُ لَفْظَ الرُّوحِ عَلَى الْوَحْيِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا من أمرنَا وَفِي قَوْلِهِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَىمن يَشَاء وَعَلَى الْقُوَّةِ وَالثَّبَاتِ وَالنَّصْرِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى وأيدهم بِروح مِنْهُ وَعَلَى جِبْرِيلَ فِي عِدَّةِ آيَاتٍ وَعَلَى عِيسَى بن مَرْيَمَ وَلَمْ يَقَعْ فِي الْقُرْآنِ تَسْمِيَةُ رُوحِ بَنِي آدَمَ رُوحًا بَلْ سَمَّاهَا نَفْسًا فِي قَوْلِهِ النَّفْسُ الْمُطَمْئِنَةُ وَالنَّفْسُ الْأَمَارَةُ بِالسُّوءِ وَالنَّفْسُ اللَّوَّامَةُ وَأَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمْ وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَتَمَسَّكَ مَنْ زَعَمَ بِأَنَّهَا قَدِيمَةٌ بِإِضَافَتِهَا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي قَوْلِهِ تَعَالَى ونفخت فِيهِ من روحي وَلَا حُجَّةَ فِيهِ لِأَنَّ الْإِضَافَةَ تَقَعُ عَلَى صِفَةٍ تَقُومُ بِالْمَوْصُوفِ كَالْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ وَعَلَى مَا يَنْفَصِلُ عَنْهُ كَبَيْتِ اللَّهِ وَنَاقَةِ اللَّهِ فَقَوْلُهُ رُوحُ اللَّهِ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ الثَّانِي وَهِيَ إِضَافَةُ تَخْصِيصٍ وَتَشْرِيفٍ وَهِيَ فَوْقَ الْإِضَافَةِ الْعَامَّةِ الَّتِي بِمَعْنَى الْإِيجَادِ فَالْإِضَافَةُ عَلَى ثَلَاثِ مَرَاتِبَ إِضَافَةُ إِيجَادٍ وَإِضَافَةُ تَشْرِيفٍ وَإِضَافَةُ صِفَةٍ وَالَّذِي يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الرُّوحَ مَخْلُوقَةٌ عُمُومُ قَوْلِهِ تَعَالَى اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ رَبُّ كل شَيْء ربكُم وَرب آبائكم الْأَوَّلين وَالْأَرْوَاحُ مَرْبُوبَةٌ وَكُلُّ مَرْبُوبٍ مَخْلُوقُ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَقَوْلُهُ تَعَالَى لِزَكَرِيَّا وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلم تَكُ شَيْئا وَهَذَا الْخِطَابُ لِجَسَدِهِ وَرُوحِهِ مَعًا وَمِنْهُ قَوْلُهُ هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لم يكن شَيْئا مَذْكُورا وَقَوله تَعَالَى وَلَقَد خَلَقْنَاكُمْ ثمَّ صورناكم سَوَاءٌ قُلْنَا إِنَّ قَوْلَهُ خَلْقُنَا يَتَنَاوَلُ الْأَرْوَاحَ وَالْأَجْسَادَ مَعًا أَوِ الْأَرْوَاحَ فَقَطْ وَمِنَ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ حَدِيثُ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ كَانَ اللَّهُ وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ غَيْرُهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ فِي كِتَابِ بَدْءِ الْخَلْقِ وَقَدْ وَقَعَ الِاتِّفَاقُ عَلَى أَنَّ الْمَلَائِكَةَ مَخْلُوقُونَ وَهُمْ أَرْوَاحٌ وَحَدِيثُ الْأَرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ وَالْجُنُودُ الْمُجَنَّدَةُ لَا تَكُونُ إِلَّا مَخْلُوقَةً وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا الْحَدِيثُ وَشَرْحُهُ فِي كِتَابِ الْأَدَبِ وَحَدِيثُ أَبِي قَتَادَةَ أَنَّ بِلَالًا قَالَ لَمَّا نَامُوا فِي الْوَادِي يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخَذَ بِنَفْسِي الَّذِي أَخَذَ بِنَفْسِكَ وَالْمُرَادُ بِالنَّفْسِ الرُّوحُ قَطْعًا لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ إِنَّ اللَّهَ قَبَضَ أَرْوَاحَكُمْ حِينَ شَاءَ الْحَدِيثَ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا الْآيَةَ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى بَقِيَّةِ فَوَائِدِ هَذَا الْحَدِيثِ فِي سُورَةِ سُبْحَانَ وَقَوْلُهُ فِي آخِرِهِ وَمَا أُوتُوا مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا كَذَا لِلْأَكْثَرِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ وَمَا أُوتِيتُمْ عَلَى وَفْقِ الْقِرَاءَةِ الْمَشْهُورَةِ وَيُؤَيِّدُ الْأَوَّلَ قَوْلُهُ فِي بَقِيَّتِهِ قَالَ الْأَعْمَشُ هَكَذَا فِي قراءتنا قَالَ بن بَطَّالٍ غَرَضُهُ الرَّدُّ عَلَى الْمُعْتَزِلَةِ فِي زَعْمِهِمْ أَنَّ أَمْرَ اللَّهِ مَخْلُوقٌ فَتَبَيَّنَ أَنَّ الْأَمْرَ هُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى لِلشَّيْءِ كُنْ فَيَكُونُ بِأَمْرِهِ لَهُ وَأَنَّ أَمْرَهُ وَقَوْلُهُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَأَنَّهُ يَقُولُ كُنْ حَقِيقَةً وَأَنَّ الْأَمْرَ غَيْرُ الْخَلْقِ لِعَطْفِهِ عَلَيْهِ بِالْوَاوِ انْتَهَى وَسَيَأْتِي مَزِيدٌ لِهَذَا فِي بَاب وَالله خَلقكُم وَمَا تَعْمَلُونَ(قَوْلُهُ بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي إِلَى قَوْله جِئْنَا بِمثلِهِ مدَدا) فِي رِوَايَةِ أَبِي زَيْدٍ الْمَرْوَزِيِّ إِلَى آخِرِ الْآيَةِ وَسَاقَ فِي رِوَايَةِ كَرِيمَةَ الْآيَةَ كُلَّهَا قَوْلُهُ وَقَوله وَلَو ان مَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ الله جَاءَ فِي سَبَب نُزُولهَا مَا أخرجه بن أبي حَاتِم بِسَنَد صَحِيح عَن بن عَبَّاسٍ فِي قِصَّةِ سُؤَالِ الْيَهُودِ عَنِ الرُّوحِ وَنُزُولِ قَوْلِهِ تَعَالَى قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا قَالُوا كَيْفَ وَقَدْ أُوتِينَا التَّوْرَاةَ فَنَزَلَتْ قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي الْآيَةَ فَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي تَفْسِيرِهِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الْجَوْزَاءِ قَالَ لَوْ كَانَ كُلُّ شَجَرَةٍ فِي الْأَرْضِ أَقْلَامًا وَالْبَحْرُ مِدَادًا لَنَفِدَ الْمَاءُ وَتَكَسَّرَتِ الْأَقْلَامُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ اللَّهِ وَعَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ قَالُوا فِي هَذَا الْقُرْآنِ يُوشِكُ أَنْ يَنْفَدَ فَنزلت وَأخرج بن أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ نَحْوَهُ وَفِيهِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ لَوْ كَانَ شَجَرُ الْأَرْضِ أَقْلَامًا وَمَعَ الْبَحْرِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مِدَادًا لَتَكَسَّرَتِ الْأَقْلَامُ وَنَفِدَ مَاءُ الْبحار قبل أَن تنفد قَالَ بن أبي حَاتِم حَدثنَا أبي سَمِعت بعض أَهْلَ الْعِلْمِ يَقُولُ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ انا كل شَيْء خلقناه بِقدر وَقَوْلُهُ قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لنفد الْبَحْر الْآيَةَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْقُرْآنَ غَيْرُ مَخْلُوقٍ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مَخْلُوقًا لَكَانَ لَهُ قَدْرٌ وَكَانَتْ لَهُ عِنَايَةٌ وَلَنَفِدَ كَنَفَادِ الْمَخْلُوقِينَ وَتَلَا قَوْلَهُ تَعَالَى قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي إِلَى آخِرِ الْآيَةِ قَوْلُهُ إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ سَخَّرَ ذَلَّلَ كَذَا لِأَبِي ذَرٍّ عَنِ الْمُسْتَمْلِي وَحْدَهُ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي زَيْدٍ الْمَرْوَزِيِّ وَقَوْلُهُ ان ربكُم الله وَسَاقَ إِلَى أَنْ قَالَ بَعْدَ قَوْلِهِ عَلَى الْعَرْش إِلَى قَوْله تبَارك الله رب الْعَالمين وَسَاقَ فِي رِوَايَةِ كَرِيمَةَ الْآيَةَ كُلَّهَا وَذَكَرَ فِيهِ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمُشَارَ إِلَيْهِ قَرِيبًا تَكَفَّلَ اللَّهُ لِمَنْ جَاهَدَ فِي سَبِيلِهِ وَالْمُرَادُ مِنْهُ قَوْلُهُ وَتَصْدِيقُ كَلِمَتِهِ وَوَقَعَ فِي نُسْخَةٍ مِنْ طَرِيقِ أَبِي ذَرٍّ وَكَلِمَاتٍ بِصِيغَةِ الْجَمْعِ قَالَ بن التِّينِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِكَلِمَاتِهِ الْأَوَامِرُ الْوَارِدَةُ بِالْجِهَادِ وَمَا وَعَدَ عَلَيْهِ مِنَ الثَّوَابِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ بِهَا أَلْفَاظُ الشَّهَادَتَيْنِ وَأَنَّ تَصْدِيقَهُ بِهَا يُثْبِتُ فِي نَفْسِهِ عَدَاوَةَ مَنْ كَذَّبَهُمَا وَالْحِرْصَ عَلَى قَتْلِهِ وَقَوْلُهُ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْض فِي سِتَّة أَيَّام تقدم بَيَان السّنة فِي الْكَلَام على حَدِيث بن عَبَّاسٍ فِي تَفْسِيرِ حم فُصِّلَتْ وَقَوْلُهُ يُغْشِي اللَّيْل النَّهَار أَيْ وَيُغْشِي النَّهَارَ اللَّيْلَ فَحُذِفَ لِدَلَالَةِ السِّيَاقِ عَلَيْهِ وَهُوَ قَوْلُهُ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ ويولج النَّهَار فِي اللَّيْل وَالْغَرَضُ مِنَ الْآيَةِ قَوْلُهُ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمر وَسَيَأْتِي بَسْطُ الْقَوْلِ فِيهِ فِي أَوَاخِرِ هَذَا الْكِتَابِ فِي بَابِ وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ ان شَاءَ الله تَعَالَى وَحذف بن بطال هَذَا الْبَاب وَمَا فِيهِ(قَوْلُهُ بَابٌ فِي الْمَشِيئَةِ وَالْإِرَادَةِ) قَالَ الرَّاغِبُ الْمَشِيئَةُ عِنْدَ الْأَكْثَرِ كَالْإِرَادَةِ سَوَاءٌ وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ أَنَّ الْمَشِيئَةَ فِي الْأَصْلِ إِيجَادُ الشَّيْءِ وَإِصَابَتُهُ فَمِنَ اللَّهِ الْإِيجَادُ وَمِنَ النَّاسِ الْإِصَابَةُ وَفِي الْعُرْفِ تُسْتَعْمَلُ مَوْضِعَ الْإِرَادَةِقَوْلُهُ وَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تشَاء وَقَوله وَمَا تشاؤن الا ان يَشَاء الله وَقَوْلُهُ وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا الا ان يَشَاء الله وَقَوْلُهُ إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يهدي من يَشَاء قَالَ الْبَيْهَقِيُّ بَعْدَ أَنْ سَاقَ بِسَنَدِهِ إِلَى الرَّبِيعِ بْنِ سُلَيْمَانَ قَالَ الشَّافِعِيُّ الْمَشِيئَةُ إِرَادَةُ اللَّهِ وَقَدْ أَعْلَمَ اللَّهُ خَلْقَهُ أَنَّ الْمَشِيئَةَ لَهُ دونهم فَقَالَ وَمَا تشاؤن الا ان يَشَاء الله فَلَيْسَتْ لِلْخَلْقِ مَشِيئَةٌ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَبِهِ إِلَى الرَّبِيعِ قَالَ سُئِلَ الشَّافِعِيُّ عَنِ الْقَدَرِ فَقَالَ مَا شِئْتَ كَانَ وَإِنْ لَمْ أَشَأْ وَمَا شِئْتُ إِنْ لَمْ تَشَأْ لَمْ يَكُنْ الْأَبْيَاتَ ثُمَّ سَاقَ مِمَّا تَكَرَّرَ مِنْ ذِكْرِ الْمَشِيئَةِ فِي الْكِتَابِ الْعَزِيزِ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِينَ مَوْضِعًا مِنْهَا غَيْرُ مَا ذُكِرَ فِي التَّرْجَمَةِ قَوْلُهُ تَعَالَى فِي الْبَقَرَةِ وَلَوْ شَاءَ الله لذهب بسمعهم وأبصارهم وَقَوله يخْتَص برحمته من يَشَاء وَقَوله وَلَو شَاءَ الله لأعنتكم وَقَوله وَعلمه مِمَّا يَشَاء وَقَوْلُهُ فِي آلِ عِمْرَانَ قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بيد الله يؤتيه من يَشَاء وَقَوله ويجتبي من رسله من يَشَاء وَقَوْلُهُ فِي النِّسَاءِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لمن يَشَاء. وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي الْأَنْعَامِ سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا الْآيَةَ فَقَدْ تَمَسَّكَ بِهَا الْمُعْتَزِلَةُ وَقَالُوا إِنَّ فِيهَا رَدًّا عَلَى أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَوَابُ أَنَّ أَهْلَ السُّنَّةِ تَمَسَّكُوا بِأَصْلٍ قَامَتْ عَلَيْهِ الْبَرَاهِينُ وَهُوَ أَنَّ اللَّهَ خَالِقُ كُلِّ مَخْلُوقٍ وَيَسْتَحِيلُ أَنْ يَخْلُقَ الْمَخْلُوقُ شَيْئًا وَالْإِرَادَةُ شَرْطٌ فِي الْخَلْقِ وَيَسْتَحِيلُ ثُبُوتُ الْمَشْرُوطِ بِدُونِ شَرْطِهِ فَلَمَّا عَانَدَ الْمُشْرِكُونَ الْمَعْقُولَ وَكَذَّبُوا الْمَنْقُولَ الَّذِي جَاءَتْهُمْ بِهِ الرُّسُلُ وَأُلْزِمُوا الْحُجَّةَ بِذَلِكَ تَمَسَّكُوا بِالْمَشِيئَةِ وَالْقَدَرِ السَّابِقِ وَهِيَ حُجَّةٌ مَرْدُودَةٌ لِأَنَّ الْقَدَرَ لَا تَبْطُلُ بِهِ الشَّرِيعَةُ وَجَرَيَانُ الْأَحْكَامِ عَلَى الْعِبَادِ بِأَكْسَابِهِمْ فَمَنْ قَدَّرَ عَلَيْهِ بِالْمَعْصِيَةِ كَانَ ذَلِكَ عَلَامَةً عَلَى أَنَّهُ قَدَّرَ عَلَيْهِ الْعِقَابَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ أَنْ يَغْفِرَ لَهُ مِنْ غَيْرِ الْمُشْرِكِينَ وَمَنْ قَدَّرَ عَلَيْهِ بِالطَّاعَةِ كَانَ ذَلِكَ عَلَامَةً عَلَى أَنَّهُ قَدَّرَ عَلَيْهِ بِالثَّوَابِ وَحَرْفُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْمُعْتَزِلَةَ قَاسُوا الْخَالِقَ عَلَى الْمَخْلُوقِ وَهُوَ بَاطِلٌ لِأَنَّ الْمَخْلُوقَ لَوْ عَاقَبَ مَنْ يُطِيعُهُ مِنْ أَتْبَاعِهِ عُدَّ ظَالِمًا لِكَوْنِهِ لَيْسَ مَالِكًا لَهُ بِالْحَقِيقَةِ وَالْخَالِقُ لَوْ عَذَّبَ مَنْ يُطِيعُهُ لَمْ يُعَدَّ ظَالِمًا لِأَنَّ الْجَمِيعَ مِلْكُهُ فَلَهُ الْأَمْرُ كُلُّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ وَلَا يسئل عَمَّا يَفْعَلُ.
    وَقَالَ الرَّاغِبُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأُمُورَ كُلَّهَا مَوْقُوفَةٌ عَلَى مَشِيئَةِ اللَّهِ وَأَنَّ أَفْعَالَ الْعِبَادِ مُتَعَلِّقَةٌ بِهَا وَمَوْقُوفَةٌ عَلَيْهَا مَا اجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَى تَعْلِيقِ الِاسْتِثْنَاءِ بِهِ فِي جَمِيعِ الْأَفْعَالِ وَأَخْرَجَ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ فِي تَرْجَمَة الزُّهْرِيّ من طَرِيق بن أَخِي الزُّهْرِيِّ عَنْ عَمِّهِ قَالَ كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَأْمُرُ بِرِوَايَةِ قَصِيدَةِ لَبِيدٍ الَّتِي يَقُولُ فِيهَا إِنَّ تَقْوَى رَبِّنَا خَيْرٌ نَفَلْ وَبِإِذْنِ اللَّهِ رَيْثِي وَعَجَلْ أَحْمَدُ اللَّهَ فَلَا نِدَّ لَهُ بِيَدَيْهِ الْخَيْرُ مَا شَاءَ فَعَلْ مَنْ هَدَاهُ سُبُلَ الْخَيْرِ اهْتَدَى نَاعِمَ الْبَالِ وَمَنْ شَاءَ أَضَلْ وَحَرْفُ النِّزَاعِ بَيْنَ الْمُعْتَزِلَةِ وَأَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّ الْإِرَادَةَ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ تَابِعَةٌ لِلْعِلْمِ وَعِنْدَهُمْ تَابِعَةٌ لِلْأَمْرِ وَيَدُلُّ لِأَهْلِ السّنة قَوْله تَعَالَى يُرِيد الله أَن لَا يَجْعَل لَهُم حظا فِي الْآخِرَة.
    وَقَالَ بن بَطَّالٍ غَرَضُ الْبُخَارِيِّ إِثْبَاتُ الْمَشِيئَةِ وَالْإِرَادَةِ وَهُمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَإِرَادَتُهُ صِفَةٌ مِنْ صِفَاتِ ذَاتِهِ وَزَعَمَ الْمُعْتَزِلَةُ أَنَّهَا صِفَةٌ مِنْ صِفَاتِ فِعْلِهِ وَهُوَ فَاسِدٌ لِأَنَّ إِرَادَتَهُ لَوْ كَانَتْ مُحْدَثَةً لَمْ يَخْلُ أَنْ يُحْدِثَهَا فِي نَفْسِهِ أَوْ فِي غَيْرِهِ أَوْ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا أَوْ لَا فِي شَيْءٍ مِنْهُمَا وَالثَّانِي وَالثَّالِثُمُحَالٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَحَلًّا لِلْحَوَادِثِ وَالثَّانِي فَاسِدٌ أَيْضًا لِأَنَّهُ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الْغَيْرُ مُرِيدًا لَهَا وَبَطَلَ أَنْ يَكُونَ الْبَارِي مُرِيدًا إِذِ الْمُرِيدُ مَنْ صَدَرَتْ مِنْهُ الْإِرَادَةُ وَهُوَ الْغَيْرُ كَمَا بَطَلَ أَنْ يَكُونَ عَالِمًا إِذَا أَحْدَثَ الْعلم فِي غَيره وَحَقِيقَة المريد ان تكون الْإِرَادَةُ مِنْهُ دُونَ غَيْرِهِ وَالرَّابِعُ بَاطِلٌ لِأَنَّهُ يَسْتَلْزِمُ قِيَامَهَا بِنَفْسِهَا وَإِذَا فَسَدَتْ هَذِهِ الْأَقْسَامُ صَحَّ أَنَّهُ مُرِيدٌ بِإِرَادَةٍ قَدِيمَةٍ هِيَ صِفَةٌ قَائِمَةٌ بِذَاتِهِ وَيَكُونُ تَعَلُّقُهَا بِمَا يَصِحُّ كَوْنُهُ مُرَادًا فَمَا وَقَعَ بِإِرَادَتِهِ قَالَ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ خَالِقُ أَفْعَالِ الْعِبَادِ وَأَنَّهُمْ لَا يَفْعَلُونَ إِلَّا مَا يَشَاءُ وَقَدْ دَلَّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ وَمَا تَشَاءُونَ الا ان يَشَاء الله وَغَيْرُهَا مِنَ الْآيَاتِ.
    وَقَالَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا ثُمَّ أَكَّدَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى وَلَكِنَّ اللَّهَ يفعل مَا يُرِيد فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ فَعَلَ اقْتِتَالَهُمُ الْوَاقِعَ مِنْهُمْ لِكَوْنِهِ مُرِيدًا لَهُ وَإِذَا كَانَ هُوَ الْفَاعِلَ لِاقْتِتَالِهِمْ فَهُوَ الْمُرِيدُ لِمَشِيئَتِهِمْ وَالْفَاعِلُ فَثَبَتَ بِهَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ كَسْبَ الْعِبَادِ إِنَّمَا هُوَ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ وَإِرَادَتِهِ وَلَوْ لَمْ يُرِدْ وُقُوعَهُ مَا وَقَعَ.
    وَقَالَ بَعْضُهُمْ الْإِرَادَةُ عَلَى قِسْمَيْنِ إِرَادَةُ أَمْرٍ وَتَشْرِيعٍ وَإِرَادَةُ قَضَاءٍ وَتَقْدِيرٍ فَالْأُولَى تَتَعَلَّقُ بِالطَّاعَةِ وَالْمَعْصِيَةِ سَوَاءٌ وَقَعَتْ أَمْ لَا وَالثَّانِيَةُ شَامِلَةٌ لِجَمِيعِ الْكَائِنَاتِ مُحِيطَةٌ بِجَمِيعِ الْحَادِثَاتِ طَاعَةً وَمَعْصِيَةً وَإِلَى الْأَوَّلِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَإِلَى الثَّانِي الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا وَفَرَّقَ بَعْضُهُمْ بَيْنَ الْإِرَادَةِ وَالرِّضَا فَقَالُوا يُرِيدُ وُقُوعَ الْمَعْصِيَةِ وَلَا يَرْضَاهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَلَوْ شِئْنَا لآتينا كل نفس هداها الْآيَة وَقَوله وَلَا يرضى لِعِبَادِهِ الْكفْر وَتَمَسَّكُوا أَيْضًا بِقَوْلِهِ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَأَجَابَ أَهْلُ السُّنَّةِ بِمَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ وَغَيْرُهُ بِسَنَد رِجَاله ثِقَات عَن بن عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ يَعْنِي بِعِبَادِهِ الْكُفَّارِ الَّذِينَ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ بِقَوْلِهِمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَأَرَادَ عِبَادَهُ الْمُخْلِصِينَ الَّذِينَ قَالَ فِيهِمْ إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ فَحَبَّبَ إِلَيْهِمُ الْإِيمَانَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى شَهَادَةَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَقَالَتِ الْمُعْتَزِلَةُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاء الله مَعْنَاهُ وَمَا تَشَاءُونَ الطَّاعَةَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ قَسَرَكُمْ عَلَيْهَا وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمَا قَالَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ فِي مَوْضِعِ مَا شَاءَ لِأَنَّ حَرْفَ الشَّرْطِ لِلِاسْتِقْبَالِ وَصَرْفُ الْمَشِيئَةِ إِلَى الْقَسْرِ تَحْرِيفٌ لَا إِشْعَارَ لِلْآيَةِ بِشَيْءٍ مِنْهُ وَإِنَّمَا الْمَذْكُورُ فِي الْآيَةِ مَشِيئَةُ الِاسْتِقَامَةِ كَسْبًا وَهُوَ الْمَطْلُوبُ مِنَ الْعِبَادِ وَقَالُوا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تشَاء أَيْ يُعْطِي مَنِ اقْتَضَتْهُ الْحِكْمَةُ الْمُلْكَ يُرِيدُونَ أَنَّ الْحِكْمَةَ تَقْتَضِي رِعَايَةَ الْمَصْلَحَةِ وَيَدَّعُونَ وُجُوبَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَنْ قَوْلِهِمْ وَظَاهِرُ الْآيَةِ أَنْ يُعْطِيَ الْمُلْكَ مَنْ يَشَاءُ سَوَاءٌ كَانَ مُتَّصِفًا بِصِفَاتِ مَنْ يَصْلُحُ لِلْمُلْكِ أَمْ لَا مِنْ غَيْرِ رِعَايَةِ اسْتِحْقَاقٍ وَلَا وُجُوبٍ وَلَا أَصْلَحَ بَلْ يُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ يَكْفُرُ بِهِ وَيَكْفُرُ نِعْمَتَهُ حَتَّى يُهْلِكَهُ كَكَثِيرٍ مِنَ الْكُفَّارِ مِثْلَ نُمْرُودَ وَالْفَرَاعِنَةِ وَيُؤْتِيهِ إِذَا شَاءَ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَيَدْعُو إِلَى دِينِهِ وَيَرْحَمُ بِهِ الْخَلْقَ مِثْلَ يُوسُفَ وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ وَحِكْمَتُهُ فِي كِلَا الْأَمْرَيْنِ عِلْمُهُ وَإِحْكَامُهُ بِإِرَادَتِهِ تَخْصِيصَ مَقْدُورَاتِهِ قَوْلِهِ إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ الله يهدي من يَشَاء قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِيهِ نَزَلَتْ فِي أَبِي طَالِبٍ تَقَدَّمَ مَوْصُولًا بِتَمَامِهِ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْقَصَصِ وَتَقَدَّمَ هُنَاكَ شَرْحُهُ مُسْتَوْفًى وَبَعْضُهُ فِي الْجَنَائِزِ وَقَالَتِ الْمُعْتَزِلَةُ فِي هَذِهِ الْآيَة معنى لَا تهدي من أَحْبَبْت لِأَنَّكَ لَا تَعْلَمُ الْمَطْبُوعَ عَلَى قَلْبِهِ فَيُقْرَنُ بِهِ اللُّطْفُ حَتَّى يَدْعُوَهُ إِلَى الْقَبُولِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
    بِالْمُهْتَدِينَ الْقَابِلِينَ لِذَلِكَ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ اللُّطْفَ الَّذِي يَسْتَنِدُونَ إِلَيْهِ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ وَمُرَادُهُمْ بِمَنْ يَقْبَلُ مِمَّنْ لَا يَقْبَلُ مَنْ يَقَعُ ذَلِكَ مِنْهُ لِذَاتِهِ لَا بِحُكْمِ اللَّهِ وَإِنَّمَا المُرَاد بقوله تَعَالَى وَهُوَ أعلم بالمهتدين أَي الَّذينمن يَشَاء وَعَلَى الْقُوَّةِ وَالثَّبَاتِ وَالنَّصْرِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى وأيدهم بِروح مِنْهُ وَعَلَى جِبْرِيلَ فِي عِدَّةِ آيَاتٍ وَعَلَى عِيسَى بن مَرْيَمَ وَلَمْ يَقَعْ فِي الْقُرْآنِ تَسْمِيَةُ رُوحِ بَنِي آدَمَ رُوحًا بَلْ سَمَّاهَا نَفْسًا فِي قَوْلِهِ النَّفْسُ الْمُطَمْئِنَةُ وَالنَّفْسُ الْأَمَارَةُ بِالسُّوءِ وَالنَّفْسُ اللَّوَّامَةُ وَأَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمْ وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَتَمَسَّكَ مَنْ زَعَمَ بِأَنَّهَا قَدِيمَةٌ بِإِضَافَتِهَا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي قَوْلِهِ تَعَالَى ونفخت فِيهِ من روحي وَلَا حُجَّةَ فِيهِ لِأَنَّ الْإِضَافَةَ تَقَعُ عَلَى صِفَةٍ تَقُومُ بِالْمَوْصُوفِ كَالْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ وَعَلَى مَا يَنْفَصِلُ عَنْهُ كَبَيْتِ اللَّهِ وَنَاقَةِ اللَّهِ فَقَوْلُهُ رُوحُ اللَّهِ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ الثَّانِي وَهِيَ إِضَافَةُ تَخْصِيصٍ وَتَشْرِيفٍ وَهِيَ فَوْقَ الْإِضَافَةِ الْعَامَّةِ الَّتِي بِمَعْنَى الْإِيجَادِ فَالْإِضَافَةُ عَلَى ثَلَاثِ مَرَاتِبَ إِضَافَةُ إِيجَادٍ وَإِضَافَةُ تَشْرِيفٍ وَإِضَافَةُ صِفَةٍ وَالَّذِي يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الرُّوحَ مَخْلُوقَةٌ عُمُومُ قَوْلِهِ تَعَالَى اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ رَبُّ كل شَيْء ربكُم وَرب آبائكم الْأَوَّلين وَالْأَرْوَاحُ مَرْبُوبَةٌ وَكُلُّ مَرْبُوبٍ مَخْلُوقُ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَقَوْلُهُ تَعَالَى لِزَكَرِيَّا وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلم تَكُ شَيْئا وَهَذَا الْخِطَابُ لِجَسَدِهِ وَرُوحِهِ مَعًا وَمِنْهُ قَوْلُهُ هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لم يكن شَيْئا مَذْكُورا وَقَوله تَعَالَى وَلَقَد خَلَقْنَاكُمْ ثمَّ صورناكم سَوَاءٌ قُلْنَا إِنَّ قَوْلَهُ خَلْقُنَا يَتَنَاوَلُ الْأَرْوَاحَ وَالْأَجْسَادَ مَعًا أَوِ الْأَرْوَاحَ فَقَطْ وَمِنَ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ حَدِيثُ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ كَانَ اللَّهُ وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ غَيْرُهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ فِي كِتَابِ بَدْءِ الْخَلْقِ وَقَدْ وَقَعَ الِاتِّفَاقُ عَلَى أَنَّ الْمَلَائِكَةَ مَخْلُوقُونَ وَهُمْ أَرْوَاحٌ وَحَدِيثُ الْأَرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ وَالْجُنُودُ الْمُجَنَّدَةُ لَا تَكُونُ إِلَّا مَخْلُوقَةً وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا الْحَدِيثُ وَشَرْحُهُ فِي كِتَابِ الْأَدَبِ وَحَدِيثُ أَبِي قَتَادَةَ أَنَّ بِلَالًا قَالَ لَمَّا نَامُوا فِي الْوَادِي يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخَذَ بِنَفْسِي الَّذِي أَخَذَ بِنَفْسِكَ وَالْمُرَادُ بِالنَّفْسِ الرُّوحُ قَطْعًا لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ إِنَّ اللَّهَ قَبَضَ أَرْوَاحَكُمْ حِينَ شَاءَ الْحَدِيثَ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا الْآيَةَ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى بَقِيَّةِ فَوَائِدِ هَذَا الْحَدِيثِ فِي سُورَةِ سُبْحَانَ وَقَوْلُهُ فِي آخِرِهِ وَمَا أُوتُوا مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا كَذَا لِلْأَكْثَرِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ وَمَا أُوتِيتُمْ عَلَى وَفْقِ الْقِرَاءَةِ الْمَشْهُورَةِ وَيُؤَيِّدُ الْأَوَّلَ قَوْلُهُ فِي بَقِيَّتِهِ قَالَ الْأَعْمَشُ هَكَذَا فِي قراءتنا قَالَ بن بَطَّالٍ غَرَضُهُ الرَّدُّ عَلَى الْمُعْتَزِلَةِ فِي زَعْمِهِمْ أَنَّ أَمْرَ اللَّهِ مَخْلُوقٌ فَتَبَيَّنَ أَنَّ الْأَمْرَ هُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى لِلشَّيْءِ كُنْ فَيَكُونُ بِأَمْرِهِ لَهُ وَأَنَّ أَمْرَهُ وَقَوْلُهُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَأَنَّهُ يَقُولُ كُنْ حَقِيقَةً وَأَنَّ الْأَمْرَ غَيْرُ الْخَلْقِ لِعَطْفِهِ عَلَيْهِ بِالْوَاوِ انْتَهَى وَسَيَأْتِي مَزِيدٌ لِهَذَا فِي بَاب وَالله خَلقكُم وَمَا تَعْمَلُونَ(قَوْلُهُ بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي إِلَى قَوْله جِئْنَا بِمثلِهِ مدَدا) فِي رِوَايَةِ أَبِي زَيْدٍ الْمَرْوَزِيِّ إِلَى آخِرِ الْآيَةِ وَسَاقَ فِي رِوَايَةِ كَرِيمَةَ الْآيَةَ كُلَّهَا قَوْلُهُ وَقَوله وَلَو ان مَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ الله جَاءَ فِي سَبَب نُزُولهَا مَا أخرجه بن أبي حَاتِم بِسَنَد صَحِيح عَن بن عَبَّاسٍ فِي قِصَّةِ سُؤَالِ الْيَهُودِ عَنِ الرُّوحِ وَنُزُولِ قَوْلِهِ تَعَالَى قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا قَالُوا كَيْفَ وَقَدْ أُوتِينَا التَّوْرَاةَ فَنَزَلَتْ قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي الْآيَةَ فَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي تَفْسِيرِهِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الْجَوْزَاءِ قَالَ لَوْ كَانَ كُلُّ شَجَرَةٍ فِي الْأَرْضِ أَقْلَامًا وَالْبَحْرُ مِدَادًا لَنَفِدَ الْمَاءُ وَتَكَسَّرَتِ الْأَقْلَامُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ اللَّهِ وَعَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ قَالُوا فِي هَذَا الْقُرْآنِ يُوشِكُ أَنْ يَنْفَدَ فَنزلت وَأخرج بن أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ نَحْوَهُ وَفِيهِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ لَوْ كَانَ شَجَرُ الْأَرْضِ أَقْلَامًا وَمَعَ الْبَحْرِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مِدَادًا لَتَكَسَّرَتِ الْأَقْلَامُ وَنَفِدَ مَاءُ الْبحار قبل أَن تنفد قَالَ بن أبي حَاتِم حَدثنَا أبي سَمِعت بعض أَهْلَ الْعِلْمِ يَقُولُ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ انا كل شَيْء خلقناه بِقدر وَقَوْلُهُ قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لنفد الْبَحْر الْآيَةَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْقُرْآنَ غَيْرُ مَخْلُوقٍ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مَخْلُوقًا لَكَانَ لَهُ قَدْرٌ وَكَانَتْ لَهُ عِنَايَةٌ وَلَنَفِدَ كَنَفَادِ الْمَخْلُوقِينَ وَتَلَا قَوْلَهُ تَعَالَى قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي إِلَى آخِرِ الْآيَةِ قَوْلُهُ إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ سَخَّرَ ذَلَّلَ كَذَا لِأَبِي ذَرٍّ عَنِ الْمُسْتَمْلِي وَحْدَهُ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي زَيْدٍ الْمَرْوَزِيِّ وَقَوْلُهُ ان ربكُم الله وَسَاقَ إِلَى أَنْ قَالَ بَعْدَ قَوْلِهِ عَلَى الْعَرْش إِلَى قَوْله تبَارك الله رب الْعَالمين وَسَاقَ فِي رِوَايَةِ كَرِيمَةَ الْآيَةَ كُلَّهَا وَذَكَرَ فِيهِ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمُشَارَ إِلَيْهِ قَرِيبًا تَكَفَّلَ اللَّهُ لِمَنْ جَاهَدَ فِي سَبِيلِهِ وَالْمُرَادُ مِنْهُ قَوْلُهُ وَتَصْدِيقُ كَلِمَتِهِ وَوَقَعَ فِي نُسْخَةٍ مِنْ طَرِيقِ أَبِي ذَرٍّ وَكَلِمَاتٍ بِصِيغَةِ الْجَمْعِ قَالَ بن التِّينِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِكَلِمَاتِهِ الْأَوَامِرُ الْوَارِدَةُ بِالْجِهَادِ وَمَا وَعَدَ عَلَيْهِ مِنَ الثَّوَابِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ بِهَا أَلْفَاظُ الشَّهَادَتَيْنِ وَأَنَّ تَصْدِيقَهُ بِهَا يُثْبِتُ فِي نَفْسِهِ عَدَاوَةَ مَنْ كَذَّبَهُمَا وَالْحِرْصَ عَلَى قَتْلِهِ وَقَوْلُهُ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْض فِي سِتَّة أَيَّام تقدم بَيَان السّنة فِي الْكَلَام على حَدِيث بن عَبَّاسٍ فِي تَفْسِيرِ حم فُصِّلَتْ وَقَوْلُهُ يُغْشِي اللَّيْل النَّهَار أَيْ وَيُغْشِي النَّهَارَ اللَّيْلَ فَحُذِفَ لِدَلَالَةِ السِّيَاقِ عَلَيْهِ وَهُوَ قَوْلُهُ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ ويولج النَّهَار فِي اللَّيْل وَالْغَرَضُ مِنَ الْآيَةِ قَوْلُهُ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمر وَسَيَأْتِي بَسْطُ الْقَوْلِ فِيهِ فِي أَوَاخِرِ هَذَا الْكِتَابِ فِي بَابِ وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ ان شَاءَ الله تَعَالَى وَحذف بن بطال هَذَا الْبَاب وَمَا فِيهِ(قَوْلُهُ بَابٌ فِي الْمَشِيئَةِ وَالْإِرَادَةِ) قَالَ الرَّاغِبُ الْمَشِيئَةُ عِنْدَ الْأَكْثَرِ كَالْإِرَادَةِ سَوَاءٌ وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ أَنَّ الْمَشِيئَةَ فِي الْأَصْلِ إِيجَادُ الشَّيْءِ وَإِصَابَتُهُ فَمِنَ اللَّهِ الْإِيجَادُ وَمِنَ النَّاسِ الْإِصَابَةُ وَفِي الْعُرْفِ تُسْتَعْمَلُ مَوْضِعَ الْإِرَادَةِقَوْلُهُ وَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تشَاء وَقَوله وَمَا تشاؤن الا ان يَشَاء الله وَقَوْلُهُ وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا الا ان يَشَاء الله وَقَوْلُهُ إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يهدي من يَشَاء قَالَ الْبَيْهَقِيُّ بَعْدَ أَنْ سَاقَ بِسَنَدِهِ إِلَى الرَّبِيعِ بْنِ سُلَيْمَانَ قَالَ الشَّافِعِيُّ الْمَشِيئَةُ إِرَادَةُ اللَّهِ وَقَدْ أَعْلَمَ اللَّهُ خَلْقَهُ أَنَّ الْمَشِيئَةَ لَهُ دونهم فَقَالَ وَمَا تشاؤن الا ان يَشَاء الله فَلَيْسَتْ لِلْخَلْقِ مَشِيئَةٌ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَبِهِ إِلَى الرَّبِيعِ قَالَ سُئِلَ الشَّافِعِيُّ عَنِ الْقَدَرِ فَقَالَ مَا شِئْتَ كَانَ وَإِنْ لَمْ أَشَأْ وَمَا شِئْتُ إِنْ لَمْ تَشَأْ لَمْ يَكُنْ الْأَبْيَاتَ ثُمَّ سَاقَ مِمَّا تَكَرَّرَ مِنْ ذِكْرِ الْمَشِيئَةِ فِي الْكِتَابِ الْعَزِيزِ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِينَ مَوْضِعًا مِنْهَا غَيْرُ مَا ذُكِرَ فِي التَّرْجَمَةِ قَوْلُهُ تَعَالَى فِي الْبَقَرَةِ وَلَوْ شَاءَ الله لذهب بسمعهم وأبصارهم وَقَوله يخْتَص برحمته من يَشَاء وَقَوله وَلَو شَاءَ الله لأعنتكم وَقَوله وَعلمه مِمَّا يَشَاء وَقَوْلُهُ فِي آلِ عِمْرَانَ قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بيد الله يؤتيه من يَشَاء وَقَوله ويجتبي من رسله من يَشَاء وَقَوْلُهُ فِي النِّسَاءِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لمن يَشَاء. وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي الْأَنْعَامِ سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا الْآيَةَ فَقَدْ تَمَسَّكَ بِهَا الْمُعْتَزِلَةُ وَقَالُوا إِنَّ فِيهَا رَدًّا عَلَى أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَوَابُ أَنَّ أَهْلَ السُّنَّةِ تَمَسَّكُوا بِأَصْلٍ قَامَتْ عَلَيْهِ الْبَرَاهِينُ وَهُوَ أَنَّ اللَّهَ خَالِقُ كُلِّ مَخْلُوقٍ وَيَسْتَحِيلُ أَنْ يَخْلُقَ الْمَخْلُوقُ شَيْئًا وَالْإِرَادَةُ شَرْطٌ فِي الْخَلْقِ وَيَسْتَحِيلُ ثُبُوتُ الْمَشْرُوطِ بِدُونِ شَرْطِهِ فَلَمَّا عَانَدَ الْمُشْرِكُونَ الْمَعْقُولَ وَكَذَّبُوا الْمَنْقُولَ الَّذِي جَاءَتْهُمْ بِهِ الرُّسُلُ وَأُلْزِمُوا الْحُجَّةَ بِذَلِكَ تَمَسَّكُوا بِالْمَشِيئَةِ وَالْقَدَرِ السَّابِقِ وَهِيَ حُجَّةٌ مَرْدُودَةٌ لِأَنَّ الْقَدَرَ لَا تَبْطُلُ بِهِ الشَّرِيعَةُ وَجَرَيَانُ الْأَحْكَامِ عَلَى الْعِبَادِ بِأَكْسَابِهِمْ فَمَنْ قَدَّرَ عَلَيْهِ بِالْمَعْصِيَةِ كَانَ ذَلِكَ عَلَامَةً عَلَى أَنَّهُ قَدَّرَ عَلَيْهِ الْعِقَابَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ أَنْ يَغْفِرَ لَهُ مِنْ غَيْرِ الْمُشْرِكِينَ وَمَنْ قَدَّرَ عَلَيْهِ بِالطَّاعَةِ كَانَ ذَلِكَ عَلَامَةً عَلَى أَنَّهُ قَدَّرَ عَلَيْهِ بِالثَّوَابِ وَحَرْفُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْمُعْتَزِلَةَ قَاسُوا الْخَالِقَ عَلَى الْمَخْلُوقِ وَهُوَ بَاطِلٌ لِأَنَّ الْمَخْلُوقَ لَوْ عَاقَبَ مَنْ يُطِيعُهُ مِنْ أَتْبَاعِهِ عُدَّ ظَالِمًا لِكَوْنِهِ لَيْسَ مَالِكًا لَهُ بِالْحَقِيقَةِ وَالْخَالِقُ لَوْ عَذَّبَ مَنْ يُطِيعُهُ لَمْ يُعَدَّ ظَالِمًا لِأَنَّ الْجَمِيعَ مِلْكُهُ فَلَهُ الْأَمْرُ كُلُّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ وَلَا يسئل عَمَّا يَفْعَلُ.
    وَقَالَ الرَّاغِبُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأُمُورَ كُلَّهَا مَوْقُوفَةٌ عَلَى مَشِيئَةِ اللَّهِ وَأَنَّ أَفْعَالَ الْعِبَادِ مُتَعَلِّقَةٌ بِهَا وَمَوْقُوفَةٌ عَلَيْهَا مَا اجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَى تَعْلِيقِ الِاسْتِثْنَاءِ بِهِ فِي جَمِيعِ الْأَفْعَالِ وَأَخْرَجَ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ فِي تَرْجَمَة الزُّهْرِيّ من طَرِيق بن أَخِي الزُّهْرِيِّ عَنْ عَمِّهِ قَالَ كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَأْمُرُ بِرِوَايَةِ قَصِيدَةِ لَبِيدٍ الَّتِي يَقُولُ فِيهَا إِنَّ تَقْوَى رَبِّنَا خَيْرٌ نَفَلْ وَبِإِذْنِ اللَّهِ رَيْثِي وَعَجَلْ أَحْمَدُ اللَّهَ فَلَا نِدَّ لَهُ بِيَدَيْهِ الْخَيْرُ مَا شَاءَ فَعَلْ مَنْ هَدَاهُ سُبُلَ الْخَيْرِ اهْتَدَى نَاعِمَ الْبَالِ وَمَنْ شَاءَ أَضَلْ وَحَرْفُ النِّزَاعِ بَيْنَ الْمُعْتَزِلَةِ وَأَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّ الْإِرَادَةَ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ تَابِعَةٌ لِلْعِلْمِ وَعِنْدَهُمْ تَابِعَةٌ لِلْأَمْرِ وَيَدُلُّ لِأَهْلِ السّنة قَوْله تَعَالَى يُرِيد الله أَن لَا يَجْعَل لَهُم حظا فِي الْآخِرَة.
    وَقَالَ بن بَطَّالٍ غَرَضُ الْبُخَارِيِّ إِثْبَاتُ الْمَشِيئَةِ وَالْإِرَادَةِ وَهُمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَإِرَادَتُهُ صِفَةٌ مِنْ صِفَاتِ ذَاتِهِ وَزَعَمَ الْمُعْتَزِلَةُ أَنَّهَا صِفَةٌ مِنْ صِفَاتِ فِعْلِهِ وَهُوَ فَاسِدٌ لِأَنَّ إِرَادَتَهُ لَوْ كَانَتْ مُحْدَثَةً لَمْ يَخْلُ أَنْ يُحْدِثَهَا فِي نَفْسِهِ أَوْ فِي غَيْرِهِ أَوْ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا أَوْ لَا فِي شَيْءٍ مِنْهُمَا وَالثَّانِي وَالثَّالِثُمُحَالٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَحَلًّا لِلْحَوَادِثِ وَالثَّانِي فَاسِدٌ أَيْضًا لِأَنَّهُ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الْغَيْرُ مُرِيدًا لَهَا وَبَطَلَ أَنْ يَكُونَ الْبَارِي مُرِيدًا إِذِ الْمُرِيدُ مَنْ صَدَرَتْ مِنْهُ الْإِرَادَةُ وَهُوَ الْغَيْرُ كَمَا بَطَلَ أَنْ يَكُونَ عَالِمًا إِذَا أَحْدَثَ الْعلم فِي غَيره وَحَقِيقَة المريد ان تكون الْإِرَادَةُ مِنْهُ دُونَ غَيْرِهِ وَالرَّابِعُ بَاطِلٌ لِأَنَّهُ يَسْتَلْزِمُ قِيَامَهَا بِنَفْسِهَا وَإِذَا فَسَدَتْ هَذِهِ الْأَقْسَامُ صَحَّ أَنَّهُ مُرِيدٌ بِإِرَادَةٍ قَدِيمَةٍ هِيَ صِفَةٌ قَائِمَةٌ بِذَاتِهِ وَيَكُونُ تَعَلُّقُهَا بِمَا يَصِحُّ كَوْنُهُ مُرَادًا فَمَا وَقَعَ بِإِرَادَتِهِ قَالَ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ خَالِقُ أَفْعَالِ الْعِبَادِ وَأَنَّهُمْ لَا يَفْعَلُونَ إِلَّا مَا يَشَاءُ وَقَدْ دَلَّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ وَمَا تَشَاءُونَ الا ان يَشَاء الله وَغَيْرُهَا مِنَ الْآيَاتِ.
    وَقَالَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا ثُمَّ أَكَّدَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى وَلَكِنَّ اللَّهَ يفعل مَا يُرِيد فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ فَعَلَ اقْتِتَالَهُمُ الْوَاقِعَ مِنْهُمْ لِكَوْنِهِ مُرِيدًا لَهُ وَإِذَا كَانَ هُوَ الْفَاعِلَ لِاقْتِتَالِهِمْ فَهُوَ الْمُرِيدُ لِمَشِيئَتِهِمْ وَالْفَاعِلُ فَثَبَتَ بِهَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ كَسْبَ الْعِبَادِ إِنَّمَا هُوَ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ وَإِرَادَتِهِ وَلَوْ لَمْ يُرِدْ وُقُوعَهُ مَا وَقَعَ.
    وَقَالَ بَعْضُهُمْ الْإِرَادَةُ عَلَى قِسْمَيْنِ إِرَادَةُ أَمْرٍ وَتَشْرِيعٍ وَإِرَادَةُ قَضَاءٍ وَتَقْدِيرٍ فَالْأُولَى تَتَعَلَّقُ بِالطَّاعَةِ وَالْمَعْصِيَةِ سَوَاءٌ وَقَعَتْ أَمْ لَا وَالثَّانِيَةُ شَامِلَةٌ لِجَمِيعِ الْكَائِنَاتِ مُحِيطَةٌ بِجَمِيعِ الْحَادِثَاتِ طَاعَةً وَمَعْصِيَةً وَإِلَى الْأَوَّلِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَإِلَى الثَّانِي الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا وَفَرَّقَ بَعْضُهُمْ بَيْنَ الْإِرَادَةِ وَالرِّضَا فَقَالُوا يُرِيدُ وُقُوعَ الْمَعْصِيَةِ وَلَا يَرْضَاهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَلَوْ شِئْنَا لآتينا كل نفس هداها الْآيَة وَقَوله وَلَا يرضى لِعِبَادِهِ الْكفْر وَتَمَسَّكُوا أَيْضًا بِقَوْلِهِ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَأَجَابَ أَهْلُ السُّنَّةِ بِمَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ وَغَيْرُهُ بِسَنَد رِجَاله ثِقَات عَن بن عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ يَعْنِي بِعِبَادِهِ الْكُفَّارِ الَّذِينَ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ بِقَوْلِهِمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَأَرَادَ عِبَادَهُ الْمُخْلِصِينَ الَّذِينَ قَالَ فِيهِمْ إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ فَحَبَّبَ إِلَيْهِمُ الْإِيمَانَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى شَهَادَةَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَقَالَتِ الْمُعْتَزِلَةُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاء الله مَعْنَاهُ وَمَا تَشَاءُونَ الطَّاعَةَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ قَسَرَكُمْ عَلَيْهَا وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمَا قَالَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ فِي مَوْضِعِ مَا شَاءَ لِأَنَّ حَرْفَ الشَّرْطِ لِلِاسْتِقْبَالِ وَصَرْفُ الْمَشِيئَةِ إِلَى الْقَسْرِ تَحْرِيفٌ لَا إِشْعَارَ لِلْآيَةِ بِشَيْءٍ مِنْهُ وَإِنَّمَا الْمَذْكُورُ فِي الْآيَةِ مَشِيئَةُ الِاسْتِقَامَةِ كَسْبًا وَهُوَ الْمَطْلُوبُ مِنَ الْعِبَادِ وَقَالُوا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تشَاء أَيْ يُعْطِي مَنِ اقْتَضَتْهُ الْحِكْمَةُ الْمُلْكَ يُرِيدُونَ أَنَّ الْحِكْمَةَ تَقْتَضِي رِعَايَةَ الْمَصْلَحَةِ وَيَدَّعُونَ وُجُوبَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَنْ قَوْلِهِمْ وَظَاهِرُ الْآيَةِ أَنْ يُعْطِيَ الْمُلْكَ مَنْ يَشَاءُ سَوَاءٌ كَانَ مُتَّصِفًا بِصِفَاتِ مَنْ يَصْلُحُ لِلْمُلْكِ أَمْ لَا مِنْ غَيْرِ رِعَايَةِ اسْتِحْقَاقٍ وَلَا وُجُوبٍ وَلَا أَصْلَحَ بَلْ يُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ يَكْفُرُ بِهِ وَيَكْفُرُ نِعْمَتَهُ حَتَّى يُهْلِكَهُ كَكَثِيرٍ مِنَ الْكُفَّارِ مِثْلَ نُمْرُودَ وَالْفَرَاعِنَةِ وَيُؤْتِيهِ إِذَا شَاءَ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَيَدْعُو إِلَى دِينِهِ وَيَرْحَمُ بِهِ الْخَلْقَ مِثْلَ يُوسُفَ وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ وَحِكْمَتُهُ فِي كِلَا الْأَمْرَيْنِ عِلْمُهُ وَإِحْكَامُهُ بِإِرَادَتِهِ تَخْصِيصَ مَقْدُورَاتِهِ قَوْلِهِ إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ الله يهدي من يَشَاء قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِيهِ نَزَلَتْ فِي أَبِي طَالِبٍ تَقَدَّمَ مَوْصُولًا بِتَمَامِهِ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْقَصَصِ وَتَقَدَّمَ هُنَاكَ شَرْحُهُ مُسْتَوْفًى وَبَعْضُهُ فِي الْجَنَائِزِ وَقَالَتِ الْمُعْتَزِلَةُ فِي هَذِهِ الْآيَة معنى لَا تهدي من أَحْبَبْت لِأَنَّكَ لَا تَعْلَمُ الْمَطْبُوعَ عَلَى قَلْبِهِ فَيُقْرَنُ بِهِ اللُّطْفُ حَتَّى يَدْعُوَهُ إِلَى الْقَبُولِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
    بِالْمُهْتَدِينَ الْقَابِلِينَ لِذَلِكَ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ اللُّطْفَ الَّذِي يَسْتَنِدُونَ إِلَيْهِ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ وَمُرَادُهُمْ بِمَنْ يَقْبَلُ مِمَّنْ لَا يَقْبَلُ مَنْ يَقَعُ ذَلِكَ مِنْهُ لِذَاتِهِ لَا بِحُكْمِ اللَّهِ وَإِنَّمَا المُرَاد بقوله تَعَالَى وَهُوَ أعلم بالمهتدين أَي الَّذينمن يَشَاء وَعَلَى الْقُوَّةِ وَالثَّبَاتِ وَالنَّصْرِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى وأيدهم بِروح مِنْهُ وَعَلَى جِبْرِيلَ فِي عِدَّةِ آيَاتٍ وَعَلَى عِيسَى بن مَرْيَمَ وَلَمْ يَقَعْ فِي الْقُرْآنِ تَسْمِيَةُ رُوحِ بَنِي آدَمَ رُوحًا بَلْ سَمَّاهَا نَفْسًا فِي قَوْلِهِ النَّفْسُ الْمُطَمْئِنَةُ وَالنَّفْسُ الْأَمَارَةُ بِالسُّوءِ وَالنَّفْسُ اللَّوَّامَةُ وَأَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمْ وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَتَمَسَّكَ مَنْ زَعَمَ بِأَنَّهَا قَدِيمَةٌ بِإِضَافَتِهَا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي قَوْلِهِ تَعَالَى ونفخت فِيهِ من روحي وَلَا حُجَّةَ فِيهِ لِأَنَّ الْإِضَافَةَ تَقَعُ عَلَى صِفَةٍ تَقُومُ بِالْمَوْصُوفِ كَالْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ وَعَلَى مَا يَنْفَصِلُ عَنْهُ كَبَيْتِ اللَّهِ وَنَاقَةِ اللَّهِ فَقَوْلُهُ رُوحُ اللَّهِ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ الثَّانِي وَهِيَ إِضَافَةُ تَخْصِيصٍ وَتَشْرِيفٍ وَهِيَ فَوْقَ الْإِضَافَةِ الْعَامَّةِ الَّتِي بِمَعْنَى الْإِيجَادِ فَالْإِضَافَةُ عَلَى ثَلَاثِ مَرَاتِبَ إِضَافَةُ إِيجَادٍ وَإِضَافَةُ تَشْرِيفٍ وَإِضَافَةُ صِفَةٍ وَالَّذِي يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الرُّوحَ مَخْلُوقَةٌ عُمُومُ قَوْلِهِ تَعَالَى اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ رَبُّ كل شَيْء ربكُم وَرب آبائكم الْأَوَّلين وَالْأَرْوَاحُ مَرْبُوبَةٌ وَكُلُّ مَرْبُوبٍ مَخْلُوقُ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَقَوْلُهُ تَعَالَى لِزَكَرِيَّا وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلم تَكُ شَيْئا وَهَذَا الْخِطَابُ لِجَسَدِهِ وَرُوحِهِ مَعًا وَمِنْهُ قَوْلُهُ هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لم يكن شَيْئا مَذْكُورا وَقَوله تَعَالَى وَلَقَد خَلَقْنَاكُمْ ثمَّ صورناكم سَوَاءٌ قُلْنَا إِنَّ قَوْلَهُ خَلْقُنَا يَتَنَاوَلُ الْأَرْوَاحَ وَالْأَجْسَادَ مَعًا أَوِ الْأَرْوَاحَ فَقَطْ وَمِنَ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ حَدِيثُ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ كَانَ اللَّهُ وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ غَيْرُهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ فِي كِتَابِ بَدْءِ الْخَلْقِ وَقَدْ وَقَعَ الِاتِّفَاقُ عَلَى أَنَّ الْمَلَائِكَةَ مَخْلُوقُونَ وَهُمْ أَرْوَاحٌ وَحَدِيثُ الْأَرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ وَالْجُنُودُ الْمُجَنَّدَةُ لَا تَكُونُ إِلَّا مَخْلُوقَةً وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا الْحَدِيثُ وَشَرْحُهُ فِي كِتَابِ الْأَدَبِ وَحَدِيثُ أَبِي قَتَادَةَ أَنَّ بِلَالًا قَالَ لَمَّا نَامُوا فِي الْوَادِي يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخَذَ بِنَفْسِي الَّذِي أَخَذَ بِنَفْسِكَ وَالْمُرَادُ بِالنَّفْسِ الرُّوحُ قَطْعًا لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ إِنَّ اللَّهَ قَبَضَ أَرْوَاحَكُمْ حِينَ شَاءَ الْحَدِيثَ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا الْآيَةَ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى بَقِيَّةِ فَوَائِدِ هَذَا الْحَدِيثِ فِي سُورَةِ سُبْحَانَ وَقَوْلُهُ فِي آخِرِهِ وَمَا أُوتُوا مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا كَذَا لِلْأَكْثَرِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ وَمَا أُوتِيتُمْ عَلَى وَفْقِ الْقِرَاءَةِ الْمَشْهُورَةِ وَيُؤَيِّدُ الْأَوَّلَ قَوْلُهُ فِي بَقِيَّتِهِ قَالَ الْأَعْمَشُ هَكَذَا فِي قراءتنا قَالَ بن بَطَّالٍ غَرَضُهُ الرَّدُّ عَلَى الْمُعْتَزِلَةِ فِي زَعْمِهِمْ أَنَّ أَمْرَ اللَّهِ مَخْلُوقٌ فَتَبَيَّنَ أَنَّ الْأَمْرَ هُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى لِلشَّيْءِ كُنْ فَيَكُونُ بِأَمْرِهِ لَهُ وَأَنَّ أَمْرَهُ وَقَوْلُهُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَأَنَّهُ يَقُولُ كُنْ حَقِيقَةً وَأَنَّ الْأَمْرَ غَيْرُ الْخَلْقِ لِعَطْفِهِ عَلَيْهِ بِالْوَاوِ انْتَهَى وَسَيَأْتِي مَزِيدٌ لِهَذَا فِي بَاب وَالله خَلقكُم وَمَا تَعْمَلُونَ(قَوْلُهُ بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي إِلَى قَوْله جِئْنَا بِمثلِهِ مدَدا) فِي رِوَايَةِ أَبِي زَيْدٍ الْمَرْوَزِيِّ إِلَى آخِرِ الْآيَةِ وَسَاقَ فِي رِوَايَةِ كَرِيمَةَ الْآيَةَ كُلَّهَا قَوْلُهُ وَقَوله وَلَو ان مَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ الله جَاءَ فِي سَبَب نُزُولهَا مَا أخرجه بن أبي حَاتِم بِسَنَد صَحِيح عَن بن عَبَّاسٍ فِي قِصَّةِ سُؤَالِ الْيَهُودِ عَنِ الرُّوحِ وَنُزُولِ قَوْلِهِ تَعَالَى قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا قَالُوا كَيْفَ وَقَدْ أُوتِينَا التَّوْرَاةَ فَنَزَلَتْ قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي الْآيَةَ فَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي تَفْسِيرِهِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الْجَوْزَاءِ قَالَ لَوْ كَانَ كُلُّ شَجَرَةٍ فِي الْأَرْضِ أَقْلَامًا وَالْبَحْرُ مِدَادًا لَنَفِدَ الْمَاءُ وَتَكَسَّرَتِ الْأَقْلَامُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ اللَّهِ وَعَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ قَالُوا فِي هَذَا الْقُرْآنِ يُوشِكُ أَنْ يَنْفَدَ فَنزلت وَأخرج بن أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ نَحْوَهُ وَفِيهِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ لَوْ كَانَ شَجَرُ الْأَرْضِ أَقْلَامًا وَمَعَ الْبَحْرِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مِدَادًا لَتَكَسَّرَتِ الْأَقْلَامُ وَنَفِدَ مَاءُ الْبحار قبل أَن تنفد قَالَ بن أبي حَاتِم حَدثنَا أبي سَمِعت بعض أَهْلَ الْعِلْمِ يَقُولُ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ انا كل شَيْء خلقناه بِقدر وَقَوْلُهُ قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لنفد الْبَحْر الْآيَةَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْقُرْآنَ غَيْرُ مَخْلُوقٍ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مَخْلُوقًا لَكَانَ لَهُ قَدْرٌ وَكَانَتْ لَهُ عِنَايَةٌ وَلَنَفِدَ كَنَفَادِ الْمَخْلُوقِينَ وَتَلَا قَوْلَهُ تَعَالَى قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي إِلَى آخِرِ الْآيَةِ قَوْلُهُ إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ سَخَّرَ ذَلَّلَ كَذَا لِأَبِي ذَرٍّ عَنِ الْمُسْتَمْلِي وَحْدَهُ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي زَيْدٍ الْمَرْوَزِيِّ وَقَوْلُهُ ان ربكُم الله وَسَاقَ إِلَى أَنْ قَالَ بَعْدَ قَوْلِهِ عَلَى الْعَرْش إِلَى قَوْله تبَارك الله رب الْعَالمين وَسَاقَ فِي رِوَايَةِ كَرِيمَةَ الْآيَةَ كُلَّهَا وَذَكَرَ فِيهِ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمُشَارَ إِلَيْهِ قَرِيبًا تَكَفَّلَ اللَّهُ لِمَنْ جَاهَدَ فِي سَبِيلِهِ وَالْمُرَادُ مِنْهُ قَوْلُهُ وَتَصْدِيقُ كَلِمَتِهِ وَوَقَعَ فِي نُسْخَةٍ مِنْ طَرِيقِ أَبِي ذَرٍّ وَكَلِمَاتٍ بِصِيغَةِ الْجَمْعِ قَالَ بن التِّينِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِكَلِمَاتِهِ الْأَوَامِرُ الْوَارِدَةُ بِالْجِهَادِ وَمَا وَعَدَ عَلَيْهِ مِنَ الثَّوَابِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ بِهَا أَلْفَاظُ الشَّهَادَتَيْنِ وَأَنَّ تَصْدِيقَهُ بِهَا يُثْبِتُ فِي نَفْسِهِ عَدَاوَةَ مَنْ كَذَّبَهُمَا وَالْحِرْصَ عَلَى قَتْلِهِ وَقَوْلُهُ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْض فِي سِتَّة أَيَّام تقدم بَيَان السّنة فِي الْكَلَام على حَدِيث بن عَبَّاسٍ فِي تَفْسِيرِ حم فُصِّلَتْ وَقَوْلُهُ يُغْشِي اللَّيْل النَّهَار أَيْ وَيُغْشِي النَّهَارَ اللَّيْلَ فَحُذِفَ لِدَلَالَةِ السِّيَاقِ عَلَيْهِ وَهُوَ قَوْلُهُ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ ويولج النَّهَار فِي اللَّيْل وَالْغَرَضُ مِنَ الْآيَةِ قَوْلُهُ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمر وَسَيَأْتِي بَسْطُ الْقَوْلِ فِيهِ فِي أَوَاخِرِ هَذَا الْكِتَابِ فِي بَابِ وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ ان شَاءَ الله تَعَالَى وَحذف بن بطال هَذَا الْبَاب وَمَا فِيهِ(قَوْلُهُ بَابٌ فِي الْمَشِيئَةِ وَالْإِرَادَةِ) قَالَ الرَّاغِبُ الْمَشِيئَةُ عِنْدَ الْأَكْثَرِ كَالْإِرَادَةِ سَوَاءٌ وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ أَنَّ الْمَشِيئَةَ فِي الْأَصْلِ إِيجَادُ الشَّيْءِ وَإِصَابَتُهُ فَمِنَ اللَّهِ الْإِيجَادُ وَمِنَ النَّاسِ الْإِصَابَةُ وَفِي الْعُرْفِ تُسْتَعْمَلُ مَوْضِعَ الْإِرَادَةِقَوْلُهُ وَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تشَاء وَقَوله وَمَا تشاؤن الا ان يَشَاء الله وَقَوْلُهُ وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا الا ان يَشَاء الله وَقَوْلُهُ إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يهدي من يَشَاء قَالَ الْبَيْهَقِيُّ بَعْدَ أَنْ سَاقَ بِسَنَدِهِ إِلَى الرَّبِيعِ بْنِ سُلَيْمَانَ قَالَ الشَّافِعِيُّ الْمَشِيئَةُ إِرَادَةُ اللَّهِ وَقَدْ أَعْلَمَ اللَّهُ خَلْقَهُ أَنَّ الْمَشِيئَةَ لَهُ دونهم فَقَالَ وَمَا تشاؤن الا ان يَشَاء الله فَلَيْسَتْ لِلْخَلْقِ مَشِيئَةٌ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَبِهِ إِلَى الرَّبِيعِ قَالَ سُئِلَ الشَّافِعِيُّ عَنِ الْقَدَرِ فَقَالَ مَا شِئْتَ كَانَ وَإِنْ لَمْ أَشَأْ وَمَا شِئْتُ إِنْ لَمْ تَشَأْ لَمْ يَكُنْ الْأَبْيَاتَ ثُمَّ سَاقَ مِمَّا تَكَرَّرَ مِنْ ذِكْرِ الْمَشِيئَةِ فِي الْكِتَابِ الْعَزِيزِ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِينَ مَوْضِعًا مِنْهَا غَيْرُ مَا ذُكِرَ فِي التَّرْجَمَةِ قَوْلُهُ تَعَالَى فِي الْبَقَرَةِ وَلَوْ شَاءَ الله لذهب بسمعهم وأبصارهم وَقَوله يخْتَص برحمته من يَشَاء وَقَوله وَلَو شَاءَ الله لأعنتكم وَقَوله وَعلمه مِمَّا يَشَاء وَقَوْلُهُ فِي آلِ عِمْرَانَ قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بيد الله يؤتيه من يَشَاء وَقَوله ويجتبي من رسله من يَشَاء وَقَوْلُهُ فِي النِّسَاءِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لمن يَشَاء. وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي الْأَنْعَامِ سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا الْآيَةَ فَقَدْ تَمَسَّكَ بِهَا الْمُعْتَزِلَةُ وَقَالُوا إِنَّ فِيهَا رَدًّا عَلَى أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَوَابُ أَنَّ أَهْلَ السُّنَّةِ تَمَسَّكُوا بِأَصْلٍ قَامَتْ عَلَيْهِ الْبَرَاهِينُ وَهُوَ أَنَّ اللَّهَ خَالِقُ كُلِّ مَخْلُوقٍ وَيَسْتَحِيلُ أَنْ يَخْلُقَ الْمَخْلُوقُ شَيْئًا وَالْإِرَادَةُ شَرْطٌ فِي الْخَلْقِ وَيَسْتَحِيلُ ثُبُوتُ الْمَشْرُوطِ بِدُونِ شَرْطِهِ فَلَمَّا عَانَدَ الْمُشْرِكُونَ الْمَعْقُولَ وَكَذَّبُوا الْمَنْقُولَ الَّذِي جَاءَتْهُمْ بِهِ الرُّسُلُ وَأُلْزِمُوا الْحُجَّةَ بِذَلِكَ تَمَسَّكُوا بِالْمَشِيئَةِ وَالْقَدَرِ السَّابِقِ وَهِيَ حُجَّةٌ مَرْدُودَةٌ لِأَنَّ الْقَدَرَ لَا تَبْطُلُ بِهِ الشَّرِيعَةُ وَجَرَيَانُ الْأَحْكَامِ عَلَى الْعِبَادِ بِأَكْسَابِهِمْ فَمَنْ قَدَّرَ عَلَيْهِ بِالْمَعْصِيَةِ كَانَ ذَلِكَ عَلَامَةً عَلَى أَنَّهُ قَدَّرَ عَلَيْهِ الْعِقَابَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ أَنْ يَغْفِرَ لَهُ مِنْ غَيْرِ الْمُشْرِكِينَ وَمَنْ قَدَّرَ عَلَيْهِ بِالطَّاعَةِ كَانَ ذَلِكَ عَلَامَةً عَلَى أَنَّهُ قَدَّرَ عَلَيْهِ بِالثَّوَابِ وَحَرْفُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْمُعْتَزِلَةَ قَاسُوا الْخَالِقَ عَلَى الْمَخْلُوقِ وَهُوَ بَاطِلٌ لِأَنَّ الْمَخْلُوقَ لَوْ عَاقَبَ مَنْ يُطِيعُهُ مِنْ أَتْبَاعِهِ عُدَّ ظَالِمًا لِكَوْنِهِ لَيْسَ مَالِكًا لَهُ بِالْحَقِيقَةِ وَالْخَالِقُ لَوْ عَذَّبَ مَنْ يُطِيعُهُ لَمْ يُعَدَّ ظَالِمًا لِأَنَّ الْجَمِيعَ مِلْكُهُ فَلَهُ الْأَمْرُ كُلُّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ وَلَا يسئل عَمَّا يَفْعَلُ.
    وَقَالَ الرَّاغِبُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأُمُورَ كُلَّهَا مَوْقُوفَةٌ عَلَى مَشِيئَةِ اللَّهِ وَأَنَّ أَفْعَالَ الْعِبَادِ مُتَعَلِّقَةٌ بِهَا وَمَوْقُوفَةٌ عَلَيْهَا مَا اجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَى تَعْلِيقِ الِاسْتِثْنَاءِ بِهِ فِي جَمِيعِ الْأَفْعَالِ وَأَخْرَجَ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ فِي تَرْجَمَة الزُّهْرِيّ من طَرِيق بن أَخِي الزُّهْرِيِّ عَنْ عَمِّهِ قَالَ كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَأْمُرُ بِرِوَايَةِ قَصِيدَةِ لَبِيدٍ الَّتِي يَقُولُ فِيهَا إِنَّ تَقْوَى رَبِّنَا خَيْرٌ نَفَلْ وَبِإِذْنِ اللَّهِ رَيْثِي وَعَجَلْ أَحْمَدُ اللَّهَ فَلَا نِدَّ لَهُ بِيَدَيْهِ الْخَيْرُ مَا شَاءَ فَعَلْ مَنْ هَدَاهُ سُبُلَ الْخَيْرِ اهْتَدَى نَاعِمَ الْبَالِ وَمَنْ شَاءَ أَضَلْ وَحَرْفُ النِّزَاعِ بَيْنَ الْمُعْتَزِلَةِ وَأَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّ الْإِرَادَةَ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ تَابِعَةٌ لِلْعِلْمِ وَعِنْدَهُمْ تَابِعَةٌ لِلْأَمْرِ وَيَدُلُّ لِأَهْلِ السّنة قَوْله تَعَالَى يُرِيد الله أَن لَا يَجْعَل لَهُم حظا فِي الْآخِرَة.
    وَقَالَ بن بَطَّالٍ غَرَضُ الْبُخَارِيِّ إِثْبَاتُ الْمَشِيئَةِ وَالْإِرَادَةِ وَهُمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَإِرَادَتُهُ صِفَةٌ مِنْ صِفَاتِ ذَاتِهِ وَزَعَمَ الْمُعْتَزِلَةُ أَنَّهَا صِفَةٌ مِنْ صِفَاتِ فِعْلِهِ وَهُوَ فَاسِدٌ لِأَنَّ إِرَادَتَهُ لَوْ كَانَتْ مُحْدَثَةً لَمْ يَخْلُ أَنْ يُحْدِثَهَا فِي نَفْسِهِ أَوْ فِي غَيْرِهِ أَوْ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا أَوْ لَا فِي شَيْءٍ مِنْهُمَا وَالثَّانِي وَالثَّالِثُمُحَالٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَحَلًّا لِلْحَوَادِثِ وَالثَّانِي فَاسِدٌ أَيْضًا لِأَنَّهُ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الْغَيْرُ مُرِيدًا لَهَا وَبَطَلَ أَنْ يَكُونَ الْبَارِي مُرِيدًا إِذِ الْمُرِيدُ مَنْ صَدَرَتْ مِنْهُ الْإِرَادَةُ وَهُوَ الْغَيْرُ كَمَا بَطَلَ أَنْ يَكُونَ عَالِمًا إِذَا أَحْدَثَ الْعلم فِي غَيره وَحَقِيقَة المريد ان تكون الْإِرَادَةُ مِنْهُ دُونَ غَيْرِهِ وَالرَّابِعُ بَاطِلٌ لِأَنَّهُ يَسْتَلْزِمُ قِيَامَهَا بِنَفْسِهَا وَإِذَا فَسَدَتْ هَذِهِ الْأَقْسَامُ صَحَّ أَنَّهُ مُرِيدٌ بِإِرَادَةٍ قَدِيمَةٍ هِيَ صِفَةٌ قَائِمَةٌ بِذَاتِهِ وَيَكُونُ تَعَلُّقُهَا بِمَا يَصِحُّ كَوْنُهُ مُرَادًا فَمَا وَقَعَ بِإِرَادَتِهِ قَالَ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ خَالِقُ أَفْعَالِ الْعِبَادِ وَأَنَّهُمْ لَا يَفْعَلُونَ إِلَّا مَا يَشَاءُ وَقَدْ دَلَّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ وَمَا تَشَاءُونَ الا ان يَشَاء الله وَغَيْرُهَا مِنَ الْآيَاتِ.
    وَقَالَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا ثُمَّ أَكَّدَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى وَلَكِنَّ اللَّهَ يفعل مَا يُرِيد فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ فَعَلَ اقْتِتَالَهُمُ الْوَاقِعَ مِنْهُمْ لِكَوْنِهِ مُرِيدًا لَهُ وَإِذَا كَانَ هُوَ الْفَاعِلَ لِاقْتِتَالِهِمْ فَهُوَ الْمُرِيدُ لِمَشِيئَتِهِمْ وَالْفَاعِلُ فَثَبَتَ بِهَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ كَسْبَ الْعِبَادِ إِنَّمَا هُوَ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ وَإِرَادَتِهِ وَلَوْ لَمْ يُرِدْ وُقُوعَهُ مَا وَقَعَ.
    وَقَالَ بَعْضُهُمْ الْإِرَادَةُ عَلَى قِسْمَيْنِ إِرَادَةُ أَمْرٍ وَتَشْرِيعٍ وَإِرَادَةُ قَضَاءٍ وَتَقْدِيرٍ فَالْأُولَى تَتَعَلَّقُ بِالطَّاعَةِ وَالْمَعْصِيَةِ سَوَاءٌ وَقَعَتْ أَمْ لَا وَالثَّانِيَةُ شَامِلَةٌ لِجَمِيعِ الْكَائِنَاتِ مُحِيطَةٌ بِجَمِيعِ الْحَادِثَاتِ طَاعَةً وَمَعْصِيَةً وَإِلَى الْأَوَّلِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَإِلَى الثَّانِي الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا وَفَرَّقَ بَعْضُهُمْ بَيْنَ الْإِرَادَةِ وَالرِّضَا فَقَالُوا يُرِيدُ وُقُوعَ الْمَعْصِيَةِ وَلَا يَرْضَاهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَلَوْ شِئْنَا لآتينا كل نفس هداها الْآيَة وَقَوله وَلَا يرضى لِعِبَادِهِ الْكفْر وَتَمَسَّكُوا أَيْضًا بِقَوْلِهِ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَأَجَابَ أَهْلُ السُّنَّةِ بِمَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ وَغَيْرُهُ بِسَنَد رِجَاله ثِقَات عَن بن عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ يَعْنِي بِعِبَادِهِ الْكُفَّارِ الَّذِينَ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ بِقَوْلِهِمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَأَرَادَ عِبَادَهُ الْمُخْلِصِينَ الَّذِينَ قَالَ فِيهِمْ إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ فَحَبَّبَ إِلَيْهِمُ الْإِيمَانَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى شَهَادَةَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَقَالَتِ الْمُعْتَزِلَةُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاء الله مَعْنَاهُ وَمَا تَشَاءُونَ الطَّاعَةَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ قَسَرَكُمْ عَلَيْهَا وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمَا قَالَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ فِي مَوْضِعِ مَا شَاءَ لِأَنَّ حَرْفَ الشَّرْطِ لِلِاسْتِقْبَالِ وَصَرْفُ الْمَشِيئَةِ إِلَى الْقَسْرِ تَحْرِيفٌ لَا إِشْعَارَ لِلْآيَةِ بِشَيْءٍ مِنْهُ وَإِنَّمَا الْمَذْكُورُ فِي الْآيَةِ مَشِيئَةُ الِاسْتِقَامَةِ كَسْبًا وَهُوَ الْمَطْلُوبُ مِنَ الْعِبَادِ وَقَالُوا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تشَاء أَيْ يُعْطِي مَنِ اقْتَضَتْهُ الْحِكْمَةُ الْمُلْكَ يُرِيدُونَ أَنَّ الْحِكْمَةَ تَقْتَضِي رِعَايَةَ الْمَصْلَحَةِ وَيَدَّعُونَ وُجُوبَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَنْ قَوْلِهِمْ وَظَاهِرُ الْآيَةِ أَنْ يُعْطِيَ الْمُلْكَ مَنْ يَشَاءُ سَوَاءٌ كَانَ مُتَّصِفًا بِصِفَاتِ مَنْ يَصْلُحُ لِلْمُلْكِ أَمْ لَا مِنْ غَيْرِ رِعَايَةِ اسْتِحْقَاقٍ وَلَا وُجُوبٍ وَلَا أَصْلَحَ بَلْ يُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ يَكْفُرُ بِهِ وَيَكْفُرُ نِعْمَتَهُ حَتَّى يُهْلِكَهُ كَكَثِيرٍ مِنَ الْكُفَّارِ مِثْلَ نُمْرُودَ وَالْفَرَاعِنَةِ وَيُؤْتِيهِ إِذَا شَاءَ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَيَدْعُو إِلَى دِينِهِ وَيَرْحَمُ بِهِ الْخَلْقَ مِثْلَ يُوسُفَ وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ وَحِكْمَتُهُ فِي كِلَا الْأَمْرَيْنِ عِلْمُهُ وَإِحْكَامُهُ بِإِرَادَتِهِ تَخْصِيصَ مَقْدُورَاتِهِ قَوْلِهِ إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ الله يهدي من يَشَاء قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِيهِ نَزَلَتْ فِي أَبِي طَالِبٍ تَقَدَّمَ مَوْصُولًا بِتَمَامِهِ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْقَصَصِ وَتَقَدَّمَ هُنَاكَ شَرْحُهُ مُسْتَوْفًى وَبَعْضُهُ فِي الْجَنَائِزِ وَقَالَتِ الْمُعْتَزِلَةُ فِي هَذِهِ الْآيَة معنى لَا تهدي من أَحْبَبْت لِأَنَّكَ لَا تَعْلَمُ الْمَطْبُوعَ عَلَى قَلْبِهِ فَيُقْرَنُ بِهِ اللُّطْفُ حَتَّى يَدْعُوَهُ إِلَى الْقَبُولِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
    بِالْمُهْتَدِينَ الْقَابِلِينَ لِذَلِكَ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ اللُّطْفَ الَّذِي يَسْتَنِدُونَ إِلَيْهِ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ وَمُرَادُهُمْ بِمَنْ يَقْبَلُ مِمَّنْ لَا يَقْبَلُ مَنْ يَقَعُ ذَلِكَ مِنْهُ لِذَاتِهِ لَا بِحُكْمِ اللَّهِ وَإِنَّمَا المُرَاد بقوله تَعَالَى وَهُوَ أعلم بالمهتدين أَي الَّذينمن يَشَاء وَعَلَى الْقُوَّةِ وَالثَّبَاتِ وَالنَّصْرِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى وأيدهم بِروح مِنْهُ وَعَلَى جِبْرِيلَ فِي عِدَّةِ آيَاتٍ وَعَلَى عِيسَى بن مَرْيَمَ وَلَمْ يَقَعْ فِي الْقُرْآنِ تَسْمِيَةُ رُوحِ بَنِي آدَمَ رُوحًا بَلْ سَمَّاهَا نَفْسًا فِي قَوْلِهِ النَّفْسُ الْمُطَمْئِنَةُ وَالنَّفْسُ الْأَمَارَةُ بِالسُّوءِ وَالنَّفْسُ اللَّوَّامَةُ وَأَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمْ وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَتَمَسَّكَ مَنْ زَعَمَ بِأَنَّهَا قَدِيمَةٌ بِإِضَافَتِهَا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي قَوْلِهِ تَعَالَى ونفخت فِيهِ من روحي وَلَا حُجَّةَ فِيهِ لِأَنَّ الْإِضَافَةَ تَقَعُ عَلَى صِفَةٍ تَقُومُ بِالْمَوْصُوفِ كَالْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ وَعَلَى مَا يَنْفَصِلُ عَنْهُ كَبَيْتِ اللَّهِ وَنَاقَةِ اللَّهِ فَقَوْلُهُ رُوحُ اللَّهِ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ الثَّانِي وَهِيَ إِضَافَةُ تَخْصِيصٍ وَتَشْرِيفٍ وَهِيَ فَوْقَ الْإِضَافَةِ الْعَامَّةِ الَّتِي بِمَعْنَى الْإِيجَادِ فَالْإِضَافَةُ عَلَى ثَلَاثِ مَرَاتِبَ إِضَافَةُ إِيجَادٍ وَإِضَافَةُ تَشْرِيفٍ وَإِضَافَةُ صِفَةٍ وَالَّذِي يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الرُّوحَ مَخْلُوقَةٌ عُمُومُ قَوْلِهِ تَعَالَى اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ رَبُّ كل شَيْء ربكُم وَرب آبائكم الْأَوَّلين وَالْأَرْوَاحُ مَرْبُوبَةٌ وَكُلُّ مَرْبُوبٍ مَخْلُوقُ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَقَوْلُهُ تَعَالَى لِزَكَرِيَّا وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلم تَكُ شَيْئا وَهَذَا الْخِطَابُ لِجَسَدِهِ وَرُوحِهِ مَعًا وَمِنْهُ قَوْلُهُ هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لم يكن شَيْئا مَذْكُورا وَقَوله تَعَالَى وَلَقَد خَلَقْنَاكُمْ ثمَّ صورناكم سَوَاءٌ قُلْنَا إِنَّ قَوْلَهُ خَلْقُنَا يَتَنَاوَلُ الْأَرْوَاحَ وَالْأَجْسَادَ مَعًا أَوِ الْأَرْوَاحَ فَقَطْ وَمِنَ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ حَدِيثُ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ كَانَ اللَّهُ وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ غَيْرُهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ فِي كِتَابِ بَدْءِ الْخَلْقِ وَقَدْ وَقَعَ الِاتِّفَاقُ عَلَى أَنَّ الْمَلَائِكَةَ مَخْلُوقُونَ وَهُمْ أَرْوَاحٌ وَحَدِيثُ الْأَرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ وَالْجُنُودُ الْمُجَنَّدَةُ لَا تَكُونُ إِلَّا مَخْلُوقَةً وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا الْحَدِيثُ وَشَرْحُهُ فِي كِتَابِ الْأَدَبِ وَحَدِيثُ أَبِي قَتَادَةَ أَنَّ بِلَالًا قَالَ لَمَّا نَامُوا فِي الْوَادِي يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخَذَ بِنَفْسِي الَّذِي أَخَذَ بِنَفْسِكَ وَالْمُرَادُ بِالنَّفْسِ الرُّوحُ قَطْعًا لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ إِنَّ اللَّهَ قَبَضَ أَرْوَاحَكُمْ حِينَ شَاءَ الْحَدِيثَ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا الْآيَةَ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى بَقِيَّةِ فَوَائِدِ هَذَا الْحَدِيثِ فِي سُورَةِ سُبْحَانَ وَقَوْلُهُ فِي آخِرِهِ وَمَا أُوتُوا مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا كَذَا لِلْأَكْثَرِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ وَمَا أُوتِيتُمْ عَلَى وَفْقِ الْقِرَاءَةِ الْمَشْهُورَةِ وَيُؤَيِّدُ الْأَوَّلَ قَوْلُهُ فِي بَقِيَّتِهِ قَالَ الْأَعْمَشُ هَكَذَا فِي قراءتنا قَالَ بن بَطَّالٍ غَرَضُهُ الرَّدُّ عَلَى الْمُعْتَزِلَةِ فِي زَعْمِهِمْ أَنَّ أَمْرَ اللَّهِ مَخْلُوقٌ فَتَبَيَّنَ أَنَّ الْأَمْرَ هُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى لِلشَّيْءِ كُنْ فَيَكُونُ بِأَمْرِهِ لَهُ وَأَنَّ أَمْرَهُ وَقَوْلُهُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَأَنَّهُ يَقُولُ كُنْ حَقِيقَةً وَأَنَّ الْأَمْرَ غَيْرُ الْخَلْقِ لِعَطْفِهِ عَلَيْهِ بِالْوَاوِ انْتَهَى وَسَيَأْتِي مَزِيدٌ لِهَذَا فِي بَاب وَالله خَلقكُم وَمَا تَعْمَلُونَ(قَوْلُهُ بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي إِلَى قَوْله جِئْنَا بِمثلِهِ مدَدا) فِي رِوَايَةِ أَبِي زَيْدٍ الْمَرْوَزِيِّ إِلَى آخِرِ الْآيَةِ وَسَاقَ فِي رِوَايَةِ كَرِيمَةَ الْآيَةَ كُلَّهَا قَوْلُهُ وَقَوله وَلَو ان مَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ الله جَاءَ فِي سَبَب نُزُولهَا مَا أخرجه بن أبي حَاتِم بِسَنَد صَحِيح عَن بن عَبَّاسٍ فِي قِصَّةِ سُؤَالِ الْيَهُودِ عَنِ الرُّوحِ وَنُزُولِ قَوْلِهِ تَعَالَى قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا قَالُوا كَيْفَ وَقَدْ أُوتِينَا التَّوْرَاةَ فَنَزَلَتْ قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي الْآيَةَ فَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي تَفْسِيرِهِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الْجَوْزَاءِ قَالَ لَوْ كَانَ كُلُّ شَجَرَةٍ فِي الْأَرْضِ أَقْلَامًا وَالْبَحْرُ مِدَادًا لَنَفِدَ الْمَاءُ وَتَكَسَّرَتِ الْأَقْلَامُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ اللَّهِ وَعَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ قَالُوا فِي هَذَا الْقُرْآنِ يُوشِكُ أَنْ يَنْفَدَ فَنزلت وَأخرج بن أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ نَحْوَهُ وَفِيهِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ لَوْ كَانَ شَجَرُ الْأَرْضِ أَقْلَامًا وَمَعَ الْبَحْرِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مِدَادًا لَتَكَسَّرَتِ الْأَقْلَامُ وَنَفِدَ مَاءُ الْبحار قبل أَن تنفد قَالَ بن أبي حَاتِم حَدثنَا أبي سَمِعت بعض أَهْلَ الْعِلْمِ يَقُولُ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ انا كل شَيْء خلقناه بِقدر وَقَوْلُهُ قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لنفد الْبَحْر الْآيَةَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْقُرْآنَ غَيْرُ مَخْلُوقٍ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مَخْلُوقًا لَكَانَ لَهُ قَدْرٌ وَكَانَتْ لَهُ عِنَايَةٌ وَلَنَفِدَ كَنَفَادِ الْمَخْلُوقِينَ وَتَلَا قَوْلَهُ تَعَالَى قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي إِلَى آخِرِ الْآيَةِ قَوْلُهُ إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ سَخَّرَ ذَلَّلَ كَذَا لِأَبِي ذَرٍّ عَنِ الْمُسْتَمْلِي وَحْدَهُ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي زَيْدٍ الْمَرْوَزِيِّ وَقَوْلُهُ ان ربكُم الله وَسَاقَ إِلَى أَنْ قَالَ بَعْدَ قَوْلِهِ عَلَى الْعَرْش إِلَى قَوْله تبَارك الله رب الْعَالمين وَسَاقَ فِي رِوَايَةِ كَرِيمَةَ الْآيَةَ كُلَّهَا وَذَكَرَ فِيهِ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمُشَارَ إِلَيْهِ قَرِيبًا تَكَفَّلَ اللَّهُ لِمَنْ جَاهَدَ فِي سَبِيلِهِ وَالْمُرَادُ مِنْهُ قَوْلُهُ وَتَصْدِيقُ كَلِمَتِهِ وَوَقَعَ فِي نُسْخَةٍ مِنْ طَرِيقِ أَبِي ذَرٍّ وَكَلِمَاتٍ بِصِيغَةِ الْجَمْعِ قَالَ بن التِّينِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِكَلِمَاتِهِ الْأَوَامِرُ الْوَارِدَةُ بِالْجِهَادِ وَمَا وَعَدَ عَلَيْهِ مِنَ الثَّوَابِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ بِهَا أَلْفَاظُ الشَّهَادَتَيْنِ وَأَنَّ تَصْدِيقَهُ بِهَا يُثْبِتُ فِي نَفْسِهِ عَدَاوَةَ مَنْ كَذَّبَهُمَا وَالْحِرْصَ عَلَى قَتْلِهِ وَقَوْلُهُ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْض فِي سِتَّة أَيَّام تقدم بَيَان السّنة فِي الْكَلَام على حَدِيث بن عَبَّاسٍ فِي تَفْسِيرِ حم فُصِّلَتْ وَقَوْلُهُ يُغْشِي اللَّيْل النَّهَار أَيْ وَيُغْشِي النَّهَارَ اللَّيْلَ فَحُذِفَ لِدَلَالَةِ السِّيَاقِ عَلَيْهِ وَهُوَ قَوْلُهُ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ ويولج النَّهَار فِي اللَّيْل وَالْغَرَضُ مِنَ الْآيَةِ قَوْلُهُ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمر وَسَيَأْتِي بَسْطُ الْقَوْلِ فِيهِ فِي أَوَاخِرِ هَذَا الْكِتَابِ فِي بَابِ وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ ان شَاءَ الله تَعَالَى وَحذف بن بطال هَذَا الْبَاب وَمَا فِيهِ(قَوْلُهُ بَابٌ فِي الْمَشِيئَةِ وَالْإِرَادَةِ) قَالَ الرَّاغِبُ الْمَشِيئَةُ عِنْدَ الْأَكْثَرِ كَالْإِرَادَةِ سَوَاءٌ وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ أَنَّ الْمَشِيئَةَ فِي الْأَصْلِ إِيجَادُ الشَّيْءِ وَإِصَابَتُهُ فَمِنَ اللَّهِ الْإِيجَادُ وَمِنَ النَّاسِ الْإِصَابَةُ وَفِي الْعُرْفِ تُسْتَعْمَلُ مَوْضِعَ الْإِرَادَةِقَوْلُهُ وَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تشَاء وَقَوله وَمَا تشاؤن الا ان يَشَاء الله وَقَوْلُهُ وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا الا ان يَشَاء الله وَقَوْلُهُ إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يهدي من يَشَاء قَالَ الْبَيْهَقِيُّ بَعْدَ أَنْ سَاقَ بِسَنَدِهِ إِلَى الرَّبِيعِ بْنِ سُلَيْمَانَ قَالَ الشَّافِعِيُّ الْمَشِيئَةُ إِرَادَةُ اللَّهِ وَقَدْ أَعْلَمَ اللَّهُ خَلْقَهُ أَنَّ الْمَشِيئَةَ لَهُ دونهم فَقَالَ وَمَا تشاؤن الا ان يَشَاء الله فَلَيْسَتْ لِلْخَلْقِ مَشِيئَةٌ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَبِهِ إِلَى الرَّبِيعِ قَالَ سُئِلَ الشَّافِعِيُّ عَنِ الْقَدَرِ فَقَالَ مَا شِئْتَ كَانَ وَإِنْ لَمْ أَشَأْ وَمَا شِئْتُ إِنْ لَمْ تَشَأْ لَمْ يَكُنْ الْأَبْيَاتَ ثُمَّ سَاقَ مِمَّا تَكَرَّرَ مِنْ ذِكْرِ الْمَشِيئَةِ فِي الْكِتَابِ الْعَزِيزِ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِينَ مَوْضِعًا مِنْهَا غَيْرُ مَا ذُكِرَ فِي التَّرْجَمَةِ قَوْلُهُ تَعَالَى فِي الْبَقَرَةِ وَلَوْ شَاءَ الله لذهب بسمعهم وأبصارهم وَقَوله يخْتَص برحمته من يَشَاء وَقَوله وَلَو شَاءَ الله لأعنتكم وَقَوله وَعلمه مِمَّا يَشَاء وَقَوْلُهُ فِي آلِ عِمْرَانَ قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بيد الله يؤتيه من يَشَاء وَقَوله ويجتبي من رسله من يَشَاء وَقَوْلُهُ فِي النِّسَاءِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لمن يَشَاء. وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي الْأَنْعَامِ سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا الْآيَةَ فَقَدْ تَمَسَّكَ بِهَا الْمُعْتَزِلَةُ وَقَالُوا إِنَّ فِيهَا رَدًّا عَلَى أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَوَابُ أَنَّ أَهْلَ السُّنَّةِ تَمَسَّكُوا بِأَصْلٍ قَامَتْ عَلَيْهِ الْبَرَاهِينُ وَهُوَ أَنَّ اللَّهَ خَالِقُ كُلِّ مَخْلُوقٍ وَيَسْتَحِيلُ أَنْ يَخْلُقَ الْمَخْلُوقُ شَيْئًا وَالْإِرَادَةُ شَرْطٌ فِي الْخَلْقِ وَيَسْتَحِيلُ ثُبُوتُ الْمَشْرُوطِ بِدُونِ شَرْطِهِ فَلَمَّا عَانَدَ الْمُشْرِكُونَ الْمَعْقُولَ وَكَذَّبُوا الْمَنْقُولَ الَّذِي جَاءَتْهُمْ بِهِ الرُّسُلُ وَأُلْزِمُوا الْحُجَّةَ بِذَلِكَ تَمَسَّكُوا بِالْمَشِيئَةِ وَالْقَدَرِ السَّابِقِ وَهِيَ حُجَّةٌ مَرْدُودَةٌ لِأَنَّ الْقَدَرَ لَا تَبْطُلُ بِهِ الشَّرِيعَةُ وَجَرَيَانُ الْأَحْكَامِ عَلَى الْعِبَادِ بِأَكْسَابِهِمْ فَمَنْ قَدَّرَ عَلَيْهِ بِالْمَعْصِيَةِ كَانَ ذَلِكَ عَلَامَةً عَلَى أَنَّهُ قَدَّرَ عَلَيْهِ الْعِقَابَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ أَنْ يَغْفِرَ لَهُ مِنْ غَيْرِ الْمُشْرِكِينَ وَمَنْ قَدَّرَ عَلَيْهِ بِالطَّاعَةِ كَانَ ذَلِكَ عَلَامَةً عَلَى أَنَّهُ قَدَّرَ عَلَيْهِ بِالثَّوَابِ وَحَرْفُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْمُعْتَزِلَةَ قَاسُوا الْخَالِقَ عَلَى الْمَخْلُوقِ وَهُوَ بَاطِلٌ لِأَنَّ الْمَخْلُوقَ لَوْ عَاقَبَ مَنْ يُطِيعُهُ مِنْ أَتْبَاعِهِ عُدَّ ظَالِمًا لِكَوْنِهِ لَيْسَ مَالِكًا لَهُ بِالْحَقِيقَةِ وَالْخَالِقُ لَوْ عَذَّبَ مَنْ يُطِيعُهُ لَمْ يُعَدَّ ظَالِمًا لِأَنَّ الْجَمِيعَ مِلْكُهُ فَلَهُ الْأَمْرُ كُلُّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ وَلَا يسئل عَمَّا يَفْعَلُ.
    وَقَالَ الرَّاغِبُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأُمُورَ كُلَّهَا مَوْقُوفَةٌ عَلَى مَشِيئَةِ اللَّهِ وَأَنَّ أَفْعَالَ الْعِبَادِ مُتَعَلِّقَةٌ بِهَا وَمَوْقُوفَةٌ عَلَيْهَا مَا اجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَى تَعْلِيقِ الِاسْتِثْنَاءِ بِهِ فِي جَمِيعِ الْأَفْعَالِ وَأَخْرَجَ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ فِي تَرْجَمَة الزُّهْرِيّ من طَرِيق بن أَخِي الزُّهْرِيِّ عَنْ عَمِّهِ قَالَ كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَأْمُرُ بِرِوَايَةِ قَصِيدَةِ لَبِيدٍ الَّتِي يَقُولُ فِيهَا إِنَّ تَقْوَى رَبِّنَا خَيْرٌ نَفَلْ وَبِإِذْنِ اللَّهِ رَيْثِي وَعَجَلْ أَحْمَدُ اللَّهَ فَلَا نِدَّ لَهُ بِيَدَيْهِ الْخَيْرُ مَا شَاءَ فَعَلْ مَنْ هَدَاهُ سُبُلَ الْخَيْرِ اهْتَدَى نَاعِمَ الْبَالِ وَمَنْ شَاءَ أَضَلْ وَحَرْفُ النِّزَاعِ بَيْنَ الْمُعْتَزِلَةِ وَأَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّ الْإِرَادَةَ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ تَابِعَةٌ لِلْعِلْمِ وَعِنْدَهُمْ تَابِعَةٌ لِلْأَمْرِ وَيَدُلُّ لِأَهْلِ السّنة قَوْله تَعَالَى يُرِيد الله أَن لَا يَجْعَل لَهُم حظا فِي الْآخِرَة.
    وَقَالَ بن بَطَّالٍ غَرَضُ الْبُخَارِيِّ إِثْبَاتُ الْمَشِيئَةِ وَالْإِرَادَةِ وَهُمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَإِرَادَتُهُ صِفَةٌ مِنْ صِفَاتِ ذَاتِهِ وَزَعَمَ الْمُعْتَزِلَةُ أَنَّهَا صِفَةٌ مِنْ صِفَاتِ فِعْلِهِ وَهُوَ فَاسِدٌ لِأَنَّ إِرَادَتَهُ لَوْ كَانَتْ مُحْدَثَةً لَمْ يَخْلُ أَنْ يُحْدِثَهَا فِي نَفْسِهِ أَوْ فِي غَيْرِهِ أَوْ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا أَوْ لَا فِي شَيْءٍ مِنْهُمَا وَالثَّانِي وَالثَّالِثُمُحَالٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَحَلًّا لِلْحَوَادِثِ وَالثَّانِي فَاسِدٌ أَيْضًا لِأَنَّهُ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الْغَيْرُ مُرِيدًا لَهَا وَبَطَلَ أَنْ يَكُونَ الْبَارِي مُرِيدًا إِذِ الْمُرِيدُ مَنْ صَدَرَتْ مِنْهُ الْإِرَادَةُ وَهُوَ الْغَيْرُ كَمَا بَطَلَ أَنْ يَكُونَ عَالِمًا إِذَا أَحْدَثَ الْعلم فِي غَيره وَحَقِيقَة المريد ان تكون الْإِرَادَةُ مِنْهُ دُونَ غَيْرِهِ وَالرَّابِعُ بَاطِلٌ لِأَنَّهُ يَسْتَلْزِمُ قِيَامَهَا بِنَفْسِهَا وَإِذَا فَسَدَتْ هَذِهِ الْأَقْسَامُ صَحَّ أَنَّهُ مُرِيدٌ بِإِرَادَةٍ قَدِيمَةٍ هِيَ صِفَةٌ قَائِمَةٌ بِذَاتِهِ وَيَكُونُ تَعَلُّقُهَا بِمَا يَصِحُّ كَوْنُهُ مُرَادًا فَمَا وَقَعَ بِإِرَادَتِهِ قَالَ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ خَالِقُ أَفْعَالِ الْعِبَادِ وَأَنَّهُمْ لَا يَفْعَلُونَ إِلَّا مَا يَشَاءُ وَقَدْ دَلَّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ وَمَا تَشَاءُونَ الا ان يَشَاء الله وَغَيْرُهَا مِنَ الْآيَاتِ.
    وَقَالَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا ثُمَّ أَكَّدَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى وَلَكِنَّ اللَّهَ يفعل مَا يُرِيد فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ فَعَلَ اقْتِتَالَهُمُ الْوَاقِعَ مِنْهُمْ لِكَوْنِهِ مُرِيدًا لَهُ وَإِذَا كَانَ هُوَ الْفَاعِلَ لِاقْتِتَالِهِمْ فَهُوَ الْمُرِيدُ لِمَشِيئَتِهِمْ وَالْفَاعِلُ فَثَبَتَ بِهَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ كَسْبَ الْعِبَادِ إِنَّمَا هُوَ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ وَإِرَادَتِهِ وَلَوْ لَمْ يُرِدْ وُقُوعَهُ مَا وَقَعَ.
    وَقَالَ بَعْضُهُمْ الْإِرَادَةُ عَلَى قِسْمَيْنِ إِرَادَةُ أَمْرٍ وَتَشْرِيعٍ وَإِرَادَةُ قَضَاءٍ وَتَقْدِيرٍ فَالْأُولَى تَتَعَلَّقُ بِالطَّاعَةِ وَالْمَعْصِيَةِ سَوَاءٌ وَقَعَتْ أَمْ لَا وَالثَّانِيَةُ شَامِلَةٌ لِجَمِيعِ الْكَائِنَاتِ مُحِيطَةٌ بِجَمِيعِ الْحَادِثَاتِ طَاعَةً وَمَعْصِيَةً وَإِلَى الْأَوَّلِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَإِلَى الثَّانِي الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا وَفَرَّقَ بَعْضُهُمْ بَيْنَ الْإِرَادَةِ وَالرِّضَا فَقَالُوا يُرِيدُ وُقُوعَ الْمَعْصِيَةِ وَلَا يَرْضَاهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَلَوْ شِئْنَا لآتينا كل نفس هداها الْآيَة وَقَوله وَلَا يرضى لِعِبَادِهِ الْكفْر وَتَمَسَّكُوا أَيْضًا بِقَوْلِهِ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَأَجَابَ أَهْلُ السُّنَّةِ بِمَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ وَغَيْرُهُ بِسَنَد رِجَاله ثِقَات عَن بن عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ يَعْنِي بِعِبَادِهِ الْكُفَّارِ الَّذِينَ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ بِقَوْلِهِمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَأَرَادَ عِبَادَهُ الْمُخْلِصِينَ الَّذِينَ قَالَ فِيهِمْ إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ فَحَبَّبَ إِلَيْهِمُ الْإِيمَانَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى شَهَادَةَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَقَالَتِ الْمُعْتَزِلَةُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاء الله مَعْنَاهُ وَمَا تَشَاءُونَ الطَّاعَةَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ قَسَرَكُمْ عَلَيْهَا وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمَا قَالَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ فِي مَوْضِعِ مَا شَاءَ لِأَنَّ حَرْفَ الشَّرْطِ لِلِاسْتِقْبَالِ وَصَرْفُ الْمَشِيئَةِ إِلَى الْقَسْرِ تَحْرِيفٌ لَا إِشْعَارَ لِلْآيَةِ بِشَيْءٍ مِنْهُ وَإِنَّمَا الْمَذْكُورُ فِي الْآيَةِ مَشِيئَةُ الِاسْتِقَامَةِ كَسْبًا وَهُوَ الْمَطْلُوبُ مِنَ الْعِبَادِ وَقَالُوا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تشَاء أَيْ يُعْطِي مَنِ اقْتَضَتْهُ الْحِكْمَةُ الْمُلْكَ يُرِيدُونَ أَنَّ الْحِكْمَةَ تَقْتَضِي رِعَايَةَ الْمَصْلَحَةِ وَيَدَّعُونَ وُجُوبَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَنْ قَوْلِهِمْ وَظَاهِرُ الْآيَةِ أَنْ يُعْطِيَ الْمُلْكَ مَنْ يَشَاءُ سَوَاءٌ كَانَ مُتَّصِفًا بِصِفَاتِ مَنْ يَصْلُحُ لِلْمُلْكِ أَمْ لَا مِنْ غَيْرِ رِعَايَةِ اسْتِحْقَاقٍ وَلَا وُجُوبٍ وَلَا أَصْلَحَ بَلْ يُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ يَكْفُرُ بِهِ وَيَكْفُرُ نِعْمَتَهُ حَتَّى يُهْلِكَهُ كَكَثِيرٍ مِنَ الْكُفَّارِ مِثْلَ نُمْرُودَ وَالْفَرَاعِنَةِ وَيُؤْتِيهِ إِذَا شَاءَ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَيَدْعُو إِلَى دِينِهِ وَيَرْحَمُ بِهِ الْخَلْقَ مِثْلَ يُوسُفَ وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ وَحِكْمَتُهُ فِي كِلَا الْأَمْرَيْنِ عِلْمُهُ وَإِحْكَامُهُ بِإِرَادَتِهِ تَخْصِيصَ مَقْدُورَاتِهِ قَوْلِهِ إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ الله يهدي من يَشَاء قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِيهِ نَزَلَتْ فِي أَبِي طَالِبٍ تَقَدَّمَ مَوْصُولًا بِتَمَامِهِ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْقَصَصِ وَتَقَدَّمَ هُنَاكَ شَرْحُهُ مُسْتَوْفًى وَبَعْضُهُ فِي الْجَنَائِزِ وَقَالَتِ الْمُعْتَزِلَةُ فِي هَذِهِ الْآيَة معنى لَا تهدي من أَحْبَبْت لِأَنَّكَ لَا تَعْلَمُ الْمَطْبُوعَ عَلَى قَلْبِهِ فَيُقْرَنُ بِهِ اللُّطْفُ حَتَّى يَدْعُوَهُ إِلَى الْقَبُولِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
    بِالْمُهْتَدِينَ الْقَابِلِينَ لِذَلِكَ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ اللُّطْفَ الَّذِي يَسْتَنِدُونَ إِلَيْهِ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ وَمُرَادُهُمْ بِمَنْ يَقْبَلُ مِمَّنْ لَا يَقْبَلُ مَنْ يَقَعُ ذَلِكَ مِنْهُ لِذَاتِهِ لَا بِحُكْمِ اللَّهِ وَإِنَّمَا المُرَاد بقوله تَعَالَى وَهُوَ أعلم بالمهتدين أَي الَّذين( قَوْله بَاب قَول الله تَعَالَى انما أمرنَا لشَيْء إِذا اردناه) زَادَ غَيْرُ أَبِي ذَرٍّ أَنْ نَقُولَ لَهُ كن فَيكون وَنَقَصَ إِذَا أَرَدْنَاهُ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي زَيْدٍ الْمَرْوَزِيِّ قَالَ عِيَاضٌ كَذَا وَقَعَ لِجَمِيعِ الرُّوَاةِ عَنِ الْفَرَبْرِيِّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي ذَرٍّ وَالْأَصِيلِيِّ وَالْقَابِسِيِّ وَغَيْرِهِمْ وَكَذَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ النَّسَفِيِّ وَصَوَابُ التِّلَاوَةِ إِنَّمَا قَوْلُنَا وَكَأَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يُتَرْجِمَ بِالْآيَةِ الْأُخْرَى وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كلمح بالبصر وَسَبَقَ الْقَلَمُ إِلَى هَذِهِ قُلْتُ وَقَعَ فِي نُسْخَةٍ مُعْتَمَدَةٍ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ إِنَّمَا قَوْلنَا على وفْق التِّلَاوَة وَعَلَيْهَا شرح بن التِّينِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ إِصْلَاحِ مَنْ تَأَخَّرَ عَنْهُ وَإِلَّا فَالْقَوْلُ مَا قَالَهُ الْقَاضِي عِيَاض قَالَ بن أَبِي حَاتِمٍ فِي كِتَابِ الرَّدِّ عَلَى الْجَهْمِيَّةِ حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ دَلَّ عَلَى أَنَّ الْقُرْآنَ غَيْرُ مَخْلُوقٍ حَدِيثُ عُبَادَةَ أَوَّلُ مَا خَلَقَ اللَّهُ الْقَلَمُ فَقَالَ اكْتُبْ الْحَدِيثَ قَالَ وَإِنَّمَا نَطَقَ الْقَلَمُ بِكَلَامِهِ لِقَوْلِهِ إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كن فَيكون قَالَ فَكَلَامُ اللَّهِ سَابِقٌ عَلَى أَوَّلِ خَلْقِهِ فَهُوَ غَيْرُ مَخْلُوقٍ وَعَنِ الرَّبِيعِ بْنِ سُلَيْمَانَ سَمِعْتُ الْبُوَيْطِيَّ يَقُولُ خَلَقَ اللَّهُ الْخَلْقَ كُلَّهُ بِقَوْلِهِ كُنْ فَلَوْ كَانَ كُنْ مَخْلُوقًا لَكَانَ قد خلق الْخلق بمخلوق وَلَيْسَ كَذَلِكَ ثُمَّ ذَكَرَ فِيهِ خَمْسَةَ أَحَادِيثَ الْأَوَّلُ حَدِيثُ الْمُغِيرَةِ وَقَوْلُهُ


    [ رقم الحديث عند عبدالباقي:7064 ... ورقمه عند البغا: 7462 ]
    - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: بَيْنَا أَنَا أَمْشِى مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي بَعْضِ حَرْثِ الْمَدِينَةِ وَهْوَ يَتَوَكَّأُ عَلَى عَسِيبٍ مَعَهُ فَمَرَرْنَا عَلَى نَفَرٍ مِنَ الْيَهُودِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: سَلُوهُ عَنِ الرُّوحِ؟ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لاَ تَسْأَلُوهُ أَنْ يَجِىءَ فِيهِ بِشَىْءٍ تَكْرَهُونَهُ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَنَسْأَلَنَّهُ فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ مِنْهُمْ فَقَالَ: يَا أَبَا الْقَاسِمِ مَا الرُّوحُ؟ فَسَكَتَ عَنْهُ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَعَلِمْتُ أَنَّهُ يُوحَى إِلَيْهِ فَقَالَ: {{وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّى وَمَا أُوتُوا مِنَ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً}} [الإسراء: 85]». قَالَ الأَعْمَشُ: هَكَذَا فِى قِرِاءَتِنَا.وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي (عن عبد الواحد) بن زياد (عن الأعمش) سليمان (عن إبراهيم) النخعي (عن علقمة) بن قيس (عن ابن مسعود) عبد الله -رضي الله عنه- أنه (قال: بينا) بغير ميم (أنا أمشي مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في بعض حرث المدينة) بالحاء المهملة والمثلثة ولأبي ذر حرث بالتنوين بالمدينة بزيادة حرف الجر وللمستملي خرب بكسر الخاء المعجمة وفتح الراء والتنوين بالمدينة (وهو يتوكأ على عسيب) من جريد النخل (معه فمررنا على نفر من اليهود فقال بعضهم لبعض: سلوه عن الروح، وقال بعضهم: لا تسألوه أن يجيء فيه بشيء تكرهونه) وهو إبهمامه إذ هو مبهم في التوراة وأنه مما استأثر الله بعلمه فإن أبهمه دل على نبوّته وهمزة أن مفتوحة (فقال بعضهم: لنسألنه) عنه (فقام إليه رجل منهم فقال: يا أبا القاسم ما الروح فسكت عنهالنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فعلمت أنه يوحى إليه فقال: {{ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي}}) الجمهور على أنه الروح الذي في الحيوان سألوه عن حقيقته فأخبر أنه من أمر الله أي مما استأثر الله بعلمه وقيل سألوه عن خلق الروح أهو مخلوق أم لا وقوله من أمر ربي دليل على خلق الروح فكان هذا جوابًا ({{وما أوتيتم}}) بواو بعد الفوقية ({{من العلم إلا قليلاً}} [الإسراء: 85]. قال الأعمش): سليمان (هكذا في قراءتنا) وهو خطاب لليهود لأنهم قالوا قد أوتينا التوراة وفيها الحكمة. {{ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرًا كثيرًا}} [البقرة: 269] فقيل لهم إن علم التوراة قليل في جنب علم الله فالقلة والكثرة من الأمور الإضافية فالحكمة التي أوتيها العبد خير كثير في نفسها إلا أنها إذا أضيفت إلى علم الله تعالى فهي قليلة. قال في الفتح: ووقع في رواية الكشميهني وما أوتيتم وفق القراءة المشهورة.والحديث سبق قريبًا.


    [ رقم الحديث عند عبدالباقي:7064 ... ورقمه عند البغا:7462 ]
    - حدّثنا مُوسَى بنُ إسْماعِيلَ، عنْ عَبْدِ الواحِدِ، عنِ الأعْمَشِ، عنْ إبْرَاهِيمَ، عنْ عَلْقَمَةَ عنِ ابنِ مَسْعُودٍ قَالَ: بَيْنا أَنا أمْشِي مَعَ النبيِّ فِي بَعْضِ حَرْثِ المَدِينَةِ، وهْوَ يَتَوَكَّأ عَلى عَسِيبٍ مَعهُ، فَمَرَرْنا عَلى نَفَرٍ مِنَ اليَهُودِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: سَلُوهُ عنِ الرُّوحِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا تَسْألُوهُ أنْ يَجِيءَ فِيهِ بِشَيْءٍ تَكْرَهُونَهُ. فَقَالَ بَعْضَهُمْ: لَنَسْألَنَّهُ، فقامَ إلَيْهِ رَجُلٌ مِنْهُمْ، فَقَالَ: يَا أَبَا القاسِمِ مَا الرُّوحُ؟ فَسَكَتَ عَنْهُ النبيُّ فَعَلِمْتُ أنّهُ يُوحاى إلَيْهِ، فَقَالَ: {{وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّى وَمَآ أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً}}قَالَ الأعْمَشُ: هاكذا فِي قِرَاءَتِنا.ا
    هَذَا الحَدِيث قد مضى قبل هَذَا الْبابُُ عَن قريب أخرجه عَن يحيى عَن وَكِيع عَن الْأَعْمَش عَن إِبْرَاهِيم عَن عَلْقَمَة بن عبد الله، وَهنا أخرجه عَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل الْبَصْرِيّ الَّذِي يُقَال لَهُ التَّبُوذَكِي، وَعبد الْوَاحِد هُوَ ابْن زِيَاد يروي عَن سُلَيْمَان الْأَعْمَش عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ عَن عَلْقَمَة عَن قيس عَن عبد الله بن مَسْعُود.قَوْله: فِي بعض حرث أَي: زرع، ويروى: فِي خرب، بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَكسر الرَّاء وَقد تقدم هَذَا عَن قريب. قَوْله: سلوه عَن الرّوح اخْتلفُوا فِي الرّوح المسؤول عَنْهَا، فَقيل: هِيَ الرّوح الَّتِي تقوم بهَا الْحَيَاة، وَقيل: الرّوح الْمَذْكُورَة فِي قَوْله تَعَالَى: {{يَوْم يقوم الرّوح وَالْمَلَائِكَة صفا}} وَالْأول هُوَ الظَّاهِر. قَوْله: {{وَمَا أُوتِيتُمْ من الْعلم إِلَّا قَلِيلا}} كَذَا فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني {{وَمَا أُوتِيتُمْ}} على وفْق الْقِرَاءَة الْمَشْهُورَة وَيُؤَيّد الأول قَول الْأَعْمَش: هَكَذَا فِي قراءتنا وَقَالَ ابْن بطال: غَرَضه الرَّد على الْمُعْتَزلَة فِي زعمهم أَن أَمر الله مَخْلُوق، فَبين أَن الْأَمر هُوَ قَوْله تَعَالَى للشَّيْء: {{كن فَيكون}} ، وَغَيرهَا بأَمْره لَهُ فَإِن أمره وَقَوله بِمَعْنى وَاحِد، وَإنَّهُ بقول: كن، حَقِيقَة وَإِن الْأَمر غير الْخلق لعطفه عَلَيْهِ بِالْوَاو فِي قَوْله: {{أَلا لَهُ الْخلق وَالْأَمر}}

    حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ بَيْنَا أَنَا أَمْشِي، مَعَ النَّبِيِّ ﷺ فِي بَعْضِ حَرْثِ الْمَدِينَةِ وَهْوَ يَتَوَكَّأُ عَلَى عَسِيبٍ مَعَهُ، فَمَرَرْنَا عَلَى نَفَرٍ مِنَ الْيَهُودِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ سَلُوهُ عَنِ الرُّوحِ‏.‏ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لاَ تَسْأَلُوهُ أَنْ يَجِيءَ فِيهِ بِشَىْءٍ تَكْرَهُونَهُ‏.‏ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لَنَسْأَلَنَّهُ‏.‏ فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ مِنْهُمْ فَقَالَ يَا أَبَا الْقَاسِمِ مَا الرُّوحُ فَسَكَتَ عَنْهُ النَّبِيُّ ﷺ فَعَلِمْتُ أَنَّهُ يُوحَى إِلَيْهِ فَقَالَ ‏{‏وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتُوا مِنَ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً‏}‏‏.‏ قَالَ الأَعْمَشُ هَكَذَا فِي قِرِاءَتِنَا‏.‏

    Narrated Ibn Mas`ud:While I was walking in company with the Prophet (ﷺ) in one of the fields of Medina, the Prophet (ﷺ) was reclining on a palm leave stalk which he carried with him. We passed by a group of Jews. Some of them said to the others, "Ask him about the spirit." The others said, "Do not ask him, lest he would say something that you hate." Some of them said, "We will ask him." So a man from among them stood up and said, 'O Abal-Qasim! What is the spirit?" The Prophet (ﷺ) kept quiet and I knew that he was being divinely inspired. Then he said: "They ask you concerning the Spirit, Say: The Spirit; its knowledge is with my Lord. And of knowledge you (mankind) have been given only a little

    Telah menceritakan kepada kami [Musa bin Ismail] dari [Abdul Wahid] dari [Al A'masy] dari [Ibrahim] dari [Alqamah] dari [Ibnu Mas'ud] berkata, "Pernah aku berjalan bersama nabi shallallahu 'alaihi wasallam di sebagian kebun Madinah, sedang ketika itu beliau bersandar di atas sebuah dahan pohon kurma, saat kami melewati beberapa orang Yahudi, sebagian mereka berkata kepada sebagian lainnya, 'Tolong tanyailah dia (Muhammad) tentang nyawa', sementara sebagian mereka berkata, 'Jangan engkau bertanya kepadanya suatu hal yang kalian sendiri ketakutan terhadapnya'. Namun sebagian mereka ngotot berkata, 'Sungguh kami akan bertanya kepadanya! ' Lalu sebagian di antara mereka datang menemui beliau dan berkata, "Wahai abu Qasim, apa nyawa itu?" Nabi shallallhu'lihiwasallam terdiam, maka aku pun tahu bahwa beliau sedang menerima wahyu. Lantas beliau membacakan ayat: '(Dan mereka bertanya kepadamu tentang nyawa, katakanlah 'Bahwasanya nyawa itu urusan Tuhanku, dan tidaklah kalian diberi ilmu kecuali sedikit saja) ' (Qs. Al Isra':)

    İbn Mesud şöyle anlatmıştır: Ben bir keresinde Nebi Sallallahu Aleyhi ve Sellem ile beraber Medine'nin tarlalarından birinde yürüyorduk. Nebi Sallallahu Aleyhi ve Sellem yanında bulunan hurma dalından bir değneğe dayanıyordu. Derken biz, Yahudilerden bir topluluğa tesadüf ettik. Onlardan birtakımı diğer takımına "Ona ruh hakkında soru sorun" dedi. Diğer takımı da "Ona bir şey sormayın. Belki bunun hakkında hoşlanmayacağınlZ bir cevap getirir" dedi. Bazıları ise "Biz ona muhakkak soracağız" dediler. Bunun üzerine onlardan biri ayağa kalktı ve "Ya Ebe'I-Kasım! Ruh nedir?" diye sordu. Nebi Sallallahu Aleyhi ve Sellem sükCıt etti. Ben kendisine vahiy verilmekte olduğunu anladım. Sonunda "Sana ruh hakkında soru sorarlar. Deki: Ruh, Rabbimin emrindendir. Size ancak az bir bilgi verilmiştir"(İsra ı 85) ayet-i kerimesini okudu. Hadisi rivayet eden A'meş bizim kıraatimizde böyle "ve ma CıtCı = onlara verilmemiştir" şeklindedir dedi. Fethu'l-Bari Açıklaması: İbn Battal şöyle demiştir: Bu hadiste yer alan "emrullah=Allah'ın emri" ifadesinden maksat kıyamettir. Doğrusu Allah'ın emrinden maksat kıyametin kopmasıdır. Böylece kıyametin kopma saati Allah'ın hükmü ve kazasına bağlıdır. Dördüncü sırada yer alan İbn Abbas'ın Müseylime hakkındaki naklettiği hadis tam metin olarak Megazı Bölümünün sonlarında açıklamasıyla birlikte geçmişti. Hadisin buraya alınmasından maksat, "Allah'ın senin hakkındaki hüküm ve takdirini öteye geçemezsin" cümlesidir. Bu, Allah'ın senin hakkında takdir buyurmuş olduğu bedbahtlık veya mutluluk hükmünü aşamazsın demektir. İbn Mesud'un Yahudilerin ruh hakkındaki soruları ile ilgili naklettiği beşinci sıradaki hadis ve "Deki: Ruh, Rabbimin emrindendir"(İsra ı 85) ayet-i kerimesine gelince, İbn Mesud'un rivayet ettiği bu hadiste yer alan "el-emr"den maksat, "elme'mCır=emredilen şey" demektir. Bu tıpkı "el-halk" ifadesinin "el-mahluk" anlamına gelmesi gibidir. Hadisin bazı rivayet yollarında bu açıkça yer almaktadır. Süddl'nin tefsirinde Ebu Malik vasıtasıyla İbn Abbas ve başkalarından nakillerine göre "Deki: Ruh, Rabbimin emrindendir" ayeti hakkında şöyle demişlerdir: Ruh, Allah'ın yarattığı yaratıklardan birisidir. O Allah'ın emrinden bir şey değildir. Hakkında soru sorulan ruhtan maksqdın ne olduğu konusunda ihtilaf edilmiştir. İhtilaf noktası, bunun hayatı sağlayan ruh mu yoksa "Yevme yekumu'r-ruhu ve'l-melaiketü saffa=Ruh (Cebrail) ve melekler safsaf olup durduğu gün"(Nebe 38) "O gecede Rablerinin izniyle melekler ve ruh (Cebrail), her iş için iner dururlar" (Kadr 4) ayetlerinde zikredilen ruh mudur? İkinci görüşü savunanlar, şöyle bir akıl yürütmüşlerdir: Soru genelde ancak vahiy yoluyla bilinen şeyler için sorulur. Hayat kaynağı olan ruh hakkında insanlar -sözkonusu olan ruhun aksine- eskiden beri söz söylemektedirler. Çünkü insanların çoğunluğu sözkonusu ruh hakkında bilgiye sahip değillerdir. Hatta hayat kaynağı olan ruhun aksine bu ruh gayb ilminden sayılır. Yüce Allah Kur'an'da vahye ruh ismini vermektedir. Nitekim "Ve kezalike evhayna ileykerruhan min emrina=işte böylece sana da emrimizle ruh (Kur'an) vahyettik. "(Şura 52) "Yuikırruha min emrihi ala men yeşa=O kullarından dilediğine iradesiyle ilgili ruhu (vahyi) indirir"(Mu'min 15) ayet-i kerimeleri buna örnektir. Yüce Allah kuwet, sebat ve zafere de "ruh" adını vermektedir. Nitekim "Ve eyyedehum bi ruhin minhu=İşte onların kalbine Allah iman yazmış ve katından bir ruh ile onları desteklemiştir"(Mücadele 22) ayeti buna örnektir. Yüce Allah birçok ayette Cebrail'e, Meryem oğlu İsa'ya da "ruh" demiştir. Kur'an'da Adem oğluna "ruh" dendiği hiç görülmemiştir. Tam tersine Allah Adem oğluna "nefis" ismini vermektedir: "en-Nefsu'l-mutmainneh=Ey huzura kavuşmuş insan"(fecr 27) "en-Nefsü'l-emmaratu bi's-su'=çünkü nefis aşırı şekilde kötülüğü emreder"(Yusuf 53) "Vennefsu'l-levvameh =Kendini kınayan (pişmanlık duyan) nefse"(Kıyame 2) "Ve nefsin ve ma sevvaha=Nefse ve ona birtakım kabiliyetler verip de iyilik ve kötülüklerini ilham edene yemin ederim ki"(Şems 7) "Küllü nefsin zaikatu'lmevt=Her can ölümü tadacaktır"(Ankebut 57) ayetleri buna örnektir. Burada geçen "ruh"un kadim olduğunu iddia edenler, kelimenin Yüce Allah'a izafe edilerek "Ve nefahtu jfhi min ruhf=Ve ona ruhumdan üflediğim"(Hicr 29) ayetini delil almışlardır. Ancak ayette buna delil yoktur. Zira izafet, bazen ilim ve kudret örneğinde olduğu gibi mevsufla birlikte bulunan sıfata, bazen de "beytullah=Allah'ın evi", "nakatullah=Allah'ın devesi" terkiblerinde olduğu gibi ondan ayrı olana da yapılabilir. Dolayısıyla "ruhuilah" bu kabil bir izafettir. İkinci olarak bu bir ait olma ve şereflendirme izafetidir. Böyle bir izafet,icad manasındaki genel izafetten daha üstündür. Sonuç olarak izafet üç mertebededir. İzafet-i icad, izafet-i teşrif ve izafet-i sıfa. Ruhun mahluk olduğu Yüce Allah'ın '1ı.llahu haliku külli şey=Allah her şeyi yaratandır"(Rad 16) "Ve huve Rabbu küllü şey=Allah her şeyin Rabbi iken"(En'am 164) "Rabbukum ve Rabbu abdikumu'levvelfn =Sizin de Rabbiniz, sizden önce gelen atalarınızın da Rabbi olan Allah "(Saffat 126) ayetlerinin genelliği bunu göstermektedir. Netice olarak ruhlar merbDbtur. Her merbDb, alemlerin Rabbi olan Allah'ın yaratmasının eseridir

    ہم سے موسیٰ بن اسماعیل نے بیان کیا، کہا ہم سے عبدالواحد بن زیاد نے بیان کیا، ان سے اعمش نے، ان سے ابراہیم نخعی نے، ان سے علقمہ بن قیس نے اور ان سے عبداللہ بن مسعود رضی اللہ عنہ نے بیان کیا کہ میں نبی کریم صلی اللہ علیہ وسلم کے ساتھ مدینہ کے ایک کھیت میں چل رہا تھا۔ نبی کریم صلی اللہ علیہ وسلم اپنے ہاتھ کی چھڑی کا سہارا لیتے جاتے تھے، پھر ہم یہودیوں کی ایک جماعت کے پاس سے گزرے تو ان لوگوں نے آپس میں کہا کہ ان سے روح کے بارے میں پوچھو۔ کچھ یہودیوں نے مشورہ دیا کہ نہ پوچھو، کہیں کوئی ایسی بات نہ کہیں جس کا ( ان کی زبان سے سننا ) تم پسند نہ کرو۔ لیکن بعض نے اصرار کیا کہ نہیں! ہم پوچھیں گے۔ چنانچہ ان میں سے ایک نے اٹھ کر کہا: اے ابوالقاسم! روح کیا چیز ہے؟ نبی کریم صلی اللہ علیہ وسلم اس پر خاموش ہو گئے۔ میں نے سمجھ لیا کہ آپ پر وحی نازل ہو رہی ہے۔ پھر آپ صلی اللہ علیہ وسلم نے یہ آیت پڑھی «ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتوا من العلم إلا قليلا‏» ”اور لوگ آپ سے روح کے بارے میں پوچھتے ہیں۔ کہہ دیجئیے کہ روح میرے رب کے امر میں سے ہے اور تمہیں اس کا علم بہت تھوڑا دیا گیا ہے۔“ اعمش نے کہا کہ ہماری قرآت میں اسی طرح ہے۔

    ‘আবদুল্লাহ্ ইবনু মাস‘ঊদ (রাঃ) হতে বর্ণিত। তিনি বলেন, একবার আমি নবী সাল্লাল্লাহু আলাইহি ওয়াসাল্লাম-এর সঙ্গে মাদ্বীনাহ্য় এক কৃষিক্ষেত কিংবা অনাবাদী জায়গা দিয়ে যাচ্ছিলাম। নবী সাল্লাল্লাহু আলাইহি ওয়াসাল্লাম নিজের সঙ্গে রাখা একটা খেজুরের শাখার উপর ভর দিয়ে চলছিলেন। তারপর আমরা একদল ইয়াহূদীকে অতিক্রম করছিলাম। তাদের একে অন্যকে বলতে লাগল, তাঁকে রূহ্ সম্পর্কে জিজ্ঞেস কর। আবার তাদের কেউ কেউ বলল, তাঁকে জিজ্ঞেস করো না। হয়তো তিনি এমন বিষয় উপস্থাপন করবেন, যা তোমাদের কাছে অপছন্দনীয় লাগবে। তা সত্ত্বেও তাদের কেউ বলে উঠল, আমরা অবশ্যই তাঁকে জিজ্ঞেস করব। অতঃপর তাদের একজন রাসূলুল্লাহ্ সাল্লাল্লাহু আলাইহি ওয়াসাল্লাম-এর দিকে এগিয়ে প্রশ্ন করল, হে আবুল কাসিম! রূহ্ কী? এতে নবী সাল্লাল্লাহু আলাইহি ওয়াসাল্লাম চুপ থাকলেন। বর্ণনাকারী বলেন, আমি তখন বুঝতে পেরেছিলাম, তাঁর প্রতি ওয়াহী নাযিল হচ্ছে, এরপর তিনি পড়লেনঃ ‘‘তোমাকে তারা রূহ সম্পর্কে জিজ্ঞেস করে। বল, ‘রূহ হচ্ছে আমার প্রতিপালকের হুকুমের অন্তর্ভুক্ত (একটি হুকুম)। এ সম্পর্কে তোমাকে অতি সামান্য জ্ঞানই দেয়া হয়েছে।’’- (সূরাহ ইসরা ১৭/৮৫)। আ‘মাশ বললেন, আয়াতে وَمَا أُوتُوا আমাদের কিরাআতে এমনটাই আছে। [১২৫] (আধুনিক প্রকাশনী- ৬৯৪৪, ইসলামিক ফাউন্ডেশন)

    அப்துல்லாஹ் பின் மஸ்ஊத் (ரலி) அவர்கள் கூறியதாவது: நான் நபி (ஸல்) அவர்களுடன் மதீனாவில் உள்ள ஒரு வேளாண் பூமியில் (பேரீச்சந் தோட்டத்தில்) நடந்து சென்றுகொண்டிருந்தபோது யூதர்கள் சிலரை நாங்கள் கடந்துசென்றோம். அப்போது நபி (ஸல்) அவர்கள் பேரீச்சமட்டை ஒன்றை ஊன்றியபடி வந்துகொண்டிருந்தார்கள். அப்போது யூதர்களில் ஒருவர் மற்றொருவரிடம் “அவரிடம் உயிர் (ரூஹ்) பற்றிக் கேளுங்கள்” என்று சொன்னார். அதற்கு மற்றவர் “அவரிடம் கேட்காதீர்கள்; இது தொடர்பாக நீங்கள் விரும்பாத பதிலை அவர் தந்துவிடக்கூடும்” என்று சொல்ல, மற்றவர்கள் “நாம் அவரிடம் நிச்சயம் கேட்போம்” என்று சொன்னார்கள். அப்போது அவர்களில் ஒருவர் நபி (ஸல்) அவர்களிடம் எழுந்து (வந்து), “அபுல் காசிமே! உயிர் (ரூஹ்) என்பதென்ன?” என்று கேட்டார். அப்போது நபி (ஸல்) அவர்கள் (அவருக்குப் பதில் எதுவும் சொல்லாமல்) மௌனமாக இருந்தார்கள். நான் நபி (ஸல்) அவர்களுக்கு வேதஅறிவிப்பு (வஹீ) அருளப்பெறுகின்றது என்று அறிந்துகொண்டேன். “(நபியே!) உம்மிடம் அவர்கள் உயிர் பற்றிக் கேட்கின்றார்கள். உயிர் என்பது என் இறைவனின் கட்டளையால் உருவானது. அவர்களுக்குச் சிறிதளவு அறிவே வழங்கப்பட்டுள்ளது” எனும் (17:85ஆவது) இறைவசனத்தை எடுத்துரைத்தார்கள்.102 அறிவிப்பாளர்களில் ஒருவரான அஃமஷ் (ரஹ்) கூறுகிறார்கள்: (‘உங்களுக்கு’ சிறிதளவு ஞானமே வழங்கப்பட்டுள்ளது என்பதற்குப் பதிலாக) ‘அவர்களுக்கு’ என்றுதான் எங்களது ஓதலில் உள்ளது. அத்தியாயம் :