إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا هَمَّ بِبَنِي الْأَصْفَرِ أَنْ يَغْزُوَهُمْ جَلَّى لِلنَّاسِ أَمْرَهُمْ , وَكَانَ قَلَّمَا أَرَادَ غَزْوَةً إِلَّا وَرَّى عَنْهَا بِغَيْرِهَا , حَتَّى كَانَتِ الْغَزْوَةُ , فَاسْتَقْبَلَ حَرًّا شَدِيدًا وَسَفَرًا وَعَدُوًّا جَدِيدًا , فَكَشَفَ لِلنَّاسِ الْوَجْهَ الَّذِي يَخْرُجُ بِهِمْ إِلَيْهِ لِيَتَأَهَّبُوا أُهْبَةَ عَدُوِّهِمْ , فَتَجَهَّزَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَجَهَّزَ النَّاسُ مَعَهُ , وَطَفِقْتُ أَغْدُو لِأَتَجَهَّزَ فَأَرْجِعُ وَلَمْ أَقْضِ شَيْئًا , حَتَّى فَرَغَ النَّاسُ وَقِيلَ : " إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَادٍ وَخَارِجٌ إِلَى وُجْهَةٍ , فَقُلْتُ : أَتَجَهَّزُ بَعْدَهُ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ ثُمَّ أُدْرِكُهُمْ , وَعِنْدِي رَاحِلَتَانِ , مَا اجْتَمَعَتْ عِنْدِي رَاحِلَتَانِ قَطُّ قَبْلَهُمَا , فَأَنَا قَادِرٌ , فِي نَفْسِي قَوِيٌّ بِعُدَّتِي , فَمَا زِلْتُ أَغْدُو بَعْدَهُ وَأَرْجِعُ وَلَمْ أَقْضِ شَيْئًا حَتَّى أَمْعَنَ الْقَوْمُ وَأَسْرَعُوا , وَطَفِقْتُ أَغْدُو لِلْحَدِيثِ , وَشَغَلَنِي الرَّحَّالُ , فَأَجْمَعْتُ الْقُعُودَ حَتَّى سَبَقَنِي الْقَوْمُ , وَطَفِقْتُ أَغْدُو فَلَا أَرَى لِي أُسْوَةً , لَا أَرَى إِلَّا رَجُلًا مِمَّنْ عَذَرَ اللَّهُ أَوْ رَجُلًا مَغْمُوصًا عَلَيْهِ فِي النِّفَاقِ , فَيُحْزِنُنِي ذَلِكَ , فَطَفِقْتُ أَعُدُّ الْعُذْرَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا جَاءَ وَأُهَيِّئُ الْكَلَامَ , وَقُدِّرَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلَّا يَذْكُرَنِي حَتَّى نَزَلَ تَبُوكَ , فَقَالَ فِي النَّاسِ بِتَبُوكَ وَهُوَ جَالِسٌ : " مَا فَعَلَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ ؟ " فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ مِنْ قَوْمِي فَقَالَ : شَغَلَهُ بَرْدَاهُ وَالنَّظَرُ فِي عِطْفَيْهِ , قَالَ : فَتَكَلَّمَ رَجُلٌ آخَرُ فَقَالَ : وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ , إِنْ عَلِمْنَا عَلَيْهِ إِلَّا خَيْرًا , فَصَمَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا قِيلَ : إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَظَلَّ قَادِمًا زَاحَ عَنِّي الْبَاطِلَ وَمَا كُنْتُ أَجْمَعُ مِنَ الْكَذِبِ وَالْعُذْرِ , وَعَرَفْتُ أَنَّهُ لَنْ يُنْجِيَنِي مِنْهُ إِلَّا الصِّدْقُ , فَأَجْمَعْتُ صِدْقَهُ , وَصَبَّحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ فَقَدِمَ , فَغَدَوْتُ إِلَيْهِ فَإِذَا هُوَ فِي النَّاسِ جَالِسٌ فِي الْمَسْجِدِ وَكَانَ إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَرَكَعَ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ , ثُمَّ دَخَلَ عَلَى أَهْلِهِ فَوَجَدْتُهُ جَالِسًا فِي الْمَسْجِدِ ، فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيَّ دَعَانِي فَقَالَ : " هَلُمَّ يَا كَعْبُ مَا خَلَّفَكَ عَنِّي ؟ " وَتَبَسَّمَ تَبَسُّمَ الْمُغْضَبِ ، قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ , لَا عُذْرَ لِي , مَا كُنْتُ قَطُّ أَقْوَى ، وَلَا أَيْسَرَ مِنِّي حِينَ تَخَلَّفْتُ عَنْكَ , وَقَدْ جَاءَهُ الْمُتَخَلِّفُونَ يَحْلِفُونَ فَيُقْبَلُ مِنْهُمْ وَيَسْتَغْفِرُ لَهُمْ وَيَكِلُ سَرَائِرَهُمْ فِي ذَلِكَ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ , فَلَمَّا صَدَقْتُهُ قَالَ : " أَمَّا هَذَا فَقَدْ صَدَقَ ، فَقُمْ حَتَّى يَقْضِيَ اللَّهُ فِيكَ مَا هُوَ قَاضٍ " , فَقُمْتُ فَقَامَ إِلَيَّ رِجَالٌ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ فَقَالُوا : وَاللَّهِ مَا صَنَعْتَ شَيْئًا , وَاللَّهِ إِنْ كَانَ لَكَافِيكَ مِنْ ذَنْبِكَ الَّذِي أَذْنَبْتَ اسْتِغْفَارُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَكَ كَمَا صَنَعَ ذَلِكَ لِغَيْرِكَ , فَقَدْ قَبِلَ مِنْهُمْ عُذْرَهُمْ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ , فَمَا زَالُوا يَلُومُونَنِي حَتَّى هَمَمْتُ أَنْ أَرْجِعَ فَأُكَذِّبَ نَفْسِي , ثُمَّ قُلْتُ لَهُمْ : هَلْ قَالَ هَذِهِ الْمَقَالَةَ أَحَدٌ ، أَوِ اعْتَذَرَ بِمِثْلِ مَا اعْتَذَرْتُ بِهِ ؟ قَالُوا : نَعَمْ , قُلْتُ : مَنْ ؟ قَالُوا : هِلَالُ بْنُ أُمَيَّةَ الْوَاقِفِيُّ وَمَرَارَةُ بْنُ رَبِيعَةَ الْعَامِرِيُّ , وَذَكَرُوا لِي رَجُلَيْنِ صَالِحَيْنِ قَدْ شَهِدَا بَدْرًا قَدِ اعْتَذَرَا بِمِثْلِ الَّذِي اعْتَذَرْتُ بِهِ , وَقِيلَ لَهُمَا مِثْلُ الَّذِي قِيلَ لِي , قَالَ : وَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ كَلَامِنَا ، فَطَفِقْنَا نَغْدُو فِي النَّاسِ , لَا يُكَلِّمُنَا أَحَدٌ ، وَلَا يُسَلِّمُ عَلَيْنَا أَحَدٌ ، وَلَا يَرُدُّ عَلَيْنَا سَلَامًا , حَتَّى إِذَا مَضَتْ أَرْبَعُونَ لَيْلَةً جَاءَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنِ اعْتَزِلُوا نِسَاءَكُمْ , فَأَمَّا هِلَالُ بْنُ أُمَيَّةَ فَجَاءَتِ امْرَأَتُهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ لَهُ : إِنَّهُ شَيْخٌ قَدْ ضَعُفَ بَصَرُهُ , فَهَلْ تَكْرَهُ أَنْ أَصْنَعَ لَهُ طَعَامَهُ ؟ قَالَ : " لَا , وَلَكِنْ لَا يَقْرَبَنَّكِ " , قَالَتْ : إِنَّهُ وَاللَّهِ مَا بِهِ حَرَكَةٌ إِلَى شَيْءٍ , وَاللَّهِ مَا زَالَ يَبْكِي مُنْذُ كَانَ مِنْ أَمْرِهِ مَا كَانَ إِلَى يَوْمِ هَذَا , قَالَ : فَقَالَ لِي بَعْضُ أَهْلِي : لَوِ اسْتَأْذَنْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي امْرَأَتِكَ كَمَا اسْتَأْذَنَتِ امْرَأَةُ هِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ , فَقَدْ أَذِنَ لَهَا أَنْ تَخْدِمَهُ , قَالَ : فَقُلْتُ : وَاللَّهِ لَا أَسْتَأْذِنُهُ فِيهَا , وَمَا أَدْرِي مَا يَقُولُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنِ اسْتَأْذَنْتُهُ , وَهُوَ شَيْخٌ كَبِيرٌ وَأَنَا رَجُلٌ شَابٌّ , فَقُلْتُ لِامْرَأَتِي : الْحَقِي بِأَهْلِكِ حَتَّى يَقْضِيَ اللَّهُ مَا هُوَ قَاضٍ , وَطَفِقْنَا نَمْشِي فِي النَّاسِ وَلَا يُكَلِّمُنَا أَحَدٌ وَلَا يَرُدُّ عَلَيْنَا سَلَامًا , قَالَ : فَأَقْبَلْتُ حَتَّى تَسَوَّرْتُ جِدَارًا لِابْنِ عَمٍّ لِي فِي حَائِطِهِ , فَسَلَّمْتُ فَمَا حَرَّكَ شَفَتَيْهِ يَرُدُّ عَلَيَّ السَّلَامَ , فَقُلْتُ : أُنْشِدُكَ بِاللَّهِ , أَتَعْلَمُ أَنِّي أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ , فَمَا كَلَّمَنِي كَلِمَةً , ثُمَّ عُدْتُ فَلَمْ يُكَلِّمْنِي ، حَتَّى إِذَا كَانَ فِي الثَّالِثَةِ أَوِ الرَّابِعَةِ قَالَ : اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ , فَخَرَجْتُ فَإِنِّي لَأَمْشِي فِي السُّوقِ إِذَا النَّاسُ يُشِيرُونَ إِلَيَّ بِأَيْدِيهِمْ , وَإِذَا نَبَطِيٌّ مِنْ نَبَطِ الشَّامِ يَسْأَلُ عَنِّي , فَطَفِقُوا يُشِيرُونَ لَهُ إِلَيَّ حَتَّى جَاءَنِي فَدَفَعَ إِلَيَّ كِتَابًا مِنْ بَعْضِ قَوْمِي بِالشَّامِ أَنَّهُ قَدْ بَلَغَنَا مَا صَنَعَ بِكَ صَاحِبُكَ ، وَجَفْوَتُهُ عَنْكَ ، فَالْحَقْ بِنَا , فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَلْكَ بِدَارِ هَوَانٍ وَلَا دَارِ مَضْيَعَةٍ , نُوَاسِكَ فِي أَمْوَالِنَا , قَالَ : قُلْتُ : إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ; قَدْ طَمِعَ فِيَّ أَهْلُ الْكُفْرِ , فَيَمَّمْتُ بِهِ تَنُّورًا فَسَجَرْتُهُ بِهِ , فَوَاللَّهِ إِنِّي لَعَلَى تِلْكَ الْحَالِ الَّتِي قَدْ ذَكَرَ اللَّهُ , قَدْ ضَاقَتْ عَلَيْنَا الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ , وَضَاقَتْ عَلَيْنَا أَنْفُسُنَا , صَاحِبَهُ خَمْسِينَ لَيْلَةً مِنْ نَهْيٍ عَنْ كَلَامِنَا , أُنْزِلَتِ التَّوْبَةُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ أَذِنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَوْبَةِ اللَّهِ عَلَيْنَا حِينَ صَلَّى الْفَجْرَ , فَذَهَبَ النَّاسُ يُبَشِّرُونَنَا , وَرَكَضَ رَجُلٌ إِلَيَّ فَرَسًا وَسَعَى سَاعٍ مِنْ أَسْلَمَ فَأَوْفَى عَلَى الْجَبَلِ , وَكَانَ الصَّوْتُ أَسْرَعَ مِنَ الْفَرَسِ , فَنَادَى : يَا كَعْبُ بْنَ مَالِكٍ , أَبْشِرْ , فَخَرَرْتُ سَاجِدًا وَعَرَفْتُ أَنْ قَدْ جَاءَ الْفَرَجُ , فَلَمَّا جَاءَنِي الَّذِي سَمِعْتُ صَوْتَهُ حَصَصْتُ لَهُ ثَوْبَيْنِ بِبُشْرَاهُ , وَاللَّهِ مَا أَمْلِكُ يَوْمَئِذٍ ثَوْبَيْنِ غَيْرَهُمَا , وَاسْتَعَرْتُ ثَوْبَيْنِ , فَخَرَجْتُ قِبَلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَقِيَنِي النَّاسُ فَوْجًا فَوْجًا يُهَنِّئُونَنِي بِتَوْبَةِ اللَّهِ عَلَيَّ ، حَتَّى دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ ، فَقَامَ إِلَيَّ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ يُهَرْوِلُ حَتَّى صَافَحَنِي وَهَنَّأَنِي , مَا قَامَ إِلَيَّ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ غَيْرُهُ , فَكَانَ كَعْبٌ لَا يَنْسَاهَا لِطَلْحَةَ , ثُمَّ أَقْبَلْتُ حَتَّى وَقَفْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَأَنَّ وَجْهَهُ قِطْعَةُ قَمَرٍ , كَانَ إِذَا سُرَّ اسْتَنَارَ وَجْهُهُ كَذَلِكَ , فَنَادَانِي : هَلُمَّ يَا كَعْبُ , أَبْشِرْ بِخَيْرِ يَوْمٍ مَرَّ عَلَيْكَ مُنْذُ وَلَدَتْكَ أُمُّكَ , قَالَ : فَقُلْتُ : أَمِنْ عِنْدِ اللَّهِ أَمْ مِنْ عِنْدِكَ ؟ قَالَ : لَا , بَلْ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ , إِنَّكُمْ صَدَقْتُمُ اللَّهَ فَصَدَّقَكُمْ , قَالَ : فَقُلْتُ : إِنَّ مِنْ تَوْبَتِي الْيَوْمَ أَنْ أُخْرِجَ مِنْ مَالِي صَدَقَةً إِلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ , قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَمْسِكْ عَلَيْكَ بَعْضَ مَالِكَ " , قُلْتُ : أُمْسِكُ سَهْمِي بِخَيْبَرَ , قَالَ كَعْبٌ : فَوَاللَّهِ مَا أَبْلَى اللَّهُ رَجُلًا فِي صِدْقِ الْحَدِيثِ مَا أَبْلَانِي "
حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ , حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْأَنْصَارِيُّ , قَالَ : حَدَّثَنِي ابْنُ شِهَابٍ , قَالَ : حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ , قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ , عَنْ أَبِيهِ كَعْبٍ قَالَ : إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ لَمَّا هَمَّ بِبَنِي الْأَصْفَرِ أَنْ يَغْزُوَهُمْ جَلَّى لِلنَّاسِ أَمْرَهُمْ , وَكَانَ قَلَّمَا أَرَادَ غَزْوَةً إِلَّا وَرَّى عَنْهَا بِغَيْرِهَا , حَتَّى كَانَتِ الْغَزْوَةُ , فَاسْتَقْبَلَ حَرًّا شَدِيدًا وَسَفَرًا وَعَدُوًّا جَدِيدًا , فَكَشَفَ لِلنَّاسِ الْوَجْهَ الَّذِي يَخْرُجُ بِهِمْ إِلَيْهِ لِيَتَأَهَّبُوا أُهْبَةَ عَدُوِّهِمْ , فَتَجَهَّزَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ وَتَجَهَّزَ النَّاسُ مَعَهُ , وَطَفِقْتُ أَغْدُو لِأَتَجَهَّزَ فَأَرْجِعُ وَلَمْ أَقْضِ شَيْئًا , حَتَّى فَرَغَ النَّاسُ وَقِيلَ : إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ غَادٍ وَخَارِجٌ إِلَى وُجْهَةٍ , فَقُلْتُ : أَتَجَهَّزُ بَعْدَهُ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ ثُمَّ أُدْرِكُهُمْ , وَعِنْدِي رَاحِلَتَانِ , مَا اجْتَمَعَتْ عِنْدِي رَاحِلَتَانِ قَطُّ قَبْلَهُمَا , فَأَنَا قَادِرٌ , فِي نَفْسِي قَوِيٌّ بِعُدَّتِي , فَمَا زِلْتُ أَغْدُو بَعْدَهُ وَأَرْجِعُ وَلَمْ أَقْضِ شَيْئًا حَتَّى أَمْعَنَ الْقَوْمُ وَأَسْرَعُوا , وَطَفِقْتُ أَغْدُو لِلْحَدِيثِ , وَشَغَلَنِي الرَّحَّالُ , فَأَجْمَعْتُ الْقُعُودَ حَتَّى سَبَقَنِي الْقَوْمُ , وَطَفِقْتُ أَغْدُو فَلَا أَرَى لِي أُسْوَةً , لَا أَرَى إِلَّا رَجُلًا مِمَّنْ عَذَرَ اللَّهُ أَوْ رَجُلًا مَغْمُوصًا عَلَيْهِ فِي النِّفَاقِ , فَيُحْزِنُنِي ذَلِكَ , فَطَفِقْتُ أَعُدُّ الْعُذْرَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ إِذَا جَاءَ وَأُهَيِّئُ الْكَلَامَ , وَقُدِّرَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ أَلَّا يَذْكُرَنِي حَتَّى نَزَلَ تَبُوكَ , فَقَالَ فِي النَّاسِ بِتَبُوكَ وَهُوَ جَالِسٌ : مَا فَعَلَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ ؟ فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ مِنْ قَوْمِي فَقَالَ : شَغَلَهُ بَرْدَاهُ وَالنَّظَرُ فِي عِطْفَيْهِ , قَالَ : فَتَكَلَّمَ رَجُلٌ آخَرُ فَقَالَ : وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ , إِنْ عَلِمْنَا عَلَيْهِ إِلَّا خَيْرًا , فَصَمَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فَلَمَّا قِيلَ : إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ قَدْ أَظَلَّ قَادِمًا زَاحَ عَنِّي الْبَاطِلَ وَمَا كُنْتُ أَجْمَعُ مِنَ الْكَذِبِ وَالْعُذْرِ , وَعَرَفْتُ أَنَّهُ لَنْ يُنْجِيَنِي مِنْهُ إِلَّا الصِّدْقُ , فَأَجْمَعْتُ صِدْقَهُ , وَصَبَّحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ الْمَدِينَةَ فَقَدِمَ , فَغَدَوْتُ إِلَيْهِ فَإِذَا هُوَ فِي النَّاسِ جَالِسٌ فِي الْمَسْجِدِ وَكَانَ إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَرَكَعَ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ , ثُمَّ دَخَلَ عَلَى أَهْلِهِ فَوَجَدْتُهُ جَالِسًا فِي الْمَسْجِدِ ، فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيَّ دَعَانِي فَقَالَ : هَلُمَّ يَا كَعْبُ مَا خَلَّفَكَ عَنِّي ؟ وَتَبَسَّمَ تَبَسُّمَ الْمُغْضَبِ ، قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ , لَا عُذْرَ لِي , مَا كُنْتُ قَطُّ أَقْوَى ، وَلَا أَيْسَرَ مِنِّي حِينَ تَخَلَّفْتُ عَنْكَ , وَقَدْ جَاءَهُ الْمُتَخَلِّفُونَ يَحْلِفُونَ فَيُقْبَلُ مِنْهُمْ وَيَسْتَغْفِرُ لَهُمْ وَيَكِلُ سَرَائِرَهُمْ فِي ذَلِكَ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ , فَلَمَّا صَدَقْتُهُ قَالَ : أَمَّا هَذَا فَقَدْ صَدَقَ ، فَقُمْ حَتَّى يَقْضِيَ اللَّهُ فِيكَ مَا هُوَ قَاضٍ , فَقُمْتُ فَقَامَ إِلَيَّ رِجَالٌ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ فَقَالُوا : وَاللَّهِ مَا صَنَعْتَ شَيْئًا , وَاللَّهِ إِنْ كَانَ لَكَافِيكَ مِنْ ذَنْبِكَ الَّذِي أَذْنَبْتَ اسْتِغْفَارُ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ لَكَ كَمَا صَنَعَ ذَلِكَ لِغَيْرِكَ , فَقَدْ قَبِلَ مِنْهُمْ عُذْرَهُمْ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ , فَمَا زَالُوا يَلُومُونَنِي حَتَّى هَمَمْتُ أَنْ أَرْجِعَ فَأُكَذِّبَ نَفْسِي , ثُمَّ قُلْتُ لَهُمْ : هَلْ قَالَ هَذِهِ الْمَقَالَةَ أَحَدٌ ، أَوِ اعْتَذَرَ بِمِثْلِ مَا اعْتَذَرْتُ بِهِ ؟ قَالُوا : نَعَمْ , قُلْتُ : مَنْ ؟ قَالُوا : هِلَالُ بْنُ أُمَيَّةَ الْوَاقِفِيُّ وَمَرَارَةُ بْنُ رَبِيعَةَ الْعَامِرِيُّ , وَذَكَرُوا لِي رَجُلَيْنِ صَالِحَيْنِ قَدْ شَهِدَا بَدْرًا قَدِ اعْتَذَرَا بِمِثْلِ الَّذِي اعْتَذَرْتُ بِهِ , وَقِيلَ لَهُمَا مِثْلُ الَّذِي قِيلَ لِي , قَالَ : وَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ عَنْ كَلَامِنَا ، فَطَفِقْنَا نَغْدُو فِي النَّاسِ , لَا يُكَلِّمُنَا أَحَدٌ ، وَلَا يُسَلِّمُ عَلَيْنَا أَحَدٌ ، وَلَا يَرُدُّ عَلَيْنَا سَلَامًا , حَتَّى إِذَا مَضَتْ أَرْبَعُونَ لَيْلَةً جَاءَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ أَنِ اعْتَزِلُوا نِسَاءَكُمْ , فَأَمَّا هِلَالُ بْنُ أُمَيَّةَ فَجَاءَتِ امْرَأَتُهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فَقَالَتْ لَهُ : إِنَّهُ شَيْخٌ قَدْ ضَعُفَ بَصَرُهُ , فَهَلْ تَكْرَهُ أَنْ أَصْنَعَ لَهُ طَعَامَهُ ؟ قَالَ : لَا , وَلَكِنْ لَا يَقْرَبَنَّكِ , قَالَتْ : إِنَّهُ وَاللَّهِ مَا بِهِ حَرَكَةٌ إِلَى شَيْءٍ , وَاللَّهِ مَا زَالَ يَبْكِي مُنْذُ كَانَ مِنْ أَمْرِهِ مَا كَانَ إِلَى يَوْمِ هَذَا , قَالَ : فَقَالَ لِي بَعْضُ أَهْلِي : لَوِ اسْتَأْذَنْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فِي امْرَأَتِكَ كَمَا اسْتَأْذَنَتِ امْرَأَةُ هِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ , فَقَدْ أَذِنَ لَهَا أَنْ تَخْدِمَهُ , قَالَ : فَقُلْتُ : وَاللَّهِ لَا أَسْتَأْذِنُهُ فِيهَا , وَمَا أَدْرِي مَا يَقُولُ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ إِنِ اسْتَأْذَنْتُهُ , وَهُوَ شَيْخٌ كَبِيرٌ وَأَنَا رَجُلٌ شَابٌّ , فَقُلْتُ لِامْرَأَتِي : الْحَقِي بِأَهْلِكِ حَتَّى يَقْضِيَ اللَّهُ مَا هُوَ قَاضٍ , وَطَفِقْنَا نَمْشِي فِي النَّاسِ وَلَا يُكَلِّمُنَا أَحَدٌ وَلَا يَرُدُّ عَلَيْنَا سَلَامًا , قَالَ : فَأَقْبَلْتُ حَتَّى تَسَوَّرْتُ جِدَارًا لِابْنِ عَمٍّ لِي فِي حَائِطِهِ , فَسَلَّمْتُ فَمَا حَرَّكَ شَفَتَيْهِ يَرُدُّ عَلَيَّ السَّلَامَ , فَقُلْتُ : أُنْشِدُكَ بِاللَّهِ , أَتَعْلَمُ أَنِّي أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ , فَمَا كَلَّمَنِي كَلِمَةً , ثُمَّ عُدْتُ فَلَمْ يُكَلِّمْنِي ، حَتَّى إِذَا كَانَ فِي الثَّالِثَةِ أَوِ الرَّابِعَةِ قَالَ : اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ , فَخَرَجْتُ فَإِنِّي لَأَمْشِي فِي السُّوقِ إِذَا النَّاسُ يُشِيرُونَ إِلَيَّ بِأَيْدِيهِمْ , وَإِذَا نَبَطِيٌّ مِنْ نَبَطِ الشَّامِ يَسْأَلُ عَنِّي , فَطَفِقُوا يُشِيرُونَ لَهُ إِلَيَّ حَتَّى جَاءَنِي فَدَفَعَ إِلَيَّ كِتَابًا مِنْ بَعْضِ قَوْمِي بِالشَّامِ أَنَّهُ قَدْ بَلَغَنَا مَا صَنَعَ بِكَ صَاحِبُكَ ، وَجَفْوَتُهُ عَنْكَ ، فَالْحَقْ بِنَا , فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَلْكَ بِدَارِ هَوَانٍ وَلَا دَارِ مَضْيَعَةٍ , نُوَاسِكَ فِي أَمْوَالِنَا , قَالَ : قُلْتُ : إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ; قَدْ طَمِعَ فِيَّ أَهْلُ الْكُفْرِ , فَيَمَّمْتُ بِهِ تَنُّورًا فَسَجَرْتُهُ بِهِ , فَوَاللَّهِ إِنِّي لَعَلَى تِلْكَ الْحَالِ الَّتِي قَدْ ذَكَرَ اللَّهُ , قَدْ ضَاقَتْ عَلَيْنَا الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ , وَضَاقَتْ عَلَيْنَا أَنْفُسُنَا , صَاحِبَهُ خَمْسِينَ لَيْلَةً مِنْ نَهْيٍ عَنْ كَلَامِنَا , أُنْزِلَتِ التَّوْبَةُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ثُمَّ أَذِنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ بِتَوْبَةِ اللَّهِ عَلَيْنَا حِينَ صَلَّى الْفَجْرَ , فَذَهَبَ النَّاسُ يُبَشِّرُونَنَا , وَرَكَضَ رَجُلٌ إِلَيَّ فَرَسًا وَسَعَى سَاعٍ مِنْ أَسْلَمَ فَأَوْفَى عَلَى الْجَبَلِ , وَكَانَ الصَّوْتُ أَسْرَعَ مِنَ الْفَرَسِ , فَنَادَى : يَا كَعْبُ بْنَ مَالِكٍ , أَبْشِرْ , فَخَرَرْتُ سَاجِدًا وَعَرَفْتُ أَنْ قَدْ جَاءَ الْفَرَجُ , فَلَمَّا جَاءَنِي الَّذِي سَمِعْتُ صَوْتَهُ حَصَصْتُ لَهُ ثَوْبَيْنِ بِبُشْرَاهُ , وَاللَّهِ مَا أَمْلِكُ يَوْمَئِذٍ ثَوْبَيْنِ غَيْرَهُمَا , وَاسْتَعَرْتُ ثَوْبَيْنِ , فَخَرَجْتُ قِبَلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فَلَقِيَنِي النَّاسُ فَوْجًا فَوْجًا يُهَنِّئُونَنِي بِتَوْبَةِ اللَّهِ عَلَيَّ ، حَتَّى دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ ، فَقَامَ إِلَيَّ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ يُهَرْوِلُ حَتَّى صَافَحَنِي وَهَنَّأَنِي , مَا قَامَ إِلَيَّ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ غَيْرُهُ , فَكَانَ كَعْبٌ لَا يَنْسَاهَا لِطَلْحَةَ , ثُمَّ أَقْبَلْتُ حَتَّى وَقَفْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ كَأَنَّ وَجْهَهُ قِطْعَةُ قَمَرٍ , كَانَ إِذَا سُرَّ اسْتَنَارَ وَجْهُهُ كَذَلِكَ , فَنَادَانِي : هَلُمَّ يَا كَعْبُ , أَبْشِرْ بِخَيْرِ يَوْمٍ مَرَّ عَلَيْكَ مُنْذُ وَلَدَتْكَ أُمُّكَ , قَالَ : فَقُلْتُ : أَمِنْ عِنْدِ اللَّهِ أَمْ مِنْ عِنْدِكَ ؟ قَالَ : لَا , بَلْ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ , إِنَّكُمْ صَدَقْتُمُ اللَّهَ فَصَدَّقَكُمْ , قَالَ : فَقُلْتُ : إِنَّ مِنْ تَوْبَتِي الْيَوْمَ أَنْ أُخْرِجَ مِنْ مَالِي صَدَقَةً إِلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ , قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : أَمْسِكْ عَلَيْكَ بَعْضَ مَالِكَ , قُلْتُ : أُمْسِكُ سَهْمِي بِخَيْبَرَ , قَالَ كَعْبٌ : فَوَاللَّهِ مَا أَبْلَى اللَّهُ رَجُلًا فِي صِدْقِ الْحَدِيثِ مَا أَبْلَانِي