حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ صَالِحٍ النُّرْسِيُّ ، ثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ ، أَخْبَرَنِي أَبِي ، ثَنَا شُعْبَةُ ، قَالَ : قَالَ لِي قَتَادَةُ : أَعِنْدَ أَهْلِ الْكُوفَةِ مِثْلُ هَذَا الْحَدِيثِ ؟ ثُمَّ حَدَّثَ بِحَدِيثِ يُونُسَ ، عَنْ حِطَّانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، عَنْ أَبِي مُوسَى فِي التَّشَهُّدِ ، قُلْتُ : نَعَمْ ، حَدَّثَنِي الْأَعْمَشُ ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ فِي التَّشَهُّدِ ، فَقَالَ لِي قَتَادَةُ : أَنْتَ مِثْلِي فِي هَذَا الْإِسْنَادِ . قَالَ نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ : فَحَدَّثْتُ بِهَذَا الْحَدِيثِ أَبَا دَاوُدَ فَقَالَ : شُعْبَةُ أَرْفَعُ إِسْنَادًا مِنْ قَتَادَةَ
حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ الشِّرِيكِيُّ ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الْبَكَّائِيُّ قَالَ سَمِعْتُ حُسَيْنَ بْنَ عَبْدِ الْأَوَّلِ يَقُولُ : قَالَ لِي يَحْيَى بْنُ آدَمَ : أَتَحْفَظُ عَنْ سُفْيَانَ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ : نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ عَنِ الصُّبْرَةِ مِنَ الطَّعَامِ بِالصُّبْرَةِ ، لَا يُدْرَى مَا كَيْلُهَا قُلْتُ : لَا فَقَالَ : وَيْحَكَ قَبِيصَةُ قَالَ : فَذَهَبْتُ فَسَمِعْتُهُ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الْبَكَّائِيُّ : وَحَدَّثَنَا قَبِيصَةُ ، ثَنَا عُمَرُ بْنُ إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ ، ثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ التَّمَّارُ ، قَالَ : سَمِعْتُ الشَّاذَكُونِيَّ يَقُولُ : دَخَلْتُ الْكُوفَةَ نَيِّفًا وَعِشْرِينَ دَخْلَةً ، أَكْتُبُ الْحَدِيثَ ، فَأَتَيْتُ حَفْصَ بْنَ غِيَاثٍ ، فَكَتَبْتُ حَدِيثَهُ ، فَلَمَّا رَجَعْتُ إِلَى الْبَصْرَةِ وَصِرْتُ فِي بُنَانَةٍ ، لَقِيَنِي ابْنُ أَبِي خَدَّوِيهِ فَقَالَ لِي : يَا سُلَيْمَانُ مِنْ أَيْنَ جِئْتَ ؟ قُلْتُ : مِنَ الْكُوفَةِ قَالَ : حَدِيثُ مَنْ كَتَبْتَ ؟ قُلْتُ : حَدِيثَ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ ، قَالَ : أَفَكَتَبْتَ عِلْمَهُ كُلَّهُ ؟ قُلْتُ : نَعَمْ قَالَ : أَذْهَبَ عَلَيْكَ مِنْهُ شَيْءٌ ؟ قُلْتِ : لَا قَالَ : فَكَتَبْتُ عَنْهُ ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ : أَنَّ النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ضَحَّى بِكَبْشٍ فَحِيلٍ كَانَ يَأْكُلُ فِي سَوَادٍ وَيَنْظُرُ فِي سَوَادٍ ، وَيَمْشِي فِي سَوَادٍ ؟ قُلْتُ : لَا قَالَ : فَأَسْخَنَ اللهُ عَيْنَكَ ، أَيْشْ كُنْتَ تَعْمَلُ بِالْكُوفَةِ ؟ قَالَ : فَوَضَعْتُ خُرْجِي عِنْدِ النَّرْسِيِّينَ ، وَرَجَعْتُ إِلَى الْكُوفَةِ ، فَأَتَيْتُ حَفْصًا ، فَقَالَ : مِنْ أَيْنَ ؟ قُلْتُ : مِنَ الْبَصْرَةِ قَالَ لِمَ رَجَعْتَ ؟ قُلْتُ : إِنَّ ابْنَ أَبِي خَدَّوِيهِ ذَاكَرَنِي عَنْكَ بِكَذَا وَكَذَا قَالَ : فَحَدَّثَنِي وَرَجَعْتُ ، وَلَمْ تَكُنْ لِي حَاجَةٌ بِالْكُوفَةِ غَيْرُهَا
حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ الْغَزَّاءُ ، ثَنَا سَعِيدُ بْنُ رَحْمَةَ الْأَصْبَحِيُّ ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَرْبٍ الْخَوْلَانِيُّ ، قَالَ : قَالَ لِي مُحَمَّدُ بْنُ زِيَادٍ : اكْشِفِ السِّتْرَ ، وَادْخُلْ ، لَيْسَ بَيْنَكَ وَبَيْنَ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ غَيْرِي قَالَ الْقَاضِي : تَخْتَلِفُ مَذَاهِبُ طُلَّابِ الْحَدِيثِ فِي هَذَا ، فَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَقْتَصِرُ عَلَى أَنْ يَسْمَعَ الْحَدِيثَ مِنَ الْمُحَدِّثِ ، وَهُوَ عَلَى أَنْ يَسْمَعَهُ مِنَ الْمُحَدِّثِ قَادِرٌ ، فَتَنْزِعُ نَفْسُهُ إِلَى لِقَاءِ الْأَعْلَى ، وَالسَّمَاعِ مِنْهُ بِالْمُشَاهَدَةِ ، إِنْ كَانَ دَانِي الدَّارِ ، وَبِالرِّحْلَةِ إِلَيْهِ إِذَا كَانَ بَعِيدَ الدَّارِ وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَشْتَغِلُ بِالرِّحْلَةِ إِذَا حَصَلَ لَهُ الْحَدِيثُ عَمَّنْ يَرْتَضِيهِ ، تَنْزِلُ فِي الْحَدِيثِ أَوْ تَعَالَى فِيهِ وَأَهْلُ النَّظَرِ أَيْضًا فِي ذَلِكَ مُخْتَلِفُونَ ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ : التَّنْزِلُ فِي الْإِسْنَادِ أَفْضَلُ لِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الرَّاوِي أَنْ يَجْتَهِدَ فِي مَتْنِ الْحَدِيثِ وَتَأْوِيلِهِ ، وَفِي النَّاقِلِ وَتَعْدِيلِهِ ، وَكُلَّمَا زَادَ الِاجْتِهَادُ زَادَ صَاحِبُهُ ثَوَابًا ، وَهَذَا مَذْهَبُ مَنْ يَزْعُمُ أَنَّ الْخَبَرَ أَقْوَى مِنَ الْقِيَاسِ وَقَالَ آخَرُونَ : التَّعَالِي فِي الْإِسْنَادِ مُسْقِطْ لِبَعْضِ الِاجْتِهَادِ ، وَسُقُوطُ الِاجْتِهَادِ فِيمَا أَمْكَنَ أَسْلَمُ قَالَ الْقَاضِي : وَفِي الِاقْتِصَارِ عَلَى التَّنْزِلِ فِي الْإِسْنَادِ إِبْطَالُ الرِّحْلَةِ وَفَضْلِهَا وَقَالَ : وَقَالَ بَعْضُ مُتَأَخِّرِي الْفُقَهَاءِ يَذُمُّ أَهْلَ الرِّحْلَةِ فِي فَصْلٍ مِنْ كَلَامٍ لَهُ : نَبَغُوا فَعَابُوا النَّاظِرِينَ الْمُمَيِّزِينَ وَبَدَّعُوهُمْ ، وإِلَى الرّأْيِ وَالْكَلَامِ فَنَسَبُوهُمْ ، وَجَعَلُوا الْعِلْمَ الْوَاجِبَ طَلَبَهُ ، الدَّوَرَانَ وَالْجَوَلَانَ فِي الْبُلْدَانِ ، لِالْتِمَاسِ خَبَرٍ لَا يُفِيدُ طَائِلًا ، وَأَثَرٍ لَا يُورَثُ نَفْعًا فَأَسْهَرُوا لَيْلَهُمْ ، وَأَظْمَأُوا نَهَارَهُمْ ، وَأَتْعَبُوا مَطِيَّهُمْ ، وَاغْتَرَبُوا عَنْ بِلَادِهِمْ ، وَضَيَّعُوا مَا وَجَبَ عَلَيْهِمْ مِنْ حَقِّ خُلَفَائِهِمْ ، وَعَقُّوا الْآبَاءَ وَالْأُمَّهَاتِ ، فَتَعَجَّلُوا الْمَأْثَمَ بِتَضْيِيعِ الْوَاجِبِ وَالْحُقُوقِ ، وَحَرَمُوا أَنْفُسَهُمُ التَّلَذُّذَ بِمُعَاشَرَةِ الْأَهْلِ وَالْوَلَدِ ، وَطَابَتْ أَنْفُسُهُمْ لَهَا فَحُرِمُوا لَذَّةَ الدُّنْيَا ، وَاسْتَوْجَبُوا الْعِقَابَ فِي الْآخِرَةِ ، فَهُمْ حَيَارَى كَالْأَنْعَامِ ، إِنْ سُئِلُوا عَنْ مَسْأَلَةٍ ، قَالُوا : هَلْ حَدَثَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى تَقُولَ فِيهَا ؟ فَإِنْ قِيلَ لَهُمْ : هِيَ نَازِلَةٌ قَالُوا : مَا نَحْفَظُ فِيهَا شَيْئًا ، فَإِنْ سُئِلُوا عَنِ السُّنَنِ ، يَقُولُ خَطِيبُهُمْ : مَا تَحْفَظُونَ فِيمَنْ بَنَى لِلَّهِ مَسْجِدًا ، وَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا ، وَفِي أَسْلَمَ سَالَمَهَا اللَّهُ وَفِي قَوْلِهِ أَمَّا بَعْدُ وَقَالَ الْمُعَارِضُ لِصَاحِبِ هَذَا الْكَلَامِ : تَهَيَّبُوا كَدَّ الطَّلَبِ وَمُعَالَجَةِ السَّفَرِ ، وَبُعِلُوا بِحِفْظِ الْآثَارِ ، وَمَعْرِفَةِ الرِّجَالِ ، وَاخْتَلَفَ عَلَيْهِمْ طَرَائِقُ الْأَسَانِيدِ ، وَوُجُوهُ الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ ، فَآثَرُوا الدِّعَةَ ، وَاسْتَلَذُّوا الرَّاحَةَ ، وَعَادُوا مَا جَهِلُوا ، وَعَلَى الْمَطَامِعِ تَأَلَّفُوا ، وَفِي الْمَآثِمِ وَالْحُطَامِ تَنَافَسُوا ، وَتَبَاهُوا فِي الطَّيَالِسِ وَالْقَلَانِسِ ، وَلَازَمُوا أَفْنِيَةَ الْمُلُوكِ ، وَأَبْوَابَ السَّلَاطِينِ ، وَنَصَبُوا الْمَصَايِدَ لِأَمْوَالِ الْأَيْتَامِ ، وَالْإِغَارَةِ عَلَى الْوقُوفِ وَالْأَوْسَاخِ وَاقْتَصَرُوا عَلَى ابْتِيَاعِ صُحُفٍ دَرَسُوهَا ، وَاسْتَعَدُّوا الشَّغَبَ عَلَيْهَا ، فَإِنْ حَفِظَ أَحَدُهُمْ فِي السُّنَنِ شَيْئًا ، فَمِنْ صَحِيفَةٍ مُبْتَاعَةٍ ، كَفَاهُ غَيْرُهُ مُؤْنَةَ جَمْعِهِ وَشَرْحِهِ وَتَبْوِيبِهِ ، مِنْ غَيْرِ رِوَايَةٍ لَهَا وَلَا دِرَايَةٍ بِوَزْنٍ مِنْ نَقْلِهَا فَإِنْ تَعَلَّقَ بِشَيْءٍ مِنْهَا يَسِيرُ ، خَلَطَ الْغَثَّ بِالسَّمِينِ ، وَالسَّلِيمِ بِالْجَرِيحِ ، ثُمَّ فَخَّمَ مَا لَفَّقَ مِنَ الْمَسَائِلِ مَا شَاءَ ، وَإِنَّهَا وَالسُّنَنَ الْمَأْثُورَةِ ضِدَّانِ ، فَإِنْ قُلِبَ عَلَيْهِ إِسْنَادُ حَدِيثٍ تَحَيَّرَ فِيهِ تَحَيُّرَ الْمَفْتُونِ ، وَصَارَ كَالْحِمَارِ فِي الطَّاحُونِ ، وَإِنْ شَاهِدَ الْمُذَاكَرَةَ سَمِعَ مَا لَيْسَ فِي وُسْعِهِ الْجَرَيَانِ فِيهِ ، فَلَجَأَ إِلَى الْإِزْرَاءِ بِفُرْسَانِهِ ، وَاعْتَصَمَ بِالطَّعْنِ عَلَى الرَّاكِضِينَ فِي مَيْدَانِهِ ، وَلَوْ عَرَفَ الطَّاعِنُ عَلَى أَهْلِ الرِّحْلَةِ مِقْدَارَ لَذَّةِ الرَّاحِلِ فِي رِحْلَتِهِ ، وَنَشَاطَهُ عِنْدَ فُصُولِهِ مِنْ وَطَنِهِ ، وَاسْتِلْذَاذَ جَمِيعِ جَوَارِحِهِ عِنْدَ تَصَرُّفِ لَحَظَاتِهِ فِي الْمَنَاهِلِ وَالْمَنَازِلِ ، وَالْبُطْنَانِ وَالظَّوَاهِرُ ، وَالنَّظَرُ إِلَى دَسَاكِرِ الْأَقْطَارِ وَغِيَاضِهَا ، وَحَدَائِقِهَا وَرِيَاضِهَا ، وَتَصَفُّحُ الْوُجُوهِ ، وَاسْتِمَاعُ النَّغَمْ ، وَمُشَاهَدةُ مَا لَمْ يُرَ مِنْ عَجَائِبِ الْبُلْدَانِ ، وَاخْتِلَافِ الْأَلْسِنَةِ وَالْأَلْوَانِ ، وَالِاسْتِرَاحَةِ فِي أَفْيَاءِ الْحِيطَانِ ، وَظِلَالِ الْغِيطَانِ ، وَالْأَكْلُ فِي الْمَسَاجِدِ ، وَالشُّرْبُ مِنَ الْأَدْوِيَةِ ، وَالنَّوْمُ حَيْثُ يُدْرِكُهُ اللَّيْلُ ، وَاسْتِصْحَابُ مَنْ يُحِبُّ فِي ذَاتِ اللَّهِ بِسُقُوطِ الْحِشْمَةِ ، وَتَرْكِ التَّصَنُّعِ ، وَكُنْهَ مَا يَصِلُ إِلَى قَلْبِهِ مِنَ السُّرُورِ عَنْ ظَفَرِهِ بِبُغْيَتِهِ ، وَوُصُولِهِ إِلَى مَقْصَدِهِ ، وَهُجُومِهِ عَلَى الْمَجْلِسِ الَّذِي شَمَّرَ لَهُ ، وَقَطَعَ الشُّقَّةَ إِلَيْهِ لَعِلْمِ أَنَّ لَذَّاتِ الدُّنْيَا مَجْمُوعَةٌ فِي مَحَاسِنِ تِلْكَ الْمَشَاهِدِ ، وَحَلَاوَةِ تِلْكَ الْمَنَاظِرِ ، وَاقْتِنَاءِ تِلْكَ الْفَوَائِدِ ، الَّتِي هِيَ عِنْدَ أَهْلِهَا أَبْهَى مِنْ زَهْرِ الرَّبِيعِ ، وَأَحْلَى مِنْ صَوْتِ الْمَزَامِيرِ ، وَأَنْفَسُ مِنْ ذَخَائِرِ الْعِقْيَانِ ، مِنْ حَيْثُ حُرِمَهَا هُوَ وَأَشْبَاهُهُ بِمُنَازَلَةِ الْخُصُومِ ، وَقَصْدِ الْأَبْوَابِ ، وَالتَّخَادُمِ لِلْأَغْتَامِ ، مَقْصُورُ الْهِمَّةِ عَلَى حُضُورِ مَجْلِسٍ يَتَوَجَّهُ عِنْدَ صَاحِبِهِ ، وَمَصْرُوفُ الْخَاطِرِ إِلَى خُطْبَةِ عَمَلٍ يَتَقَلَّبُ فِي أَوْسَاخِهِ ، مَحْجُوبًا مَرَّةً وَمُسْتَخِفًّا بِهِ أُخْرَى يَرُوحُ مُتَحَسِّرًا عَلَى الْفَائِتِ ، وَيَغْدُو مُغْتَاظًا لِحُظْوَةِ مَنْ يُنَاوِئُهُ عِنْدَ مَنْ يَرْتَجِيهِ ، وَلَا يَزَالُ فِي كَدِّ التَّصَنُّعِ وَذُلِّ الْخِدْمَةِ ، وَحَسَرَاتِ الْفَائِتِ ، حَتَّى تَأْتِيهِ مَنِيَّتُهُ ، فَتَخْتَطِفُهُ وَتَحُولُ بَيْنَهُ بَيْنَ مَا يُؤَمِّلُهُ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ وَلَوْلَا عِنَايَةُ الطَّالِبِ بِضَبْطِ الشَّرِيعَةِ وَجَمْعِهَا ، وَاسْتِنْبَاطِهَا مِنْ مَعَادِنِهَا لَمْ يَتَصَدَّرْ هُوَ وَأَصْحَابُهُ إِلَى السَّوَارِي ، وَلَا عَقَدَ أَهْلِ الْفُتْيَا مَجَالِسَهُمْ فِي الْمَسَائِلِ الَّتِي هِيَ مُبَيِّنَةٌ مِنَ السُّنَنِ الْمَنْقُولَةِ ، وَمُسْتَخْرَجَةٌ مِنَ الْآثَارِ الْمَرْوِيَّةٍ ، وَقَدْ قُلْنَا فِي فَضْلِ الدِّرَايَةِ إِذَا اقْتَرَنَتْ بِالرِّوَايَةِ ، مَا أَغْنَى وَكَفَى ، وَلَيْسَ الْعَمَلُ عَلَى تَشْقِيقِ الْخُطَبِ ، وَالْبَلَاغَةِ فِي الْكَلَامِ ، وَمَنْ عَدَّ كَلَامَهُ مِنْ عَمَلِهِ قَلَّ إِلَّا فِيمَا يَعْنِيهِ ، وَلَوْ كَانَ التَّبَالُغُ فِي الْكَلَامِ دَرَكًا ، يَبْلُغُ بِهِ مِنْ رَامٍ أَنْ يَضَعَ مِنْ شَيْءٍ أَوْ يَرْفَعَ مِنْهُ ، كَانَ مَنْصُورُ بْنُ عَمَّارٍ صَاحِبَ الْمَوَاقِفِ وَالْأَوْصَافِ
وَقَالَ فِيمَا أَخْبَرَنِي بِهِ مَكِّيُّ بْنُ بُنْدَارٍ الزَّنْجَانِيُّ ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَهْدِ اللَّهِ بْنِ دِيزُوَيهِ الْمُقْرِئُ الزَّنْجَانِيُّ ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُبَيْدٍ الْمُكْتِبُ ، عَنْ سُلَيْمِ بْنِ مَنْصُورِ بْنِ عَمَّارٍ قَالَ : كَانَ أَبِي يَصِفُ أَهْلَ الْقُرْآنِ ، وَأَصْحَابَ الْحَدِيثِ فِي مَجْلِسٍ فَيَقُولُ : الْحَمْدُ لِلَّهِ الْمُنْعِمُ الْمَنَّانُ ، مُظْهِرُ الْإِسْلَامَ عَلَى كُلِّ الْأَدْيَانِ ، وَحَافَظَ الْقُرْآنِ مِنَ الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ ، وَمَانِعَهُ مِنْ مَكَائِدِ الشَّيْطَانِ ، وَتَحْرِيفِ أَهْلِ الزَّيْغِ وَالْكُفْرَانِ ، وَذَكَرَ كَلَامًا فِي ذِكْرِ الْقُرْآنِ طَوِيلًا ، ثُمَّ قَالَ : وَوَكَلَ بِالْآثَارِ الْمُفَسِّرَةِ لِلْقُرْآنِ وَالسُّنَنِ الْقَوِيَّةِ الْأَرْكَانِ ، عِصَابَةً مُنْتَخِبَةً ، وَفَّقَهُمْ لِطَلَابِهَا وَكِتَابِهَا ، وَقَوَّاهُمْ عَلَى رِعَايَتِهَا وَحِرَاسَتِهَا ، وَحَبَّبَ إِلَيْهِمْ قِرَاءَتَهَا وَدِرَاسَتَهَا ، وَهَوَّنْ عَلَيْهِمُ الدَّأَبَ وَالْكَلَالَ ، وَالْحِلَّ وَالتِّرْحَالَ ، وَبَذْلَ النَّفْسِ مَعَ الْأَمْوَالِ ، وَرُكُوبَ الْمَخُوفِ مِنَ الْأَهْوَالِ ، فَهُمْ يَرْحَلُونَ مِنْ بِلَادٍ إِلَى بِلَادٍ ، خَائِضِينَ فِي الْعِلْمِ كُلَّ وَادٍ ، شُعْثَ الرُّءُوسِ ، خُلْقَانَ الثِّيَابِ ، خُمُصَ الْبُطُونِ ، ذُبُلَ الشِّفَاهِ ، شُحْبَ الْأَلْوَانِ ، نُحْلَ الْأَبْدَانِ ، قَدْ جَعَلُوا لَهُمْ هَمًّا وَاحِدًا ، وَرَضُوا بِالْعِلْمِ دَلِيلًا وَرَائِدًا لَا يَقْطَعُهُمْ عَنْهُ جُوعٌ وَلَا ظَمَأٌ ، وَلَا يَمَلُّهُمْ مِنْهُ صَيْفٌ وَلَا شِتَاءٌ ، مَائِزِينَ الْأَثَرَ : صَحِيحَهُ مِنْ سَقِيمِهِ ، وَقَوِيَّهُ مِنْ ضَعِيفِهِ ، بِأَلْبَابٍ حَازِمَةٍ ، وَآرَاءٍ ثَاقِبَةٍ ، وَقُلُوبٍ لِلْحَقِّ وَاعِيَةٍ ، فَأَمِنَتْ تَمْوِيهِ الْمُمَوِّهِينَ ، وَاخْتِرَاعَ الْمُلْحِدِينَ ، وَافْتِرَاءَ الْكَاذِبِينَ ، فَلَوْ رَأَيْتُهُمْ فِي لَيْلِهِمْ ، وَقَدِ انْتَصَبُوا لِنَسْخِ مَا سَمِعُوا ، وَتَصْحِيحِ مَا جَمَعُوا ، هَاجِرِينَ الْفُرُشَ الْوَطِيَّ ، وَالْمَضْجَعَ الشَّهِيَّ ، قَدْ غَشِيَهُمُ النُّعَاسُ فَأَنَامَهُمْ ، وَتَسَاقَطَتْ مِنْ أَكُفِّهِمْ أَقْلَامُهُمْ ، فَانْتَبَهُوا مَذْعُورِينَ قَدْ أَوَجَعَ الْكَدُّ أَصْلَابَهُمْ ، وَتِيهُ السَّهَرِ أَلْبَابَهُمْ ، فَتَمَطُّوا لِيُرِيحُوا الْأَبْدَانَ ، وَتَحَوَّلُوا لَيَفْقِدُوا النَّوْمَ مِنْ مَكَانٍ إِلَى مَكَانٍ ، وَدَلَّكُوا بِأَيْدِيهِمْ عُيُونَهُمْ ، ثُمَّ عَادُوا إِلَى الْكِتَابَةِ حِرْصًا عَلَيْهَا ، وَمَيْلًا بِأَهْوَائِهِمْ إِلَيْهَا لَعَلِمْتَ أَنَّهُمْ حَرَسُ الْإِسْلَامِ وَخُزَّانُ الْمَلِكِ الْعَلَّامِ ، فَإِذَا قَضَوْا مِنْ بَعْضِ مَا رَامُوا أَوْطَارَهُمْ ، انْصَرَفُوا قَاصِدِينَ دِيَارَهُمْ ، فَلَزِمُوا الْمَسَاجِدَ ، وَعَمَّرُوا الْمَشَاهِدَ ، لَابِسِينَ ثَوْبَ الْخُضُوعِ ، مُسَالِمِينَ وَمُسْلِمِينَ ، يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا ، لَا يُؤْذُونَ جَارًا ، وَلَا يُقَارِفُونَ عَارًا ، حَتَّى إِذَا زَاغَ زَائِغُ ، أَوْ مَرَقَ فِي الدِّينِ مَارِقٌ ، خَرَجُوا خُرُوجَ الْأَسَدِ مِنَ الْآجَامِ ، يُنَاضِلُونَ عَنْ مَعَالِمِ الْإِسْلَامِ فِي كَلَامٍ غَيْرِ هَذَا فِي ذِكْرِهِمْ يَطُولُ وَقَالَ بَعْضُ الشُّعَرَاءِ الْمُحَدِّثِينَ : وَلَقَدْ غَدَوْتُ عَلَى الْمُحَدِّثِ آنِفًا فَإِذَا بِحَضْرَتِهِ ظِبَاءٌ رُتَّعُ يَتَجَاذَبُونَ الْحِبْرَ مِنْ مَلْمُومَةٍ بَيْضَاءَ تَحْمِلُهَا عَلَائِقُ أَرْبَعُ مِنْ خَالِصِ الْبَلُّورِ غُيِّرَ لَوْنُهَا فَكَأَنَّهَا سَبَجٌ يَلُوحُ فَيَلْمَعُ فَمَتَى أَمَالُوهَا لِرَشْفٍ رَضَابِهَا أَدَاهُ فُوهَا وَهِيَ لَا تَتَمَنَّعُ فَكَأَنَّهَا قَلْبِي يَضِنُّ بِسِرِّهِ أَبَدًا وَيَكْتُمُ كُلَّ مَا يُسْتَوْدَعُ يَمْتَاحُهَا مَاضِي الشِّبَاةِ مُذْلِقُ يَجْرِي بِمَيْدَانِ الطُّرُوسِ فَيُسْرِعُ فَكَأَنَّهُ وَالْحِبْرُ يَخْضِبُ رَأْسَهُ شَيْخٌ لِوَصْلِ خَرِيدَةٍ يَتَصَنَّعُ أَلَا أُلَاحِظُهُ بِعَيْنِ جَلَالَةٍ وَبِهِ إِلَى اللَّهِ الصَّحَائِفُ تُرْفَعُ
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خَالِدٍ الرَّاسِبِيُّ ، ثَنَا بُنْدَارٌ ، ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ ، عَنْ مَالِكٍ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ : إِنْ كُنْتَ لَأَسِيرُ ثَلَاثًا فِي الْحَدِيثِ الْوَاحِدِ
حَدَّثَنَا الرَّاسِبِيُّ ، ثَنَا بُنْدَارٌ ، ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ ، عَنْ أَيُّوبَ ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ قَالَ : أَقَمْتُ بِالْمَدِينَةِ مَا لِي بِهَا حَاجَةٌ إِلَّا رَجُلٌ عِنْدَهُ حَدِيثٌ وَاحِدٌ لِأَسْمَعَهُ مِنْهُ
حَدَّثَنَا ابْنُ بَهَانَ ، ثَنَا سَهْلُ بْنُ عُثْمَانَ ، ثَنَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ الْعُكْلِيُّ ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ سُلَيْمَانَ ، عَنْ أَبَانَ بْنِ أَبِي عَيَّاشٍ ، قَالَ : قَالَ لِي أَبُو مَعْشَرٍ الْكُوفِيُّ : خَرَجْتُ مِنَ الْكُوفَةِ إِلَيْكَ إِلَى الْبَصْرَةِ فِي حَدِيثٍ بَلَغَنِي عَنْكَ ، قَالَ : فَحَدَّثْتُهُ بِهِ
حَدَّثَنَا ابْنُ بَهَانَ ، ثَنَا سَهْلُ بْنُ عُثْمَانَ ، ثَنَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ ، ثَنَا سُنَيْنُ بْنُ فَرْقَدٍ ، عَنْ أَبِي سِنَانٍ الْقَسْمَلِيِّ ، عَنْ مَسْلَمَةَ بْنِ مُخَلَّدٍ : أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ خَرَجَ إِلَيْهِ إِلَى مِصْرَ فِي حَدِيثٍ بَلَغَهُ عَنْهُ ، فَسَأَلَهُ عَنْهُ ، فَأَخْبَرَهُ بِهِ ، ثُمَّ رَجَعَ
حَدَّثَنَا ابْنُ بَهَانَ ، ثَنَا سَهْلُ بْنُ عُثْمَانَ ، ثَنَا الْعُكْلِيُّ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَابِرٍ ، ثَنَا بَعْضُ أَشْيَاخِنَا : أَنَّ الشَّعْبِيَّ خَرَجَ إِلَى مَكَّةَ فِي ثَلَاثَةِ أَحَادِيثَ ذُكِرَتْ لَهُ ، فَقَالَ : لِعَلِيِّ أَلْقَى رَجُلًا لَقِيَ النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، أَوْ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ الْغَزَّاءُ ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ جَبَلَةَ ، ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ قَالَ : زَعَمَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ ، عَنْ أَيُّوبَ الطَّائِيِّ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ : لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ عَبْدِ اللَّهِ أَطْلَبُ لِلْعِلْمِ فِي أُفُقٍ مِنَ الْآفَاقِ مِنْ مَسْرُوقٍ