حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ الْجُمَحِيُّ ، قَالَ : ثنا هِلَالُ بْنُ يُونُسَ ، قَالَ : دَخَلْتُ مَكَّةَ سَنَةَ خَمْسِينَ وَمِائَةٍ ، فَلَقِيَنِي زَمْعَةُ بْنُ صَالِحٍ ، وَأَنَا عِنْدَ الصَّفَا ، فَقَالَ : يَا أَبَا مُحَمَّدٍ أَمَا بَلَغَكَ مَا حَدَثَ أَمْسِ ؟ قُلْتُ : لَا قَالَ : دَفَنَّا ابْنَ جُرَيْجٍ أَمْسِ صَبَّحَ الْحَاجَّ ذَلِكَ السَّيْلُ ، فَذَهَبَ بِمَتَاعِهِمْ ، وَجَحَفَهُمْ جَحْفًا ، وَإِنَّمَا سُمِّيَ سَيْلَ الْجُحَافِ ، أَنَّهُ جَاءَ السَّيْلُ وَهُمْ بِالْأَبْطَحِ ، فَجَحَفَهُمْ وَأَهْلَكَهُمْ وَهُمْ غَارُّونَ قَدْ نَزَلُوا فِي الْوَادِي وَاضْطَرَبُوا الْأَبْنِيَةَ ، وَلَمْ يَكُنْ مِنَ الْمَطَرِ إِلَّا شَيْءٌ يَسِيرٌ ، إِنَّمَا كَانَ رَشَاشًا ، وَدَخَلَ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ ، وَأَحَاطَ بِالْكَعْبَةِ ، وَهَدَمَ الدُّورَ الشَّوَارِعَ عَلَى الْوَادِي ، وَمَاتَ فِي الْهَدْمِ خَلَقٌ كَثِيرٌ ، وَفَرَّ النَّاسُ مِنْهُ فِي الْجِبَالِ وَالشِّعَابِ ، وَخَرَجَ الْعَوَاتِقُ مِنَ الْخُدُورِ ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي عَمَّارٍ فِي ذَلِكَ : لَمْ تَرَ عَيْنِي مِثْلَ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ أَكْثَرَ مَحْزُونًا وَأَبْكَى لِلْعَيْنِ إِذْ خَرَجَ الْمُخَبَّيَاتُ يَسْعَيْنِ سَوَانِدًا فِي الْجَبَلَيْنِ يَرْقَيْنِ وَكَانَ السَّيْلُ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَتُرْوَى هَذِهِ الْأَبْيَاتُ لِأَبِي السَّنَابِلِ
فَحَدَّثَنَا الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ ، قَالَ : حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ الْمَخْزُومِيُّ ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ ، قَالَ : نَظَرَ ابْنُ أَبِي عَتِيقٍ إِلَى أَعْرَابِيٍّ فِي سَيْلِ الْجُحَافِ وَهُوَ يَذْهَبُ بِهِ تَارَةً وَيَطْفُو بِهِ أُخْرَى ، وَيَقُولُ : مَرَتْهُ الصَّبَا وَلَقَحَتْهُ الْجَبَائِبُ فَقَالَ لَهُ ابْنُ أَبِي عَتِيقٍ : كُنْ مَنْ شِئْتَ فَأَشْهَدُ أَنَّكَ كَرِيمُ وَقَالَ خَالِدُ بْنُ أَبِي عُثْمَانَ الْبَصْرِيُّ : كُنْتُ تِلْكَ السَّنَةَ بِمَكَّةَ ، فَرَأَيْتُ رَجُلًا يَذْهَبُ بِهِ السَّيْلُ وَهُوَ يَقُولُ : لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ ، إِنْ كُنْتَ ابْتَلَيْتَ لَطَالَمَا عَافَيْتَ وَرَأَيْتُ امْرَأَةً وَمَعَهَا صَبِيٌّ وَالسَّيْلُ يَذْهَبُ بِهَا قَدْ رَفَعَتْهُ تُنَادِي : مَنْ يَأْخُذُ هَذَا الصَّبِيَّ مِنِّي ، حَتَّى عَلَاهَا الْمَاءُ وَعَلَا الصَّبِيَّ وَمِنْهَا : سَيْلُ أَبِي شَاكِرٍ فِي وِلَايَةِ هِشَامِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ فِي سَنَةِ عِشْرِينَ وَمِائَةٍ وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ مَاتَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَثِيرٍ الدَّارِيُّ
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عُمَرَ ، قَالَ : ثنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ ، قَالَ : ثنا قَاسِمٌ الرَّحَّالُ سَنَةَ عِشْرِينَ وَمِائَةٍ وَنَحْنُ فِي جَنَازَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَثِيرٍ الدَّارِيِّ : حَجَّ بِالنَّاسِ تِلْكَ السَّنَةَ أَبُو شَاكِرٍ ، فَقَالَ ابْنُ أُذَيْنَةَ اللَّيْثِيُّ يَذْكُرُ أَبَا شَاكِرٍ وَاسْمُهُ مَسْلَمَةُ بْنُ هِشَامِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ : أَتَيْنَا نَمُتُّ بِأَرْحَامِنَا وَجِئْنَا بِإِذْنِ أَبِي شَاكِرِ بِإِذْنِ الَّذِي سَارَ مَعْرُوفُهُ بِنَجْدٍ وَغَارَ مَعَ الْغَائِرِ إِلَى خَيْرِ خِنْدَفٍ فِي مُلْكِهِ لِبَادٍ مِنَ النَّاسِ أَوْ حَاضِرِ فَأُسْمِيَ هَذَا السَّيْلُ سَيْلَ أَبِي شَاكِرٍ وَمِنْهَا السَّيْلُ اللَّيْبَرِيُّ فِي خِلَافَةِ الْمَهْدِيِّ سَنَةَ سِتِّينَ وَمِائَةٍ ، وَحَجَّ بِالنَّاسِ الْمَهْدِيُّ عَامَئِذٍ ، وَكَانَ السَّيْلُ لِيَوْمَيْنِ بَقِيَا مِنَ الْمُحَرَّمِ ، وَكَانَ سَيْلٌ فِي زَمَنِ حَمَّادٍ الْبَرْبَرِيِّ عَظِيمٌ ، أَخَذَ النَّاسَ مِنْهُ بِمَكَّةَ شِبْهُ الْخَبَلِ ، فَسُمِّيَ الْمُخَبِّلَ وَأَصَابَ النَّاسَ فِي عَقِبِهِ مَرَضٌ فِي أَجْسَادِهِمْ وَأَلْسِنَتِهِمْ ، وَدَخَلَ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ حَتَّى عَزَقَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ هَارُونُ وَادِيَ مَكَّةَ عَامَئِذٍ ، وَلَمْ يُعْزَقْ وَادِي مَكَّةَ إِلَى سَنَةِ سَبْعٍ وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ ، فَعَزَقَتْهُ أُمُّ الْمُتَوَكِّلِ ، وَكَانَ الْمُتَوَلِّي لِذَلِكَ مُحَمَّدُ بْنُ دَاوُدَ ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ ، وَجَاءَ سَيْلٌ آخَرُ فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَمِائَتَيْنِ فِي خِلَافَةِ الْمَأْمُونِ ، وَعَلَى مَكَّةَ يَوْمَئِذٍ يَزِيدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَنْظَلَةَ خَلِيفَةً لِمُحَمَّدِ بْنِ هَارُونَ الْجُلُودِيِّ ، فَدَخَلَ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ ، وَأَحَاطَ بِالْكَعْبَةِ حَتَّى رُفِعَ الْمَقَامُ مِنْ مَكَانِهِ لَمَّا خِيفَ عَلَيْهِ
حَدَّثَنِي أَبِي إِسْحَاقُ بْنُ الْعَبَّاسِ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ ذَلِكَ السَّيْلَ ، كَانَ عَظِيمًا مَلَأَ الْوَادِيَ ، وَعَلَاهُ قِيدَ رُمْحٍ ، وَكَانَ يُقَالُ لَهُ : سَيْلُ ابْنِ حَنْظَلَةَ ، وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ قُتِلَ يَزِيدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَنْظَلَةَ فِي أَوَّلِ يَوْمٍ مِنْ شَعْبَانَ ، وَدَخَلَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى مَكَّةَ مَقْبَلَهُ مِنَ الْيَمَنِ وَجَاءَ سَيْلٌ آخَرُ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَمِائَتَيْنِ ، وَعَلَى مَكَّةَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ فِي شَوَّالٍ ، وَالنَّاسُ غَافِلُونَ ، وَاجْتَمَعَ سَيْلُ سِدْرَةَ وَمَا أَقْبَلَ مِنْ نَوَاحِي مِنًى ، فَاقْتَحَمَ الْمَسْجِدَ حَتَّى رُفِعَ الْمَقَامُ ، وَذَهَبَ بِنَاسٍ كَثِيرٍ ، وَوَافَى الْعُمَّارَ تِلْكَ السَّنَةَ مِنْ أَهْلِ خُرَاسَانَ وَسَيْلُ مَكَّةَ يَأْتِي مِنْ مَوْضِعٍ يُدْعَى السِّدْرَةَ ، سِدْرَةَ خَالِدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدِ بْنِ أُسَيْدٍ ، عَلَى أَمْيَالٍ مِنْ مَكَّةَ عَلَى طَرِيقِ الذَّاهِبِ إِلَى الْعِرَاقِ ، وَهُوَ مَثَلٌ عِنْدَ أَهْلِ مَكَّةَ فِي الْعِظَمِ ، يَقُولُ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ إِذَا دَعَا عَلَيْهِ أَوْ سَبَّهُ : ذَهَبَ بِكَ سَيْلُ سِدْرَةَ قَالَ : فَكَتَبَ مُبَارَكٌ الطَّبَرِيُّ وَهُوَ عَلَى بَرِيدِ مَكَّةَ إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ الْمَأْمُونِ فِي ذَلِكَ ، فَلَمَّا رَأَى النَّاسُ مَا فِي الْمَسْجِدِ مِنَ الطِّينِ وَالتُّرَابِ ، اجْتَمَعَ خَلْقٌ كَثِيرٌ ، فَكَانُوا يَعْمَلُونَ بِأَيْدِيهِمْ ، وَيَسْتَأْجِرُونَ مِنْ أَمْوَالِهِمْ حَتَّى كَانَ النِّسَاءُ الْعَوَاتِقُ وَغَيْرُهُنَّ يَخْرُجْنَ بِاللَّيْلِ فِيمَا ذَكَرُوا فَيَنْقُلْنَ التُّرَابَ الْتِمَاسَ الْأَجْرِ ، حَتَّى رُفِعَ مِنَ الْمَسْجِدِ وَنُقِلَ مِنْهُ فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ الْمَأْمُونَ ، بَعَثَ بِمَالٍ عَظِيمٍ ، وَأَمَرَ أَنْ يُعَمَّرَ الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ ، وَيُبْطَحَ ، وَيُعْزَقَ وَادِي مَكَّةَ ، فَعُزِقَ الْوَادِي ، وَعُمِّرَ الْمَسْجِدُ وَبُطِحَ وَذَلِكَ كُلُّهُ عَلَى يَدَيْ مُبَارَكٍ الطَّبَرِيِّ وَيُقَالُ لِشِعَابِ مَكَّةَ أَيْضًا : وَادِي مَكَّةَ وَيُقَالُ لَهُ : أَعْلَى الْوَادِي
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ ، قَالَ : ثنا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ ، قَالَ : ثنا ابْنُ جُرَيْجٍ ، قَالَ : أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ أَبِي سُفْيَانَ ، أَنَّ عَمْرَو بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَفْوَانَ ، أَخْبَرَهُ أَنَّ كَلَدَةَ بْنَ الْحَنْبَلِ أَخْبَرَهُ أَنَّ صَفْوَانَ بْنَ أُمَيَّةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بَعَثَهُ فِي الْفَتْحِ بِلِبَاءٍ وَجَدَايَةٍ وَضَغَابِيسَ ، وَالنَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ بِأَعْلَى الْوَادِي ، فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ وَلَمْ أُسَلِّمْ وَلَمْ أَسْتَأْذِنْ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : ارْجِعْ فَقُلِ : السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَذَلِكَ بَعْدَمَا أَسْلَمَ صَفْوَانُ قَالَ عَمْرٌو : وَأَخْبَرَنِي هَذَا الْخَبَرَ أُمَيَّةُ بْنُ صَفْوَانَ ، وَلَمْ يَقُلْ : أَخْبَرَنِي ابْنُ كَلَدَةَ وَجَاءَ سَيْلٌ فِي زَمَنِ عِيسَى بْنِ مُحَمَّدٍ الْمَخْزُومِيِّ فِي سَنَةِ ثَلَاثٍ وَخَمْسِينَ وَمِائَتَيْنِ ، فَدَخَلَ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ ، وَأَحَاطَ بِالْكَعْبَةِ ، وَبَلَغَ قَرِيبًا مِنَ الرُّكْنِ الْأَسْوَدِ ، وَرَمَى بِالدُّورِ بِأَسْفَلِ مَكَّةَ ، وَذَهَبَ بِأَمْتِعَةِ النَّاسِ ، وَخَرَّبَ مَنَازِلَهُمْ ، وَمَلَأَ الْمَسْجِدَ غُثَاءُ السَّيْلِ وَتُرَابُهُ ، حَتَّى جُرَّ مَا فِي الْمَسْجِدِ مِنَ التُّرَابِ بِالْعَجَلِ ، وَتَوَلَّى ذَلِكَ مِنْ عِمَارَتِهِ عِيسَى بْنُ مُحَمَّدٍ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ وَالِي مَكَّةَ