حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ قَالَ حَدَّثَنَا يَمُوتُ ، بِإِسْنَادِهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، : أَنَّهُنَّ نَزَلْنَ بِمَكَّةَ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : وَجَدْنَا فِيهِنَّ خَمْسَةَ مَوَاضِعَ ، فِي سُورَةِ ق مَوْضِعٌ ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {{ فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ }} يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ {{ فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ }} مَنْسُوخًا بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ {{ قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ }} الْآيَةُ ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُحْكَمًا أَيِ : اصْبِرْ عَلَى أَذَاهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَهُمْ بِالْمِرْصَادِ ، فَهَذَا نَزَلَ فِي الْيَهُودِ ، جَاءَ التَّوْقِيفُ بِذَلِكَ لِأَنَّهُمْ تَكَلَّمُوا بِكَلَامٍ لَحِقَ النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ مِنْهُ أَذًى
كَمَا قُرِئَ عَلَى إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ يُونُسَ ، عَنْ هَنَّادِ بْنِ السَّرِيِّ ، قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ ، عَنْ أَبِي سَعْدٍ وَهُوَ سَعِيدُ بْنُ الْمَرْزُبَانِ ، عَنْ عِكْرِمَةَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَالَ هَنَّادٌ : قَرَأْتُهُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ إِنَّ الْيَهُودَ ، جَاءَتْ إِلَى النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فَسَأَلْتُهُ عَنْ خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ فَقَالَ : خَلَقَ اللَّهُ تَعَالَى الْأَرْضَ يَوْمَ الْأَحَدِ وَيَوْمَ الِاثْنَيْنِ ، وَخَلَقَ الْجِبَالَ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ بِمَا فِيهَا مِنَ مَنَافِعَ ، وَخَلَقَ الشَّجَرَ وَالْمَاءَ وَالْمَدَائِنَ وَالْعِمَارَاتِ وَالْخَرِبَ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ قَالَ جَلَّ وَعَزَّ {{ قُلْ أئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ }} إِلَى {{ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ }} قَالَ : لِمَنْ سَأَلَ ، وَخَلَقَ السَّمَاءَ يَوْمَ الْخَمِيسِ ، وَخَلَقَ النُّجُومَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالْمَلَائِكَةَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِلَى ثَلَاثِ سَاعَاتٍ بَقِينَ مِنْهُ ، وَخَلَقَ فِي أَوَّلِ سَاعَةٍ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثِ السَّاعَاتِ الْآجَالَ حَيْثُ يَمُوتُ مَنْ يَمُوتُ ، وَفِي الثَّانِيَةِ أَلْقَى الْآفَةَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ يَنْتَفِعُ بِهِ النَّاسُ ، وَفِي الثَّالِثَةِ آدَمَ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ وَأَسْكَنَهُ الْجَنَّةَ وَأَمَرَ إِبْلِيسَ بِالسُّجُودِ لَهُ فَأَخْرَجَهُ مِنْهَا فِي آخِرِ سَاعَةٍ ، قَالَتِ الْيَهُودُ : ثُمَّ مَاذَا يَا مُحَمَّدُ ؟ قَالَ : ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ ، قَالُوا : قَدْ أَصَبْتَ لَوْ تَمَّمْتَ : ثُمَّ اسْتَرَاحَ ، فَغَضِبَ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ غَضَبًا شَدِيدًا وَنَزَلَتْ {{ وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ }} قَالَ : أَبُو جَعْفَرٍ : ثُمَّ قَالَ تَعَالَى {{ فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ }} فَتَأَوَّلَ هَذَا بَعْضُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّهُ : إِذَا حَزَبَ إِنْسَانًا أَمْرٌ فَيَنْبَغِي أَنْ يَفْزَعَ إِلَى الصَّلَاةِ قَالَ حُذَيْفَةُ : كَانَ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ إِذَا حَزَبَهُ أَمْرٌ فَزِعَ إِلَى الصَّلَاةِ وَعَنِ ، ابْنِ عَبَّاسٍ ، أَنَّهُ عَرَفَ وَهُوَ رَاحِلٌ بِمَوْتِ قُثَمَ أَخِيهِ فَأَمَرَ بِحَطِّ الرَّاحِلَةِ ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَتَلَا {{ وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبِرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ }} ، ثُمَّ قَالَ جَلَّ وَعَزَّ {{ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ }} قَالَ أَبُو صَالِحٍ : الصُّبْحُ وَالْعَصْرُ ، وَقَدْ قِيلَ الصُّبْحُ وَالظُّهْرُ وَالْعَصْرُ وَيَكُونُ {{ وَمِنَ اللَّيْلِ }} لِلْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ الْآخِرَةِ فَأَمَّا {{ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ }} فَبَيْنَ الْعُلَمَاءِ فِيهِ اخْتِلَافٌ فَأَكْثَرُهُمْ يَقُولُ : الرَّكْعَتَانِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ : وَبَعْدَ كُلِّ صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ رَكْعَتَانِ وَالظَّاهِرُ يَدُلُّ عَلَى هَذَا ، إِلَّا أَنَّ الْأَوْلَى اتِّبَاعُ الْأَكْثَرِ وَلَا سِيَّمَا وَهُوَ صَحِيحٌ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَهَذَا أَمْرٌ بِمَا قَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّهُ نَافِلَةٌ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ نَدْبًا لَا حَتْمًا ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَنْسُوخًا بِمَا صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى أَحَدٍ إِلَّا خَمْسُ صَلَوَاتٍ وَنَقَلَ ذَلِكَ الْجَمَاعَةُ وَكَانَ التَّأْذِينُ فِيهَا وَالْإِقَامَةُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ وَالْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ لَا أَحَدَ مِنْهُمْ يُوجِبُ غَيْرَهَا ، وَفِي سُورَةِ وَالذَّارِيَاتِ مَوْضِعَانِ فَالْمَوْضِعُ الْأَوَّلُ قَوْلُهُ تَعَالَى {{ وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ }} مِنَ الْعُلَمَاءِ مَنْ قَالَ : هِيَ مُحْكَمَةٌ كَمَا قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ فِي الْمَالِ حَقٌّ سِوَى الزَّكَاةِ . وَمَنْ قَالَ : هِيَ مَنْسُوخَةٌ قَالَ : هِيَ وَإِنْ كَانَتْ خَبَرًا فَفِي الْكَلَامِ مَعْنَى الْأَمْرِ أَيْ : أَعْطُوا السَّائِلَ وَالْمَحْرُومَ وَيَجْعَلُ هَذَا مَنْسُوخًا بِالزَّكَاةِ الْمَفْرُوضَةِ
كَمَا قُرِئَ عَلَى أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَجَّاجِ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سُلَيْمَانَ ، قَالَ : حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ، قَالَ : حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بْنُ نُبَيْطٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ بْنَ مُزَاحِمٍ ، يَقُولُ : نَسَخَتِ الزَّكَاةُ كُلَّ صَدَقَةٍ فِي الْقُرْآنِ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : وَلِلْعُلَمَاءِ فِي الْمَحْرُومِ ثَمَانِيَةُ أَقْوَالٍ
فَقُرِئَ عَلَى أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَجَّاجِ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سُلَيْمَانَ ، قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ سُلَيْمَانَ ، قَالَ : حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي زَائِدَةَ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ ، عَنِ قَيْسٍ ، قَالَ : سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {{ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ }} فَقَالَ : السَّائِلُ الَّذِي يَسْأَلُ وَالْمَحْرُومُ الَّذِي لَا يَبْقَى لَهُ مَالٌ
وَفِي رِوَايَةِ شُعْبَةَ وَالثَّوْرِيِّ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ ، عَنْ قَيْسٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَالَ : الْمَحْرُومُ : الْمُحَارَفُ وَقَالَ : مُحَمَّدُ ابْنُ الْحَنَفِيَّةِ : الْمَحْرُومُ الَّذِي لَمْ يَشْهَدِ الْحَرْبَ أَيْ : فَيَكُونُ لَهُ سَهْمٌ فِي الْغَنِيمَةِ وَقَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ : الْمَحْرُومُ الَّذِي لَحِقْتُهُ جَائِحَةٌ فَأَتْلَفَتْ زَرْعَهُ وَقَالَ الزُّهْرِيُّ : الْمَحْرُومُ الَّذِي لَا يَسْأَلُ النَّاسَ وَاحْتَجَّ بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ قِيلَ لَهُ : مَنِ الْمِسْكِينُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ : الَّذِي لَا يَجِدُ مَا يُغْنِيهِ وَلَا يُفْطَنُ لَهُ فَيُعْطَى وَلَا يَسْأَلُ النَّاسَ وَقَالَ عِكْرِمَةُ : الْمَحْرُومُ الَّذِي لَا يُنَمَّى لَهُ شَيْءٌ وَالْقَوْلُ الثَّامِنُ : يُرْوَى عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ : الْمَحْرُومُ الْكَلْبُ وَإِنَّمَا وَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِي هَذَا لِأَنَّهَا صِفَةٌ أُقِيمَتْ مَقَامَ الْمَوْصُوفِ ، وَالْمَحْرُومُ هُوَ الَّذِي قَدْ حُرِمَ الرِّزْقَ وَاحْتَاجَ . فَهَذِهِ الْأَقْوَالُ كُلُّهَا دَاخِلَةٌ فِي هَذَا غَيْرَ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا أَجَلُّ مِمَّا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَلَا أَجْمَعُ أَنَّهُ الْمُحَارَفُ وَالْمَوْضِعُ الْآخَرُ قَوْلُهُ تَعَالَى {{ فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَا أَنْتَ بِمَلُومٍ }} فِي رِوَايَةِ الضَّحَّاكِ أَنَّ التَّوَلِّيَ عَنْهُمْ مَنْسُوخٌ ؛ بِأَنَّهُ قَدْ أُمِرَ بِالْإِقْبَالِ عَلَيْهِمْ بِالْمَوْعِظَةِ قَالَ تَعَالَى {{ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ }} فَأُمِرَ أَنْ يُبَلِّغَ كَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ كَمَا قَالَتْ عَائِشَةُ : مَنْ زَعَمَ أَنَّ مُحَمَّدًا صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ كَتَمَ شَيْئًا مِنَ الْوَحْي فَقَدْ أَعْظَمَ الْفِرْيَةَ قَالَ مُجَاهِدٌ : {{ فَتَوَلَّ عَنْهُمْ }} فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ {{ فَمَا أَنْتَ بِمَلُومٍ }} أَيْ : لَيْسَ يَلُومُكَ رَبُّكَ تَعَالَى عَلَى تَقْصِيرٍ كَانَ مِنْكَ وَفِي الطُّورِ {{ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ }} لِلْعُلَمَاءِ فِيهِ أَقْوَالٌ : فَمِنْ ذَلِكَ
مَا حَدَّثَنَاهُ أَحْمَدُ بْنُ الْحَجَّاجِ ، قَالَ : حَدَّثَنَا يَحْيَى الْجُعْفِيُّ ، قَالَ : حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ ، قَالَ : حَدَّثَنِي أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ ، سَمِعَ مُحَمَّدَ بْنَ كَعْبٍ الْقُرَظِيَّ ، يَقُولُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ {{ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ }} قَالَ : حِينَ تَقُومُ إِلَى الصَّلَاةِ
قَالَ الْجُعْفِيُّ ، وَحَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ هَارُونَ الْبَلْخِيُّ ، قَالَ : حَدَّثَنِي أَبُو مُصْلِحٍ ، عَنِ الضَّحَّاكِ ، فِي هَذِهِ الْآيَةِ {{ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ }} إِلَى الصَّلَاةِ أَنْ تُكَبِّرَ وَتَقُولَ : سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ تَبَارَكَ اسْمُكَ وَتَعَالَى جَدُّكَ وَلَا إِلَهَ غَيْرُكَ فَهَذَا قَوْلٌ إِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ فِي افْتِتَاحِ الصَّلَاةِ وَرَدَّ هَذَا بَعْضُ الْعُلَمَاءِ وَقَالَ : قَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ أَنَّهُ مَنْ لَمْ يَسْتَفْتِحِ الصَّلَاةَ بِهَا فَصَلَاتُهُ جَائِزَةٌ فَلَوْ كَانَ هَذَا أَمْرًا مِنَ اللَّهِ تَعَالَى لَكَانَ مُوجِبًا فَإِنْ قِيلَ : هُوَ نَدَبٌ قِيلَ : لَوْ صَحَّ أَنَّهُ وَاجِبٌ بِمَا تَقُومُ بِهِ الْحِجَّةُ لَجَازَ أَنْ يَكُونَ نَدْبًا أَوْ مَنْسُوخًا وَقَالَ أَبُو الْجَوْزَاءِ {{ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ }} مِنَ النَّوْمِ وَاخْتَارَ هَذَا الْقَوْلَ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ قَالَ : يَكُونُ هَذَا فَرْضًا وَيَكُونُ هَذَا النَّوْمُ الْقَائِلَةُ ، وَيُعْنَى بِهِ صَلَاةَ الظُّهْرِ ؛ لِأَنَّ صَلَاةَ الصُّبْحِ مَذْكُورَةٌ فِي الْآيَةِ وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ قَوْلُ أَبِي الْأَحْوَصِ : أَنْ يَكُونَ كُلَّمَا قَامَ مِنْ مَجْلِسٍ قَالَ : سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ وَهَذَا الْقَوْلُ أُولَاهَا مِنْ جِهَاتٍ أَوْكَدُهَا أَنَّهُ قَدْ صَحَّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ ، وَإِذَا تَكَلَّمَ صَحَابِيُّ فِي آيَةٍ وَلَمْ يُعْلَمْ أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ خَالَفَهُ لَمْ تَسَعْ مُخَالَفَتُهُ لِأَنَّهُمْ أَعْلَمُ بِالتَّنْزِيلِ وَالتَّأْوِيلِ
كَمَا قُرِئَ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ حَفْصٍ ، عَنْ يوسُفَ بْنِ مُوسَى ، قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا سُفْيَانُ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ ، عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ ، عَنِ عَبْدِ اللَّهِ ، {{ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ }} قَالَ : حِينَ تَقُومُ مِنَ الْمَجْلِسِ تَقُولُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : فَيَكُونُ هَذَا نَدْبًا لِجَمِيعِ النَّاسِ . وَقَدْ صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ أَنَّهُ قَدْ رَغَّبَ فِي ذَلِكَ وَكَانَ يَقُولُ كُلَّمَا قَامَ مِنْ مَجْلِسٍ : سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ لَا إِلَهُ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ . وَفِي بَعْضِ الْحَدِيثِ يُغْفَرُ لَهُ كُلُّ مَا كَانَ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هَذَا لَمَّا كَانَ مُخَاطَبَةً لِلنَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ كَانَ فَرْضَا عَلَيْهِ وَحْدَهُ وَنَدْبًا عَلَى قَوْلِ قَوْمٍ . وَحَجَّةٌ ثَالِثَةٌ : أَنَّ الْكَلَامَ عَامٌ فَلَا يُخَصُّ بِهِ الْقِيَامُ مِنَ النَّوْمِ إِلَّا بِحُجَّةٍ ، ثُمَّ قَالَ جَلَّ وَعَزَّ {{ وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ }} فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ مَنْ قَالَ : يَعْنِي بِهِ : الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ : يَعْنِي بِهِ : الْمَغْرِبَ
وَحَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنِ ابْنِ عُلَيَّةَ ، قَالَ : حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ ، عَنْ مُجَاهِدٍ ، قَالَ : قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : {{ وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ }} هُوَ التَّسْبِيحُ فِي أَدْبَارِ الصَّلَوَاتِ ثُمَّ قَالَ عَزَّ وَجَلَّ {{ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ }} فِيهِ قَوْلَانِ قَالَ الضَّحَّاكُ وَابْنُ زَيْدٍ {{ إِدْبَارَ النُّجُومِ }} صَلَاةُ الصُّبْحِ ، وَاخْتَارَ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ هَذَا الْقَوْلَ ؛ لِأَنَّ صَلَاةَ الصُّبْحِ فَرْضٌ . وَالْأَوْلَى أَنْ تُحْمَلَ الْآيَةُ عَلَيْهَا وَأَوْلَى مِنْ هَذَا الْقَوْلِ ؛ لِأَنَّهُ جَاءَ عَنْ صَحَابِيٍّ لَا نَعْلَمُ لَهُ مُخَالِفًا
كَمَا قُرِئَ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ حَفْصٍ ، عَنْ يوسُفَ بْنِ مُوسَى ، قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا الْعَلَاءُ بْنُ الْمُسَيِّبِ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ ، عَنِ الْحَارِثِ ، عَنِ عَلِيٍّ ، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى {{ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ }} قَالَ : الرَّكْعَتَانِ بَعْدَ الْفَجْرِ فَإِنْ قِيلَ فَالرَّكْعَتَانِ غَيْرُ وَاجِبَتَيْنِ وَالْأَمْرُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الْحَتْمِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ حُجَّةٌ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ عَلَى غَيْرِ الْحَتْمِ فَالْجَوَابُ عَنْ هَذَا أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَتْمًا ثُمَّ نُسِخَ ؛ لِأَنَّهُ لَا فَرْضَ إِلَّا الصَّلَوَاتُ الْخُمُسُ ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ نَدْبًا وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَيْهِ أَنَّ رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ لَيْسَتَا بِفَرْضٍ وَلَكِنَّهُمَا مَنْدُوبٌ إِلَيْهِمَا لَا يَنْبَغِي تَرَكُهُمَا وَفِي وَالنَّجْمِ قَوْلُهُ تَعَالَى {{ وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى }} قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : لِلنَّاسِ فِي هَذَا أَقْوَالٌ : فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : إِنَّهَا مَنْسُوخَةٌ ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : هِيَ مُحْكَمَةٌ فَلَا يَنْفَعُ أَحَدًا أَنْ يُصَدِّقَ عَنْهُ أَحَدٌ ، وَلَا أَنْ يَجْعَلَ لَهُ ثَوَابَ شَيْءٍ عَمِلَهُ . قَالُوا : وَلَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى كَمَا قَالَ تَعَالَى وَقَالَ قَوْمٌ : قَدْ جَاءَتْ أَحَادِيثُ عَنِ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ بِأَسَانِيدَ صِحَاحٍ وَهِيَ مَضْمُومَةٌ إِلَى الْآيَةِ ، وَقَالَ قَوْمٌ الْأَحَادِيثُ لَهَا تَأْوِيلٌ : وَلَيْسَ لِلْإِنْسَانِ عَلَى الْحَقِيقَةِ إِلَّا مَا سَعَى فَمِمَّنْ تُؤَوَّلَ عَلَيْهِ أَنَّ الْآيَةَ مَنْسُوخَةٌ ابْنُ عَبَّاسٍ
كَمَا حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ سَهْلٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ ، قَالَ حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ ، قَالَ : حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَالَ : وَقَوْلُهُ تَعَالَى {{ وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى }} فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بَعْدَ ذَلِكَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّاتِهُمْ : فَأَدْخَلَ اللَّهُ تَعَالَى الْآبَاءَ الْجَنَّةَ بِصَلَاحِ الْأَبْنَاءِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ : يَذْهَبُ إِلَى أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : كَذَا عِنْدِي فِي الْحَدِيثِ وَكَانَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ أَدْخَلَ اللَّهُ الْأَبْنَاءَ الْجَنَّةَ بِصَلَاحِ الْآبَاءِ إِلَّا أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى عَلَى أَنَّ الْآبَاءَ يُلْحَقُونَ بِالْأَبْنَاءِ كَمَا يُلْحَقُ الْأَبْنَاءُ بِالْآبَاءِ
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ نَافِعٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا سَلَمَةُ ، قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، قَالَ : أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَالَ : إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَرْفَعُ ذُرِّيَّةَ الْمُؤْمِنِ مَعَهُ فِي دَرَجَةِ الْجَنَّةِ وَإِنْ كَانُوا دُونَهُ فِي الْعَمَلِ {{ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ }} أَيْ : نَقَصْنَاهُمْ
وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْأَزْدِيُّ ، قَالَ : حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي دَاوُدَ ، قَالَ : حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ شكيبٍ الْكُوفِيُّ ، قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ الْعَبْدِيُّ قَالَ : حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ ، عَنْ سَمَاعِةَ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، قَالَ : إِنَّ اللَّهَ لِيَرْفَعُ ذُرِّيَّةَ الْمُؤْمِنِ مَعَهُ فِي دَرَجَتِهِ وَإِنْ كَانَ لَمْ يَبْلُغْهَا بِعَمَلِهِ لِيُقِرَّ بِهِمْ عَيْنَهُ ثُمَّ قَرَأَ {{ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ }} الْآيَةَ فَصَارَ الْحَدِيثُ مَرْفُوعًا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ وَكَذَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ ؛ لِأَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ لَا يَقُولُ هَذَا إِلَّا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ؛ لِأَنَّهُ إِخْبَارٌ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى بِمَا فَعَلَهُ وَبِمَعْنَى آيَةٍ أَنْزَلَهَا تَعَالَى وَأَمَّا قَوْلُ مَنْ قَالَ : لَا يَنْفَعُ أَحَدًا أَنْ يُصَدِّقَ عَنْهُ أَحَدٌ وَلَمْ يَتَأَوَّلُ الْأَحَادِيثُ فَقَوْلٌ مَرْغُوبٌ عَنْهُ ؛ لِأَنَّ مَا صَحَّ عَنِ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ لَمْ يَسَعْ أَحَدًا رَدُّهُ قَالَ جَلَّ وَعَزَّ {{ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ }} وَقَدْ صَحَّ عَنِ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ أَحَادِيثُ سَنَذْكُرُ مِنْهَا شَيْئًا
حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ قَالَ حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ سَهْلٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يوسُفَ ، قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ ، عَنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ ، قَالَ : كَانَ الْفَضْلُ بْنُ عَبَّاسٍ رَدِيفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فَجَاءَتْهُ امْرَأَةٌ مِنْ خَثْعَمٍ تَسْتَفْتِيهِ فَجَعَلَ الْفَضْلُ بْنُ عَبَّاسٍ يَنْظُرُ إِلَيْهَا وَتَنْظُرُ إِلَيْهِ فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ يَصْرِفُ وَجْهَ الْفَضْلِ إِلَى الشِّقِّ الْآخَرِ فَقَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ فَرِيضَةَ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ بِالْحَجِّ أَدْرَكَتْ أَبِي شَيْخًا كَبِيرًا لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَثْبُتَ عَلَى الرَّاحِلَةِ أَفَأَحُجُّ عَنْهُ ؟ قَالَ : نَعَمْ وَذَلِكَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عُيَيْنَةَ ، عَنْ عَمْرٍو ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ سُلَيْمَانَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، زِيَادَةٌ وَهِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، قَالَ لَهَا : أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَى أَبِيكِ دَيْنٌ أَكُنْتِ تَقْضِينَهُ ؟ قَالَتْ : نَعَمْ ، قَالَ : فَدَيْنُ اللَّهِ جَلَّ وَعَزَّ أَوْلَى فَقَالَ قَوْمٌ : لَا يَحُجُّ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ وَاحْتَجَّ لَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ فَقَالَ : فِي الْحَجِّ صَلَاةٌ لَا بُدُّ مِنْهَا وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنْ لَا يُصَلِّي أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ قِيلَ لَهُمْ الْحَجُّ مُخَالِفٌ لِلصَّلَاةِ مَعَ ثَبَاتِ السُّنَّةِ . قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : وَسَنَذْكُرُ قَوْلَ مَنْ تَأَوَّلَ الْحَدِيثَ
وَقَدْ رَوَى شُعْبَةُ ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي وَحْشِيَّةَ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسِ ، أَنَّ ، رَجُلًا ، قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أُمِّي تُوُفِّيَتْ وَعَلَيْهَا صِيَامٌ قَالَ : فَصُمْ عَنْهَا وَقَدْ قَالَ مَنْ يُقْتَدَى بِقَوْلِهِ مِنَ الْعُلَمَاءِ : لَا يَصُمْ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ ، فَقَالَ مَنْ أَحْتَجُّ لَهُ : هَذَا الْحَدِيثُ وَإِنْ كَانَ مُسْتَقِيمَ الْإِسْنَادِ ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَإِنْ كَانَ لَهُ الْمَحَلُّ الْجَلِيلُ فَقَدْ وَقَعَ فِي أَحَادِيثِهِ غَلَطٌ وَقَدْ خَالَفَهُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ مِنَ الْإِتْقَانِ عَلَى مَا لَا خِفَاءَ بِهِ
كَمَا حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ سَهْلٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يوسُفَ ، قَالَ : أَخْبَرَنَا مَالِكٌ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ الْهُذَلِيِّ ، عَنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ ، أَنَّ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ ، اسْتَفْتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا نَذَرٌ قَالَ : فَاقْضِهِ عَنْهَا
وَرَوَى الزُّهْرِيُّ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْأَغَرِّ ، عَنِ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، قَالَ : يَلْحَقُ الْمُسْلِمَ أَوْ يَنْفَعُ الْمُسْلِمَ ثَلَاثٌ وَلَدٌ صَالِحٌ يَدْعُو لَهُ ، وَعِلْمٌ نَشَرَهُ ، وَصَدَقَةٌ جَارِيَةٌ وَنَذْكُرُ قَوْلَ مَنْ تَأَوَّلَ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ فِيهَا أَقْوَالٌ : وَمِنَ الْعُلَمَاءِ مَنْ قَالَ بِالْأَحَادِيثِ كُلِّهَا وَلَمْ يُجِزْ فِيهَا التُّرْكَ مِنْهُمْ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَكَانَ هَذَا مَذْهَبَهُ فَقَالَ : يَحُجُّ الْإِنْسَانُ عَنِ الْإِنْسَانِ وَيَتَصَدَّقُ عَنْهُ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، قَالَ : وَمَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامُ شَهْرِ رَمَضَانَ أُطْعِمَ عَنْهُ لِكُلِّ يَوْمٍ ، وَمَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامِ نَذَرٍ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ ، كَمَا أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ وَمِنَ الْعُلَمَاءِ مَنْ قَالَ بِبَعْضِ الْأَحَادِيثِ فَقَالَ : يَحُجُّ الْإِنْسَانِ عَنِ الْإِنْسَانِ وَلَا يَصُومُ عَنْهُ وَلَا يُصَلِّي ، وَهَذَا مُذْهِبُ الشَّافِعِيِّ ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : لَا يَجُوزُ فِي عَمِلِ الْأَبْدَانِ أَنْ يَعْمَلَهَا أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ وَلَا يَحُجُّ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ وَهَذَا قَوْلُ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : الْأَحَادِيثُ صَحِيحَةٌ وَلَكِنْ هِيَ مَحْمُولَةٌ عَلَى الْآيَةِ وَإِنَّمَا يَحُجُّ الْإِنْسَانُ عَنِ الْإِنْسَانِ إِذَا أَمَرَهُ أَوْ أَوْصَى بِذَلِكَ أَوْ كَانَ لَهُ فِيهِ سَعْيٌ حَتَّى يَكُونَ مُوَافِقًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {{ وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى }} ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : لَا يَعْمَلُ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ شَيْئًا فَإِنْ عَمِلَهُ فَهُوَ لِنَفْسِهِ كَمَا قَالَ عَزَّ وَجَلَّ {{ وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى }} ، وَقَالَ فِي الْأَحَادِيثِ سَبِيلُ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهمُ السَّلَامُ أَنْ لَا يَمْنَعُوا أَحَدًا مِنْ فِعْلِ الْخَيْرِ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : وَقَوْلُ أَحْمَدَ فِي هَذَا بَيِّنٌ حَسَنٌ وَهُوَ أَصْلُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ ، فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ : فَكَيْفَ يُرَدُّ هَذَا إِلَى الْآيَةِ فَفِي ذَلِكَ جَوَابَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ مَا قَالَهُ الرَّسُولُ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ وَصَحَّ عَنْهُ فَهُوَ مَضْمُومٌ إِلَى الْقُرْآنِ
كَمَا حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْأَزْدِيُّ ، قَالَ : حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْغَافِقِيُّ ، قَالَ : حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ ، عَنِ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ ، وَأَبِي النَّضْرِ ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، أَوْ غَيْرِهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، قَالَ : لَا أَلْفَيَنَّ أَحَدَكُمْ مُتَّكِئًا عَلَى أَرِيكَتِهِ يَأْتِيَهُ الْأَمْرُ مِنْ أَمْرِي مِمَّا أَمَرْتُ بِهِ أَوْ نَهَيْتُ عَنْهُ فَيَقُولُ : لَا أَدْرِي مَا وَجَدْنَاهُ فِي كِتَابِ اللَّهِ اتَّبَعْنَاهُ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : وَهَذَا جَوَّابُ جَمَاعَةٍ مِنَ الْفُقَهَاءِ أَنْ يُضَمَّ الْحَدِيثُ إِلَى الْقُرْآنِ كَمَا قَالَ تَعَالَى {{ قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ }} ثُمَّ حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ كُلَّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ وَكُلَّ ذِي مِخْلَبٍ مِنَ الطَّيْرِ فَكَانَ مَضْمُومًا إِلَى الْآيَةِ ، وَكَانَ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ مِنْ أَكْثَرِ النَّاسِ اتِّبَاعًا لِهَذَا حَتَّى قَالَ : مَنِ احْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ فَقَدْ أَفْطَرَ هُوَ وَحَاجِمُهُ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّىَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَفِي الْأَحَادِيثِ تَأْوِيلٌ آخَرَ فِيهِ لُطْفٌ وَدِقَّةُ وَهُوَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إِنَّمَا قَالَ : {{ وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى }} وَلَامُ الْخَفْضِ مَعْنَاهَا فِي الْعَرَبِيَّةِ الْمِلْكُ وَالْإِيجَابِ فَلَيْسَ يَجِبُ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى وَإِذَا تَصَدَّقَ عَنْهُ غَيْرُهُ فَلَيْسَ يَجِبُ لَهُ شَيْءٌ إِلَّا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَتَفَضَّلُ عَلَيْهِ بِمَا لَمْ يَجِبْ لَهُ كَمَا يَتَفَضَّلُ عَلَى الْأَطْفَالِ بِإِدْخَالِهِمُ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ عَمَلٍ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : فَعَلَى هَذَا يَصِحُّ تَأْوِيلُ الْأَحَادِيثِ
وَقَدْ رَوَى هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عَائِشَةَ ، أَنَّ ، رَجُلًا ، قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ : إِنَّ أُمِّي افْتُلِتَتْ نَفْسُهَا فَمَاتَتْ وَلَمْ تُوصِ أَفَأَتَصَدَّقُ عَنْهَا ؟ قَالَ : نَعَمْ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : فَيَكُونَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مَا ذَكَرْنَا مِنَ التَّأْوِيلَاتِ ، وَفِيهِ مِنَ الْغَرِيبِ قَوْلُهُ افْتُلِتَتْ مَعْنَاهُ مَاتَتْ فَجْأَةً ، وَمِنْهُ قَوْلُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَتْ بَيْعَةُ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَلْتَةً فَوَقَى اللَّهُ تَعَالَى شَرَّهَا أَيْ فَجْأَةٌ وَفِي هَذَا مِنَ الْمَعْنَى أَنَّ عُمَرَ تَوَاعَدَ مَنْ فَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ ، وَذَلِكَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ لَهُ مِنَ الْفَضَائِلِ الْبَاهِرَةِ الَّتِي لَا تَدْفَعُ مَا يَسْتَوْجِبُ بِهِ الْخِلَافَةُ وَأَنْ يُبَايَعَ فَجْأَةً وَلَيْسَ هَذَا لِغَيْرِهِ ، وَكَانَ لَهُ اسْتِخْلَافُ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ إِيَّاهُ عَلَى الصَّلَاةِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ : اسْتَخْلَافُهُ إِيَّاهُ عَلَى الصَّلَاةِ بِمَعْنَى اسْتَخْلَافُهُ إِيَّاهُ عَلَى إِمَامَةِ الْمُسْلِمِينَ وَالنَّظَرِ فِي أُمُورِهِمْ ؛ لِأَنَّهُ اسْتَخْلَفَهُ عَلَى الصَّلَوَاتِ الَّتِي لَا تُقِيمُهَا إِلَّا الْأَئِمَّةُ مِنَ الْجُمَعِ وَالْأَعْيَادِ فَرُوجِعَ فِي ذَلِكَ فَقَالَ يَأْبَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالْمُسْلِمُونَ إِلَّا أَبَا بَكْرِ وَقَالَ غَيْرُ مُحَمَّدِ بْنِ جَرِيرٍ
رَوَى شُعْبَةُ ، وَالثَّوْرِيِّ ، عَنِ الْأَعْمَشِ ، وَمَنْصُورٍ ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ ، عَنْ ثَوْبَانَ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، قَالَ : اسْتَقِيمُوا وَلَنْ تُحْصُوا وَاعْلَمُوا أَنَّ خَيْرَ أَعْمَالِكُمُ الصَّلَاةُ وَلَا يُحَافِظُ عَلَى الْوضُوءِ إِلَّا مُؤْمِنٌ ، فَلَمَّا اسْتَخْلَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ أَبَا بَكْرٍ عَلَى خَيْرِ أَعْمَالِنَا كَانَ مَا دُونَهُ تَابِعًا لَهُ