حَدَّثَنَا رَبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْمُؤَذِّنُ , قَالَ : ثنا بِشْرُ بْنُ بَكْرٍ , قَالَ : أَخْبَرَنَا الْأَوْزَاعِيُّ , عَنْ عَطَاءٍ , عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ , عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ , قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : تَجَاوَزَ اللَّهُ لِي عَنْ أُمَّتِي , الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ , وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : فَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا أُكْرِهَ عَلَى طَلَاقٍ , أَوْ نِكَاحٍ , أَوْ يَمِينٍ , أَوْ إِعْتَاقٍ , أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ حَتَّى فَعَلَهُ مُكْرَهًا , أَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ بَاطِلٌ , لِأَنَّهُ قَدْ دَخَلَ فِيمَا تَجَاوَزَ اللَّهُ فِيهِ لِلنَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ عَنْ أُمَّتِهِ , وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِكَ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَخَالَفَهُمْ فِي ذَلِكَ آخَرُونَ , فَقَالُوا : بَلْ يَلْزَمُهُ مَا حَلَفَ بِهِ فِي حَالِ الْإِكْرَاهِ , مِنْ يَمِينٍ , وَيَنْفُذُ عَلَيْهِ طَلَاقُهُ , وَعَتَاقُهُ , وَنِكَاحُهُ , وَمُرَاجَعَتُهُ لِزَوْجَتِهِ الْمُطَلَّقَةِ , إِنْ كَانَ رَاجَعَهَا . وَتَأَوَّلُوا فِي هَذَا الْحَدِيثِ , مَعْنًى غَيْرَ الْمَعْنَى الَّذِي تَأَوَّلَهُ أَهْلُ الْمَقَالَةِ الْأُولَى فَقَالُوا : إِنَّمَا ذَلِكَ فِي الشِّرْكِ خَاصَّةً , لِأَنَّ الْقَوْمَ كَانُوا حَدِيثِي عَهْدٍ بِكُفْرٍ , فِي دَارٍ كَانَتْ دَارَ كُفْرٍ , فَكَانَ الْمُشْرِكُونَ إِذَا قَدَرُوا عَلَيْهِمْ , اسْتَكْرَهُوهُمْ عَلَى الْإِقْرَارِ بِالْكُفْرِ , فَيُقِرُّونَ بِذَلِكَ بِأَلْسِنَتِهِمْ , قَدْ فَعَلُوا ذَلِكَ بِعَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ , وَبِغَيْرِهِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ , وَرَضِيَ عَنْهُمْ , فَنَزَلَتْ فِيهِمْ {{ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ }} وَرُبَّمَا سَهْوًا , فَتَكَلَّمُوا بِمَا جَرَتْ عَلَيْهِ عَادَتُهُمْ قَبْلَ الْإِسْلَامِ , وَرُبَّمَا أَخْطَئُوا فَتَكَلَّمُوا بِذَلِكَ أَيْضًا , فَتَجَاوَزَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُمْ عَنْ ذَلِكَ , لِأَنَّهُمْ غَيْرُ مُخْتَارِينَ لِذَلِكَ , وَلَا قَاصِدِينَ إِلَيْهِ . وَقَدْ ذَهَبَ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ إِلَى هَذَا التَّفْسِيرِ أَيْضًا . حَدَّثَنَاهُ الْكَيْسَانِيُّ , عَنْ أَبِيهِ . فَالْحَدِيثُ يَحْتَمِلُ هَذَا الْمَعْنَى , وَيَحْتَمِلُ مَا قَالَ أَهْلُ الْمَقَالَةِ الْأُولَى , فَلَمَّا احْتَمَلَ ذَلِكَ , احْتَجْنَا إِلَى كَشْفِ مَعَانِيهِ , لِيَدُلَّنَا عَلَى أَحَدِ التَّأْوِيلَيْنِ ، فَنَصْرِفُ مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ إِلَيْهِ . فَنَظَرْنَا فِي ذَلِكَ , فَوَجَدْنَا الْخَطَأَ , هُوَ مَا أَرَادَ الرَّجُلُ غَيْرَهُ , فَفَعَلَهُ , لَا عَنْ قَصْدٍ مِنْهُ إِلَيْهِ , وَلَا إِرَادَةٍ مِنْهُ إِيَّاهُ , وَكَانَ السَّهْوُ مَا قَصَدَ إِلَيْهِ , فَفَعَلَهُ عَلَى الْقَصْدِ مِنْهُ إِلَيْهِ , عَلَى أَنَّهُ سَاهٍ عَنِ الْمَعْنَى الَّذِي يَمْنَعُهُ مِنْ ذَلِكَ الْفِعْلِ وَكَانَ الرَّجُلُ إِذَا نَسِيَ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْمَرْأَةُ لَهُ زَوْجَةً , فَقَصَدَ إِلَيْهَا , فَطَلَّقَهَا , فَكُلٌّ قَدْ أَجْمَعَ أَنَّ طَلَاقَهُ عَامِلٌ وَلَمْ يُبْطِلُوا ذَلِكَ لِسَهْوِهِ , وَلَمْ يَدْخُلْ ذَلِكَ السَّهْوُ فِي السَّهْوِ الْمَعْفُوِّ عَنْهُ فَإِذَا كَانَ السَّهْوُ الْمَعْفُوُّ عَنْهُ , لَيْسَ فِيهِ مَا ذَكَرْنَا مِنَ الطَّلَاقِ وَالْأَيْمَانِ , وَالْعَتَاقِ , كَانَ كَذَلِكَ الِاسْتِكْرَاهُ الْمَعْفُوُّ عَنْهُ , لَيْسَ فِيهِ أَيْضًا مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ فَثَبَتَ بِذَلِكَ , فَسَادُ قَوْلِ الَّذِينَ أَدْخَلُوا الطَّلَاقَ وَالْعَتَاقَ وَالْأَيْمَانَ فِي ذَلِكَ . وَاحْتَجَّ أَهْلُ الْمَقَالَةِ الْأُولَى أَيْضًا لِقَوْلِهِمْ , بِمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ
حَدَّثَنَا يُونُسُ , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَنَّ مَالِكًا حَدَّثَهُ , عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ , عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ التَّيْمِيِّ , عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَقَّاصٍ اللَّيْثِي أَنَّهُ , سَمِعَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ عَلَى الْمِنْبَرِ يَقُولُ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ , وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى , فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ , وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا , أَوْ إِلَى امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا , فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ , قَالَ : ثنا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ , قَالَ : ثنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ , عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ , فَذَكَرَ بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ . قَالُوا : فَلَمَّا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ ثَبَتَ أَنَّ عَمَلًا لَا يَنْفُذُ مِنْ طَلَاقٍ , وَلَا عَتَاقٍ , وَلَا غَيْرِهِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ مَعَهُ نِيَّةٌ فَكَانَ مِنَ الْحُجَّةِ لِلْآخَرِينَ فِي ذَلِكَ أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ لَمْ يُقْصَدْ بِهِ إِلَى الْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرَهُ هَذَا الْمُخَالِفُ , وَإِنَّمَا قَصَدَ بِهِ إِلَى الْأَعْمَالِ الَّتِي يَجِبُ بِهَا الثَّوَابُ . أَلَا تَرَاهُ يَقُولُ الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ , وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى يُرِيدُ , مِنَ الثَّوَابِ ثُمَّ قَالَ : فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ , فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ , وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ إِلَى امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا , فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ فَذَلِكَ لَا يَكُونُ إِلَّا جَوَابًا لِسُؤَالٍ كَانَ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ سُئِلَ عَمَّا لِلْمُهَاجِرِ فِي عَمَلِهِ , أَيْ : فِي هِجْرَتِهِ فَقَالَ : إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ حَتَّى أَتَى عَلَى الْكَلَامِ الَّذِي فِي الْحَدِيثِ وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ أَمْرِ الْإِكْرَاهِ عَلَى الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالرَّجْعَةِ وَالْأَيْمَانِ , فِي شَيْءٍ فَانْتَفَى هَذَا الْحَدِيثُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ فِيهِ حُجَّةٌ لِأَهْلِ الْمَقَالَةِ الَّتِي بَدَأْنَا بِذِكْرِهَا , عَلَى أَهْلِ الْمَقَالَةِ الَّتِي ثَنَّيْنَا بِذِكْرِهَا وَكَانَ مِمَّا احْتَجَّ بِهِ أَهْلُ الْمَقَالَةِ الثَّانِيَةِ لِقَوْلِهِمُ الَّذِي ذَكَرْنَا , مَا
حَدَّثَنَا فَهْدٌ , قَالَ : ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ , قَالَ : ثنا أَبُو أُسَامَةَ , عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ جُمَيْعٍ , قَالَ : ثنا أَبُو الطُّفَيْلِ , قَالَ : ثنا حُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ , قَالَ : مَا مَنَعَنِي أَنْ أَشْهَدَ بَدْرًا إِلَّا أَنِّي خَرَجْتُ أَنَا وَأَبِي , فَأَخَذَنَا كُفَّارُ قُرَيْشٍ , فَقَالُوا : إِنَّكُمْ تُرِيدُونَ مُحَمَّدًا فَقُلْنَا : مَا نُرِيدُ إِلَّا الْمَدِينَةَ فَأَخَذُوا مِنَّا عَهْدَ اللَّهِ وَمِيثَاقَهُ لَنَنْصَرِفَنَّ إِلَى الْمَدِينَةِ , وَلَا نُقَاتِلُ مَعَهُ , فَأَتَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فَأَخْبَرْنَاهُ فَقَالَ : انْصَرِفَا مِنَ الْوَفَاءِ , نَفِي - ضِدُّ الْغَدْرِ - لَهُمْ بِعُهُودِهِمْ , وَنَسْتَعِينُ اللَّهَ عَلَيْهِمْ . حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ دَاوُدَ , قَالَ : ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ صَالِحٍ , قَالَ : حَدَّثَنِي يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ , عَنِ الْوَلِيدِ , عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ , عَنْ حُذَيْفَةَ , قَالَ : خَرَجْتُ أَنَا وَأَبِي حُسَيْلٌ ، وَنَحْنُ نُرِيدُ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ , ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَهُ . قَالُوا : فَلَمَّا مَنَعَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ مِنْ حُضُورِ بَدْرٍ , لِاسْتِحْلَافِ الْمُشْرِكِينَ الْقَاهِرِينَ لَهُمَا , عَلَى مَا اسْتَحْلَفُوهُمَا عَلَيْهِ , ثَبَتَ بِذَلِكَ أَنَّ الْحَلِفَ عَلَى الطَّوَاعِيَةِ وَالْإِكْرَاهِ سَوَاءٌ , وَكَذَلِكَ الطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ وَهَذَا أَوْلَى مَا فُعِلَ فِي الْآثَارِ , إِذَا وُقِفَ عَلَى مَعَانِي بَعْضِهَا أَنْ يُحْمَلَ مَا بَقِيَ مِنْهَا عَلَى مَا لَا يُخَالِفُ ذَلِكَ الْمَعْنَى , مَتَى مَا قَدَرَ عَلَى ذَلِكَ , حَتَّى لَا تَضَادَّ فَثَبَتَ بِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ حَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي الشِّرْكِ , وَحَدِيثَ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الطَّلَاقِ وَالْأَيْمَانِ , وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَأَمَّا حُكْمُ ذَلِكَ مِنْ طَرِيقِ النَّظَرِ , فَإِنَّ فِعْلَ الرَّجُلِ مُكْرَهًا , لَا يَخْلُو مِنْ أَحَدِ وَجْهَيْنِ : إِمَّا أَنْ يَكُونَ الْمُكْرَهُ عَلَى ذَلِكَ الْفِعْلِ إِذَا فَعَلَهُ مُكْرَهًا , فِي حُكْمِ مَنْ لَمْ يَفْعَلْهُ , فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ أَوْ يَكُونَ فِي حُكْمِ مَنْ فَعَلَهُ , فَيَجِبُ عَلَيْهِ , مَا يَجِبُ عَلَيْهِ لَوْ فَعَلَهُ غَيْرَ مُسْتَكْرَهٍ . فَنَظَرْنَا فِي ذَلِكَ , فَرَأَيْنَاهُمْ لَا يَخْتَلِفُونَ فِي الْمَرْأَةِ إِذَا أَكْرَهَهَا زَوْجُهَا وَهِيَ صَائِمَةٌ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ أَوْ حَاجَّةٌ , فَجَامَعَهَا , أَنَّ حَجَّهَا يَبْطُلُ , وَكَذَلِكَ صَوْمُهَا وَلَمْ يُرَاعُوا فِي ذَلِكَ الِاسْتِكْرَاهِ , فَيُفَرِّقُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الطَّوَاعِيَةِ , وَلَا جُعِلَتِ الْمَرْأَةُ فِيهِ فِي حُكْمِ مَنْ لَمْ يَفْعَلْ شَيْئًا , بَلْ قَدْ جُعِلَتْ فِي حُكْمِ مَنْ قَدْ فَعَلَ فِعْلًا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحُكْمُ , وَرُفِعَ عَنْهَا الْإِثْمُ فِي ذَلِكَ خَاصَّةً وَكَذَلِكَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا أَكْرَهَ رَجُلًا عَلَى جِمَاعِ امْرَأَةٍ اضْطُرَّتْ إِلَى ذَلِكَ , كَانَ الْمَهْرُ , فِي النَّظَرِ , عَلَى الْمُجَامِعِ , لَا عَلَى الْمُكْرَهِ , وَلَا يَرْجِعُ بِهِ الْمُجَامِعُ عَلَى الْمُكْرَهِ , لِأَنَّ الْمُكْرَهَ لَمْ يُجَامِعْ , فَيَجِبُ عَلَيْهِ بِجِمَاعِهِ مَهْرٌ , وَمَا يَجِبُ فِي ذَلِكَ الْجِمَاعِ , فَهُوَ عَلَى الْمُجَامِعِ , لَا عَلَى غَيْرِهِ . فَلَمَّا ثَبَتَ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ أَنَّ الْمُكْرَهَ عَلَيْهَا مَحْكُومٌ عَلَيْهِ بِحُكْمِ الْفَاعِلِ كَذَلِكَ فِي الطَّوَاعِيَةِ , فَيُوجِبُونَ عَلَيْهِ فِيهَا مِنَ الْأَمْوَالِ , مَا يَجِبُ عَلَى الْفَاعِلِ لَهَا فِي الطَّوَاعِيَةِ , ثَبَتَ أَنَّهُ كَذَلِكَ الْمُطَلِّقُ وَالْمُعْتِقُ وَالْمُرَاجِعُ فِي الِاسْتِكْرَاهِ , يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِحُكْمِ الْفَاعِلِ , فَيَلْزَمُ أَفْعَالَهُ كُلَّهَا . فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ : فَلِمَ لَا أَجَزْتَ بَيْعَهُ وَإِجَارَتَهُ ؟ قِيلَ لَهُ : إِنَّا قَدْ رَأَيْنَا الْبُيُوعَ وَالْإِجَارَاتِ , قَدْ تُرَدُّ بِالْعُيُوبِ وَبِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ , وَبِخِيَارِ الشَّرْطِ , وَلَيْسَ النِّكَاحُ كَذَلِكَ , وَلَا الطَّلَاقُ وَلَا الْمُرَاجَعَةُ وَلَا الْعِتْقُ . فَمَا كَانَ قَدْ تُنْقَضُ بِالْخِيَارِ لِلشُّرُوطِ فِيهِ وَبِالْأَسْبَابِ الَّتِي فِي أَصْلِهِ مِنْ عَدَمِ الرُّؤْيَةِ وَالرَّدِّ بِالْعُيُوبِ , نُقِضَ بِالْإِكْرَاهِ , وَمَا لَا يَجِبُ نَقْضُهُ بِشَيْءٍ بَعْدَ ثُبُوتِهِ , لَمْ يُنْقَضْ بِإِكْرَاهٍ وَلَا بِغَيْرِهِ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ , وَأَبِي يُوسُفَ , وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمُ اللَّهُ ، وَقَدْ رَأَيْنَا مِثْلَ هَذَا قَدْ جَاءَتْ بِهِ السُّنَّةُ
حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي دَاوُدَ , قَالَ : ثنا الْوُحَاظِيُّ , قَالَ : ثنا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ , قَالَ : ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حَبِيبِ بْنِ أَرْدَكَ أَنَّهُ سَمِعَ عَطَاءَ بْنَ أَبِي رَبَاحٍ يَقُولُ : أَخْبَرَنِي يُوسُفُ بْنُ مَاهَكَ أَنَّهُ , سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يُحَدِّثُ عَنِ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، قَالَ : ثَلَاثٌ جِدُّهُنَّ جِدٌّ , وَهَزْلُهُنَّ جِدٌّ , النِّكَاحُ , وَالطَّلَاقُ , وَالرَّجْعَةُ . حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ مَرْزُوقٍ , قَالَ : ثنا الْخَصِيبُ , وَأَسَدٌ , قَالَا : ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ الدَّرَاوَرْدِيُّ , عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَبِيبِ بْنِ أَرْدَكَ , عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ , عَنِ ابْنِ مَاهَكَ , عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ , عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ مِثْلَهُ . حَدَّثَنَا فَهْدٌ , قَالَ : ثنا عَلِيُّ بْنُ مَعْبَدٍ , قَالَ : ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي كَثِيرٍ الْأَنْصَارِيُّ , عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَرْدَكَ , عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ , عَنِ ابْنِ مَاهَكَ , عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ , عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ مِثْلَهُ . فَلَمَّا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ثَلَاثٌ جِدُّهُنَّ جِدٌّ وَهَزْلُهُنَّ جِدٍّ فَمَنَعَ النِّكَاحَ مِنَ الْبُطْلَانِ بَعْدَ وُقُوعِهِ , وَكَذَلِكَ الطَّلَاقُ وَالْمُرَاجَعَةُ وَلَمْ نَرَ الْبُيُوعَ حُمِلَتْ عَلَى ذَلِكَ الْمَعْنَى , بَلْ حُمِلَتْ عَلَى ضِدِّهِ , فَجُعِلَ مَنْ بَاعَ لَاعِبًا , كَانَ بَيْعُهُ بَاطِلًا , وَكَذَلِكَ مَنْ أَجَرَ لَاعِبًا , كَانَتْ إِجَارَتُهُ بَاطِلَةً . فَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ - عِنْدَنَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ - إِلَّا لِأَنَّ الْبُيُوعَ وَالْإِجَارَاتِ , مِمَّا يُنْقَضُ بِالْأَسْبَابِ الَّتِي ذَكَرْنَا , فَنُقِضَتْ بِالْهَزْلِ , كَمَا نُقِضَتْ بِذَلِكَ . وَكَانَتِ الْأَشْيَاءُ الْأُخَرُ مِنَ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالرَّجْعَةِ , لَا يَبْطُلُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ , فَجُعِلَتْ غَيْرَ مَرْدُودٍ بِالْهَزْلِ . فَكَذَلِكَ أَيْضًا فِي النَّظَرِ , مَا كَانَ يُنْقَضُ بِالْأَسْبَابِ الَّتِي ذَكَرْنَا , نُقِضَ بِالْإِكْرَاهِ , وَمَا كَانَ لَا يُنْقَضُ بِتِلْكَ الْأَسْبَابِ , لَمْ يُنْقَضْ بِالْإِكْرَاهِ . وَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ
حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي دَاوُدَ , قَالَ : ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْعَلَّافُ , قَالَ : ثنا ابْنُ سَوَاءٍ , قَالَ : ثنا أَبُو سِنَانٍ , قَالَ : سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ يَقُولُ : طَلَاقُ السَّكْرَانِ وَالْمُكْرَهِ جَائِزٌ