عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ , قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " تَجَاوَزَ اللَّهُ لِي عَنْ أُمَّتِي , الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ , وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ "
حَدَّثَنَا رَبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْمُؤَذِّنُ , قَالَ : ثنا بِشْرُ بْنُ بَكْرٍ , قَالَ : أَخْبَرَنَا الْأَوْزَاعِيُّ , عَنْ عَطَاءٍ , عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ , عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ , قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : تَجَاوَزَ اللَّهُ لِي عَنْ أُمَّتِي , الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ , وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : فَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا أُكْرِهَ عَلَى طَلَاقٍ , أَوْ نِكَاحٍ , أَوْ يَمِينٍ , أَوْ إِعْتَاقٍ , أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ حَتَّى فَعَلَهُ مُكْرَهًا , أَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ بَاطِلٌ , لِأَنَّهُ قَدْ دَخَلَ فِيمَا تَجَاوَزَ اللَّهُ فِيهِ لِلنَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ عَنْ أُمَّتِهِ , وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِكَ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَخَالَفَهُمْ فِي ذَلِكَ آخَرُونَ , فَقَالُوا : بَلْ يَلْزَمُهُ مَا حَلَفَ بِهِ فِي حَالِ الْإِكْرَاهِ , مِنْ يَمِينٍ , وَيَنْفُذُ عَلَيْهِ طَلَاقُهُ , وَعَتَاقُهُ , وَنِكَاحُهُ , وَمُرَاجَعَتُهُ لِزَوْجَتِهِ الْمُطَلَّقَةِ , إِنْ كَانَ رَاجَعَهَا . وَتَأَوَّلُوا فِي هَذَا الْحَدِيثِ , مَعْنًى غَيْرَ الْمَعْنَى الَّذِي تَأَوَّلَهُ أَهْلُ الْمَقَالَةِ الْأُولَى فَقَالُوا : إِنَّمَا ذَلِكَ فِي الشِّرْكِ خَاصَّةً , لِأَنَّ الْقَوْمَ كَانُوا حَدِيثِي عَهْدٍ بِكُفْرٍ , فِي دَارٍ كَانَتْ دَارَ كُفْرٍ , فَكَانَ الْمُشْرِكُونَ إِذَا قَدَرُوا عَلَيْهِمْ , اسْتَكْرَهُوهُمْ عَلَى الْإِقْرَارِ بِالْكُفْرِ , فَيُقِرُّونَ بِذَلِكَ بِأَلْسِنَتِهِمْ , قَدْ فَعَلُوا ذَلِكَ بِعَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ , وَبِغَيْرِهِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ , وَرَضِيَ عَنْهُمْ , فَنَزَلَتْ فِيهِمْ {{ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ }} وَرُبَّمَا سَهْوًا , فَتَكَلَّمُوا بِمَا جَرَتْ عَلَيْهِ عَادَتُهُمْ قَبْلَ الْإِسْلَامِ , وَرُبَّمَا أَخْطَئُوا فَتَكَلَّمُوا بِذَلِكَ أَيْضًا , فَتَجَاوَزَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُمْ عَنْ ذَلِكَ , لِأَنَّهُمْ غَيْرُ مُخْتَارِينَ لِذَلِكَ , وَلَا قَاصِدِينَ إِلَيْهِ . وَقَدْ ذَهَبَ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ إِلَى هَذَا التَّفْسِيرِ أَيْضًا . حَدَّثَنَاهُ الْكَيْسَانِيُّ , عَنْ أَبِيهِ . فَالْحَدِيثُ يَحْتَمِلُ هَذَا الْمَعْنَى , وَيَحْتَمِلُ مَا قَالَ أَهْلُ الْمَقَالَةِ الْأُولَى , فَلَمَّا احْتَمَلَ ذَلِكَ , احْتَجْنَا إِلَى كَشْفِ مَعَانِيهِ , لِيَدُلَّنَا عَلَى أَحَدِ التَّأْوِيلَيْنِ ، فَنَصْرِفُ مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ إِلَيْهِ . فَنَظَرْنَا فِي ذَلِكَ , فَوَجَدْنَا الْخَطَأَ , هُوَ مَا أَرَادَ الرَّجُلُ غَيْرَهُ , فَفَعَلَهُ , لَا عَنْ قَصْدٍ مِنْهُ إِلَيْهِ , وَلَا إِرَادَةٍ مِنْهُ إِيَّاهُ , وَكَانَ السَّهْوُ مَا قَصَدَ إِلَيْهِ , فَفَعَلَهُ عَلَى الْقَصْدِ مِنْهُ إِلَيْهِ , عَلَى أَنَّهُ سَاهٍ عَنِ الْمَعْنَى الَّذِي يَمْنَعُهُ مِنْ ذَلِكَ الْفِعْلِ وَكَانَ الرَّجُلُ إِذَا نَسِيَ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْمَرْأَةُ لَهُ زَوْجَةً , فَقَصَدَ إِلَيْهَا , فَطَلَّقَهَا , فَكُلٌّ قَدْ أَجْمَعَ أَنَّ طَلَاقَهُ عَامِلٌ وَلَمْ يُبْطِلُوا ذَلِكَ لِسَهْوِهِ , وَلَمْ يَدْخُلْ ذَلِكَ السَّهْوُ فِي السَّهْوِ الْمَعْفُوِّ عَنْهُ فَإِذَا كَانَ السَّهْوُ الْمَعْفُوُّ عَنْهُ , لَيْسَ فِيهِ مَا ذَكَرْنَا مِنَ الطَّلَاقِ وَالْأَيْمَانِ , وَالْعَتَاقِ , كَانَ كَذَلِكَ الِاسْتِكْرَاهُ الْمَعْفُوُّ عَنْهُ , لَيْسَ فِيهِ أَيْضًا مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ فَثَبَتَ بِذَلِكَ , فَسَادُ قَوْلِ الَّذِينَ أَدْخَلُوا الطَّلَاقَ وَالْعَتَاقَ وَالْأَيْمَانَ فِي ذَلِكَ . وَاحْتَجَّ أَهْلُ الْمَقَالَةِ الْأُولَى أَيْضًا لِقَوْلِهِمْ , بِمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ