حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خُزَيْمَةَ قَالَ : ثنا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ : ثنا أَبَانُ , وَحَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ , قَالَا : ثنا شُعَيْبُ بْنُ الْحَبْحَابِ , عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ : أَعْتَقَ صَفِيَّةَ وَجَعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : فَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا أَعْتَقَ أَمَتَهُ , عَلَى أَنَّ عِتْقَهَا صَدَاقُهَا , جَازَ ذَلِكَ , فَإِنْ تَزَوَّجَهَا , فَلَا مَهْرَ لَهَا غَيْرُ الْعَتَاقِ . وَمِمَّنْ قَالَ بِهَذَا الْقَوْلِ , سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ , وَأَبُو يُوسُفَ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمَا . وَخَالَفَهُمْ فِي ذَلِكَ آخَرُونَ , فَقَالُوا : لَيْسَ لِأَحَدٍ غَيْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَفْعَلَ هَذَا , فَيَتِمُّ لَهُ النِّكَاحُ بِغَيْرِ صَدَاقٍ سِوَى الْعَتَاقِ , وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ خَاصًّا , لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ , جَعَلَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِغَيْرِ صَدَاقٍ , وَلَمْ يَجْعَلْ ذَلِكَ لِأَحَدٍ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرِهِ قَالَ عَزَّ وَجَلَّ : {{ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ }} . فَلَمَّا أَبَاحَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِنَبِيِّهِ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِغَيْرِ صَدَاقٍ , كَانَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ عَلَى الْعَتَاقِ الَّذِي لَيْسَ بِصَدَاقٍ . وَمَنْ لَمْ يُبِحِ اللَّهُ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ عَلَى غَيْرِ صَدَاقٍ , لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ عَلَى الْعَتَاقِ الَّذِي لَيْسَ بِصَدَاقٍ . وَمِمَّنْ قَالَ بِهَذَا الْقَوْلِ أَبُو حَنِيفَةَ , وَزُفَرُ , وَمُحَمَّدٌ , رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ . وَمِنَ الْحُجَّةِ لَهُمْ فِي ذَلِكَ , أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا , قَدْ رَوَى عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ فَعَلَ فِي جُوَيْرِيَةَ ذَلِكَ , مِثْلَ مَا رَوَى عَنْهُ أَنَسٌ أَنَّهُ فَعَلَهُ فِي صَفِيَّةَ
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ دَاوُدُ قَالَ : حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ حُمَيْدٍ قَالَ : ثنا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ : ثنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ , عَنِ ابْنِ عَوْنٍ قَالَ : كَتَبَ إِلَيَّ نَافِعٌ أَنَّ النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ أَخَذَ جُوَيْرِيَةَ فِي غَزْوَةِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ , فَأَعْتَقَهَا وَتَزَوَّجَهَا , وَجَعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا أَخْبَرَنِي بِذَلِكَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ , وَكَانَ فِي ذَلِكَ الْجَيْشِ فَقَدْ رَوَى هَذَا ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا , عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ كَمَا ذَكَرْنَا ثُمَّ قَالَ هُوَ مِنْ بَعْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ فِي مِثْلِ هَذَا , أَنَّهُ يُجَدِّدُ لَهَا صَدَاقًا . حَدَّثَنَا بِذَلِكَ سُلَيْمَانُ بْنُ شُعَيْبٍ قَالَ : ثنا الْخَصِيبُ قَالَ : ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ , عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ , عَنْ نَافِعٍ , عَنِ ابْنِ عُمَرَ مِثْلَ ذَلِكَ فَهَذَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا , قَدْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ الْحُكْمَ فِي ذَلِكَ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ , عَلَى غَيْرِ مَا كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ . فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ سَمَاعًا سَمِعَهُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ . وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ دَلَّهُ عَلَى ذَلِكَ الْمَعْنَى الَّذِي اسْتَدْلَلْنَا بِهِ نَحْنُ عَلَى خُصُوصِيَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فِي ذَلِكَ , بِمَا وَصَفْنَا دُونَ النَّاسِ . ثُمَّ نَظَرْنَا فِي عَتَاقِ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ جُوَيْرِيَةَ الَّتِي تَزَوَّجَهَا عَلَيْهِ وَجَعَلَهُ صَدَاقَهَا , كَيْفَ كَانَ ؟
فَإِذَا رَبِيعٌ الْمُؤَذِّنُ قَدْ حَدَّثَنَا قَالَ : ثنا أَسَدٌ قَالَ : ثنا يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا هُوَ ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ قَالَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ : حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ , عَنْ عُرْوَةَ , عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : لَمَّا أَصَابَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ سَبَايَا بَنِي الْمُصْطَلِقِ , وَقَعَتْ جُوَيْرِيَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ فِي سَهْمٍ لِثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ أَوْ لِابْنِ عَمٍّ لَهُ , فَكَاتَبَتْ عَلَى نَفْسِهَا قَالَتْ وَكَانَتِ امْرَأَةً حُلْوَةً , لَا يَكَادُ يَرَاهَا أَحَدٌ إِلَّا أَخَذَتْ بِنَفْسِهِ , فَأَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ تَسْتَعِينُهُ فِي كِتَابَتِهَا فَوَاللَّهِ مَا هُوَ إِلَّا أَنْ رَأَيْتُهَا عَلَى بَابِ الْحُجْرَةِ فَكَرِهْتُهَا , وَعَرَفْتُ أَنَّهُ سَيَرَى مِنْهَا مِثْلَ مَا رَأَيْتُ فَقَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ , أَنَا جُوَيْرِيَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ بْنِ أَبِي ضِرَارٍ , سَيِّدِ قَوْمِهِ , وَقَدْ أَصَابَنِي مِنَ الْأَمْرِ مَا لَمْ يَخْفَ فَوَقَعْتُ فِي سَهْمِ ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ , أَوْ لِابْنِ عَمٍّ لَهُ , فَكَاتَبْتُهُ , فَجِئْتُ رَسُولَ اللَّهِ أَسْتَعِينُهُ عَلَى كِتَابَتِي . قَالَ : فَهَلْ لَكَ مِنْ خَيْرٍ مِنْ ذَلِكَ قَالَتْ : وَمَا هُوَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : أَقْضِي عَنْكَ كِتَابَتَكَ وَأَتَزَوَّجُكَ قَالَتْ : نَعَمْ قَالَ : فَقَدْ فَعَلْتُ . وَخَرَجَ الْخَبَرُ إِلَى النَّاسِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ تَزَوَّجَ جُوَيْرِيَةَ بِنْتَ الْحَارِثِ , فَقَالُوا : صَاهَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ , فَأَرْسَلُوا مَا فِي أَيْدِيهِمْ . قَالَتْ : فَلَقَدْ أَعْتَقَ بِتَزْوِيجِهِ إِيَّاهَا مِائَةَ أَهْلِ بَيْتٍ مِنْ بَنِي الْمُصْطَلِقِ , فَلَا نَعْلَمُ امْرَأَةً كَانَتْ أَعْظَمَ بَرَكَةً عَلَى قَوْمِهَا مِنْهَا فَبَيَّنَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا الْعَتَاقَ الَّذِي ذَكَرَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا , أَنَّ النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ تَزَوَّجَهَا عَلَيْهِ , وَجَعَلَهُ مَهْرَهَا كَيْفَ هُوَ ؟ وَأَنَّهُ إِنَّمَا هُوَ أَدَاؤُهُ عَنْهَا مُكَاتَبَتَهَا إِلَى الَّذِي كَانَ كَاتَبَهَا لِتَعْتِقَ بِذَلِكَ الْأَدَاءِ . ثُمَّ كَانَ ذَلِكَ الْعَتَاقُ الَّذِي وَجَبَ بِأَدَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ الْمُكَاتَبَةَ إِلَى الَّذِي كَانَ كَاتَبَهَا مَهْرًا لَهَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ عَلَى مَا فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا . وَلَيْسَ هَذَا لِأَحَدٍ غَيْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ أَنْ يَدْفَعَ عَنْ مُكَاتَبَةٍ مُكَاتَبَتَهَا إِلَى مَوْلَاهَا , عَلَى أَنْ تَعْتِقَ بِأَدَائِهِ ذَلِكَ عَنْهَا , وَيَكُونُ ذَلِكَ الْعتاقُ مَهْرًا لَهَا مِنْ قِبَلِ الَّذِي أَدَّى عَنْهَا مُكَاتَبَتَهَا , وَتَكُونُ بِذَلِكَ زَوْجَةً لَهُ . فَلَمَّا كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ أَنْ يَجْعَلَ هَذَا مَهْرًا عَلَى أَنَّ ذَلِكَ خَاصٌّ لَهُ دُونَ أُمَّتِهِ , كَانَ لَهُ أَنْ يَجْعَلَ الْعَتَاقَ الَّذِي تَوَلَّاهُ هُوَ أَيْضًا , مَهْرًا لِمَنْ أَعْتَقَهُ , عَلَى أَنَّ ذَلِكَ خَاصٌّ لَهُ دُونَ أُمَّتِهِ . فَهَذَا وَجْهُ هَذَا الْبَابِ مِنْ طَرِيقِ الْآثَارِ . وَأَمَّا وَجْهُهُ مِنْ طَرِيقِ النَّظَرِ , فَإِنَّ أَبَا يُوسُفَ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ قَالَ : النَّظَرُ - عِنْدِي - فِي هَذَا , أَنْ يَكُونَ الْعَتَاقُ مَهْرًا لِلْمُعْتَقَةِ عَلَيْهِ , لَيْسَ لَهَا مَعَهُ غَيْرُهُ . وَذَلِكَ لِأَنَّا رَأَيْنَاهَا إِذَا وَقَعَ الْعَتَاقُ , عَلَى أَنْ تُزَوِّجَهُ نَفْسَهَا , ثُمَّ أَبَتِ التَّزْوِيجَ , أَنَّ عَلَيْهَا أَنْ تَسْعَى فِي قِيمَتِهَا . قَالَ : فَمَا كَانَ يَجِبُ عَلَيْهَا أَنْ تَسْعَى فِيهِ إِذَا أَبَتِ التَّزْوِيجَ , يَكُونُ مَهْرًا لَهَا , إِذَا أَجَابَتْ إِلَى التَّزْوِيجِ . قَالَ : وَإِنْ طَلَّقَهَا بَعْدَ ذَلِكَ , قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ , كَانَ عَلَيْهَا أَنْ تَسْعَى فِي نِصْفِ قِيمَتِهَا . وَقَدْ رُوِيَ هَذَا أَيْضًا عَنِ الْحَسَنِ
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خُزَيْمَةَ قَالَ : ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيُّ , عَنْ أَشْعَثَ , عَنِ الْحَسَنِ , فِي رَجُلٍ أَعْتَقَ أَمَتَهُ , وَجَعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا , ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا قَالَ : عَلَيْهَا أَنْ تَسْعَى فِي نِصْفِ قِيمَتِهَا وَكَانَ مِنَ الْحُجَّةِ فِي هَذَا عَلَى أَبِي يُوسُفَ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ , أَنَّ مَا ذَكَرَهُ مِنْ وُجُوبِ السِّعَايَةِ عَلَيْهَا , إِذَا أَبَتْ فِي قِيمَتِهَا , قَدْ قَالَ هُوَ أَبُو حَنِيفَةَ , وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمَا فَمَا لَزِمَهُمَا مِنْ ذَلِكَ فِي قَوْلِهَا إِذَا أَجَابَتْ إِلَى التَّزْوِيجِ , فَهُوَ لَازِمٌ لَهُمَا . وَأَمَّا زُفَرُ فَكَانَ يَقُولُ : لَا سِعَايَةَ عَلَيْهَا إِذَا أَبَتْ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ شَرَطَ عَلَيْهَا النِّكَاحَ فِي أَصْلِ الْعَتَاقِ , فَإِنَّمَا شَرَطَ ذَلِكَ عَلَيْهَا بِبَدَلٍ شَرَطَهُ لَهَا عَلَى نَفْسِهِ , وَهُوَ الصَّدَاقُ الَّذِي يَجِبُ لَهَا فِي قَوْلِهِ إِذَا أَجَابَتْ , فَكَانَ الْعَتَاقُ وَاقِعًا عَلَيْهَا لَا بِبَدَلٍ , وَالنِّكَاحُ الْمَشْرُوطُ عَلَيْهَا لَهُ بَدَلٌ , غَيْرُ الْعَتَاقِ . فَصَارَ ذَلِكَ , كَرَجُلٍ أَعْتَقَ عَبْدَهُ عَلَى أَنْ يَخْدُمَهُ سَنَةً بِأَلْفِ دِرْهَمٍ , فَقَبِلَ ذَلِكَ الْعَبْدُ ثُمَّ أَبَى أَنْ يَخْدُمَهُ , فَلَا شَيْءَ لَهُ عَلَيْهِ , لِأَنَّهُ لَوْ خَدَمَهُ , لَكَانَ يَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ بِاسْتِخْدَامِهِ إِيَّاهُ أَجْرًا , بَدَلًا مِنَ الْخِدْمَةِ . فَكَذَلِكَ إِذَا كَانَ مِنْ قَوْلِ زُفَرَ فِي الْأَمَةِ الْمُعْتَقَةِ عَلَى التَّزْوِيجِ , أَنَّهَا إِذَا أَجَابَتْ إِلَى التَّزْوِيجِ , وَجَبَ لَهَا مَهْرٌ بَدَلًا مِنْ بُضْعِهَا , فَإِذَا أَبَتْ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهَا بَدَلٌ مِنْ رَقَبَتِهَا , لِأَنَّ رَقَبَتَهَا عَتَقَتْ لَا بِبَدَلٍ , وَاشْتُرِطَ عَلَيْهَا نِكَاحٌ بِبَدَلٍ . وَلَا يَثْبُتُ الْبَدَلُ مِنَ النِّكَاحِ , إِلَّا بِثُبُوتِ النِّكَاحِ , كَمَا لَا يَثْبُتُ الْبَدَلُ عَلَى الْخِدْمَةِ إِلَّا بِثُبُوتِ الْخِدْمَةِ . فَلَيْسَ بُطْلَانُهُمَا , وَلَا بُطْلَانُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا , بِمُوجِبٍ فِي الْعَتَاقِ الَّذِي وَقَعَ عَلَى غَيْرِ شَيْءٍ بَدَلًا . فَهَذَا هُوَ النَّظَرُ فِي هَذَا الْبَابِ , كَمَا قَالَ زُفَرُ , لَا كَمَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ , وَأَبُو يُوسُفَ , وَمُحَمَّدٌ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ . وَقَدْ كَانَ أَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ , يَذْهَبُ فِي تَزْوِيجِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ صَفِيَّةَ عَلَى عِتْقِهَا , إِلَى مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ أَبُو حَنِيفَةَ , وَزُفَرُ , وَمُحَمَّدٌ , رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ أَيْضًا
حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي دَاوُدَ قَالَ : ثنا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ : ثنا حَمَّادٌ قَالَ : أَعْتَقَ هِشَامُ بْنُ حَسَّانٍ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ وَجَعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِأَيُّوبَ فَقَالَ : لَوْ كَانَ أَبَتَّ عِتْقَهَا ؟ فَقُلْتُ : أَلَيْسَ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ أَعْتَقَ صَفِيَّةَ , وَجَعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا ؟ فَقَالَ : لَوْ أَنَّ امْرَأَةً وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ كَانَ ذَلِكَ لَهُ . فَأَخْبَرْتُ بِذَلِكَ هِشَامًا , فَأَبَتَّ عِتْقَهَا وَتَزَوَّجَهَا , وَأَصْدَقَهَا أَرْبَعَمِائَةٍ . فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ : قَدْ رَأَيْتُ الرَّجُلَ يُعْتِقُ أَمَتَهُ عَلَى مَالٍ , وَتَقْبَلُ ذَلِكَ مِنْهُ , فَتَكُونُ حُرَّةً , وَيَجِبُ لَهُ عَلَيْهَا ذَلِكَ الْمَالُ , فَمَا تُنْكِرُ أَنْ يَكُونَ إِذَا أَعْتَقَهَا عَلَى أَنَّ عِتْقَهَا صَدَاقُهَا , فَقَبِلَتْ ذَلِكَ مِنْهُ أَنْ تَكُونَ حُرَّةً , وَيَجِبُ لَهُ ذَلِكَ الْمَالُ عَلَيْهَا ؟ قِيلَ لَهُ : إِذَا أَعْتَقَهَا عَلَى مَالٍ , فَقَبِلَتْ ذَلِكَ مِنْهُ , وَجَبَ لَهَا عَلَيْهِ الْعَتَاقُ , وَوَجَبَ لَهُ عَلَيْهَا الْمَالُ , فَوَجَبَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِذَلِكَ الْعَقْدِ الَّذِي تَعَاقَدَا بَيْنَهُمَا شَيْءٌ أَوْجَبَهُ لَهُ ذَلِكَ الْعَقْدُ , لَمْ يَكُنْ مَالِكًا لَهُ قَبْلَ ذَلِكَ . وَإِذَا أَعْتَقَهَا عَلَى أَنَّ عِتْقَهَا صَدَاقُهَا , فَقَدْ مَلَّكَهَا رَقَبَتَهَا , عَلَى أَنْ مَلَّكَتْهُ بُضْعَهَا , فَمَلَّكَهَا رَقَبَةً هُوَ لَهَا مَالِكٌ , وَلَمْ تَكُنْ هِيَ مَالِكَةً لَهَا قَبْلَ ذَلِكَ عَلَى أَنْ مَلَّكَتْهُ بُضْعَهَا هُوَ لَهُ مَالِكٌ قَبْلَ ذَلِكَ , فَلَمْ تُمَلِّكْهُ بِذَلِكَ الْعَتَاقِ شَيْئًا , لَمْ يَكُنْ مَالِكًا لَهُ قَبْلَهُ إِنَّمَا مَلَّكَتْهُ بَعْضَ مَا قَدْ كَانَ لَهُ . فَكَذَلِكَ لَمْ يَجِبْ لَهُ عَلَيْهَا بِذَلِكَ الْعَتَاقِ شَيْءٌ , وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ الْعَتَاقُ لَهَا صَدَاقًا . هَذِهِ حُجَّةٌ عَلَى مَنْ يَقُولُ تَكُونُ زَوْجَةً لَهُ بِالْعَتَاقِ الَّذِي هُوَ لَهَا صَدَاقٌ . فَأَمَّا مَنْ يَقُولُ : لَا تَكُونُ زَوْجَتَهُ إِلَّا بِنِكَاحٍ مُسْتَأْنَفٍ بَعْدَ الْعَتَاقِ , وَالصَّدَاقُ لَهُ وَاجِبٌ عَلَيْهَا بِالْعَتَاقِ , وَيَتَزَوَّجُهَا عَلَيْهِ مَتَى أَحَبَّ , فَإِنَّ الْحُجَّةَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ لَهُ : فَلِمُعْتِقِهَا أَنْ يَأْخُذَهَا بِغُرْمِ ذَلِكَ الصَّدَاقِ الَّذِي قَدْ وَجَبَ لَهُ عَلَيْهَا بِالْعَتَاقِ . فَإِنْ قَالَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا بِهِ , خَرَجَ بِذَلِكَ مِنْ قَوْلِ أَهْلِ الْعِلْمِ جَمِيعًا . وَإِنْ قَالَ : لَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا بِهِ , قِيلَ لَهُ : فَمَا الصَّدَاقُ الَّذِي أَوْجَبَ لَهُ عَلَيْهَا الْعَتَاقَ ؟ أَمَالٌ هُوَ أَمْ غَيْرُ مَالٍ ؟ فَإِنْ كَانَ مَالًا , فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا بِمَا لَهُ عَلَيْهَا مِنَ الْمَالِ مَتَى أَحَبَّ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَالٍ , فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا عَلَى غَيْرِ مَالٍ . فَثَبَتَ بِمَا ذَكَرْنَا فَسَادُ هَذَا الْقَوْلِ أَيْضًا , وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ