عنوان الفتوى : لا يخلو زمان من مجتهد يقوم لله بالحجة على خلقه
هل يستطيع أحد في عصرنا أن يصل إلى درجة اجتهاد الأئمة الأربعة أي الاجتهاد المطلق وكيف نفسر مخالفة ابن تيمية للأئمة في بعض المسائل ومخالفة بعض العلماء المعاصرين أيضا أنأخذ برأيهم المخالف للأئمة أم نتركه ؟ وجزاكم الله خيرا.
خلاصة الفتوى: باب الاجتهاد مفتوح لأهله وفي محله، ويمكن أن يصل إليه من توفرت فيه شروطه في أي زمان ومكان.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن الاجتهاد في اصطلاح أهل العلم هو : بذل الفقيه وسعه بالنظر في الأدلة ليحصل له الظن أو القطع بأن حكم الله في المسألة الوجوب أو المنع أو الكراهة أو الاستحباب أو الإباحة.. بناء على معطيات الأدلة.
والأصل فيه قول الله تعالى : يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ {المائدة: من الآية95}، وقوله: وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ {الأنبياء: 78}. وقوله صلى الله عليه وسلم: إذا اجتهد الحاكم فأصاب..
وشروطه: إحاطة المجتهد بمدارك الأحكام من الكتاب والسنة، ومعرفة الناسخ منها والمنسوخ، ومعرفة الإجماع والقياس... والراجح من الأدلة عند ظهور التعارض وتقديم ما يجب تقديمه منها كتقديم النص على القياس، ومعرفة ما يصلح للاحتجاج من الحديث، ومعرفة القدر اللازم لفهم الكلام من النحو واللغة.. وأن يكون حديد الفهم عنده الملكة الطبيعية التي تؤهله لفهم النصوص والمقاصد الشرعية وأحوال الناس..
هذا باختصار مجمل ما عرف به الأصوليون الاجتهاد والمجتهد، وبناء عليه فإنه لا مانع شرعا ولا عقلا أن يصل عالم إلى درجة الاجتهاد المطلق كالأئمة الأربعة وغيرهم، أو يصل إلى رتبة مجتهد المذهب الذي هو دون ذلك، أو الاجتهاد في فرع من فروع الشريعة أو باب من أبوابها، لأن الاجتهاد يتجزأ عند أكثر أهل العلم.
وقد نص أهل العلم على أنه لا يخلو زمان من مجتهد يقوم لله بالحجة على خلقه، وينصر السنة وينكر البدعة.. بناء على الحديث المتفق عليه: لا تزال طائفة من أمتي على الحق..
قال صاحب المراقي:
والأرض لا عن قائم مجتهدِ * تخلو إلى تزلزل القواعدِ
وهو جائز بحكم العقل * مع احتمال كونه بالنقل.
ومخالفة ابن تيمية أو غيره من العلماء ممن عاصروا الأئمة الأربعة أو ممن جاء بعد ذلك كان بناء على أدلة ذكروها، أو اجتهادات توصلوا إليها بناء على معطيات الاجتهاد والأدلة.. حسب رأيهم.
وأما الأخذ بما خالف فيه بعضهم فإنه يتوقف على معرفة أدلة المتخالفين؛ فإن كان دليل المخالفين أقوى وجب الأخذ به مهما كان قائله، وهو ما كان الأئمة الأربعة- رحمهم الله- يعلمونه لطلابهم، فقد اتفقوا على أن الدليل إذا ثبت وجب اتباعه، كما قال تعالى: اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ {الأعراف: 3}
وقد اتفق أهل العلم على أن المخطئ في الفروع مع استكماله الشروط معذور في خطئه مأجور باجتهاده؛ كما في الحديث المتفق عليه: إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر.
وبإمكانك أن تطلع على المزيد من الفائدة في الفتاوى: 2673، 97985، 31408.
والله أعلم.