عنوان الفتوى : ماهية النعيم والعذاب في البرزخ
هل صح أن ابن القيم في كتابه: "حادي الأرواح" يرى أن نعيم الجنة روحي لا جسدي؟.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالعلامة ابن القيم -رحمه الله تعالى- في كتابه الروح يرى أن نعيم الجنة يكون للروح والبدن، ولعل من نسب إليه القول بأنه للروح فقط خلط بين مقالين:
الأول: نعيم أرواح المؤمنين والشهداء بالجنة قبل قيام الساعة فإنه يكون للروح والبدن، ويكون للروح دون البدن.
الثاني: بعد قيام الساعة ودخول الجنة فإنه يكون لهما معا مطلقا.
وقد نص على ذلك في الكتاب المذكور بعد إيراده لما رواه مالك في الموطأ عن ابن شهاب عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك أخبره أن أباه كعب بن مالك كان يحدث أن رسول الله قال: إنما نسمة المؤمن طائر تعلق في شجرة الجنة حتى يرجعه الله إلى حياة يوم يبعثه.
فقال: واختلف العلماء في معنى هذا الحديث فقال قائلون منهم: أرواح المؤمنين عند الله في الجنة شهداء كانوا أم غير شهداء إذا لم يحبسهم عن الجنة كبيرة ولا دين وتلقاهم ربهم بالعفو عنهم والرحمة لهم.
قال: واحتجوا بأن هذا الحديث لم يخص فيه شهيدا من غير شهيد..
وقال آخرون: إنما معنى هذا الحديث في الشهداء دون غيرهم لأن القرآن والسنة إنما يدلان على ذلك. أما القرآن فقوله تعالى: وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آَتَاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ {آل عمران:169-170}
ثم قال رحمه الله: لا تنافي بين قوله: نسمة المؤمن طائر يعلق في شجرة الجنة، وبين قوله: إن أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشي، إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة، وإن كان من أهل النار فمن أهل النار، هذا الخطاب يتاول الميت على فراشه والشهيد. كما أن قوله: نسمة المؤمن طائر يعلق في شجرة الجنة، يتناول الشهيد وغيره، ومع كونه يعرض عليه مقعده بالغداة والعشي ترد روحه أنهار الجنة وتأكل من ثمارها.
وقال: الميت إذا مات يكون في نعيم أو عذاب، وأن ذلك يحصل لروحه وبدنه، وأن الروح تبقى بعد مفارقة البدن منعمة أو معذبة، وأنها تتصل بالبدن أحيانا ويحصل له معها النعيم أو العذاب، ثم إذا كان يوم القيامة الكبرى أعيدت الأرواح إلى الأجساد، وقاموا من قبورهم لرب العالمين، ومعاد الأبدان متفق عليه بين المسلمين واليهود والنصارى.
ونقل عن شيخه ابن تيمية رحمه الله أنه قال: العذاب والنعيم على النفس والبدن جميعا باتفاق أهل السنة والجماعة، تنعم النفس وتعذب منفردة عن البدن، وتنعم وتعذب متصلة بالبدن والبدن متصل بها، فيكون النعيم والعذاب عليها في هذه الحال مجتمعين، كما تكون على الروح منفردة عن البدن، وهل يكون العذاب والنعيم للبدن بدون الروح؟ هذا فيه قولان مشهوران لأهل الحديث والسنة وأهل الكلام، وفي المسألة أقوال شاذة ليست من أقوال أهل السنة والحديث.
والله أعلم.