عنوان الفتوى : الائتمام بمن يفعل ما يبطل الوضوء على مذهب المأموم
أنا طالب في السنة الأولى في كلية الشريعة أقوم بعمل بحث حول الصلاة وراء من خالف في المذهب وذلك من نظرة المذهب الشافعي فوجدت أن الفقهاء قسموا المذاهب والفرق إلى 3 أقسام منها ما هو ضمن أهل السنة والجماعة مثل الشافعية والحنفية والمالكية والحنبلية، ومنها ما هو ضمن الإسلام ولكن ليسوا من أهل السنة والجماعة ومنهم من خرج من ملة الإسلام كالبهائية، وبدأت في الصنف الأول ووجدت أن صلاة المأموم باطلة إذا كانت صلاة الإمام كذلك وعليه فصلاة الشافعي خلف حنفي لمس امرأة غير صحيحة لأن صلاة الإمام باطلة باعتقاد المأموم وهذا وجدته في كتاب الفقه الإسلامي وأدلته للدكتور وهبة الزحيلي (ج2ص1199)، وفي عدة مراجع أخرى مثل البيان في مذهب الإمام الشافعي للإمام العمراني (ج2ص391)، فأن كانت الصلاة خلف المخالف من أهل السنة والجماعة كالحنفية والمالكية تكره أو لا تصح فالأولى أنها لا تصح خلف من خالفوا أهل السنة والجماعة بكثير عما خالف الحنفية الشافعية ومثلهم... ورد في حديث النبي صلى الله عليه: عليكم بالجماعة وإياكم والفرقة؛ فإن الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد، من أراد بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة. [أخرجه الترمذي]، وقوله صلى الله عليه وسلم: من فارق الجماعة شبراً فمات فميتته جاهلية [رواه البخاري ومسلم]، كيف نوفق في تطبيق سنة النبي صلى الله عليه وسلم بملازمة الجماعات وما ذكرته سابقاً من الاختلاف، وجدت أني إذا تابعت البحث بهذه الطريقة فسأصل إلى نتيجة أن كل مذهب يصلي خلف إمام من مذهبه فقط وهذا سبب للفرقة والخلاف، فأفيدوني أفادكم الله هل ما وصلت إليه هو الصواب، وأرجو ذكر المراجع لأذكرها في بحثي؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
ففي سؤالك مسألتان: الأولى: الصلاة خلف إمام علم المأموم أنه ارتكب ما يبطل الوضوء في اعتقاده، والإمام لا يرى أنه مبطل له كالحنفي لو مس امرأته وتقدم للصلاة فهل للشافعي الذي يرى أن مس المرأة ينقض الوضوء أن يصلي خلفه أم لا؟ وفي هذه المسألة خلاف بين أهل العلم، ومبناها على أصل وهو هل العبرة في الحالة المذكورة باعتقاد الإمام أو باعتقاد المأموم، والراجح فيها أن العبرة باعتقاد الإمام، وأن للمأموم أن يصلي خلفه. وقد سئل عن ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية ففصل فيها وأورد كلام أهل العلم فقال: نعم تجوز صلاة بعضهم خلف بعض كما كان الصحابة والتابعون لهم بإحسان ومن بعدهم من الأئمة الأربعة يصلي بعضهم خلف بعض مع تنازعهم في هذه المسائل المذكورة وغيرها. ولم يقل أحد من السلف إنه لا يصلي بعضهم خلف بعض، ومن أنكر ذلك فهو مبتدع ضال مخالف للكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة وأئمتها، وقد كان الصحابة والتابعون ومن بعدهم: منهم من يقرأ البسملة ومنهم من لا يقرؤها، ومنهم من يجهر بها ومنهم من لا يجهر بها، وكان منهم من يقنت في الفجر ومنهم من لا يقنت، ومنهم من يتوضأ من الحجامة والرعاف والقيء... ومنهم من لا يتوضأ من ذلك، ومنهم من يتوضأ من مس الذكر ومس النساء بشهوة ومنهم من لا يتوضأ من ذلك، ومنهم من يتوضأ من القهقهة في صلاته ومنهم من لا يتوضأ من ذلك. ومنهم من يتوضأ من أكل لحم الإبل ومنهم من لا يتوضأ من ذلك، ومع هذا فكان بعضهم يصلي خلف بعض: مثل ما كان أبو حنيفة وأصحابه والشافعي وغيرهم يصلون خلف أئمة أهل المدينة من المالكية وإن كانوا لا يقرءون البسملة لا سراً ولا جهراً، وصلى أبو يوسف خلف الرشيد وقد احتجم وأفتاه مالك بأنه لا يتوضأ فصلى خلفه أبو يوسف ولم يعد.
وكان أحمد بن حنبل يرى الوضوء من الحجامة والرعاف فقيل له: فإن كان الإمام قد خرج منه الدم ولم يتوضأ. تصلي خلفه؟ فقال: كيف لا أصلي خلف سعيد بن المسيب ومالك.
وبالجملة فهذه المسائل لها صورتان:
إحداهما: أن لا يعرف المأموم أن إمامه فعل ما يبطل الصلاة فهنا يصلي المأموم خلفه باتفاق السلف والأئمة الأربعة وغيرهم، وليس في هذا خلاف متقدم، وإنما خالف بعض المتعصبين من المتأخرين: فزعم أن الصلاة خلف الحنفي لا تصح وإن أتى بالواجبات، لأنه أداها وهو لا يعتقد وجوبها وقائل هذا القول إلى أن يستتاب كما يستتاب أهل البدع أحوج منه إلى أن يعتد بخلافه، فإنه ما زال المسلمون على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وعهد خلفائه يصلي بعضهم ببعض وأكثر الأئمة لا يميزون بين المفروض والمسنون بل يصلون الصلاة الشرعية ولو كان العلم بهذا واجباً لبطلت صلوات أكثر المسلمين، ولم يمكن الاحتياط فإن كثيراً من ذلك فيه نزاع وأدلة ذلك خفية وأكثر ما يمكن المتدين أن يحتاط من الخلاف وهو لا يجزم بأحد القولين، فإن كان الجزم بأحدهما واجباً فأكثر الخلق لا يمكنهم الجزم بذلك، وهذا القائل نفسه ليس معه إلا تقليد بعض الفقهاء ولو طولب بأدلة شرعية تدل على صحة قول إمامه دون غيره لعجز عن ذلك، ولهذا لا يعتد بخلاف مثل هذا فإنه ليس من أهل الاجتهاد.
الصورة الثانية: أن يتيقن المأموم أن الإمام فعل ما لا يسوغ عنده: مثل أن يمس ذكره أو النساء لشهوة أو يحتجم أو يفتصد أو يتقيأ. ثم يصلي بلا وضوء فهذه الصورة فيها نزاع مشهور.
فأحد القولين: لا تصح صلاة المأموم، لأنه يعتقد بطلان صلاة إمامه. كما قال ذلك من قاله من أصحاب أبي حنيفة والشافعي وأحمد.
والقول الثاني: تصح صلاة المأموم، وهو قول جمهور السلف وهو مذهب مالك وهو القول الآخر في مذهب الشافعي وأحمد، بل وأبي حنيفة وأكثر نصوص أحمد على هذا، وهذا هو الصواب، لما ثبت في الصحيح وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: يصلون لكم، فإن أصابوا فلكم ولهم، وإن أخطئوا فلكم وعليهم. فقد بين صلى الله عليه وسلم أن خطأ الإمام لا يتعدى إلى المأموم ولأن المأموم يعتقد أن ما فعله الإمام سائغ له، وأنه لا إثم عليه فيما فعل، فإنه مجتهد أو مقلد مجتهد، وهو يعلم أن هذا قد غفر الله له خطأه فهو يعتقد صحة صلاته وأنه لا يأثم إذا لم يعدها بل لو حكم بمثل هذا لم يجز له نقض حكمه بل كان ينفذه. وإذا كان الإمام قد فعل باجتهاده فلا يكلف الله نفساً إلا وسعها، والمأموم قد فعل ما وجب عليه كانت صلاة كل منهما صحيحة، وكان كل منهما قد أدى ما يجب عليه، وقد حصلت موافقة الإمام في الأفعال الظاهرة، وقول القائل: إن المأموم يعتقد بطلان صلاة الإمام خطأ منه فإن المأموم يعتقد أن الإمام فعل ما وجب عليه وأن الله قد غفر له ما أخطأ فيه، وأن لا تبطل صلاته لأجل ذلك، ولو أخطأ الإمام والمأموم فسلم الإمام خطأ واعتقد المأموم جواز متابعته فسلم كما سلم المسلمون خلف النبي صلى الله عليه وسلم لما سلم من اثنتين سهواً مع علمهم بأنه إنما صلى ركعتين، وكما لو صلى خمسا سهواً فصلوا خلفه خمساً كما صلى الصحابة خلف النبي صلى الله عليه وسلم لما صلى بهم خمسا فتابعوه مع علمهم بأنه صلى خمساً، لاعتقادهم جواز ذلك فإنه تصح صلاة المأموم في هذه الحال، فكيف إذا كان المخطئ هو الإمام وحده. وقد اتفقوا كلهم على أن الإمام لو سلم خطأ لم تبطل صلاة المأموم إذا لم يتابعه ولو صلى خمساً لم تبطل صلاة المأموم إذا لم يتابعه فدل ذلك على أن ما فعله الإمام خطأ لا يلزم فيه بطلان صلاة المأموم.
المسألة الثانية: الصلاة خلف المبتدع غير الكافر كالخارجي أو المرجئ، فتصح الصلاة عند أهل السنة والجماعة خلف المسلم العاصي ببدعة أو معصية إذا لم تمكن مع غيره أو كان في تركها فتنة وشقاق، لما في صحيح البخاري عن أبي هريرة أن رسول الله قال: يصلون لكم، فإن أصابوا فلكم، وإن أخطأوا فلكم وعليهم.
وفي صحيح البخاري أن عبد الله بن عمر رضي الله عنه كان يصلي خلف الحجاج بن يوسف الثقفي، وكذا أنس بن مالك وكان الحجاج فاسقاً ظالماً.
وقال الإمام الطحاوي رحمه الله في عقيدته المشهورة: ونرى الصلاة خلف كل بر وفاجر من أهل القبلة، وعلى من مات منهم. وقال ابن أبي العز رحمه الله في شرحها: ومن ترك الجمعة والجماعة خلف الإمام الفاجر، فهو مبتدع عند أكثر العلماء، والصحيح أنه يصليها ولا يعيدها، فإن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يصلون الجمعة والجماعة خلف الأئمة الفجار ولا يعيدون، كما كان عبد الله بن عمر يصلي خلف الحجاج بن يوسف، وكذلك أنس رضي الله عنه كما تقدم وكذلك عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وغيره يصلون خلف الوليد بن عقبة بن أبي معيط، وكان يشرب الخمر، حتى إنه صلى بهم الصبح مرة أربعاً، ثم قال: أزيدكم؟ فقال له ابن مسعود: ما زلنا معك منذ اليوم في زيادة! وفي الصحيح: أن عثمان بن عفان رضي الله عنه لما حصر صلى بالناس شخص، فسأل سائل عثمان: إنك إمام عامة، وهذا الذي صلى بالناس إمام فتنة؟ فقال: يا ابن أخي إن الصلاة من أحسن ما يعمل الناس، فإذا أحسنوا فأحسن معهم، وإذا أساءوا فاجتنب إساءتهم.
والفاسق والمبتدع صلاته في نفسها صحيحة، فإذا صلى المأموم خلفه لم تبطل صلاته، لكن إنما كره من كره الصلاة خلفه، لأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب، ومن ذلك: أن من أظهر بدعة وفجوراً لا يرتب إماماً للمسلمين، فإنه يستحق التعزير حتى يتوب، فإذا أمكن هجره حتى يتوب كان حسناً، وإذا كان بعض الناس إذا ترك الصلاة خلفه وصلى خلف غيره أثر ذلك في إنكار المنكر حتى يتوب أو يعزل أو ينتهي الناس عن مثل ذنبه، فمثل هذا إذا ترك الصلاة خلفه كان في ذلك مصلحة شرعية، ولم تفت المأموم الجمعة ولا الجماعة.
فأحاديث الحث على الجماعة التي ذكرتها يعمل بها ولا تترك الجمعة والجماعة خلف أئمة الجور والمبتدعة الذين لا يزالون في حوزة الإسلام ومن هنا تبين أنه لا تعارض ولا فرقة ولله الحمد.
والله أعلم.