أرشيف المقالات

علمتني الحياة على الكوكب الأزرق - أسماء محمد لبيب

مدة قراءة المادة : 9 دقائق .
عشر دروس مستفادة من منشورات انتشرت على الفيس في الآونة الأخيرة، بخصوص عدد من حالات الوفاة بين إخواننا المسلمين بشكل عام.. 
أكرر، عدد من حالات الوفاة وبشكل عام، والعبر تزيد عن عشرة بالتأكيد، ولكنه ما استوعبه عقلي المحدود من علم الله الواسع.. 
أقول العشرة والله المستعان:
1- المسلم الميت من أهل الصلاح عامة لا ينبغي لنا أن نتكلم -بشكل علني سواء على الفيسبوك أو خارجه- إلا عن محاسنه، ويجب أن نصمت عن سوئاته "اقروا الجملة تاني كلمة كلمة أرجوكم، كل كلمة لا غنى عنها فلا تقتصوا الجملة وتبتروا المعنى"، فمهما كثر اللغط عن سوئات هذا الميت، وكان الكلام مغرٍ بالتناقل والتناول، وله مائةُ مبرر شرعي أو غير شرعي للبوح به، فلنعصم ألسنتنا من هذا الأمر علنًا تمامًا، نستر ولا نفضح..
سترنا الله حين نصير إلى ما صار إليه الأموات آمين. 

ولو كان هناك كلام عليه سرًا فلغرض شرعي من اتفاق مثلاً على نشر توعية ما على سبيل المثال، تنفر الناس من أفعاله الخاطئة كيلا يُفتن بها الأحياءُ من بعده، ويكون ذلك في أضيق الحدود المباحة من الغيبة في هذا الصدد، بما تستدعيه الحاجة والضرورة لتعيينه بالاسم..
سِرًا أو علنًا، وأن تستعففوا خير لكم.
2- المسلم الحي بشكل عام مطالب بعدم نشر أي أفعال أو أقوال أو أخبار أو صور فيها سفور أو محرمات، أوتبرج أو خلاعة أو موسيقى أو كلام خطأ شرعًا، أو معلومات مغلوطة غير مُتثَبَّتٍ منها تضر الناس وتضل مسعاهم عامة إلخ..
فمن رأى من الأحياء منا أحدَنا ممن يفعل ذلك فلينبهه إلى أنه سيأتي عليه يوم تحت الأرض يندم فيه لا ريب، ويعض على يديه ويقول رب ارجعون لعلي أعمل صالحا فيما تركت..
وأنَّى له الندم حينها! فالإجابة معروفة: (كلا)! فليغير المنكر ما دام فوق الأرض يتنفس.
3- لا تتركوا وراءكم في أي موضع شيئًا مما تستحون من رؤيته في صحيفتكم، خاصة على مواقع النت والفيسبوك وتويتر، حيث تتطاير الأقوال بسرعة البرق..
راجعوا صوركم وراجعوا سجل النشاطات (الأكتيفيتي لوج) فهو نموذج مصغر مما يستنسخه الكتبةُ الكرامُ على يمينكم وشمالكم باستمرار، فلا تتهاونوا.. 
على سبيل المثال: صورة سافرة، أو صورة بها محرمات مهما قل شأنها أو كبُر، تعليق لا يرضي الله، خبر يضر ولا ينفع يذيع الخوف بين المؤمنين، إشاعة كاذبة، دعوة مضلة، مُزحة تستهزئ بالدين أو تحضُّ الناس على كراهية الزواج مثلا أو تهدم القيم الإسلامية وتسخر من الهوية إلخ...
احذفوا أولًا بأول قبل ارتخاء الأعضاء، وجفاف الدماء في العروق، والعجز عن الإصلاح ولو باللسان..
ولن تجدوا من بعدكم من هو حريص على صحيفتكم مثلكم إلا نادرًا..
وما حكَّ جلدَك مثلُ ظفرِك.
4- مجتمع الفيسبوك فيه سفهاء كُثُر في الحقيقة، احسبوا حسابًا لهم بعد موتكم، ولا تتركوا في أيديهم من أموركم ما لن يتأخروا لحظة واحدة عن إضراركم به بعد زوال رقابتكم عليهم بموتكم، فإنَّ أضرَّ الناسِ بنا بعد موتنا هم أربعة: (الجهلاءُ، والسفهاءُ، ومتبعي الأهواءِ، وذوي القلوب السوداءِ) نسأل الله السلامة، وألا يُملِّكَهُم أبدًا أمرًا من أمورنا التي أسرفنا فيها ومنَعَنا طولُ الأملِ من التوبة عنها.
5- لا تستصغروا كلمة من ثلاث حروف، ولو كانت بلغة أجنبية حتى، مثل (cpd) -والتي هي اختصار (copied) بمعنى منقول، ولكن يبدو أن حروف الكيبورد بمثقال دينار ربما مما استوجب الاختصار!- أقول: حتى تلك الأحرف الثلاثة لا تستقلوا كتابتها حين تنقلون مقالاً ليس من تأليفكم، فرغم قلة عدد تلك الحروف وصغر الكلمة بجوار كلمات المقال الطويل العريض المنقول، ورغم تأخر موضعها في آخر الكلام كذلك، وعدم وضوح معناها أيضًا عند البعض، إلا إنها تجيزكم من ممر السارقين إلى ممر غير السارقين.. 
فلولا تلك الكلمة البسيطة كما قلنا، لكنتم ضمن من سَجَّلَتْ أسماءَهم الملائكة ُ ضمن من يَغُلُّ وينسبُ الفضلَ لنفسه ويُحبُ أن يُحمدَ بما لم يفعل {وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [آل عمران من الآية:161]، (وإن كان الأفضلُ نسبةَ الخير لأهله مباشرة بالطبع، ولكن أحيانًا لا ندري من صاحب المقال بالفعل، فإن تعذَّرَ فلا تَحقِرَنَّ من المعروف شيئًا، اكتبوا منقول وذلك أضعف الإيمان ، حتى لا تُكتَبُوا عندالله من السارقين) فاحذروا الأمر في حياتكم، حتى إن متم لم تتركوا الغلول ينتشر باسمكم، وما أوسع انتشاره بعد موتكم!
6- من أهم الأعمال المُنجية: خبيئةٌ بينك وبين ربك لا يعلم عنها أحد شيئًا، يفتح الله لك بها فتوحًا مذهلة بالرحمات والدعوات والذكر الطيب، ولسان صدق في العالمين بما يبلغ الآفاق حول العالم ولا يُحصي عدده إلا الله.
7- من إعجاز الله وعظيم قدرته، أنه عز وجل قد يجعل موتَك عظةً لناس وفتنةً لآخرين في نفس الوقت ! اللهم لا تجعلنا إلا موعظةً حسنةً يارب، تهدي بها الناس، ولا تجعلنا إلا دعوةً تقيم بها الحجةَ والعدلَ على الطغاة الظالمين..
ولا تفتنا ولا تفتن بنا، لا أحياءً ولا أمواتًا، ولا تجعلنا أحاديثًا تلوكها الألسنُ بالسوء بعد مماتنا، يكفينا فعل الدودِ بنا يا رب..
ولا عاصمَ إلَّاك.
8- من رضي بالمنكر في وأقرَّ نشرَه بين الناس والجهرَ به، ولم يحاول تغييره أثناء حياته، واستسلم لادعائات هواه الباطلةِ الزاعمةِ عجزِه عن تغييره، وغَّره طولُ الأمل، عامله الله بنيته بعد موته، فيذيعه الله له بعد الموت حتى يبلغ الآفاق، كما تركه بنفسه ينتشر وهو حيٌّ يُرزق، ولم يكن يتمعَّر له وجهُه في حياته، فيا ليت الإنسان يتعظ قبل فوات الأوان! فالعبرة بالحياة الآخرة، لا الدنيا المؤقتة..
فلا تغتروا بالدنيا وزخرفها، غَنَمٌ أسك..
وكله للاختبار فقط، وكله إلى زوال (وتبقى الذنوب والمعاصي كما هي)، فالكيِّسُ من دان نفسَه وعمل لما بعد الموت.
9- العاجزُ حقًا هو من عجز عن حماية صحيفة سيئاته بعد موته من أي إضافات تجِدُّ عليها، مهما قل شأنها ووزنها، سواء على الفيسبوك أو خارجه..
ألن يأت الله بما هو بمثقال حبة من خردل؟! 
أليس ميزان القيامة بالذرة؟! فعلامَ التهاون؟! وبِمَ؟! بجنة! أم بِنارٍ مَن زُحزِحَ عنها فقد نجا؟! 
ويوم القيامة يحتاج المرء لحسنة واحدة تُنزله من فوق جبل الأعراف فلا يجد...! حسنةٌ واحدة لو كانت معه أو سيئةٌ واحدة لو لم تكن معه، لكان مع أهل الجنة منعمًا مرتاح البال غير قلق على مصيره مع أهل الأعراف الحيارى، والعاجزُ حقًا هو من ترك حسم أمور فرائضه الشرعية أثناء حياته، واجتهد فيها بهوَى قلبه واستفتى فيها زلاتِ العلماء ، وأجَّلها وسوَّف فيها حتى انطرَحَ على الألواحِ في غُرفة الغُسْلِ والكفن يناديه واللحد ينتظره..
وهيهات للأمانيِّ حينَها.
10- أنفعُ الناسِ للمسلمِ بعد موته، هم الصحبة الصالحة في كل مكان.. 
صحبة تتحلى بالأخلاق النقية والعلم الصحيح، تحرسُ صحيفتك، وترعى مقامَك في قبرك بالدعاء وأنت جالس يا مسكين تستجمع إجاباتٍ لسؤالِ الملكين، صحبةٌ تحمي جثتك من النهش فيها، تستر قبيحك وتنشر محاسنك في الآفاق، وتبحث لك عما يضاعف أجرَك بعد وفاتك ويجعلك ترقَى في درجات الجزاء الطيبة ويرتقوا معك بحسن صنيعهم.. 
صحبةٌ تعرف الهَمَّ الحقيقي، هَمُّ الآخرة، وتسوقك لمقام المتقين بعون الله، بعد عجزك عن الأعمال بموتك..
تترفع عن اللَّمَم وتغض الطَّرفَ عن الخبيث، فلا تؤذيك أو تضاعف كَربَك تحت الأرض، فاصبر نفسك معهم واصطبر عليهم، مهما وجدت منهم من غلظة في حياتك، هُمُ المَغنَمُ لك..
حيًا وميتًا.
تلك عشرة كاملة..
فبادروا..
وحاسِبوا أنفسكم قبل أن تُحاسَبوا. 

شارك الخبر

روائع الشيخ عبدالكريم خضير