عنوان الفتوى : هل يتزوج من تطلقت لأجله ؟
أنا رجل متزوج منذ 13 سنة ، وعندي ثلاثة أولاد ، منذ حوالي سنتين وأنا منفصل عن فراش زوجتي ، علاوة على أن زوجتي أصبحت سمينة جدّاً ، ولا تهتم بنفسها !! تعرفت منذ سنة ونصف على امرأة متزوجة ، ووقعت هذه المرأة في حبي الشديد ، لدرجة أنها تركت زوجها وطفلتيها وتطلقت ، منذ طلاقها وهي ملتصقة بي التصاقاً شديداً ، حتى إنها قدمت من بلدها لتزورني هنا وتقيم معي لعدة أيام ( عائلتي موجودة في بلد آخر ) ، تتصل بي يوميّاً وعن طريق الإيميل ، اتفقنا مرات كثيرة على الزواج ، ولكنني أتراجع في كل مرة خوفا على أولادي وبيتي من الهدم ، ولكن بنفس الوقت فأنا أشفق عليها جدّاً ؛ لأنها ضحت بحياتها وبناتها من أجل سعادتنا معا ( رغم أنني لم أطلب منها الطلاق ) ، أريد أن أتزوج هذه المرأة ، ولكنني بنفس الوقت لا أستطيع نسيان أنها كانت زوجة لرجل قبلي وكانت تمارس معه الجنس ، أنا الآن ملتزم دينيّاً منذ رمضان ، ولا أفوِّت أي فرض صلاة في المسجد ، وأقرأ القرآن ، وأتصدق ، وأخلاقي أصبحت ممتازة مقارنة بما كانت عليه ، وأيضا هي أصبحت ممتازة جدّاً ، أخاف من الله أن أكون قد تسببت بهدم حياتها الأولى ، وأريد أن أعيش معها كزوجة ثانية ، ولكني أخاف على بيتي وأولادي من الهدم ، وأخاف أن لا أنسى زواجها الأول أرجوكم أرشدوني ، فتأنيب الضمير يقتلني ، ويفسد علي عبادتي ، علما أنني قادر ماديّاً على الزواج .
الحمد
لله
أولاً :
عجيب أمر هذا الانسان ، يرزقه الله سبحانه بيتا وأولاداً ؛ ثم
لا يقنع بعد ذلك إلا بإفساد بيوت الناس وهدم سعادتهم ، فليت
شعري ؛ عن أي سعادة يبحث ، وفي أي سبل الأهواء يسير ؟!
ثم تأمل ، أيها السائل الكريم في حالك ، فأنت لم تعد ترى من
زوجك وأم أولادك إلا أنها أصبحت سمينة جدا ، ولا تهتم بنفسها
!
فيا عجبا كل العجب ، من الشيطان حين يزين للإنسان ما حرم الله
عليه ، ويصده عما أحله الله له بكل سبيل !
ولمن تعتني زوجك بنفسها ، وأنت قد هجرت فراشها من زمن طويل ، ثم
لم تكتف بذلك حتى صرت تسكن ببلد ، وزوجك وأولادك ببلد آخر
؟!
أهكذا تكون البيوت ؟! أم هكذا يكون قيامك بشأن أسرتك ورعيتك
التي استرعاك الله عليها .
وإذا قدر أن رجلا لم تكفه زوجته الأولى ، أو قصرت في بعض شأنه ،
فقد أوسع الله علينا – نحن المسلمين – فأباح لنا أربعا من
الزوجات ، تقوم الواحدة منهن بإكمال نقص الأخرى ، في مقابل قيام
الزوج على أمورهن وأمور أبنائهن والعدل بينهن .
فسد حاجة النفس لا يكون بالنظر إلى ما من الله به على بعض الناس
، أو فضلهم به علينا ، من زوجة أو أولاد أو أموال : ( وَلا
تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ
لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ
مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ
اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً) النساء/32 .
وإذا كان الله تعالى قد من علينا من الحلال بما فيه الكفاية ،
فما حاجتنا إلى سبل الغواية في إعفاف النفس وسد حاجاتها .
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( لَيْسَ مِنَّا مَنْ خَبَّبَ امرَأَةً عَلَى زَوجِهَا أَوْ
عَبْدًا عَلَى سَيِّدِهِ ) . رواه أبو داود ( 2175 ) وصححه الألباني في
" صحيح أبي داود " .
وروى أبو داود ( 5170 ) – أيضاً - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ
: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (
مَنْ خَبَّبَ زَوْجَةَ امْرِئٍ أَوْ مَمْلُوكَهُ فَلَيْسَ
مِنَّا ) ، وصححه
الألباني في " صحيح أبي داود " .
قال الشيخ عبد العظيم آبادي – رحمه الله - :
( مَن خبَّب ) : بتشديد الباء الأولى ، أي : خدع وأفسد .
( امرأة على زوجها ) : بأن يذكر مساوئ الزوج عند امرأته ، أو
محاسن أجنبي عندها .
" عون المعبود " ( 6 / 159 )
.
وقال :
( مَنْ خَبَّب زوجة امرئ ) : أي خدعها وأفسدها أو حسن إليها
الطلاق ليتزوجها أو يزوجها لغيره أو غير ذلك
.
" عون المعبود "
( 14 / 52 ) .
وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - :
عن إمام المسلمين : خبب امرأة على زوجها حتى فارقته وصار يخلو
بها ، فهل يُصَلَّى خلفه ؟ وما حكمه ؟ .
فأجاب :
في المسند عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( ليس منا من
خبب امرأة على زوجها أو عبدا على مواليه ) فسعي الرجل في
التفريق بين المرأة وزوجها من الذنوب الشديدة ، وهو من فعل
السحرة ، وهو من أعظم فعل الشياطين ، لا سيما إذا كان يخببها
على زوجها ليتزوجها هو ، مع إصراره على الخلوة بها ، ولا سيما
إذا دلت القرائن على غير ذلك ، ومثل هذا لا ينبغي أن يولى إمامة
المسلمين إلا أن يتوب ، فان تاب تاب الله عليه ، فاذا أمكن
الصلاة خلف عدل مستقيم السيرة فينبغى أن يصلى خلفه ، فلا يصلَّى
خلفَ من ظَهَرَ فجوره لغير حاجة ، والله أعلم
.
" مجموع الفتاوى
" ( 23 / 363 ) .
وقال ابن القيم - رحمه الله - :
وقد لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم من فعل ذلك ، وتبرأ منه ،
وهو من أكبر الكبائر ، وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قد
نهى أن يخطب الرجل على خطبة أخيه وأن يستام على سومه : فكيف بمن
يسعى بالتفريق بينه وبين امرأته وأمته حتى يتصل بهما ، وعشاق
الصور ومساعدوهم من الديثة لا يرون ذلك ذنبا ؛ فإن في طلب
العاشق وصل معشوقه ومشاركة الزوج والسيد في ذلك من إثم ظلم
الغير ما لعله لا يقصر عن إثم الفاحشة إن لم يربُ عليها ، ولا
يسقط حق الغير بالتوبة من الفاحشة ، فإن التوبة وإن أسقطت حق
الله فحق العبد باق ، له المطالبة به يوم القيامة ، فإنَّ
ظُلْمَ الزوج بإفساد حبيبته والجناية على فراشه أعظمُ مِن ظلمه
بأخذ ماله كله ، ولهذا يؤذيه ذلك أعظم مما يؤذيه بأخذ ماله ،
ولا يعدل ذلك عنده إلا سفك دمه ، فيا له من ظلم أعظم إثما من
فعل الفاحشة ، فإن كان ذلك حقّاً لغازٍ في سبيل الله وقف له
الجاني الفاعل يوم القيامة ، وقيل له : خذ من حسناته ما شئت ،
كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم قال : فما ظنكم ؟!
أي : فما تظنون تبقى له من حسناته ، فإن انضاف إلى ذلك أن يكون
المظلوم جاراً ، أو ذا رحم محرم : تعدد الظلم ، وصار ظلما مؤكدا
لقطيعة الرحم وأذى الجار ، ولا يدخل الجنة قاطع رحم ، ولا من لا
يأمن جاره بوائقه .
" الجواب الكافي " ( ص 154 )
.
وإفساد الزوجة على زوجها ليس فقط بأن تطلب منها الطلاق ، بل إن
محاولة ملامسة العواطف والمشاعر ، والتسبب في تعليقها بك أعظم
إفساد ، وأشنع مسعى يمكن أن يسعى به بين الناس .
نعم – أخي السائل – لقد أتيت أمرا عظيما حين تعرفت على تلك
المرأة واتصلت بها حتى هدمت أسرتها ، كما أتت هي أيضا أمرا
عظيما حين تعلقت بغير زوجها ، حتى طلبت منه الطلاق ، فخربت
بيتها بيدها ، وسألت ما لا يحل لها .
عن ثوبان رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (
أَيُّمَا امرَأَةٍ سَأَلَت زَوجَهَا طَلَاقًا فِي غَيرِ مَا
بَأسٍ فَحَرَامٌ عَلَيهَا رَائِحَةُ الجَنَّةِ )
.
رواه الترمذي (
1187 ) وأبو داود ( 2226 ) وابن ماجه ( 2055 ) ، وصححه الألباني
في " صحيح أبي داود " .
ونحن إنما نرجو بهذا العتاب الشديد أن يقذف الله في قلب كل من
يقرأ هذا الجواب فظيع عاقبة التعدي على الحرمات ، والتساهل في
أمور الاتصال بالجنس الآخر والحديث إليه ، وقد أشرنا مرارا إلى
كلام أهل العلم في تحريم ذلك .
انظر ( 26890 ) ، (
52768 ) ، ( 66266 ) ، (
59907 ) .
كما نرجو أن يكون ذلك حافزاً لكما على إخلاص التوبة لله تعالى ،
والإنابة إليه ، وسؤال المغفرة منه سبحانه على ما فات ، وأخيرا
رد المظالم إلى أهلها .
واعلم – أخي الكريم – أن الله سبحانه يقبل التوبة عن عباده إذا
صدقوا فيها ، وأن باب رحمته مفتوح لا يغلق حتى تطلع الشمس من
مغربها ، بل كثيرا ما يكون العبد بعد المعصية والتوبة خيرا منه
قبلها .
يقول سبحانه وتعالى : ( قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ
أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ
اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ
هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ . وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ
وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ
ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ ) الزمر/53-54 .
ويقول عز وجل : ( إنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ
الْمُتَطَهِّرِينَ ) البقرة/222 .
ثانياً :
من شروط التوبة الصادقة رد المظالم إلى أهلها ، فإن المؤاخذة لا
تسقط حتى ترجع المظلمة ويأخذ المظلوم حقه في الدنيا قبل الآخرة
.
فالواجب على تلك المرأة الرجوع إلى بيتها ، ومحاولة الاعتذار
إلى زوجها السابق عن طريق بعض المقربين منهما ، ولو رفع الأمر
إلى القاضي لما أجاز أي عقد على تلك المرأة حتى تتوب وترجع إلى
زوجها .
جاء في " الموسوعة الفقهية " ( 5 / 251 ) :
وقد صرّح الفقهاء بالتّضييق عليه وزجره ، حتّى قال المالكيّة
بتأبيد تحريم المرأة المخبّبة على من أفسدها على زوجها معاملةً
له بنقيض قصده ، ولئلاّ يتّخذ النّاس ذلك ذريعةً إلى إفساد
الزّوجات . انتهى .
والزواج الذي يبدأ بمعصية الله تعالى لن يوفق في الغالب ،
وسينقلب نقمة على صاحبه .
فإذا عفا الزوج وسامح فالحمد لله ، وإن رفض ولم يقبل إرجاع
زوجته ، فلا حرج عليكما أن تتزوجا حينئذ ، مع استشعار الندم
وسؤال الله تعالى العفو والمغفرة .
وجمهور العلماء يرون صحة عقد من أفسد على رجل زوجته حتى طلقها
ثم تزوجها هو ، رغم إثم التخبيب – وهو القول الراجح - ، وخالف
في ذلك بعض أهل العلم من المالكية والحنابلة فأبطلوا العقد
.
ففي " الإقناع " ( 3 / 181 ) – وهو من كتب الحنابلة - :
وقال في رجل خبب امرأة على زوجها : يعاقب عقوبة بليغة ، ونكاحه
باطل في أحد قولي العلماء في مذهب مالك وأحمد وغيرهما ، ويجب
التفريق بينهما . انتهى .
وجاء في " الموسوعة الفقهية " ( 11 / 19 ، 20 ) :
انفرد المالكيّة بذكرهم الحكم في هذه المسألة ، وصورتها : أن
يفسد رجل زوجة رجل آخر ، بحيث يؤدّي ذلك الإفساد إلى طلاقها منه
، ثمّ يتزوّجها ذلك المفسد .
فقد ذكروا أنّ النّكاح يفسخ قبل الدّخول وبعده بلا خلاف عندهم ،
وإنّما الخلاف عندهم في تأبيد تحريمها على ذلك المفسد أو عدم
تأبيده ، فذكروا فيه قولين :
أحدهما - وهو المشهور - : أنّه لا يتأبّد ، فإذا عادت لزوجها
الأوّل وطلّقها ، أو مات عنها جاز لذلك المفسد نكاحها .
الثّاني : أنّ التّحريم يتأبّد ، وقد ذكر هذا القول يوسف بن عمر
كما جاء في شرح الزّرقانيّ ، وأفتى به غير واحد من المتأخّرين
في فاس .
هذا ومع أنّ غير المالكيّة من الفقهاء لم يصرّحوا بحكم هذه
المسألة ، إلاّ أنّ الحكم فيها وهو التّحريم معلوم ممّا سبق في
الحديث المتقدّم . انتهى .
وفي " كتب أئمة الدعوة النجدية " ( 7 / 89 ) :
سئل الشيخ عبد الله بن الشيخ محمد - رحمهما الله - : عن رجل خبب
امرأة على زوجها وتزوجها ؟ .
فأجاب :
نكاح الثاني الذي خببها على زوجها : باطل ، ويجب أن يفارقها ؛
لأنه عاص لله في فعله ذلك. انتهى .
ونرجو لكَ ، بحسن توبتك وصدقك مع الله تعالى أن يوفقك إن تزوجت
هذه المرأة ، إذا بدأت أولا بمحاولة إصلاح ما أفسدت من شأنها مع
وزجها الأول ، ولعلك بإعراضك عنها الآن ، وقطع صلتك بها ،
ونصحها بالعودة إلى زوجها ، تعمل على الاصلاح بينهما وتسارع إلى
التكفير عما اقترفت .
وأما أن المرأة الثيب كانت زوجة لغيرك ، وكان بينهما ما يكون
بين المرء وزوجه ، فهذا هاجس لا قيمة له في واقع الأمر ؛ فالذي
يأنف الحر منه أن تكون امرأة لوثت نفسها بعشرة في الحرام ، وأما
ما أحله الله له لعباده وشرعه لهم ، فلا وجه للأنفة منه
!!
قال الله تعالى : ( عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ
يُبْدِلَهُ أَزْوَاجاً خَيْراً مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ
مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ
ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَاراً) (التحريم:5) ؛ فجعل الله تعالى
النعمة بزواج الثيب ، كالنعمة بزواج البكر .
ثم ما تخشاه من ضياع أولادك ، هو وارد في كل زيجة تفكر فيها ،
بعد زواجك الأول ؛ والذي نرجوه أنك ، إذا تزوجت هذا المرأة أو
غيرها ، ألا تبني بيتا جديدا على أنقاض بيتك الأول ، الذي فيه
زوجك الأولى وأولادك ؛ بل الواجب على من أراد خوض تلك التجربة
أن يكون عنده من الحكمة والكياسة ما يعينه على تدبير أمر بيته ،
وسياسة رعيته ، وأن يكون عنده من العدل بين نسائه ، وإعطاء كل
ذي حق حقه ، ما لا يبقي عليه تبعة لأحد ، ولا مظلمة يطلبه بها
عند ربه .
قيل لرجل من العرب كان يجمع الضرائر: كيف تقدر على
جمعهنّ؟
قال: كان لنا شبابٌ يصابرهنّ علينا، ثم كان لنا مالٌ يصبّرهنّ
لنا، ثم بقي خلق حسن، فنحن نتعاشر به ونتعايش
[ عيون الأخبار 1/396] .
ونسأل الله لنا ولكما العفو والتوفيق
والله أعلم