عنوان الفتوى : هذه العلاقة أخوة في الله أم علاقة غير شرعية؟
العبد الضعيف شاب متدين ( والحمد لله ) أدرس في جامعة ، في بلد عربي مسلم ، حاد فيه الشباب كثيرا عن الدين ، وأصبح من الصعب أن تجد الصحبة الصالحة كما أوصانا الرسول عليه الصلاة والسلام ، وكما ورد في القرآن الكريم ، تعرفت منذ فترة على فتاة متحجبة كانت السبب في هدايتي ، فكنا لا نلتقي في الحافلة أو في الجامعة إلا لنتحدث عن الدين وعن حبنا لله ، ونشجع بعضنا على حفظ القرآن وقيام الليل ، وننهى بعضنا عما حرم الله من خوض في الباطل ، وغيرها من الأخطاء التي قد يقع فيها العبد دون أن يشعر ، فأصبحت أشتاق لملاقاتها ؛ لأني أجد في الحديث معها تقوية لإيماني ، ورقيبا يعينني على نفسي ، ولكني أقف حائرا في تصنيف هذه العلاقة ، ومترددا بين أن أحافظ عليها أو أن أقطعها ، فهي ليست من أقربائي . فهل لي أن أعتبرها أختي في الإسلام ؟ وهل يباح لي الحديث معها في الحافلة أو في الجامعة ؟ وهل يجوز لي أن أنظر إلى وجهها ؟.
الحمد لله.
يخطئ كثير من الناس حين يظن أحدهم أن صعوبة الزمان وقلة الإخوان وفساد الأحوال تسمح له أن يسلك مسالك الردى ، ويقع في حبائل الشيطان .
نعم ، احذر - أخي السائل - أن يُلَبِّس عليك الشيطان ، فيصور لك المعصية في صورة الطاعة ، ويأتيك من الباب الذي تظن أنك قد أغلقته عليه ، فإن الشيطان لا يزال يطرق أبواب الضلالة ليفتحها على عباد الله إلى أن يوقعهم في شراكه .
ألم تسمع قول الله تعالى : ( قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لآَتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ ) الأعراف/16، 17 .
قال ابن الجوزي رحمه الله في "تلبيس إبليس" (ص 52) :
" وإنما يدخل إبليس على الناس بقدر ما يمكنه ، ويزيد تمكنه منهم ويقل على مقدار يقظتهم وغفلتهم ، وجهلهم وعلمهم .
واعلم أن القلب كالحصن ، والشياطين لا تزال تدور حول الحصن تطلب غفلة الحارس .
فينبغي للحارس أن يعرف جميع أبواب الحصن الذي قد وُكِّلَ بحفظه ، وأن لا يفتر عن الحراسة لحظة ، فإن العدو ما يفتر .
قال رجل للحسن البصري : أينام إبليس ؟
قال : لو نام لوجدنا راحة ! " انتهى باختصار .
والحال التي تسأل عنها هي من حبائل الشيطان ، فكم من نيران اشتعلت في قلوب الشباب وكان أولها شرارة من نظرة أو ابتسامة أو لقاء ومحادثة ، وكثيرا ما يكون ذلك بحجة الصحبة والمناصحة والدعوة إلى الله !!
فالشريعة الحكيمة حين حرمت الاختلاط بين الرجال والنساء ، وخلوة الرجل بامرأة أجنبية عنه ، ونظره إليها ، ومصافحته لها ، نظرت إلى مآلات الأمور والمفاسد التي تنتهي إليها ، والله سبحانه وتعالى خالق البشر ، وهو أعلم بما يصلح نفوسهم وما يفسدها .
وقد قال صلى الله عليه وسلم : ( لا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلا كَانَ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ ) رواه الترمذي ( 2165 ) وصححه الألباني ( 1758 ) .
" وَالْمَعْنَى : يَكُونُ الشَّيْطَانُ مَعَهُمَا يُهَيِّجُ شَهْوَةَ كُلٍّ مِنْهُمَا حَتَّى يُلْقِيهمَا فِي الزِّنَا " انتهى من "تحفة الأحوذي" .
وعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أن جَارِيَةً شَابَّةً مِنْ خَثْعَمٍ أتت النبي صلى الله عليه وسلم وَاسْتَفْتَتْهُ وكان الفضل بن العباس رديفه على البعير (يركب خلفه) فَلَوَى عُنُقَ الْفَضْلِ .
فَقَالَ الْعَبَّاسُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، لِمَ لَوَيْتَ عُنُقَ ابْنِ عَمِّكَ ؟
قَالَ : رَأَيْتُ شَابًّا وَشَابَّةً فَلَمْ آمَنْ الشَّيْطَانَ عَلَيْهِمَا . رواه الترمذي (885) وحسنه الألباني في صحيح الترمذي ، والحديث أصله في الصحيحين .
وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة (12/163) :
" اختلاط الرجال والنساء في التعليم حرام ومنكر عظيم ؛ لما فيه من الفتنة وانتشار الفساد وانتهاك الحرمات ، وما وقع بسبب هذا الاختلاط من الشر والفساد الخلقي من أقوى الأدلة على تحريمه " انتهى .
وسئلت اللجنة أيضا (17/66) السؤال التالي :
" ما حكم الشرع في الصداقة مع الجنس الآخر ، مع العلم أن هذه الصداقة شريفة عفيفة يعلم بها الجميع وليست في الخفاء ؟
فأجابت :
" هذا من أعظم المحرمات ، وأشد المنكرات ، فلا يجوز للمرأة أن تصادق الرجال الذين ليسوا من محارمها أو العكس ؛ لأن ذلك وسيلة إلى الفتنة والوقوع في الفاحشة " انتهى .
وأما النظر إلي وجهها ، فقد سبق في جواب السؤال (1774) أن تعمد النظر إلى المرأة الأجنبية حرام .
فالنصيحة لك أن تحسم موقفك من هذه العلاقة ، فإما أن تختارها زوجة لك ، إن كانت هذه الفتاة ذات دين وخلق ، وكنت قادراً على الزواج منها ، وإما أن تقطع علاقتك بها ، وتغلق هذا الباب ، فإنه باب شر وفساد ، فلا تفتحه على نفسك فتندم حين لا ينفع الندم .
وانظر الأسئلة : (1200 ) (33702) .
والله أعلم .