عنوان الفتوى : هل يقيم الأب الحد على ابنته إذا زنت ؟
ما حكم الفتاه التي ثبت زناها وما يجب شرعا علي وليها الشرعي في وقت تعطل فيه إقامة الحدود وهل يجب عليه إقامه الحد بنفسه عليها أم يحبسها في بيته حتي يقضي الله أمرا
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإنه قبل أن نبين مسألة إقامة الحد على الزاني أو الزانية، ومن يقيمه، لابد أن نتأكد من ثلاثة أمور:
1/ أن لا تكون الفتاة مكرهة على الزنى، فإن أكرهت فلا شيء عليها.
2/ أن يكون هناك وطء حقيقي في الفرج قبلاً، أو دبراً، فما دونه ليس زنى.
3/ أن يثبت الزنى، وإثباته لا يكون إلا بأحد ثلاثة أمور:
- اعتراف الزاني نفسه بزناه، وإصراره على الاعتراف، لما روي أنه صلى الله عليه وسلم أقام الحد على ماعزٍ والغامدية، لما أقرّا بالزنى، كما روى ذلك الشيخان، وأحمد، والترمذي، وغيرهم.
- شهادة أربعة رجال بأنهم شهدوا الوطء، لقوله تعالى: ( لولا جاؤوا عليه بأربعة شهداء، فإذ لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون) [النور: 13]. وقوله عزّ وجلّ: (واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم) [النساء: 15].
- القرائن على الزنى، مثل: اكتشاف حمل امرأة لا زوج لها، ثم لم تنكر هي الزنى، ولم تكن بعدُ عذراء ، فقد رُوي عن سعيد أن امرأة رُفعت إلى عمر ليس لها زوج وقد حملت، وسألها عمر، فقالت: إني امرأة ثقيلة الرأس، وقع علي رجل وأنا نائمة، فما استيقظت حتى نزع، فدرأ عنها الحدّ، ورُوي عن علي وابن عباس أنها قالا: إذا كان في الحد "لعل"، و"عسى" فهو معطَّل.
فإذا ثبت الزنى بواحد أو أكثر مما ذكرنا، فمن هو الذي يملك إقامة الحد؟
نقول: أجمع الفقهاء على: أن الحدود لا يقيمها إلا الإمام (الحاكم)، أو نائبه، فلا يقيمها أب، أو زوج، أو قريب، أو جماعة.
فإن كانت الفاحشة المرتكبة حصلت برضا الفتاة - وهي بالغة مكلفة- فقد أثمت، وارتكبت كبيرة، قال تعالى: (ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلاً) [الإسراء: 32].
وما على الفتاة إلا أن تتوب إلى ربها سبحانه توبة نصوحاً عسى الله أن يكفر عنها هذه الكبيرة، وأن تكثر من عمل الصالحات، فإن التوبة واجبة من كل ذنب، قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحاً..) [التحريم: 8].
وعلى الأب والأهل أو من اطلع على الأمر أن يستر فلا ينشر، ولا يفضح، فقد روى أبو داود بإسناد صحيح، وأحمد، والنسائي قوله صلى الله عليه وسلم: "إن الله تعالى حيي ستّير، يحب الحياء والستر.."، وقال صلى الله عليه وسلم: "من ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة" متفق عليه.
فمن لم يكن داعياً إلى الذنب: كأن يشرب مسكراً، أو يزني، أو يفجر متخوفاً متخفياً غير متهتك، ولا مجاهر، ولا معتاد، فإنه يندب له أن يستره، ولا يكشفه للعامة أو الخاصة، ولا للحاكم أو غير الحاكم.
وعلى ولي أمر الفتاة أن ينصحها - بغير فضيحة- ويخوفها من غضب الله، ويرغبها في عفو الله ومغفرته، ثم يبحث عن سبب وقوع الفتاة في هذه الجريمة، ويعالج الأمر بحكمة وتوكل على الله تعالى، ودعاء إليه بالحاح، فقد يكون هو - بإهمال أو نحوه- السبب في انحرافها.
قال الفضيل بن عياض: المؤمن يستر وينصح، والفاجر يهتك ويعير.
والله أعلم.