عنوان الفتوى : السينما والمسرح …رؤية شرعية
بسم الله الرحمن الرحيم
تحية طيبة و بعد،
ما حكم رؤية الأفلام السينمائية التي تخلو من المناظر الساقطة و الخليعة والتي يكون موضوعها عن قتال أو حرب أو غير ذلك ؟ وجزاكم الله خيرًا
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله:
مشاهدة الأعمال الفنية كالأفلام والمسرحيات ،الأصل فيها الإباحة مادامت أنها لا تعرض شيئًا منافيًا لآداب الإسلام مما نراه الآن ،كالتحريض على الرذيلة ،وإثارة الفتنة عن طريق الجنس،فإن مثل هذا اللون يحرم،أما إن كانت تعرض للفضيلة ،ولمكارم الأخلاق ،والمبادئ الإنسانية العامة ،فلا مانع من مشاهدتها،مع غض البصر عما حرم الله تعالى.
ولم يكن الإسلام يومًا ما يحارب الفن ،بل شجع عليه ،في إطار يتواءم مع الفطرة الإنسانية النظيفة ،فالفن أداة لو أحسن استغلالها ،لعدت من أوائل الأعمال الصالحة في زماننا ،بل على المسلمين أن يدخلوا هذا المجال ،ولا يغفلوه ،و لا يترك لأعداء الدين والإنسانية ،وأن يجعلوه وسيلة للإصلاح،فساعتها يتغير كثير من ملامح المجتمع المسلم ،فماأحوجنا إلى الأفلام والمسلسلات التي تعرض حياة المصلحين والمجاهدين !
كما أن المجتمع في حاجة إلى عرض الأخلاق الحميدة ،وتاريخ الإسلام ،وحل مشكلات المجتمع عن طريق هذه الأداة الفعالة ذات التأثير الكبير في طبقات المجتمع على اختلافها.
يقول الدكتور أحمد الشرباصي -الأستاذ بجامعة الأزهر -رحمه الله :
السينما لون من ألوان التمثيل المعروف بين الناس، وإن كانت السينما تَعتمد على الصورة أكثر من المسرح، والمراد من التمثيل ـ كما يقرِّر أهلوه ـ هو عرض مشاهد الحياة والأحياء بصورة تحليلية، بقصد تجسيم الأخطاء لتجنُّبها وتمجيد الفضائل للاستمساك بها، وضرب الأمثال والعبر بطريق فنِّي، لا يظهر فيها الوعظ أو الإرشاد إلا بطريق الإيحاء، أو بطريق غير مباشر فإذا حقق التمثيل هذا الهدف الجليل ـ سواء أكان تمثيلاً مسرحيًا أم سينمائيًا ـ في حدود الآداب العامة والذَّوْق السليم والابتعاد عن إثارة الغرائز وكشف العورات والخروج على الوقار والحياء، فإنه لا يوجد في الدين ـ حسبما نفهم، والله أعلم ـ ما يمنع من مشاهدة هذا التمثيل.
أما إذا تضمن التمثيل ـ سواء أكان سينمائيًا أو مسرحًا ـ إثارة للغرائز، أو تهجُّمًا على العقائد، أو تطاولاً على الفضائل، أو تحبيبًا في الرَّذائل، أو عرْضًا لما لا يجوز عرْضه أو إبداؤه أو كشْفه، فإن التمثيل في هذا الوضع يكون حرامًا؛ لأنه يؤدي إلى الفساد أو الشر، وما يؤدِّي إلى الحرام فهو حرام، أخْذًا بالمبدأ المعروف في الدين، وهو مبدأ سدِّ الذرائع.
وأما عن رأي علماء الأزهر الشريف في السينما فالذي أفهمه هو أنهم يَعُدُّون السينما سلاحًا ذا حدين: يُحسن بعض الناس استخدامه، فينفعون به الأمة والوطن، ويَخْدُمُون به الدِّين والأخلاق الفاضلة، فيكون في هذه الحالة خيرًا وبركة؛ ويُسيء بعض آخر من الناس استخدام هذا السلاح الخطير، فيُحَرضون به على الجريمة أو الرذيلة أو التحلل أو غير ذلك من وجوه الانحراف الحسِّي أو النفسي أو الأخلاقي أو الاجتماعي، فيُصبح هذا السلاح بلاءً ووباء، ويسبب الكثير من العِلل والبلايا.
ونحن في أشد الحاجة إلى الانتفاع بسلاح السينما في خدمة الدين والقيم الأخلاقية والمبادئ الروحية، وفي خدمة الروح الوطنية، وفي خدمة الأمة بتعليمها وإرشادها إلى طرق العِزَّة والقوة والكرامة، ويتمنَّى علماء الأزهر الشريف لو استجاب المسئولون عن السينما في شرق الأرض وغربها لصوت الدين والأخلاق والوطنية فأكثروا من الأفلام القوية الجادة العفيفة النظيفة التي تقوِّي جوانب الخير والفضيلة في الإنسان.
ويتمنَّون كذلك لو قامت علاقة طيبة بين علماء الدين ورجال الفن على أساس الاعتزاز بمبادئ الدين، والارتفاع بمستوى الفن، ولذلك أُكرِّر منذ عهد بعيد قولي: إذا تديَّنَ رجل الفنِّ وتفنَّنَ رجل الدين التقيا في منتصف الطريق لخدمة العقيدة الكريمة والفنِّ السليم.
والله أعلم