عنوان الفتوى : تعقيب على كتاب الحقيقة الغائبة
أريد أن أسأل فضيلتكم عن رأيكم بكتابات الدكتور فرج فودة رحمه الله حيث طالعت له مؤخراً كتاب الحقيقة الغائبة وهالني ما فيه وهو فيما يدعي يستند إلى مراجع وكتب لها وزنها في التاريخ الإسلامي، أرجو التوضيح؟ وجزاكم الله كل خير.. ونفعنا بعلمكم.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فليس لنا من الوقت ما يكفي لمطالعة متفحصة لكتاب (الحقيقة الغائبة) للدكتور فرج فودة، ولكن صفحات هذا الكتاب كلها يريد الكاتب أن يبرهن فيها على أن تطبيق الشريعة الإسلامية ليس وسيلة للإصلاح، وليس فيه حل للمشاكل، ونقول لك في هذا إن التحاكم إلى شرع الله تعالى من لوازم الإيمان قبل أن ننظر فيما إذا كان سبباً للإصلاح أم لا، قال الله تعالى: فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا {النساء:65}، ثم اعلم أنه يجب على العباد إفراد الله عز وجل بالتشريع كإفراده بالعبادة، قال الله تعالى: إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ {يوسف:40}، والله تعالى قد حكم بالكفر على من حكم بغير ما أنزل الله، وحكم عليه بالكفر والظلم والفسق في آيات سورة المائدة: وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ {المائدة:44}، وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ {المائدة:45}، وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ {المائدة:47}، وهذا الكفر متردد بين أن يكون كفراً أصغر أو كفراً أكبر، بحسب حال الحاكم، وقد بينا تفصيل ذلك في فتاوى سابقة، فلتراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 1808، 6572، 32864، 33662.
ثم إن تقوى الله وتطبيق أوامره هو أولى الأسباب بالإصلاح وحل المشاكل، كما ورد في آيات كثيرة وأحاديث نبوية صحيحة، قال عز وجل: وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ {الأعراف:96}، وقال تعالى عن أهل الكتاب: وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيهِم مِّن رَّبِّهِمْ لأكَلُواْ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم {المائدة:66}، ومعلوم أن من جوالب الرزق وحل المشاكل التقوى والاستغفار من الذنوب والمعاصي، فقد ذكر الله تعالى أنه قال نوح لقومه: فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا* يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا* وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا {نوح:10-11-12}، وقال جل وعلا: وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا* وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ {الطلاق:3}، وأخرج أحمد وابن ماجه عن ثوبان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه.
والحاصل أننا نحذرك من هذا الكتاب ومن أمثاله، فإن الله تعالى قد نهى نهياً شديداً عن اتباع هوى النفس، فقال سبحانه وتعالى: إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنفُسُ {النجم:23}، وقال أيضاً: وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ {ص:26}، وقال تعالى: أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ {الجاثية:23}.
والله أعلم.