عنوان الفتوى : الحكمة من إخفاء الله تعالى الغيب عن عباده
جاء في الاية الشريفة (وما كان الله ليطلعكم على الغيب )آل عمران 179 ما الحكمة من إخفاء الغيب؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
وقد بين في مواضع أخر أنه يطلع بعض من شاء من خلقه على ما شاء من غيبه، كمن اصطفاهم لإبلاغ رسالاته من الملائكة والناس قال تعالى: عَالِمُ الغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا {الجنّ:26-27}. وقال في هذه الآية: وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ{آل عمران: 179}
وأما الحكمة من إخفاء الله تعالى الغيب عن عامة الناس فهي ذات أوجه عدة منها:؛ تحقيق اختصاص الله بالغيب وبقاء المكلفين في دائرة الامتحان والابتلاء إذ لو علموا الحقائق المستقبلية لتكاسلوا عن السعي والتسبب، ومنها أيضا: راحة قلوب العباد من هم ومكابدة مصير الأمور فلو علم الإنسان أنه سيموت بعد مائة سنة في الوقت الفلاني المحدد لما طاب له عيش. قال الأستاذ سيد قطب رحمه الله تعالى في الظلال:
كذلك ما كان من شأن الله - سبحانه - أن يطلع البشر على الغيب، الذي استأثر به، فهم ليسوا مهيئين بطبيعتهم التي فطرهم عليها للاطلاع على الغيب، وجهازهم البشري الذي أعطاه الله لهم ليس "مصمما" على أساس استقبال هذا الغيب إلا بمقدار. وهو مصمم هكذا بحكمة. مصمم لأداء وظيفة الخلافة في الأرض. وهي لا تحتاج للاطلاع على الغيب. ولو فتح الجهاز الإنساني على الغيب لتحطم. لأنه ليس معدا لاستقباله إلا بالمقدار الذي يصل روحه بخالقه، ويصل كيانه بكيان هذا الكون. وأبسط ما يقع له حين يعلم مصائره كلها، ألا يحرك يدا ولا رجلا في عمارة الأرض، أو أن يظل قلقا مشغولا بهذه المصائر، بحيث لا تبقى فيه بقية لعمارة الأرض !
من أجل ذلك لم يكن من شأن الله سبحانه، ولا من مقتضى حكمته، ولا من مجرى سنته أن يطلع الناس على الغيب.اهـ
هذا، وننبه إلى أن الله تعالى قد أتاح لنا الفرصة للاطلاع على أفضل علم وهو علم الكتاب والسنة فبين لنا فيه ما نحتاج له وحجب عنا ما لا نحتاج للاطلاع عليه من الغيب، فتعين علينا الاهتمام بما تعبدنا بالاطلاع عليه فلنشغل أوقاتنا ولنصرف همنا في حفظه ومطالعته وتدبره، فان أفضل الأعمال الاشتغال بتعلم ما نزل به الوحي على الأنبياء والمرسلين، وهو الذي أقام الله به حجته، وهدى به أنبياءه ورسله وأتباعهم به، وامتن به عليهم فقال: [كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آَيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الكِتَابَ وَالحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ* فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ] {البقرة:151- 152}
وقال: وَأَنْزَلَ اللهُ عَلَيْكَ الكِتَابَ وَالحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا {النساء:113} .
وقال: لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى المُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتَابَ وَالحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ {آل عمران:164}
وقال: هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتَابَ وَالحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ {الجمعة:2}
والله أعلم.